اس العصبي للغة


من الأهمية بمكان أن نعرف أين وكيف يعالج الدماغ العمليات اللغوية كالقراءة والكتابة والكلام وغيرها من العمليات المتعلقة باللغة من قريب أو بعيد. 
إن اللغة هي إحدى ركائز الفكر البشري إن لم تكن أهمها على الإطلاق.. وهي  الوسيلة الرئيسة التي  يقوم الأفراد بواسطتها  بتشكيل أفكارهم ونقلها للآخرين. إنها تلعب دورا في تحليل العوالم من حولنا وفي المنطق وفي حل المشاكل وفي تخطيط الأفعال. وهي تتيح لنا أن ننقل ذكريات الماضي والمعتقدات عن المستقبل لإشراك الآخرين في الأحداث التي لم تأت بعد وللتعبير عن العلاقات بين الأحداث. 
إن اللغة جزء  لا يتجزأ، لا غنى عنه، من الثقافة الإنسانية وبدونها لا يمكن للقضاء والتجارة والعلم والجهود الإنسانية الأخرى أن توجد بالأشكال التي نعرفها. إنها موضوع الجمال في ذاتها. هي مزيج من القوة الدلالية والفنية التي يمكن أن تجعل سور القرآن وآياته  من أجمل الكتابات وكذلك أشعار المتنبي وغيره من الشعراء في اللغة العربية مثلا.
إن اللغة أمر حيوي لنجاح الفرد.  والأمراض التي تؤثر في اللغة يمكن أن تشل أي شخص في أسرته أو في فئته الاجمتاعية.  إن الأبحاث الحالية تحرز تقدما في فهم اللغة وأساسها العصبي  وكيفية النجاح في التدخل أثناء الاضطرابات اللغوية. وفي هذه العجالة سنحاول أن نلقي الضوء على الأساس العصبي لعمليات اللغة في الدماغ البشري وكذلك المناطق التي تنشط عند أداء اللغة وتأثير أمراض الدماغ على الأداء اللغوي وبعض الاستنتاجات الطبية والقانونية والتربوية.


العمليات اللغوية : 
معالجات اللغة في الدماغ تفعل الترميزات اللغوية للتحدث والفهم والقراءة والكتابة بطريقة سريعة ودقيقة ورائعة جدا. فمثلا عندما نتحدث نختار كلمات وفقا لما نعتقد أننا سوف نوصل المعنى الذي نقصده للمستمع أو المتلقي. نضع الأصوات لكل كلمة. ونبني هيكلا نحويا  يربط الكلمات ببعضها البعض وكذلك نبني حدودا نغمية لإيصال أو نقل البناء النحوي. 
كل هذه المعلومات تترجم  إلى حركة الفم والفكين واللسان والحنك والحنجرة وأجهزة نطق أخرى تنظم كلا على حدة وعلى أساس مليون من الثانية  لكي ننتج حوالي ثلاث كلمات في الثانية أو صوت واحد بمعدل كل عُشُر من الثانية. إلا أننا حتى الآن نقدم حوالي صوت واحد خطأ  لكل مليون صوت وكلمة واحدة خطأ لكل مليون كلمة.


مشاهدة الدماغ أثناء التحدث والإنصات 
لقد حاول العلماء، منذ أكثر من قرن من الزمان،  أن يفهموا عمل الدماغ وكيف يتعلم الدماغ  ويخزن المعلومات ويعالج اللغة. إن المهمة صعبة لأنه لا يوجد  حيوانات لها أنظمة رموز يصل إلى درجة اللغة كما اللغة عند الإنسان. ولذلك، ولمدة طويلة،  معظم المعلومات عن اللغة وكيف يعالج  الدماغ اللغة تأتي من دراسات  لأشخاص عانوا من أمراض عصبية أو اضطرابات عصبية. وفي العقد الماضي، أتاحت وسائل تقنية مثيرة جديدة الفرصة لتصوير الدماغ الطبيعي أثناء إنتاج ومعالجة اللغة. فما كان يأخذ من العلماء عقودا لتعلمه حيث كانوا ينتظرون الفرصة لفحص مرضى الدماغ إلى ما بعد الوفاة ، يمكن الآن تناوله في أشهر قليلة باستخدام  التصوير المقطعي وتحليلات للرسومات البيانية الخاصة والفنية والتصويربالرنين المغناطيسي، والتصوير الطبقى المغناطيسي وغيرها من الأدوات والتقنيات.


