الجزء الثانى
من
قصص العلماء
فاروق الباز
وُلِد د. فاروق في الأول من يناير عام 1938م من أسرة بسيطة الحال في قرية طوخ الأقلام من قرى السنبلاوين في محافظة الدقهلية.. كان والده أول من حصل على التعليم الأزهري في قريته.. وكانت أمه رغم بساطتها عونًا له في اتخاذ قراراته المصيرية؛ حيث كانت تمتلك ذكاء فطريًّا على حد وصف د. فاروق.
حصل على شهادة البكالوريوس (كيمياء - جيولوجيا) في عام 1958م، وقام بتدريس مادة الجيولوجيا بجامعة أسيوط حتى عام 1960م، حينما حصل على منحة لاستكمال دراسته بالولايات المتحدة. نال شهادة الماجستير في الجيولوجيا عام 1961م من معهد علم المعادن بميسوري الأمريكية.. وحصل على عضوية فخرية في إحدى الجمعيات الهامة (Sigma Xi) تقديرًا لجهوده في رسالة الماجستير، نال شهادة الدكتوراة في عام 1964م وتخصَّص في التكنولوجيا الاقتصادية.. واستطاع خلال هذه الفترة زيارة المناجم الهامة، وجمع آلاف العيِّنات من بلاد العالم التي زارها.
ثم عاد إلى مصر سنة 1965 وبعد رحلة من المعاناة مع التخلف سافر سرًّا إلى أمريكا سنة 1966؛ خوفًا من الظروف السياسية الشائكة التي كانت في مصر آنذاك. وهناك بدأ في رحلة شاقة للبحث عن عمل، ونظرًا لوصوله بعد بدء العام الدراسي، فلم تقبله أي جامعة من الجامعات؛ فأخذ يبعث طلبات التحاق إلى الشركات جاوزت المائة في عددها، إلى أن بعثت له "ناسا" التي كانت تطلب جيولوجيين متخصصين في القمر الموافقة وسط دهشة د. فاروق.
والعجيب أنه لم يكن يعلم شيئًا عن جيولوجيا القمر، ودخل ناسا وهو لا يعلم أنه سيكون له فيها شأن. وقد وفَّقه الله إلى أحد المؤتمرات الجيولوجية والتي تحدَّث فيها علماء القمر عن فوَّهاته ومنخفضاته وجباله. لم يفهم شيئًا، وهو ما قيل طيلة ثلاثة أيام متواصلة، وحينما سأل أحد الجالسين عن كتاب يجمع هذه التضاريس، أجابه قائلاً: "لا حاجة لنا إلى أي كتاب فنحن نعرف كل شيء عنه".. حرَّكته الإجابة إلى البحث والمعرفة، ودخل المكتبة التي ضجَّت بالصور القمرية التي يعلوها التراب، وعكف على دراسة 4322 صورة طيلة ثلاثة أشهر كاملة، وتوصل إلى معلومات متميزة.
اكتشف د. الباز أن هناك ما يقرب من 16 مكانًا يصلح للهبوط فوق القمر، وفي المؤتمر الثاني الذي حضره. كان د. الباز على المنصَّة يعرض ما توصَّل إليه وسط تساؤل الحاضرين عن ماهيته، حتى إن العالِم الذي قال له من قبل نحن نعرف كل شيء عن القمر قام وقال: "اكتشفت الآن أننا كنا لا نعرف شيئًا عن القمر".
دخل الباز تاريخ ناسا، وأوكلت له مهمتين رئيسيتين في أول رحلة لهبوط الإنسان على سطح القمر: الأولى هي اختيار مواقع الهبوط على سطح القمر، والثانية تدريب طاقم روَّاد الفضاء على وصف القمر بطريقة جيولوجية علمية، وجمع العيِّنات المطلوبة، وتصويره بالأجهزة الحديثة المصاحبة.
تقديرًا لأستاذه؛ بعث "نيل آرمسترونج" برسالة إلى الأرض باللغة العربية، واصطحب معه ورقة مكتوب عليها سورة الفاتحة ودعاء من د. فاروق تيمنًا منه بالنجاح والتوفيق.
بانطلاق أبوللو ونجاح مهمته سطع نجم د. فاروق الباز، بعد مشاركته فيه من عام 1967م إلى 1972م، وبدأ اسمه يأخذ مكانًا في الصحافة العلمية والتلفزيون الأمريكي.
