<!--<!--<!--

يوم جديد لي في المترو، وثاني يوم في مهمتي التنظيمية الجديدة، قابلت اليوم مواقف مختلفة عن أول أمس وسوف أحكيها لكم.

لا أدري لماذا رغم لماذا أبدأ في ممارسة دوري بعد التحويل في محطة السادات رغم أنني أركب المترو من محطة الدقي. يمكن أكون باسخّن لسة  :)) أو هل مثلاً أخاف من التحدث إلي الناس واستئذانهم في النزول من الباب المخصص في مثل هذا الازدحام الذي تتميز به هذه المحطة؟ يمكن... ولكن أنا خطر لي خاطر الآن وأنا أكتب، ألا وهو: كيف أخاف أصلاً ؟ هو أنا بأقول حاجة غلط لسمح الله؟ مين اللي المفروض يخاف أو يخجل اللي بيخالف ولا اللي بيلتزم وبينصح الناس بالالتزام؟! زمن عجيب والله، سبحان الله! وأظن أننا لو فتشنا في حياتنا لوجدنا الكثير من هذه الأمثلة التي يخجل أو يخاف فيها الشخص اللي علي حق، في حين أن المخالف يخالف بمتنهي الثقة وكأن هذا هو الطبيعي! وأعتقد أن الواحد لو فكر في ذلك وتذكره دائماً واعتقد به لتغيرت الكثير من تصرفاتنا ومواقفنا.

أنا في الفترة الأخيرة هذه اكتشفت أو انتبهت إلي أننا قد تم برمجتنا علي أن رد فعلنا التلقائي (أو بلغة الكمبيوتر: الـdefault بتاعنا) هو السكوت والسلبية. بدأت أتنبه إلي هذه الحقيقة عندما أري مواقف أمامي لا أرضي عنها، فأنتقدها "جواني" كما تعودت طيلة ربع قرن (هو عمري تقريباً) ثم إذ بي أفاجأ بحد شجاع وجريء كده يتحدث عن نفس الموقف "براني"، فأقول لنفسي: "آه صحيح! هو أنا متكلمتش ليه؟!"

وعلي الرغم من أن السكوت يكون من الحكمة أحياناً إلا أنه ليس كذلك دائماً. يا جماعة، هناك جيل كامل ولد وتربي وعاش علي عبارات مثل "وأنت مالك" - "مالكش دعوة" - "خليك في حالك" - "أنت عندك عيال" - "من خاف سلم" ...الخ. وعلي الرغم من أن الإسلام يحثنا علي الإيجابية ويحذرنا من مغبة السلبية (ولو فتحت في الأمثلة للتدليل علي ذلك لاستغرقت المقال كله) إلا أننا صدقنا هذه العبارات التي تجاوزت كونها مجرد عبارات حتي أصبحت شعارات نؤمن بها وتنعكس علي سلوكياتنا. ولكن مش قادرة ماقولش حتي حديثين ولا حاجة. يعني مثلا خدوا عندكم:

** "من رأى منكم منكرا فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه ، وذلك أضعف الإيمان" (رواه مسلم)

**حديث السفينة، واللي ميعرفش حديث السفينة يخش علي Google ويكتب: حديث السفينة ويقرأه. وعندما

**عندما سئل النبي (صلي الله عليه وسلم): "أنهلك وفينا الصالحون؟" قال: "نعم، إذا كثر الخبث".

تعالوا دخل علي مواقف اليوم:

طلعت المترو وأخدت مفس مكاني بتاع يوم الإثنين: طلعت من باب الصعود ووقفت. وطلعت الكتاب... يا فتاح يا عليم يا رزاق يا كريم...

