مدخل لدراسة حقوق الملكية الفكرية فى العصر الرقمى
القاضى / محمد حته
وسوف نتناول هذا الموضوع فى إطار شرح المفاهيم و المصطلحات المتعلقة بهذا المجال وذلك على النحو الآتى : -
مفاهيم و مصطلحات
هناك عدة مفاهيم ومصطلحات مرتبطة بمفهوم الملكية الفكرية لابد من توضيحها أولا قبل الخوض فى هذا البحث بل إن مصطلح " الملكية الفكرية " فى ذاته بحاجة لهذا التوضيح ومن تلك المصطلحات مفهوم الحماية , الحق , الملكية الفكرية , حق الملكية ,.............................و سوف نتناول تلك المصطلحات وغيرها بالشرح و التوضيح على النحو التالى :
المبحث الأول : مفهوم الحماية
إن الحماية لغة يقصد بها حمى الشئ أى منعه و دفع عنه واصطلاحا يقصد بها تأمين المقومات الضرورية لحياة الإنسان وهى الضرورات الخمس الدين , النفس , العقل ، العرض , المال ولقد كفل الإسلام الحماية لتلك الحقوق لأهميتها و أثرها فى أمن الفرد وذلك بإقراره الحدود لمخالفة تلك الحقوق المحمية[1] .
ان المتعارف عليه فى مفهوم الحماية فيقصد به دوما مظلة القانون لفعل معين أو لحق محدد بحيث يرتب على التعدى على هذا الحق أو تجاوز هذا الفعل عقوبة أو جزاء نتيجة لذلك التعدى أيا ما كانت قيمة هذا الجزاء فحتى فى حالات المخالفات البسيطة و التى يترتب عليها غرامة مالية أو جزاء مادى بسيط فهى لا تخرج أيضا عن كونها جريمة مؤثمة قانونا نظرا لخضوع الفعل أو الحق لحماية القانون
و لم تكن القوانين القديمة تحمى حقا مثل حق المؤلف ولكن ظهر وجه الحاجة الى الحماية بعد اختراع المطبعة التى أمكن بها طبع الآلاف من النسخ للمصنف الواحد , مما جعل المؤلف يرجو من وراء عمله الفكرى ربحا ماديا كبيرا , ولكن القانون ترك المؤلف دون حماية أحقابا طويلة , فكانت الثمار المادية لجهوده الفكرية تتناهبها الناس , على أن المؤلف فى عهد الملكية فى فرنسا قبل الثورة كان يحصل على اذن فى طبع كتابه فكانت حمايته تأتى عن طريق هذا الترخيص الملكى الذى كان يصدر به نسخ مصنفة أو يختتمها [2]
المبحث الثانى : مفهوم الحق
يقصد بالحق اصطلاحا حفظ الضروريات الخمس للإنسان وهى : الدين و النفس و العقل و المال والنسل
أما لغة فالحق هو نقيض الباطل وجمعه حقوق و حقاق وقد أقر الإسلام حق الملكية للأفراد ومنع الإعتداء عليها [3]
أما من ناحية القوانين الوضعية فإن المصلحة لشخص على شئ لا تصبح حقا إلا إذا نظمها القانون وبالتالى المصلحة لا تصبح حقا إلا بنص صريح عليها فى التشريعات الوضعية المختلفة .
ولقد كان التشريع المصرى ولا زال من المهتمين دوما بوضع النظم القانونية التى تنظم و تضع القواعد و ترتب الحقوق للأشخاص و لا سيما القانون رقم 82 لسنة 2002 الصادر مؤخرا بشأن حماية حقوق الملكية الفكرية و الذى كان تاليا لعدة قوانين منظمة لتلك الحقوق كان من آخرها القانون رقم 354 لسنة 1954 بشأن حماية حق المؤلف و كذلك القانون رقم 430 لسنة لسنة 1955 بشأن الرقابة على المصنفات الفنية
وغيرها من القوانين التى كانت مراحل تدريجية لإصدار قانون حماية الملكية الفكرية الحالى والذى قام بالغاء عدد كبير من تلك القوانين التى سبقته وقام بالحلول بدلا منها .
