مقاومة النبات للأملاح
تعاني أكثر من 7 % من مساحة اليابسة كما تعاني أكثر من 15% من نسبة الأراضي الصالحة للزراعة في العالم من التملح ، وهذه الزيادة في نسبة الأملاح في التربة و في مياه الري ,بل وفي الجو المحيط بالنبات ( كما يحدث في النباتات المنزرعة قرب شواطئ البحار) تؤدي إلى حدوث إجهادٍ ملحي Salt stress على النباتات وهذا الإجهاد يؤدي إلى إنقاص كمية المحاصيل الزراعية كما يؤدي كذلك إلى تقزم النبات أو بطء نموه وذلك لأن ازدياد مستوى شوارد الكلور و الصوديوم في عصارة النبات تؤدي إلى حدوث اضطرابٍ في التوازن ألشاردي ionic imbalance داخل الخلية النباتية.
ويؤدي ازدياد تركيز الأملاح في التربة إلى جفاف الجذور لأن أملاح التربة تقوم بسحب الماء من هذه الجذور، ويزداد تأثير الأملاح على النبات خلال الأجواء الجافة و الحارة .
وفي الأشجار المتساقطة الأوراق يظهر تأثير الأملاح غالباً في أواخر فصل الصيف.
أما في الأشجارالدائمة الخضرة فإن تأثير الأملاح قد يظهر في أواخر الشتاء و بدايات الربيع .
وغالباً فإن التملح لا يحدث في الأراضي التي تزيد معدلات الأمطار فيها عن 450 مللي متر سنوياً مالم يتم استخدام مياه جوفية مالحة في ري هذه الأراضي , ومالم يتم الإفراط في استخدام الأسمدة الكيميائية ، أما الأسمدة العضوية و الخضراء فإنها تقي الأرض من أخطار التملح.
هنالك أصنافٌ عديدةٌ من النباتات المتحملة للأملاح و هذه النباتات أصبحت تشكلُ أملاً كبيراً في زراعة الصحارى والأراضي غير القابلة للزراعة سواءً بالاستفادة منها بشكلٍ مباشر و ذلك بزراعتها كمحاصيل قابلةٍ للاستهلاك البشري كما هي الحال في نبات الساليكورنيا أو كأعلافٍ للماشية , أو الاستفادة منها بطريقة غير مباشرة وذلك بمحاولة نقل المورثات المقاومة للأملاح من تلك النباتات إلى المحاصيل الزراعية التقليدية.
ويمكن للنباتات المقاومة للأملاح أن تحتمل النمو في أوساطٍ يتراوح معدل ملوحتها من درجةٍ مساويةٍ لملوحة مياه البحر إلى درجة ملوحة تزيد عن درجة ملوحة مياه البحر ASWAS, وتذكر المراجع المتخصصة أن هنالك ما يزيد عن 2500 نبات من النباتات المقاومة للأملاح تتوزع في معظم أجزاء الكرة الأرضية ، فنبات التريبوليوم Tripolium مثلاً ينمو في سيبيريا بشكل طبيعي أما نبات الاستر تريبوليوم Aster Tripolium فهو ينمو في أوروبة في فصل الصيف وقد نجحت تجربة زراعته في المناطق الدافئة في آسيا في فصل الشتاء وهذا النبات هو من النباتات التي يمكن ريها بمياه البحار , كما اكتشفت أنواعٌ من الطماطم البرية التي تعتاش على مياه البحار في جزيرة غالاباغوس في الإكوادور كما عثر كذلك على أنواعٍ من البطيخ التي تعيش على سواحل البحار في تلك الجزيرة.