بعد انتهاء مهمة أبولُّلو، شارك مع معهد Smithsonian بواشنطن في إقامة وإدارة مركز أبحاث الكون في المتحف الدولي للفضاء.
وفي عام 1973م عمل كرئيس الملاحظة الكونية والتصوير في مشروعApollo- soyuz الذي قام بأول مهمة أمريكية سوفييتية في يوليو 1975م.
وفي عام 1986م انضم إلى جامعة بوسطن، مركز الاستشعار عن بُعد باستخدام تكنولوجيا الفضاء في مجالات الجيولوجيا، الجغرافيا، وقد طوَّر نظام الاستشعار عن بُعْد في اكتشاف بعض الآثار المصرية.
توجَّه د. الباز بعد ذلك إلى دراسة الصحراء.. وخلال 25 عامًا قضاها في هذا المجال حتى الآن، اهتم بتصوير المناطق الجافة خاصة في صحراء شمال أفريقيا، وجمع معلوماته من خلال زياراته لكل الصحراء الأساسية حول العالم.. كان أكثرها تميزًا زيارته للصحراء الشمالية الغربية في الصين، بعد تطبيع العلاقات مع أمريكا عام 1979م.. وبسبب أبحاثه انتخب زميلاً للمعهد الأمريكي لتقدم العلوم AAAS.
كان مما يميز د. الباز استخدامه التقنيات الحديثة في دراسة الصحراء؛ حيث استخدمها أولاً في الصحراء الغربية بمصر، ثم صحراء الكويت، قطر، الإمارات، وغيرها.
وقد فنَّدت أبحاثه المعلومات السابقة أن الصحراء كانت من نتائج فعل الإنسان، وأثبت أنها تطور طبيعي للتغيرات المناخية للأرض.
انتخب د. الباز كعضو، أو مبعوث أو رئيس لما يقرب من 40 من المعاهد والمجالس واللجان.. منها انتخابه مبعوثًا لأكاديمية العالم الثالث للعلوم TWAS في 1985م، وأصبح من مجلسها الاستشاري في 1997م، وعضوًا في مجلس العلوم والتكنولوجيا الفضائية، ورئيسًا لمؤسسة الحفاظ على الآثار المصرية، وعضوًا في المركز الدولي للفيزياء الأكاديمية في اليونسكو، مبعوث الأكاديمية الأفريقية للعلوم، زميل الأكاديمية الإسلامية للعلوم بباكستان، وعضوًا مؤسسًا في الأكاديمية العربية للعلوم بلبنان.. ورئيسًا للجمعية العربية لأبحاث الصحراء.
كتب د. الباز 12 كتابًا، منها أبوللو فوق القمر، الصحراء والأراضي الجافة، حرب الخليج والبيئة، أطلس لصور الأقمار الصناعية للكويت.. ويشارك في المجلس الاستشاري لعدة مجلات علمية عالمية.
كتب مقالات عديدة، وتمت لقاءات كثيرة عن قصة حياته وصلت إلى الأربعين.. منها "النجوم المصرية في السماء"، "من الأهرام إلى القمر"، "الفتى الفلاح فوق القمر".. وغيرها.
حصل د. الباز على ما يقرب من 31 جائزة، نذكر منها على سبيل المثال: جائزة إنجاز أبوللو، الميدالية المميزة للعلوم، جائزة تدريب فريق العمل من ناسا، جائزة فريق علم القمريات، جائزة فريق العمل في مشروع أبوللو الأمريكي السوفييتي، جائزة ميريت من الدرجة الأولى من الرئيس أنور السادات، جائزة الباب الذهبي من المعهد الدولي في بوسطن، الابن المميز من محافظة الدقهلية، وقد سمِّيت مدرسته الابتدائية باسمه.. وهو ضمن مجلس إمناء الجمعية الجيولوجية في أمريكا، المركز المصري للدراسات الاقتصادية، مجلس العلاقات المصرية الأمريكية.
وقد أنشأت الجمعية الجيولوجية في أمريكا جائزة سنوية باسمه أطلق عليها "جائزة فاروق الباز لأبحاث الصحراء".
تبلغ أوراق د. الباز العلمية المنشورة إلى ما يقرب من 540 ورقة علمية، سواء قام بها وحيدًا أو بمشاركة آخرين.. ويشرف على العديد من رسائل الدكتوراة.
يقول د. الباز: "أحمد الله سبحانه وتعالى أنني رأيت أشياء لم يرها عشرون مثلي"، هذا هو د. فاروق الباز ببداياته وقفزاته وأحلامه.. وكم من أمثاله الذين نبغوا وأبدعوا ولكن.. خارج ديارهم.