ثنائية النصف الأيمن والنصف الأيسر
كما هو الحال بالنسبة  لسائر القدرة الوظيفية،  فإن أجزاء من الدماغ متخصصة في اللغة. للدماغ نصفان متطابقان تقريبا وهما – النصف الأيسر والنصف الأيمن. ونحن نعرف الآن أن هناك فروقات بسيطة في أحجام بعض مناطق في النصفين. وهذه الفروقات يمكن أن تشكل الأساس الأول والرئيس لتخصص الدماغ اللغوي – أي تمركز اللغة في النصف الأيسر.

وفي حوالي 98% من أصحاب اليد اليمنى ينجز النصف الأيسر معظم مهام معالجة  اللغة وإنتاجها. وعند غيرهم، الذين يستخدمون اليد اليسرى أوكلتا اليدين، في الغالب  تكون وظائف اللغة من اختصاص النصف الأيمن من الدماغ.  وهناك دلائل تشير إلى أن تمركز وظائف اللغة يختلف في الذكور عنه في الإناث. 
وهناك أيضا دلائل تشير إلى أن النصف غير السائد يرتبط أساسا بالمهام التي  تتجاوز مجرد خطوة أساسية من وظائف اللغة التي تربط الشكل بالمعنى الحرفي. وهي تشمل تحديد الحالة الإنفعالية للمتحدث من خلال نبرة صوته أو صوتها وتقدير النكتة والتشبيه أيضا.

 

شكل 1
رسم توضيحي ومقطع جانبي  لمناطق النصف الأيسر (منطقة اللغة) التي تحيط بشق سيلفيان ( المنطقة الداكنة من الأسفل) د. كابلان  (بتصرف)