يصنف النباتيون النباتات المتحملة للأملاح إلى عدة أقسام فهنالك المتحملات الحقيقية للأملاح True halophytes ,وهذه النباتات تنموا في الأوساط الرطبة الغدقة التي يزيد تركيز كلور الصوديوم فيها عن 0.5 % ، وهنالك كذلك النباتات الصحراوية المتحملة للملوحة و الجفاف Xerohalophytes وسنذكر لاحقاً تصنيفاتٍ أخرى لهذه النباتات علما أن كلاً من النباتات الصحراوية المتحملة للأملاح و النباتات التي تنمو على شواطئ البحار تمتلك آلياتٍ متشابهة في مقاومة الأملاح.
إن مقاومة الإجهاد الذي تسببه الأملاح على النباتات تعتمد على آليتين رئيسيتين :
الآلية الأولى هي آلية تحمل الأملاح salt tolerance و النباتات التي تعتمد على هذه الآلية في مقاومة الأملاح تقوم بتجميع الأملاح في أنسجتها أما الآلية الثانية فهي آلية تجنب الأملاح salt avoidance و النباتات التي تعتمد على هذه الآلية تقوم بمضائلة تركيز الأملاح داخل أنسجتها و ذلك بطرح الأملاح الزائدة عبر الأوراق أو الجذور كما يحدث في نبات المانغروف , و بذلك فإن النباتات المتحملة للأملاح تنقسم إلى صنفين رئيسيين من حيث آلية مقاومتهما للأملاح : فهنالك صنفٌ إطراحي Excretive يقوم بطرح الأملاح الزائدة و هنالك صنفٌ عصاري succulents يقوم بتجميع الأملاح في أنسجته, و بعض النباتيين يصنفون هذه النباتات على أنها نباتاتٌ طاردةٌ للأملاح excluder ونباتاتٌ مخزنةٌ للأملاح ويجب ألا نغفل هنا النباتات البحرية التي تعيش مغمورةً في المياه المالحة .
إن النباتات المتحملة للأملاح التي تعتمد على آلية طرح الأملاح الزائدة تمتلك غدداً خاصة تقوم بإطراح الأملاح الزائدة أما النباتات العصارية فإنها تعتمد على مبدأ زيادة المحتوى المائي في أنسجتها حتى تقلل من سمية تلك الأملاح كما هي حال نبات الساليكورنيا .
و بشكلٍ عام فإن كلاً من النباتات التي تطرح الأملاح و النباتات التي تقلل من تركيز الأملاح في عصارتها هي نباتاتٌ متجنبةٌ للأملاح إذا أردنا المعنى الدقيق للكلمة , أما الأعشاب البحرية التي تعيش في المياه المالحة فهي نباتاتٌ متأقلمةٌ مع الأوساط المالحة بشكل تام , فمعظم هذه الأعشاب لا تقوم بطرح الأملاح كما أنها لا تقوم بزيادة محتواها المائي لأنها تتميز بمستوى ضغطٍ تنافذي ( اسموزي) osmolality في سيتوبلاسم خلاياها مناسبٍ للضغط التنافذي (الاسموزي) للمياه المالحة.
وهنالك مراجعٌ علمية تصنف النباتات المتحملة للأملاح Halophytes إلى نباتاتٍ تحتاج إلى قدرٍ معين من كلور الصوديوم في مياه الري , وهذه النباتات تدعى بالنباتات الإجبارية Obligate ، و نباتاتٍ أخرى يمكنها أن تعيش بشكل طبيعي عندما تروى بالماء العذب و هذه النباتات تدعى بالنباتات الاختيارية facultative .
