لماذا تتصدر منظومة فنلندا التعليمية منظومات العالم؟
تتصدّر فنلندا الدولة الصغيرة الكائنة في أقصى شمال أوروبا سلم التعليم في العالم فهي على رأس قائمة الدول الأكثر نجاحاً في التعليم، حسب التقييم العالمي (PISA )، حيث أظهر أطفال فنلندا تفوقا واضحا وحصلوا علي درجات غير مسبوقة في الرياضيات والعلوم ومهارات القراءة واستخدام المعلومات، رغم أن هذه الاختبارات ليست تفريغا لمعلومات تم استذكارها.. فدولة فنلندا تتربع، بلا منافس، علي عرش التصنيف العالمي في جودة التعليم وهذا النجاح عمره ثلاثة عقود فقط (منذ1977)، ويتمثل السبب الرئيسي في أنها عندما فكرت في إصلاح نظامها التعليمي بدأت بالمدرّس ونجحت في ذلك.
كفاءة المعلّم عامل أساسي في نجاح التجربة التربوية الفنلندية:
فالعامل الأساسي الذي يفسر تفوق النظام التعليمي في فنلندا هو جودة الطاقم التدريسي وكفاءته العالية. منذ عام 1979 أصبح الحصول على درجة الماجستير ضرورياً للتدريس في المدارس الابتدائية والثانوية، كما أن المهنة تحظى بشعبية واسعة لدى الفنلنديين إلى درجة تم فيها تحديد المقاعد الدراسية المخصصة لبرامج التربية وقبول ما بين 10 و15 في المائة فقط من الطلبات. وهو ما جعل المدرسين في فنلندا يشاركون بشكل فعال في صياغة المناهج الدراسية ويشرفون على تطبيقها في مدارسهم. يبدأ المدرس العمل كمساعد لمدرس آخر قدير ثمّ يمرّ بمناظرة لينتدب في سنّ تقارب 28 ويعمل إلى حدود سن 68عاما(سن التقاعد). المدرس هو المسؤول على حراسة التلاميذ في الساحة وفي المطعم ويتابع التلميذ حتّى في البيت بالاتصال بالأولياء.
التلميذ يتمتع بدروس وغذاء مجاني:
فيبدأ التلميذ في فنلندا الالتحاق بالمدرسة في سن السبع سنوات ليحضر نصف يوم فقط وتستمر هذه المرحلة الدراسية من هذا العمر حتى عمر 16 عاماً في ما يسمى بمرحلة التعليم الأساسي، أما في السنوات من 7 إلى 12 عاماً فيدرِّسُ التلاميذ مدرسٌ واحدٌ لكل قسم في مجالين. و سنوات التعليم الإلزامي العام في فنلندا تعليم مجاني، تكون الوجبات الغذائية والكتب والأدوات المدرسية مجانية. التلاميذ الفنلنديين يقضون في المدارس وقتا أقل من نظرائهم في دول أوروبية أخري، كما يتساوي مجمل الإنفاق العام على التعليم مع هذه الدول.
غياب الامتحانات:
ليست هناك في فنلندا اختبارات عامة للتلاميذ خلال التسع السنوات الأولى. ولكن يتم تقييم الأداء بناء على اختيار 10 في المائة من كل شريحة عمرية وتجرى الاختبارات وتحتفظ المدارس بالنتائج بكل سرية... وبعد السنة الخامسة، لا يسمح قانونيّاً بإسناد أعداد للتلاميذ ولا يمسح بالمقارنة بينهم.. كما لا يسمح بأن تقارن المدارس مع بعضها بعضاً.هذا لا يحجب حرص المدرسين الفنلنديين على مراعاة الفروق الفردية بين التلاميذ والتأكد من تملّكهم للكفايات التعليمية.
تشجيع البحث العلمي:
عامل آخر ساهم في نجاح المنظومة التربوية الفنلندية هو تشجيع البحث العلمي والإبداع والابتكار الذي يستند إلي توقعات استراتيجية لعبت فيها جميع قطاعات الدولة دورا كبيرا في تطوير الإمكانات التنافسية لها، حتي إن شركة رائدة في مجال الإلكترونيات كانت مسئولة وحدها عن تمويل25% من استثمارات الدولة في الأبحاث والتنمية، كما قامت فنلندا بتطوير منظومة وطنية لتصدير الالكترونيات تستأثر حاليا بثلث إجمالي الصادرات. كل هذا التطور كان مرجعه الارتفاع الكبير في مستوي التعليم والإنفاق علي الأبحاث العلمية والذي وصل إلي ما يقارب أربعة بالمائة(3,4% ، حسب بحث شخصي )من الناتج المحلي الاجمالي (جاء70% منها من القطاع الخاص)، وهو معدل مرتفع للغاية إذا ما قورن دوليا.
هل يمكن استنساخ هذا النموذج؟
لقد أصبحت فنلندا بحق مثالا يستثير الاهتمام في انجازها التربوي.ومع ذلك يجب أن نحذر من الاستعجال في استيراد نماذج تعليمية واستنباتها في بلادنا، ، فإنه يمكننا التعلم من تجارب الآخرين، لكن ذلك لا يعني نقل ممارسات دول أخرى وتطبيقها تونس، بسبب اختلاف الظروف والبيئات التعليمية والمجتمعية، كما أن العديد من تلك التجارب هي وليدة مناخ ثقافي مختلف قد لا يلائم المدارس التونسية.
ساحة النقاش