محمد عبد السلام
محمد عبد السلام " اسم تردد بين جنبات الأبنية الفخمة الشاهقة لمؤسسة نوبل، حينما أذيع أسماء العلماء الفائزين بجائزة "نوبل" للفيزياء عام 1979.
ولد عبد السلام في قرية "جهانج" بمقاطعة "لاهور" بالبنجاب عام 1956 والتي كانت في ذلك الوقت جزءاً من الهند، ظهر نبوغه المبكر في الرياضيات محطماً كل الأرقام القياسية في امتحانات القبول، وحاصدا لجوائز التفوق في جميع مراحل التعليم، تخرج في الجامعة عام 1944، وحصل على درجة الماجستير في الرياضيات من جامعة "لاهور" بالبنجاب بعد سنتين في عام 1946 وفي صيف هذا العام بالتحديد، تم منح عبد السلام منحة إلى جامعة "كامبريدج " بإنجلترا، فلقد اختير قبله طالب هندي آخر يدرس مادة الأدب الإنجليزي، ولكنه اعتذر قبل سفره بفترة قليلة؛ فرشحت" الهيئة الهندية العليا " الطالب/ عبد السلام؛ ليسافر بدلا منه.
في الطريق إلى نوبل:
في "كامبريدج" وبالتحديد في كلية "سانت جون" لفت عبد السلام الأنظار إليه حينما حصل في سنتين على دبلومين في الرياضة المتقدمة والفيزياء، وكان في مركزه الأول المعهود.
ثم بدأ أبحاثه في عام 1946 في معامل كافيندش Cavendish وتعلم على يد واحد من الأوائل في مجال الفيزياء النظرية وخاصة في الجسيمات الأولية ألا وهو د/ كيمر Dr. Nicholas Kemmer أستاذ الفيزياء الرياضية بجامعة كامبريدج، كان كيمر أول مشرف رسمي على عبد السلام وهو الذي عرفه على العالم الكبير د/ ماثيو Paul Matthews الذي قدمه إلى النظرية الكميةQuantum theory وأدخله في محاولات لإيجاد الإجابات المفقودة في هذه النظرية.
سافر عبد السلام إلى معهد الدراسات المتقدمة في برنستون Princeton في نيو جيرسي بالولايات المتحدة في صحبه ماثيو، وهناك في 2 مايو 1951م عمل على انتخابه زميلاً للأبحاث العلمية في كلية سانت جون. ومن هنا بدأ يلمع نجمه دولياً، وأخذت أبحاثه تحتل مكاناً بين أبحاث العلماء المتميزين.
التأثير الأكبر على عبد السلام في بداية حياته كان من المعلم المخلص د / بول ديراك Paul Diarc والذي عاش البطل الأكبر في حياة عبد السلام الذي رآه أعظم علماء القرن في الفيزياء، وأن أبحاثه هي التي أعطت الشهرة الكبيرة لأبحاث أينشتين في الرياضيات.
كان عبد السلام يخطط دائماً للعودة إلى وطنه "باكستان" والتي استقلت عن الهند في عام 1948 لينقل ما حمل من علم ويضعه في خدمة شعبه وحكومته. فقرر عام 1952 العودة بعد حصوله على درجة الدكتوراه، وعين هناك رئيساً لقسم الرياضيات بجامعة البنجاب بلاهور.
مرت السنوات عصيبة على عكس ما كان يتوقع، واكتشف صعوبة الاستمرار في أبحاثه لقلة الإمكانات الموجودة، فسرعان ما قبل دعوة أخرى من جامعة كامبريدج عام 1954 وعاد كأستاذ جامعي في الرياضيات وزميلا لكلية سانت جون.
بقى د / عبد السلام في جامعة كامبردج حتى عام 1957، ثم انتقل إلى الكلية الملكية بلندن كأستاذ في الفيزياء.. وقد حصل في العام نفسه على الدكتوراه الفخرية من جامعة البنجاب، ثم انتخب مبعوثاً للكلية الملكية عندما بلغ من العمر 33 سنة عام 1959.
تنقل د. عبد السلام بين مراكز عديدة، ومنح أوسمة عالية... نذكر منها:
- أرفع وسام لدولة باكستان من رئيس الجمهورية وعين مستشاراً علمياً للرئيس.. كما منح وسام الجمعية الفيزيائية البريطانية عام 1960 وعين عضواً في لجنة العلوم والتكنولوجيا.