وهذه المراجع تصنف النباتات المتحملة للأملاح على أنها نباتات أوساطٍ رطبة Hydro-halophytes وهي نباتاتٌ متحملة للأملاح تنموا في البيئات الرطبة كشواطئ البحار والسبخات Sabkhas وتنتمي لهذا الصنف معظم أنواع المانغروف و الساليكورنيا , أما الصنف الثاني وقد ذكرناه سابقاً فهو نباتات المناطق الجافة المتحملة للأملاح Xerohalophytes وهي نباتاتٌ تنموا في أوساط ملحية قاحلةٍ و جافة، وهذه النباتات تتعرض لإجهادٍ مائي ( إجهاد الجفاف) بالإضافة إلى تعرضها للإجهاد الملحي و ذلك بسبب انخفاض الرطوبة الجوية و رطوبة التربة في البيئات القاحلة التي تنمو فيها هذه النباتات ، علماً أن بعض علماء النبات و البيئة يرون أن كلاً من الإجهاد الملحي و إجهاد الجفاف هما تقريباً أمرٌ واحد, لكن الاختلاف بين الإجهاد الملحي و الإجهاد المائي يتبدى واضحاً في حال نباتاتٍ كنبات الساليكورنيا فهذا النبات يتحمل الإجهاد الملحي لكنه لا يستطيع تحمل الإجهاد المائي فبإمكان الساليكورنيا أن تعيش في الصحراء إذا قمنا بريها بماء البحار لكنها تموت خلال بضعة أيام إذا قمنا بالتوقف عن ريها.
وعلى كل حال فإن من أمثلة نباتات المناطق القاحلة المتحملة للجفاف و الملوحة شجيرة الأراك أو السلفادورا بيرسيكا .
أما من الناحية المورفولوجي أو التشريحية فإن بعض النباتات المقاومة للأملاح تتميز بوجود حويصلاتٍ ملحيةٍ على الأوراق حيث تقوم هذه النباتات بتجميع الأملاح و تخزينها في تلك الحويصلات .
مقاومة الأملاح على مستوى الخلية النباتية إن وصول شوارد الصوديوم إلى الخلايا الحارسة لمسام أوراق النبات يمنع عنصر البوتاسيوم من تأدية وظيفته في تنظيم عمل مسام النبات و يبقيها مفتوحةً أو مغلقً بشكل دائم ، فإذا بقيت المسام مفتوحةً بشكلٍ دائم فقد النبات سوائله عن طريق التبخر و حصل انهيارٌ في التوازن المائي داخل النبات , و إذا أغلقت هذه المسام بشكل دائم تعذر على النبات الحصول على الغازات اللازمة لإتمام عمليتي التنفس و التركيب الضوئي .
أي أن عمل المسام يتعطل عند وصول شوارد الصوديوم إلى سيتوبلاسم الخلايا الحارسة لمسام الأوراق في النباتات التي لا تحتمل الأملاح و هذا يعني بأن آلية عمل المسام في النباتات الكارهة للأملاح تختلف عن آلية عمل المسام في النباتات المتحملة للأملاح , حتى أن بعض الدراسات العلمية تقول بأن الخلايا الحارسة للمسام في النباتات المتحملة للأملاح تستخدم شوارد الصوديوم بدلاً من البوتاسيوم للقيام بعملها.
و هكذا فإن ضغط الأملاح يثبط نمو الخلية النباتية و ذلك لأن إغلاق النبات للمسام يقلل من كمية ثاني أكسيد الكربون الداخلة إلى الخلية و الذي يستخدمه النبات في عملية التركيب الضوئي , و كذلك فإن الإجهاد الملحي يثبط انقسام الخلية النباتية و يعود هذا الأمر إلى مورثٍ يدعى بالمورث ICK1 وهذا المورث مسؤول عن منع الخلية من الانقسام عند تعرضها لاجهادٍ ملحي وهذا النمط من المورثات ينشط كذلك عند تعرض الخلية النباتية للإجهادات الأخرى كالجفاف و البرودة وغالباً فإن مثل هذه المورثات لاتنشط في الظروف الطبيعية .
وكما ذكرنا سابقاً فإن هنالك علاقة واضحة في بعض النباتات المتحملة للأملاح بين مستوى الشوارد القلوية وبين المحتوى المائي لهذه النباتات فكلما ازداد مستوى الشوارد القلوية كلما ازداد المحتوى المائي ، والنبات يقوم بعملية زيادة المحتوى المائي داخل أنسجته و خلاياه حتى يضائل من سمية هذه الشوارد.