داخل  النصف المهيمن:
إن تخصص الدماغ الرئيس الثاني اللغوي يقع في النصف الأيسر. إن جزءا صغيرا  نسبيا من لحاء المخ هو فقط  المسؤول عن معالجة اللغة. تقع هذه المنطقة حول شق سيلفيان (الطبقة العميقة في الدماغ الواقعة بالتوازي مع وفوق خط من الزاوية الخارجية للعين إلى منتصف الأذن) وتتألف من رابطة اللحاء المتقدمة. ويبدو أن هذه المنطقة  مسؤولة عن لغة الإشارة وكذلك اللغة المحكية. وطريقة استخدام اللغة تمارس  بعض التأثير ولكن  اللغة المكتوبة ربما تشتمل على  المناطق الأقرب إلى اللحاء البصري. ولغة الإشارة تجند  مناطق قريبة من تلك المناطق المتعلقة  بالقدرة على تحديد مواقع الأجسام  في الفضاء.
هل يمكننا أن نكون أكثر تحديدا أي  أين بالضبط - في  منطقة اللغة هذه-  تتم  العمليات اللغوية خاصة ؟ أين نحن من تفعيل أصوات لكلمات محددة أو حساب لمعنى جملة؟ لا أحد يملك على وجه التحديد إجابة لهذا السؤال. ومنذ بدايات الأبحاث والتحقيقات  في  الموضوع، يعتقد  بعض العلماء والباحثين أن  منطقة اللغة تعمل بصورة عامة كوحدة واحدة. وبينما آخرون التزموا بفكرة أن محركات لغة بعينها إنما تقع في أجزاء معينة في  هذه المنطقة.
إن المعلومات والبيانات المتوفرة تشير إلى سبب هذا الخلاف ولماذا استمر طويلا. لقد درسنا أنواعا مختلفة من التلف اللغوي. كان من بينها قدرة  أحد المصابين على بناء وتركيب جمل سليمة نحويا  أي القدرة على بناء جملة\  القط الذي طارد الفأر أكل الجبنة\ أي أنه على الرغم من تسلسل الكلمات (الفأر أكل الجبنة)،  فهم أن القط وليس الفأرالحيوان الذي قام بفعل الأكل. لقد وجد أن تلفا لأي جزء من منطقة اللغة يمكن أن يؤثر على القدرة على تعيين البناء القواعدي السليم. بل كان هناك دليل على تلف خفيف في معالجة البناء النحوي  بعد حدوث الجلطات في النصف الأيمن، رغم  أن الأثر كان أقل بكثير  بعد الخلل منه في النصف الأيسر.  
وهذا يوحي إلى أن هناك شيئا من الحقيقة لفكرة  أن جميع اللغات تشترك في منطقة المعالجة النحوية. ولكن عندما قام العلماء بدراسة مناطق المخ  التي زاد فيها تدفق الدم بينما كان أفراد طبيعيون يقرأون  جملا معقدة التركيب النحوي،  لم يشهد سوى جزء صغير من هذه المنطقة زيادة النشاط  الأيضي. وهذا يوحي إلى أن هناك شيئا من التخصص في مجال اللغات التي تشارك في المعالجة النحوية.
قد تكون الصورة أكثر تعقيدا  لأن ما ينطبق على المعالجة النحوية قد لا يكون صحيحا بالنسبة لعمليات لغوية اخرى. عندما تمت دراسة العجز في القدرة على تحويل الأمواج الصوتيه التي تصل الى الأذن إلى أصوات الكلام ، وجد ان الجلطات التي تعرقل هذه العملية تميل الى احتلال منطقة اللحاء القريبة  الى اللحاء السمعي الأساسي. وهذا كان مختلفا تماما عن النمط المشاهد بشأن معالجة اضطرابات المعالجة النحوية ، حيث قامت الجلطات  في كثير من المناطق بإعاقة هذه المهمة.
إن الإختلاف في الدراسات قد يكون أكبر لأن المناطق مرتبطة أكثر في العمليات المجردة - مثل حوسبة النحو – بينما المناطق الأصغرالتي هي أقرب إلى اللحاء الحسي ترتبط بالعمليات التي هي أقرب إلى معالجة حسية أبسط. وهكذا تجميع قطع اللغز معا لكيفية  تنظيم الدماغ لدعم اللغة قد تكون مهمة معقدة جدا. وتطبيق تقنيات التصوير الجديدة ستنتقل بالأبحاث في هذا المجال بأكبر سرعة عرفها التاريخ. 
إن نظام اللغة متصل بأنظمة فكرية وحركية أخرى. الأفراد يستخدمون اللغة لإطلاع الآخرين ولطلب المعلومات ولإنجاز الأمور، إلخ. والآليات التي تؤدي إلى استخدام لغة ما تتطلب التحفيز والإثارة. 
لقد قدمت الدراسات الفنية في التصوير العصبي أدلة قوية على أن مناطق مثل الفصوص الأمامية (الجبهية)frontal lobes والأبنية العميقه في الدماغ  مثل التلفيفة الدائرية\الحزاميةcingulate gyrus  تصبح ناشطة أثناء العديد من المهام اللغوية. 
ولعل هذه الأبنية متصلة بمستوى الإثارة اللازمة لتفعيل معالجات اللغة. عندما يبدأ استخدام اللغة ، يجب تنظيمها ورصدها في الوقت المناسب. إن آليات التوقيت ذات الصلة قد تكمن في المخيخ وفي المادة الرمادية اللحائية التحتية التي ثبت نشاطها مؤخرا أثناء العديد من المهام اللغويه وتؤدي الى خلل أو تلف عندما تجرح أو تتعرض للإصابة.