- وتقديراً لجهوده كرئيس للجنة الفرعية التي أنشأتها الأمم المتحدة لدراسة إمكانية تقديم العون من الدول الصناعية للبلدان النامية .. حصل د / عبد السلام على جائزة "هيوج" من الجمعية الملكية للعلوم عام 1964.
- هذا فضلاً عن جائزة وميدالية بنهايمر (1971) ، وميدالية أيشتين من اليونسكو (1979) وميدالية السلام (1981) وجائزة الفروسية تقديراً لجهوده في العلوم البريطانية (1989) ونيشان الامتياز الباكستاني (1979).
- كما يحمل د / عبد السلام المراكز الفخرية في أكثر من أربعين جامعة على مستوى العالم، وتم اختياره عضواً في معهد الدراسات العليا في "برنستيو"ن، والذي لا يحظى بعضويته إلا كبار العلماء.
عام 1979، حصل د / عبد السلام على جائزة نوبل في الفيزياء مشاركة مع العالمين ستيف واينبرج Weinberg وجلاشو Glashow حينما قام بتقديم نظريته التي تقضي بتوحد قوتين من القوى الرئيسية في الكون إلى قوة واحدة.
فمن المعروف فيزيائيا أن القوى الأساسية في الكون أربعة: ألا وهي: قوى الجاذبية المادية التي تتسبب في سقوط الأجسام نحو سطح الأرض أو في استقرار حركة الكواكب.. ثم القوى الكهرومغناطيسية، التي ينتج عنها تجاذب أو تنافر الشحنات الكهربائية، فالقوى النووية الضعيفة التي تظهر في انحلال الأنوية عن طريق إشعاع جسيمات مثل الإلكترونات وغيرها وأخيراً القوى النووية القوية وهي المسئولة عن تماسك النواة، وفي حالة انشطارها تتولد طاقة كبيرة يمكن استغلالها سلمياً أو تدميرياً. وقام عبد السلام بتطوير نظرية لتوحيد القوى النووية الضعيفة والكهرومغناطيسية، بل وجزم بإمكانية توحيد القوى النووية القوية مع القوى الثلاث الأخرى.
واهتم أيضا بالنظرية الكمية، التي تصف سلوك المادة بجسيماتها الأولية والطاقة في الكون. وقام بدراسات عديدة على الجسيمات الأولية مثل الإلكترون (ذو الشحنة السالبة) والبروتون (ذو الشحنة الموجبة) والنيوترون (المتعادل) والتي تتواجد في الذرة. واهتم بجزيء "نيوترنيو" الذي لم يسجل له العلماء شحنه أو كتله (أو ربما تكون ضعيفة جداً) وثبت تأثره بالقوى النووية الضعيفة التى تستطيع التغيير من شكله.. فكان عبد السلام أول من وصل الى أن هذا الجزيء يدور في اتجاه عكس عقارب الساعة، مما أوضح نقاطاً كانت غائبة في فهم نظرية القوى النووية الضعيفة وتأثيراتها.
وكان يرى أن ديراك كما ذكرنا من قبل أعظم علماء القرن؛ حيث قام بتطوير علم ميكانيكا الكم النسبية ليصف به حركة الجسيمات الدقيقة ذات السرعات العالية.. وتوصل إلى معادلة سميت باسمه، وعند تطبيقها على جسيم الإلكترون تنبأ بوجود جسيم آخر له نفس كتلة الإلكترون، ولكن ذو شحنة موجبة وهو البوزتيرون الذي اكتشفه كارل أندرسون بعد ذلك في عام 1932.
عاش عبد السلام حياته مشغولاً بالعوائق التى تقف أمام تقدم العالم الثالث في العلم والتعليم .. وكان يرى أن الفجوة الكبيرة بين الدول الصناعية الكبرى والنامية لن تضيق إلا إذا استطاعت الدول النامية أن تحكم نفسها في مستقبلها العلمي والتكنولوجي، وأن ذلك لن يتحقق من خلال استيراد التكنولوجيا من الخارج، بل من خلال تدريب نخبة من العلماء المتميزين والزج بهم في مجالات العلم المختلفة، وقد سجل رؤيته عن الحاجة الملحة للعلوم والتكنولوجيا في العالم الثالث في كتابة "المثاليات والحقائق ". ولم يتأخر في مد يد العون لشباب العلماء من العالم الثالث، وصرف جزءا من أمواله لمساعدتهم.