المبحث الثالث : مفهوم الملكية الفكرية
إن الملكية الفكرية هي المنتجات ذات الطبيعة المعنوية أوالفكرية،. وغالبا ما تفسر الملكية الفكرية على أنها حقوق الطبع أوالنشر، وتوابعها من حقوق الطبع أوالنشر وتوابعها من حقوق إنتاج أو إذاعة ، وهدف هذه الحقوق هو تقديم معلومات لأجل تقدم المعرفة[4]
كما يتلخص جوهر حماية الملكية الفكرية في أنها تعطي للفرد حقًّا لحماية ما ابتكره، وتمكنه من التصرف به، وتمنع عن غيره التصرف في هذا الابتكار إلا بإذنه، وتقوم الدول بصيانة هذا الحق، فتعاقب كل من يعتدي عليه في حياة الفرد، وبعد موته بعشرات السنين . كما أن هذه الحماية تنسحب أيضا على المستهلك بحمايته من التضليل والإيهام والخداع. ولاشك أن هذه الحماية تعد أحد العوامل الأساسية في إرساء دعائم الاقتصاد الوطني للدول، وتحقيق مكانة مرموقة على الصعيد العالمي [5] .
وعلى هذا فالملكية الفكرية بوجه عام ، هي القواعد القانونية المقررة لحماية الإبداع الفكري المفرغ ضمن مصنفات مدركة (الملكية الفنية والادبية) او حماية العناصر المعنوية للمشاريع الصناعية والتجارية (الملكية الصناعية) ، وهي تنقسم بوجه عام ايضا الى طائفتين :-
1- الملكية الفنية او الادبية:- وهي نظام الحماية المقرر بشان المصنفات في حقل الاداب والفنون والذي بدأ وجوده التنظيمي بابرام اتفاقية بيرن لحماية المصنفات الادبية والفنية في 9/9/1886 ، وبموجبه تحمى المواد المكتوبة كالكتب ، والمواد الشفهية كالمحاضرات ، و المصنفات الفنية الادائية كالمسرحيات والموسيقى والتمثيل والمصنفات الموسيقية ، و المصنفات المرئية والسمعية كالاشرطة السينمائية والمواد الاذاعية السمعية ، والفنون التطبيقية كالرسم والنحت ، والصور التوضيحية والخرائط والتصميمات والمخططات والاعمال المجسمة المتعلقة بالجغرافيا والخرائط السطحية للارض ، وبرامج الحاسوب وقواعد البيانات وبموجب اتفاقيات لاحقة على اتفاقية بيرن . وهذا القسم من الملكية الفكرية يعرف ايضا بحقوق المؤلف ، ويلحق به ما اصبح يطلق عليه الحقوق المجاورة لحق المؤلف المتمثلة بحقوق المؤدين والعازفين والمنتجين في حقل الفونجرامات (التسجيلات الصوتية وحقل الاذاعة . والى جانب اتفاقية بيرن التي شهدت تعديلات عديدة آخرها تعديل باريس 1971 الشهير بصيغة باريس ، توجد على الصعيد الدولي خمس اتفاقيات في حقل حق المؤلف وثلاث اتفاقيات بخصوص الحقوق المجاورة لحق المؤلف اما على الصعيد الاقليمي العربي فان هناك الاتفاقية العربية لحقوق المؤلف والمشروع الموحد لقانون حق المؤلف .
2 - الملكية الصناعية:- اما الملكية الصناعية فانها تعنى بحقوق الملكية الفكرية على المصنفات او العناصر ذات الاتصال بالنشاطين الصناعي والتجاري ، ويعرفها الفقه بانها " الحقوق التي ترد على مبتكرات جديدة كالاختراعات والرسوم والنماذج الصناعية او على شارات مميزة تستخدم اما في تمييز المنتجات (العلامات التجارية) او تمييز المنشآت التجارية (الاسم التجاري) وتمكن صاحبها من الاستئثار باستغلال ابتكاره او علامته التجارية او اسمه التجاري في مواجهة الكافة " ، وتشمل الملكية الصناعية براءات الاختراع والعلامات التجارية والنماذج او الرسوم الصناعية وعلامات المنشأ او المؤشرات الجغرافية ، وحماية الاصناف النباتية والاسرار التجارية طبعا الى جانب الاسماء التجارية والعناصر المعنوية للمحل التجاري التي تنظمها عادة قوانين التجارة الوطنية [6].