مناطق اللغة الرئيسة :
•    منطقة بروكا

 

شكل 2
رسم بياني للمرات المتعلقة باللغة


مع أن وظيفتها ليست محدودة، إلا أن معظم الدراسات تتفق على  أن هذه المنطقة  من الفص الجبهي في النصف المهيمن هي متعلقة في المقام الأول بإنتاج الكلام. إن مهمتها عادة تتعلق بالحفاظ على لائحة الكلمات وأجزاء كلمات تستخدم في إنتاج الكلام ومعانيها. وكذلك أيضا عرف اتصالها بنطق الكلام وإنتاج المعاني أو تعيين المعاني للمفردات التي نستخدمها. لقد قام بروكا باكتشاف هذه المنطقة سنة 1861 ووصفها بأنها "مركز نطق اللغة". ويتم الآن دراستها بشكل موسع وأكبر وتم تجزيئها بواسطة دراسات التصوير الوظيفي إلى مقاطع أصغر تشارك في مهمات لغوية مختلفة. تم ربط إنتاج المعنى بالجزء العلوي من المنطقة بينما يقع النطق في مركر المنطقة الرئيسة في بروكا. ليست منطقة بروكا ببساطة هي منطقة الكلام وإنما هي مرتبطة بعملية نطق اللغة بصورة عامة. تسيطر ليس على الكلام المحكي فقط وإنما على المكتوب وعلى إنتاج لغة الإشارة ايضا. 
لقد قام بروكا بأول تشخيصاته للحالة الناتحة عن تلف في منطقة بروكا. ومنذ ذلك الحين والحالة هذه معروفة باسم (عسر النطق) aphasia  وتنطوي على نقص في القدرةعلى انتاج لغة متماسكة بما فيها اللغة المحكية والمكتوبة ولغة الإشارة. فالمصابون بهذا التلف في منطقة (بروكا) قادرون على استخدام أعضاء الكلام النطقية لإنتاج الأصوات وحتى كلمات مفردة ولكنهم لا يستطيعون إنتاج جمل أو التعبير عن أفكارهم. وفي الغالب يجدون كلمة أو جملة قصيرة ويكررونها مرة تلو الأخرى في محاولة لتوصيل أفكارهم وربما في بعض الأحيان ينجحون في التوصيل ولكنهم لن يستطيعوا التعبير عن ذلك نحويا.  وبالمثل يستطيعون الرسم ولكنهم لا يستطيعون كتابة كلام متماسك. وأنهم يستطيعون فهم الكلام وغالبا ما يستطيعون تكوين افكار ولكنهم لا يستطيعون أن يضعوا الكلمات مع بعضها البعض لتوصيل أفكارهم. لقد ظن البعض في الأعوام الماضية أن مشاكل منطقة بروكا يمكن تعويضها في مناطق أخرى من الدماغ. وهذا الاقتراح أو الظن راجع إلى طبيعة الأعراض المؤقتة للعجز عن الكلام في منطقة بروكا كما هو الحال في المصابين بالجلطة أو أي إصابة أخرى الذين يستعيدون استخدام آليات الكلام. وكذلك ينسب التلعثم إلى منطقة بروكا مع أن هذا الاضطراب لا يزال مبهما وغير واضح تماما. 

•  منطقة الفم
هي المنطقة المسؤولة عن الحركات العضوية للفم وأجهزة النطق المستخدمة في إنتاج الكلام. إنه الجزء من المخ الحركي ويسيطر على عضلات الوجه والفم كما هو الأمر في البقية من المخ الحركي الذي يسيطر على الأجزاء المختلفة من حركة الجسم لا علاقة له بعناصر المعرفة في إنتاج الكلام مع أنه يقع بالقرب من منطقة بروكا وينشط مهمات الكلام مع منطقة بروكا. 