وقد كان إنشاؤه للمركز الدولي للفيزياء النظرية في تريستا Trieste بإيطاليا في عام 1964 انعاكساً لفكره ومبدئه؛ حيث كان هدف المركز الأول هو إيجاد مكان للفيزيائيين الشبان من العالم الثالث؛ لاستكمال أبحاثهم، وقد استمر مديره حتى عام 1994 حيث كان منارة للعمل الدءوب والطموح العالي.
وقد دعا د.عبد السلام إلى توظيف علوم الفيزياء لخدمة السلام والتعاون الدولي، ووضعه هدفًا من أهدافه، حتى إن البعض كان يعتقد باستحقاقه لجائزة نوبل للسلام فضلا عن جائز نوبل للفيزياء.
كان عبد السلام رجلاً متواضعاً، مرحاً يحب الاستمتاع بالحياة كما يراه تلامذته، ولا يأنف أن يستمع إلى كل الأفكار الجديدة حتى ولو لم تكن جديرة بالثقة، ورغم خوضه الشديد في مجال الفيزياء فإنه كان يرفض تعقيد المادة، ويرد على من يحاول ذلك بقوله: "أنا إنسان متواضع".
وقد صنف شباب العلماء هؤلاء العلماء الكبار الى صنفين: صنف واضح تستطيع أن تفهمه، يفتح لك مجال الاختيار، وصنف ثانٍ وهم "الساحرون" المبهمون ذوو الشخصية المحيرة، وكان " محمد عبد السلام " واحدا من هؤلاء، تردد عن عبد السلام اعتناقه للمذهب القادياني وكان يحتفظ دائما بالنزعة الشرقية فى شخصيته، وقد ظهر هذا جلياً حينما حرص على حضور حفل توزيع جوائز نوبل بالزي الرسمي الباكستاني، بل كان متزوجا باثنتين، وحرص على حضورهما معا فى الحفل، حتى كاد الأمر يتحول إلى كارثة دبلوماسية.
ويسدل الستار على هذه الشخصية في 21 نوفمبر 1996 حينما توفي عبد السلام بعد صراع طويل مع المرض.. ودفن في قريته التى ولد فيها وهي قرية "جهانج" مسقط رأسه بمقاطعة لاهور.
عبد القدير خان
ليس حل مشكلات العالم الإسلامي قنبلة نووية ، ولكن ماداموا يفعلون فعلينا أن نمتلك مصادر القوة ، هذه وجهة النظر الباكستانية في مشروعها النووى ، قد يوافق عليها البعض وقد يرفضها آخرون ، لكن هذا ما صار فعلاً وتطور علي يد العالم الباكستاني عبد القدير خان ولد الدكتور عبد القدير خان في ولاية بوبال الهندية عام 1936 لا يصغره سوى أخت واحدة من بين خمسة من الإخوة واثنتين من الأخوات. كان والده عبد الغفور خان مدرسًا تقاعد عام 1935، أي قبل ولادة ابنه عبد القدير بعام واحد؛ ولذا نشأ الابن عبد القدير تحت جناح أبيه المتفرغ لتربيته ورعايته.
كان لوالد عبد القدير خان تأثير كبير في حياة ابنه؛ حيث كان الوالد إنسانًا عطوفًا ورقيقًا؛ فعلّم ابنه تقدير الحياة وحب الحيوانات، حتى إن القردة القاطنة بتلال مارجالا التي تحيط بمنزل الدكتور عبد القدير قد علمت عنه ذلك، فتأتي إليه في كل مساء بعد رجوع الدكتور عبد القدير من يوم عمل شاق لتأكل من يديه!! كانت زليخة بيجوم والدة الدكتور عبد القدير خان سيدة تقية تلتزم بالصلوات الخمس ومتقنة للغة الأوردية والفارسية؛ ولذلك نشأ الدكتور عبد القدير خان متدينًا ملتزمًا بصلواته.
تخرج عبد القدير خان من مدرسة الحامدية الثانوية ببوبال؛ ليستجيب لنداء إخوته بالهجرة إلى الباكستان أملاً في حياة أفضل وفرص أكبر؛ حيث كان يرى أن الفرص المتاحة له ببوبال محدودة، وربما لم يكن لينجز أكثر من كونه مدرسًا مثل أبيه وعيشه حياة خالية تمامًا من الأحداث المثيرة.