المبحث الرابع :مفهوم حق الملكية
إن تعريف الملكية لغة هو احتواء الشئ والقدرة على التصرف فيه بانفراد أما اصطلاحا عند الفقهاء فيقصد به العلاقة الشرعية بين الإنسان و الشئ , و التى ترتب له حق التصرف فيه , و تحجز الغير عن هذا التصرف , وهو قدرة يثبتها الشرع ابتداء على التصرف إلا لمانع و تعريفها عند الحكماء هو هيئة تفرد للشئ بسبب ما يحيط به و ينتقل بانتقاله [7]
أما حق ملكية الشئ قانونا هو حق الإستئثار باستعماله و بإستغلاله و بالتصرف فيه على وجه دائم , وكل ذلك فى حدود القانون .
وعلى هذا فإن حق الملكية هو أوسع الحقوق العينية نطاقا , بل هو جماع هذه الحقوق العينية وعنه تتفرع جميعا فمن له حق الملكية على شئ كان له حق استعماله و حق استغلاله و حق التصرف فيه و بذلك يستجمع كل السلطات التى يعطيها القانون للشخص على الشئ
ولقد اشتد الجدل فى تكييف طبيعة الحقوق الذهنية التى ترد على الأشياء غير المادية فقد بلغ التحمس بفريق أن عدوا حق المؤلف , لا حق ملكية فحسب , بل هو من أقدس حقوق الملكية وملكية الإنسان لنتاج ذهنه وتفكيره لمبتكراته العقلية , كما يقول هذا الفريق , هى الملكية التى تتصل بالصميم من نفسه , وتتجسم فيها شخصيته , وهى أولى كثيرا بالحماية من الملكية المادية و وقف فى وجه هذا الفريق المتحمس فريق آخر ينكر على حق المؤلف و المخترع أن يكون حق ملكية و يتحمس هو أيضا فى الإنكار
أما فى مصر فإن قانون حماية الملكية الفكرية رقم 82 لسنة 2002 قد تجنب عمدا أن يصف حق المؤلف بأنه حق ملكية , مؤثرا عدم الخوض فى هذه المسألة التى يجدر تركها للفقه و القضاء يبحثان فيها مقتضيات التطور ...... وخاصة وأن هذه النظريات تخضع لتطور دائم متصل بتطور جماعة الإنسانية ذاتها [8] .
** هذا ولقد ذهب المشرع المصرى فى القانون 82 لسنة 2002 الخاص بتنظيم حماية حقوق الملكية الفكرية فى الكتاب الثالث منه الخاص بحقوق المؤلف و الحقوق المجاورة الى وضع عدد من التعريفات ببعض المصطلحات فى المادة 138 منه ونذكر منها على سبيل التذكير :
المصنف : كل عمل ابتكارى أدبى أو فنى أو علمى أيا كان نوعه أو طريقة التعبير عنه ........................
المؤلف : الشخص الذى يبتكر المصنف , ويعد مؤلفا من يذكر اسمه عليه أو ينسب اليه عند نشره باعتباره مؤلفا له ما لم يقم الدليل على غير ذلك ....................
النسخ : استحداث صورة أو أكثر مطابقة للأصل من مصنف أو تسجيل صوتى بأية طريقة أو فى أى شكل بما فى ذلك التخزين الإلكترونى الدائم أو الوقتى للمصنف أو للتسجيل الصوتى .
النشر : أى عمل من شأنه إتاحة المصنف أو التسجيل الصوتى أو البرنامج الإذاعى أو فنانى الأداء للجمهور
[1] الموسوعة الإسلامية العامة – وزارة الأوقاف ( المجلس الأعلى للشؤن الإسلامية ) طبعة عام 2008 – ص 571
[2] الوسيط فى شرح القانون المدنى – د / السنهورى – طبعة نقابة المحامين – عام 2006 – الجزء الثامن – ص 260
[3] الموسوعة الإسلامية العامة – وزارة الأوقاف ( المجلس الأعلى للشؤن الإسلامية ) طبعة عام 2008 – ص 553
[4] http://www.cybrarians.info/journal/no12/copyright.htm
[5] 7818http://www.alyaseer.net/vb/showthread.php?t=
[7] الموسوعة الإسلامية العامة – سابق الإشارة اليه – ص 1358
[8] الوسيط فى شرح القانون المدنى – سابق الإشارة اليه – ص 257
ساحة النقاش