إن الاختلالات لوظائف الفم يمكنها أن تسبب عدم حركة الكلام. وفي هذه الحالة، يظل المصاب قادرا على تشكيل كلام متماسك في رأسه ولكنه لا يستطيع أن يعبر عنه لفظيا.  إن اختبارات الاستيعاب ومهارات الكتابة تظهر أن المصابين لا ينقصهم المعرفة ولكنهم ببساطة لا يستطيعون السيطرة على ما تقوم بها أجهزة النطق كاللسان على سبيل المثال والشفاه المسؤولة عن إنتاج الكلام في منطقة الحركة في النصفين الأيمن والأيسر التي ارتبطت بالتلعثم وهو اضطراب في إنتاج الكلام الذي لا يزال غامضا.

إن الاختلال الوظيفي في اللحاء البصري الرئيس يؤدي، في الحالات الشديدة، إلى العمى. وفي حالة الإصابات الأقل شدة يمكن أن تؤدي إلى صعوبة في التعرف على الألوان وعمى الكلمات. إن إصابة المناطق البصرية الجدارية يمكن أن تؤدي إلى عدم القدرة على تذكر الأسماء anomia وإلى عدم القدرة على الكتابة agraphia أو القدرة على القراءة alexia. وهذه الحالات الثلاث ليست راجعة لمشاكل في البصر نفسها لأن المصابين بهذه الاضطرابات يستطيعون تأدية مهمات بصرية أخرى بدقة. وتظهر هذه المشاكل فقط في حالة استخدامات لغوية خاصة.
• منطقة فيرنيك
منطقة فيرنيك، ذات اللون الأزرق الفاتح في شكل 2، هي المختصة بتعيين المعنى للكلام. وهي مرتبطة ببعض الوظائف وخاصة بالذاكرة قصيرة المدى المرتبطة بدورها بالتعرف على الكلام وإنتاجه وكذلك بعض وظيفة السمع والتعرف على الأشياء. وغالبا ما تعرف منطقة فيرنيك بارتباطها باستيعاب اللغة أو التعامل مع اللغة الواردة إلى الدماغ سواء كانت مكتوبة أو محكية. وهذا التمييز بين الكلام واللغة هو المفتاح لفهم دور منطقة فيرنيك في اللغة. إن منطقة فيرنيك تعمل مع منطقة بروكا؛ فمنطقة فيرنيك تتعامل مع الكلام الوارد وأما بروكا فتتعامل مع الكلام الصادر.
إن المصابين بتلف في منطقة فيرنيك يعانون من صعوبة في استيعاب أو فهم اللغة بكل أشكالها. يستطيعون التحدث بطلاقة وتكوين جمل طويلة ومعقدة ولكن كلماتهم تحتاج إلى معنى وينقصها التماسك في المعنى. وكثيرا ما يستخدمون مصطلحات غامضة وتوصيف معمم ومكرر بحيث لا يمكن أن يتوحد ويرتقي  إلى أفكار كاملة. ومن السهل أن نلاحظ من الإنتاج الغزير للكلام عند المصابين أن العرض ليس في صعوبة إنتاج الكلام بقدر ما هو في إنتاج اللغة. وكذلك يبدو أن التلف لمنطقة فيرنيك ليس عابرا او مؤقتا ويمكن تعويضه في أماكن أخرى من الدماغ كما هو الحال في منطقة بروكا.
• اللحاء السمعي

 

شكل 3
نطق االكلمة المسموعة



عند نطق أي كلمة مقروءة ، يجب أن تصل المعلومات أولا إلى القشرة البصرية الرئيسة. ومن ترسل المعلومات من القشرة البصرية الرئيسة إلى منطقة الكلام الخلفية  بما فيها منطقة فيرنيك Wernicke. ومن منطقة  فيرنيك   Wernicke تنتقل المعلومات  إلى  منطقة بروكا  Broca  ، ومن تنتقل الى منطقة إلى لحاء الحركة الرئيس.