وكان أول استفتاح بفتاة وامرأتين. الثلاثة تجمعن أمام الباب مرة واحدة كده. أعمل إيه؟ يللا.. المهم، طلبت منهم النزول من الباب المخصص. وكانت ردود أفعالهن الحقيقة مشجعة جدااا: اثنتان منهن أدارتا وجهيهما، والثالثة تقريباً لم تنظر لي من الأساس. وكله كوم والست اللي كانت واقفة قصاد الباب علطول دي كوم تاني، بصت لي حتة بصة ودورت وشها من غير ما تتكلم، ولكن بصتها بتقول "مالها دي؟!" قلت: يا واد طنِّث (طنش) خاااالِث (خالص) :))) مش هاستسلم علطول كده، خليني أجرب كده أحاول معاهم (متهيألي شوية كده وهاقدر أفرق بين الناس اللي ممكن الواحد يحاول معاهم ومين اللي طريقتهم لا تبشر بخير، حاسة إني بدأت أكون الحس ده). فاتكلمت يعني عن إن النظام ده هيفيدنا كلنا بدل ما نخبط في بعض ونضايق بعض واحنا طالعين ونازلين. قامت البنت قالت لي: البلد بايظة أصلاً. فقلت لها: وإيه علاقة ده بأننا ننزل ونطلع من الباب الصح؟ ففضلت تقول كلام علي شاكلة: الاقتصاد بايظ، ومفيش أمان وأنا بارد بنفس الإجابة: إيه العلاقة بين اللي بتقوله وبين النظام في المترو؟ وكملت باردو: هو أنتم فاكرين أنكم كده بتصلحوا البلد؟ (يظهر افتكرتني شجيعة وثورجية وكنت معتصمة في التحرير وكده يعني!) قلت لها: مفيش احنا وأنتم، كلنا هنصلحها مع بعض. قالت لي: وهو ده اللي هيصلح البلد؟! قلت لها: آه، بس مش لوحده مع حاجات كتير لكن ده جزء، قالت: بصي، لما مصر تبأي بلد متقدمة كده زي بقية البلاد التانية المتقدمة، أنا هلتزم بأي ... قلت: طب ما هي هتتصلح بينا. قالت: البلد مفيهاش أمان والواحد بيخاف ينزل من بيته، قلت: معلش ده طبيعي بعد أي ثورة، والأمور هتتصلح إن شاء الله. قالت: ده طبيعي بعد أي ثورة؟! قلت: آه، وإن شاء الله ربنا يعديها علي خير. وسكتُّ وسكتت.

You  speak English?

اللغات بتنفع يا جدعان والله. اليوم وجدت امرأة سمراء شكلها كده من بلاد أفريقيا، وأنا لا أعرف ما إذا كانت تتكلم العربية أم لا. هذه المرأة كانت واقفة بجوار باب الصعود استعداداً للنزول. فقمت وحييتها، ثم بدأت أتحدث وأشير بيدي في نفس الوقت أن هذا الباب مكتوب عليه "ممنوع النزول".

فقالت: I know

You know?

Yes

So, why do you go out from here?

قالت حاجة كده ما معناه إن موضوع النزول والصعود ده مطلوب الالتزام به في الزحمة فقط.

But people may....

(وقعدت أدور علي الكلمة، عاوزة أقول لها يقتدوا بيكي، ووجدتها)

Imitate you

فاقتنعت، وتوجهت إلي باب النزول، وشكرتها. وما إن مشت من أمام باب الصعود حتي حلت اثنتان أمام الباب استعداداً للنزول، فقلت لهما: ده أنا لسة قايلة لها تنزل من باب النزول، فوجدت من وجهيهما ابتسامة مشجعة فأكملت بدعابة: منظرنا أمام الأجانب :))) فاستجابتا ولله الحمد والمنة.