وكذلك فقد لوحظ أن أوراق النباتات المقاومة للأملاح تحوي عدداً أكبر من الجسيمات الميتاكوندرية mitochondria , كما أن الجسيمات الميتاكوندرية في أوراق النباتات التي تتعرض للإجهاد الملحي تكون أكبر حجماً و ذلك لأن النباتات التي تتعرض للإجهاد الملحي تحتاج إلى قدرٍ إضافيٍ من الطاقة حتى تتخلص من الأملاح الزائدة وحتى تستطيع امتصاص الماء من التربة.
إن مقدرة النبات على مقاومة الأملاح لا تعني المقدرة على التعامل مع شوارد الصوديوم وحسب , بل تعني كذلك مقدرة هذا النبات على امتصاص وتخزين عنصر البوتاسيوم لأن امتصاص النبات للبوتاسيوم يتأثر عند زيادة تركيز الصوديوم نظراً للتشابه الشديد بين شوارد هذين العنصرين .
و كذلك فإن تعرض النبات للإجهاد الملحي و غيره من الظروف غير الملائمة يؤدي إلى زيادة حمض الابسيسيك Abscisic Acid أو ABB في الخلية النباتية وزيادة تركيز حمض الابسيسيك ترتبط بزيادة مستوى شوارد البوتاسيوم وهو الأمر الذي يؤدي إلى ازدياد مقدرة النبات على مقاومة الأملاح وهذا الأمر غالباً ما يقتصر على النباتات المقاومة للأملاح.
أما مورث ال HKT1 فهو عبارةٌ عن ناقل لعنصر الصوديوم من الأجزاء الهوائية في النبات إلى المجموع الجذري و بالعكس .
وكما نعلم جميعاً فإن تركيز الأملاح في وسطين سائليين متماسين يتجه من الوسط الأكثر تركيزاً إلى الوسط الأقل تركيزاً إلى أن يحصل تعادلٌ في تركيز الأملاح بين هذين الوسطين و هكذا فإن أملاح التربة تقلل من مقدرة النبات على امتصاص المياه لأن القوانين الفيزيائية في مثل هذه الحالة تكون في صالح انتقال الماء من داخل النبات إلى وسط النمو الذي يتميز بتركيزٍ عالٍ من الأملاح , لذلك فإن النبات يتجه إلى صنع مركبات تعمل على تقليل مستوى التأكسد الناتج عن ازدياد معدل الجذور الحرة Free radicals و التي يتسبب مستوى الأملاح المرتفع في انتشارها مع علمنا بما تسببه هذه الجذور الحرة من أضرار للخلية الحية و كذلك فإن النبات ينتج مركباتٍ تساعده على حفظ التوازن التنافذي ( الاسموزي) في ظروف الإجهاد الملحي كالسكر و الحموض الأمينية Amino Acids ومركبات السلفونيوم Sulphonium ومن هذه المركبات مركب الغلايكين بيتين Glycin Betain و كذلك فقد لوحظ ازدياد تركيز و نشاط مركب BADH باتين الديهايد ديهايدروجينيز Batain Aldehyde Dehydrogenase عدة أضعاف في جذور الشوندر السكري و أوراقه عند تعرض الشوندر السكري لإجهادٍ ملحي و يطلق بعض المختصين على هذه المركبات تسمية منظمات الضغط التنافذي ( الاسموزي).
وكذلك فإن بعض النباتات المقاومة للأملاح تقوم بتجميع كمياتٍ كبيرةٍ من مركب برولاين انالوجز Proline Analogues وهذا المركب هو من منظمات الضغط التنافذي osmoprotectants وهويستخدم اليوم في معالجة البذور للحصول على بادراتٍ مقاومةٍ لأملاح التربة.
ساحة النقاش