إن مناطق الدماغ المسؤولة عن التعرف على الصوت واستقباله هي مرتبطة بصورة كبيرة بمناطق اللغة. ففي مهمات اللغة المحكية بدون سمع جيد وصحيح، لن يحدث استيعاب لغوي. وعندما يتحدث الناس أو يقرأون الكلمات بصوت عال، هناك أيضا دليل على أنهم يستمعون لأنفسهم كما هم يتحدثون كي يتأكدوا من أنهم يتحدثون بطريقة صحيحة. والمناطق المحيطة باللحاء السمعي القريبة من منطقة فيرنيك مرتبطة أيضا بالذاكرة قصيرة المدى لسماع اللغة وتتكرر باستمرار في الدماغ لكي تحافظ على اللغة في الذاكرة.
إن التلف لهذه المناطق من الدماغ المرتبطة بالسمع يمكن أن تؤدي إلى الصمم. ولكن إذا كان التأثير في جانب واحد من الدماغ بإصابة ما أو من جرّاء  جلطة يمكن ألا تؤدي إلى فقدان السمع لأن كلتا الأذنين تتمثلان في كل جانب من المخ والنسيج السليم في النصف المعاكس يمكنه أن يتعلم ويقوم بالوظيفة نفسها. إن المشاكل في اللحاء السمعي يمكنها أن تؤثر على استقبال الكلام وليس اللغة. وبالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يؤثر ذلك على إنتاج الكلام بسبب التغيرات في التغذية الراجعة السمعية التي تستخدم عادة للتحري من إنتاج الكلام الصوتي. ف وبالنسبة للمتلعثم إذا تم تشغيل تسجيل للفظ الصحيح من الكلمات المكتوبة مع محاولتهم القراءة بصوت مرتفع نفس الكلمات يقل تلعثمهم بصورة كبيرة. وهذا ربما يشير إلى أهمية اللحاء السمعي في إنتاج الكلام عند المصابين بالتلعثم. وهذا يدل على أن المتلعثمين يستخدمون نصفي الدماغ عند إنتاج الكلام على العكس من العاديين فهم يستخدمون النصف المهيمن فقط.
• اللحاء البصري


شكل 4
نطق الكلمة المكتوبة


أن أتكلم كلمة مسموعة ، يجب أن تصل المعلومات أولا إلى القشرة السمعية الرئيسة. ومن ثم تنتقل المعلومات من  القشرة السمعية الرئيسة إلى منطقة الكلام الخلفية بما فيها منطقة فيرنيك، ومن منطقة فيرنيك تنتقل المعلومات إلى منطقة بروكا ومن ثم إلى منطقة لحاء الحركة الرئيس.

إن المنطقة المسؤولة عن البصر وكذلك معروفة باسم اللحاء المخطط. إن اللحاء البصري هو المفتاح في قراءة الكلمات والمفردات وكذلك في التعرف على الأشياء كخطوة أولى في تسمية الأشياء. إن المناطق البصرية في الدماغ هي في العادة من بين الأجزاء الأولى في الدماغ التي تنشط أثناء القراءة وتسمية الأشياء لاختبارات الكلام المستخدمة في المسح بواسطة  في إم آرآي و بيت. وخلاف هذا الجزء الرئيس (المنطقة البصرية) الواقعة في الفص القذالي، هناك مجموعة من المناطق المرتبطة بالبصر تقع في الفص الجانبي فوق اللحاء البصري. وترتبط هذه المنطقة بتسمية الأشياء والأدوات وبقراءة المفردات ويعتقد أنها بمثابة منطقة مكملة للحاء البصري الرئيس. إن اللحاء البصري مع اللحاء السمعي من المحتمل أن يكون الخطوة الأولى على ممر الاستيعاب اللغوي.