وهنا لي وقفة صغيرة: كلام هذه المرأة الإفريقية نبهني إلي أمرين:

أولاً: أنني كنت أمارس هذا الدور التنظيمي حتي في المحطات غير المزدحمة. أنا فعلاً كنت مركزة في مهمتي تركيزاً شديداً لدرجة أنني لم أنتبه إلي ذلك. وفكرت في كلامها بأن هذا التنظيم فقط في المحطات المزدحمة. وهو كلام منطقي، ولكن أنا فكرت في شيء آخر وأرجو أن تكتبوا لي آراءكم في هذه النقطة، وهو أننا قد نسلم بما تقول في حال أننا أصلاً معتادون علي الالتزام بالنظام. إنما، نحن (ولا أعمم) لسنا ملتزمين بالنظام لا في المحطات المزدحمة ولا في غيرها! ولذلك، قد نقول أننا من الأفضل أن نأخذ مرحلة في البداية نلتزم فيها في جميع المحطات. وبعد أن نعتاد علي النظام، قد نتساهل في المحطات غير المزدحمة. أم من الأفضل أن نلتزم في كل المحطات علي اعتبار هناك أناس قد يرون من يخالف في إحدي المحطات غير المزدحمة ولا يستطيعون أن يميزوا أو يفهموا لماذا خالف هؤلاء هنا بالذات، ويعممون هذه المخالفة في سلوكهم علي كل المحطات. وأنا أعتقد أن من سيعتاد النظام سيلتزم حتي في المحطات غير المزدحمة. وهذا رأيته كثيراً اليوم. أنا كنت جالسة أقرأ وفي نفس الوقت أراقب الناس النازلة والطالعة، فكنت أجد أن الكثيرين يقومون ويتوجهون إلي باب النزول رغم أن المترو غير مزدحم علي الإطلاق وكذلك المحطة غير مزدحمة علي الإطلاق. إذن، هي مسألة تعود وطريقة تفكير. هناك طريقة التفكير التلقائي بتاعها: الالتزام في كل الأحوال، وهناك طريقة تفكير التلقائي بتاعها: المخالفة وخلاص، يعني هو النظام كده؟ طب أنا هاعمل عكسه! هوالنظام كده؟ مش مهم!

ثانياً: أنا نسيت إيه هي النقطة التانية؟ استنوا كده لما أفتكر................ آه افتكرت :) نبهتني هذه السيدة إلي أنني كيف أهتم جداً بالنظام في المحطات غير المزدحمة نسبياً ولا أتكلم في محطة مثل السادات مثلاً؟! المترو بيكون زحمة وصعب الناس تتحرك؟ بس والله اللي عاوز يلتزم هيلتزم ومش هتفرق معاه الحاجات دي (إلا قليلاً يعني عشان نكون واقعيين). وبعدين ماهو لو الواحد من باب الطلوع وتوجه نحو أقرب باب نزول، ومفضلش واقف مكانه أمام باب الطلوع عشان ينزل منه، الموضوع هيكون أقل تأزماً لأن الناس هتكون تقريباً ماشية في اتجاه واحد مش عكس بعض. وفكروا فيها كده وأنتم راكبين المترو.

الموقف الرابع أتيت فيه بشيء جديد. كنت لسة باحكي لكم عن الناس اللي بيلتزموا حتي في المحطات غير المزدحمة. أنا قلت لنفسي إيه؟ الدنيا الآن رايقة والطلوع والنزول قليل، وزي ما باتكلم لما أشوف الغلط طب ما أشجع الناس اللي بتعمل الصح. ولو هم فعلا نازلين من باب النزول كنوع من الالتزام، أكون بذلك رفعت معنوياتهم وأعطيتهم نوعاً من الدعم. وإن كانوا مش واخدين بالهم، يمكن ده يخليهم ياخدوا بالهم ويلتزموا بعد كده. فقمت وصبحت عليهم وشكرتهم علي التزامهم، فابتسموا واتبسطوا وأنا كمان اتبسطت :)

كل ده كان الصبح. وأنا مروحة إن شاء الله في مقال آخر عشان مطولش عليكم أكتر من كده، ولأن فيه كلام مهم جداً.

إلي اللقاء "وأنا مروحة" :)

9 مارس 2010

  • Currently 15/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
5 تصويتات / 175 مشاهدة
نشرت فى 9 مارس 2011 بواسطة hoda-alrafie

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

47,380