استنتاجات : 
طبيا، ربما كان الميدان الأكثر تأثرا بتقنية التصوير الدماغي هو الطب. إن التصوير يساعد على تقدم العلاج الطبي وخصوصا في مجال الصحة العقلية وكذلك مضاعفة الدعم للنظريات القديمة حول العناية الصحية. 
لقد وفر التصوير النقلة الجذرية في الصحة النفسية من حيث التشخيص والعلاج على أساس علم الأحياء وليس على أساس السلوك. وما اعتبر يوما على أنه مشاكل سلوكية يصنف الآن على أنه اضطرابات دماغية. وهذا التغير في المنظور قد يساعد على جلب علاجات دوائية أكثر قوة وعلى فهم أكبر للأدوية التي يتم وصفها للمرضى.
وقد ساعد التصوير الدماغي العلماء على فهم أكبر للشيزوفرانيا. وتقليديا، لقد كان يظن بأن الشيزوفرانيا نتيجة بيئة فقيرة وعدم تربية اوعناية جيدة من الوالدين. ولكن حديثا قد وجد أن اللحاء البصري اي المنطقة التي تستقبل المعلومات الحسية أولا أنها تثار بطريقة شاذة في المصابين بالشيزوفرانيا.  وكذلك وجدوا أيضا أن المراكز التي تساعد على تكوين المعنى لهذه المعلومات يتم تثبيطها بطريقة مرضية. فالأدوية التي تركز على هذه المناطق ربما تساعد على تخفيض الأثر المرضي للشيزوفرانيا. فصور الرنين المغناطييسي المعيارية كشفت الاختلافات البنيوية بين الحالات المرضية والحالات الطبيعية.
تربويا، ربما كان للتقنية الجديدة للتصوير الدماغي الأثر الكبير على طرق تعليم الأطفال أيضا. لقد أكد التصوير على النظرية القائلة بأن الوالدين المحبين ينشئان اطفالا أكثر ذكاء وأكثر سعادة. لقد تبين أن التحدث واللعب مع الطفل ويتاح له أن يرى ويلمس ويشم اشياء جديدة كل ذلك يساعد على نمو الدماغ السليم.
وقد يساهم  التصوير الدماغي أيضا في تشكيل الطرق التي نعلم بها أطفالنا في مراحل النمو المختلفة. لقد أظهرت الدراسات أن الحساب الدقيق والرياضيات التقريبية يتم انتاجها في جزئين مختلفين في الدماغ. فالحسابات الدقيقة تنشط الفص الأمامي (الجبهي) للدماغ أي الجزء الذي يصنع العلاقات بين الكلمات والتقديرات تنشط الفص الجداري الأيمن والأيسر من الدماغ أي الجزء الذي يرتبط في العلاقات المكانية. وهذه المعلومات قد تساعد على تحسين وسائل وطرق التعليم.  
قانونيا، إن التصوير الدماغي قد أظهر أن منطقتي الدماغ الاثنتين معطلتان وظيفيا في أغلب الأحيان عند المجرمين. في حالة الأمراض النفسية، اللوزية Amygdala لا تنشط بالحوافز العاطفية أو الإنفعالية. وأيضا آلية السيطرة في اللحاء الجبهي لا تكون نشيطة في بعض الأحيان بشكل كاف بحيث تسيطر على الرغبات والانحرافات عند المجرمين. باختصار أصبحت المحاكم الجنائية تستفيد بصورة من التصوير الدماغي.


خلاصة : 
كما لاحظنا أن تصوير الدماغ قد أثر جدا على معرفتنا كيف يعمل الدماغ وكيف ينتج ويعالج اللغة. وفي المستقبل يمكن لهذه المعلومات الجديدة أن تساعد على إيجاد وسائل وتقنيات أكثر فاعلية في معالجة الإضطرابات اللغوية. على سبيل المثال، إن تقنية التصوير قد تؤدي إلى علاجات جديدة لهؤلاء الذين يحاولون الشفاء من فقدان اللغة بسبب تلف دماغي. لقد أظهرت الدراسات أن أدمغة الرجال تفضل تنفيذ عمليات اللغة المعقدة في النصف الأيسر بينما النساء تفضل استخدام النصفين. إن العلاجات يمكن تصميمها على أن تكون خاصة بكل جنس. ويمكن أيضا لتصوير الدماغ أن يؤثر على هؤلاء المصابين باضطرابات الكلام. وبفحص الأدمغة في سن مبكرة يمكن تحري اضطرابات الكلام وعلاجها وإزالتها قبل أن تصبح مشكلة حقيقية. 
إن أثر التقنية التصويرية للدماغ قد انتشر ونقل مجتمعنا إلى ما بعد دراسة معالجة اللغة. لقد امتد الأثر إلى ميادين الطب والتربية والتعليم وحتى القانون. إن الأمراض العقلية الآن يمكن تتبعها وأمراض قابلة للعلاج وأبوة جيدة يمكن اثباته علميا ومحاميو الجريمة يمكنهم الإشارة إلى ما يصيب الدماغ من تغيرات شاذة للدفاع عن المتهمين. وزيادة على ذلك سيدحض التصوير الدماغي الأساطير والخرافات حول الوسائل التي يعمل ويتفاعل الإنسان من خلالها.
وأخيرا مع أن الحرمان من أي وظيفة لا يحتمل، إلا أن أمراضا تؤثر على المعرفة هي مدمرة للإنسان بصورة خاصة. فمثلا عدم القدرة على توصيل الأفكار بطريقة فاعلة يمكنها أن تقضي على حياة الشخص العملية ووعلى  محيط أسرته ولها كذلك آثار واسعة على حالته العاطفية وعلى وضعه الاجتماعي.  يمكن أن تتعطل اللغة بسبب أحداث فجائية مثل جلطة دماغية أو إصابات في الرأس أو حالات مرضية بسبب تقدم العمر مثل أمراض ألزايمر وباركنسون أو اضطرابات تطورية أو نمائية كما يحصل في حالة العسر القرائي.
إن العلماء والأطباء الاختصاصيون قادرون الآن على تشخيص دقيق للمؤثرات على المنتجات اللغوية وخاصة الاضطراب اللغوي وأن والدراسات الحديثة قد بدأت تظهر وتبين أن استهداف تلك الأعطال الخاصة باللغة يمكن أن تحسن من وظائف اللغة. وكلما نعرف أكثر وأكثر عن آليات عمل الدماغ  والعلاجات الطبية مثل تلك التي تحسن من الانتباه ستصبح أكثر استعمالا في علاج اضطرابات لغوية خاصة.  يحمل المستقبل وعدا  أكبر في تطبيق معرفتنا المتسارعة حول علاج ما يخص الأساس العصبي للغة لتحسين نوعية حياة الأفراد الذين يعانون من اضطرابات لغوية.

 

 


 

المصادر

 

Caplan,David. “Language and the Brain”, the Harvard Mahoney neuroscience 
Epstein, Randi Hutter. “Fix speech problems early, experts now urge”, The New York Times. 30 November 1999, section F, p.7.
Fiez, J. A., and Petersen, S. E. (1998). Neuroimaging Studies of Word Reading. Proceedings of the 
Gabrieli, J. D. E., Poldrack, R. A., and Desmond, J. E. (1998). The Role of Left Prefrontal Cortex in Language and Memory. 
Proceedings of the National Academy of Sciences, U.S.A. 95:906-913
Garey, Laurence J. (translator) (1994). Brodmann’s "Localisation in the Cerebral Cortex". Smith Gordon, London.
Geschwind, Norman, and Galaburda, Albert M. (1987). Cerebral Lateralization: Biological Mechanisms, Association, and Pathology. MIT Press, Cambridge. 

د. سعادة خليل

 


 

المصدر: د. سعادة خليل
  • Currently 60/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
20 تصويتات / 682 مشاهدة
نشرت فى 4 أغسطس 2011 بواسطة hofny

ساحة النقاش

حفنى عبده

hofny
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

13,683