تخرج عبد القدير في كلية العلوم بجامعة كاراتشي عام 1960، وتقدم لوظيفة مفتش للأوزان والقياسات، وهي وظيفة حكومية من الدرجة الثانية. كان عبد القدير أحد اثنين من بين 200 متقدم قُبِلوا بالوظيفة، وكان راتبه 200 روبية في الشهر. ربما لو استمر الدكتور عبد القدير خان في هذه الوظيفة لتدرج في مناصبها؛ لولا رئيسه المباشر في العمل؛ والذي كان يفرض على عملائه أن يدعوه على الغداء لإتمام أوراقهم، فلم يتقبل عبد القدير الشاب هذه التصرفات التي اعتبرها نوعًا من الرشاوى؛ فاستقال من وظيفته.
قرر عبد القدير خان السفر إلى الخارج لاستكمال دراسته وتقدم لعدة جامعات أوروبية؛ حيث انتهى به الأمر في جامعة برلين التقنية؛ حيث أتم دورة تدريبية لمدة عامين في علوم المعادن. كما نال الماجستير عام 1967 من جامعة دلفت التكنولوجية بهولندا ودرجة الدكتوراة من جامعة لوفين البلجيكية عام 1972.
لم يكن ترك الدكتور عبد القدير خان لألمانيا وسفره إلى هولندا سعيًا وراء العلم.. بل كان ليتزوج من الآنسة هني الهولندية التي قابلها بمحض الصدفة في ألمانيا. فتمت مراسم الزواج في أوائل الستينيات بالسفارة الباكستانية بهولندا.
حاول الدكتور عبد القدير مرارًا الرجوع إلى الباكستان ولكن دون جدوى. حيث تقدم لوظيفة لمصانع الحديد بكراتشي بعد نيله لدرجة الماجستير؛ ولكن رفض طلبه بسبب قلة خبرته العملية، وبسبب ذلك الرفض أكمل دراسة الدكتوراة في بلجيكا؛ ليتقدم مرة أخرى لعدة وظائف بالباكستان، ولكن دون تسلم أية ردود لطلباته. في حين تقدمت إليه شركة FDO الهندسية الهولندية ليشغل لديهم وظيفة كبير خبراء المعادن فوافق على عرضهم.
كانت شركة FDO الهندسية أيامها على صلة وثيقة بمنظمة اليورنكو- أكبر منظمة بحثية أوروبية والمدعمة من أمريكا وألمانيا وهولندا. كانت المنظمة مهتمة أيامها بتخصيب اليورانيوم من خلال نظام آلات النابذة Centrifuge system. تعرض البرنامج لعدة مشاكل تتصل بسلوك المعدن استطاع الدكتور عبد القدير خان بجهده وعلمه التغلب عليها. ومنحته هذه التجربة مع نظام آلات النابذة خبرة قيمة كانت هي الأساس الذي بنى عليه برنامج الباكستان النووي فيما بعد.
حين فجرت الهند القنبلة النووية عام 1974 كتب الدكتور عبد القدير خان رسالة إلى رئيس وزراء الباكستان في حينها "ذو الفقار علي بوتو" قائلا فيها: إنه حتى يتسنى للباكستان البقاء كدولة مستقلة فإن عليها إنشاء برنامج نوويّ". لم يستغرق الرد على هذه الرسالة سوى عشرة أيام، والذي تضمن دعوة للدكتور عبد القدير خان لزيارة رئيس الوزراء بالباكستان، والتي تمت بالفعل في ديسمبر عام 1974. قام رئيس الوزراء بعدها بالتأكد من أوراق اعتماده عن طريق السفارة الباكستانية بهولندا، وفي لقائهما الثاني عام 1975 طلب منه رئيس الوزراء عدم الرجوع إلى هولندا ليرأس برنامج الباكستان النووي.
حين أبلغ الدكتور عبد القدير خان زوجته بالعرض -والذي كان سيعني تركها لهولندا إلى الأبد- مساء نفس اليوم سألته إن كان يعتقد أنه يستطيع إنجاز شيء لبلده.. فحين رد بالإيجاب ردت على الفور: ابق هنا إذن حتى ألمّ أغراضنا في هولندا وأرجع إليك. ومنذ ذلك الحين وآل خان في الباكستان.
توصل الدكتور عبد القدير خان بعد فترة قصيرة من رجوعه إلى الباكستان إلى أنه لن يستطيع إنجاز شيء من خلال مفوضية الطاقة الذرية الباكستانية، والتي كانت مثقلة ببيروقراطية مملة. فطلب من بوتو إعطاءه حرية كاملة للتصرف من خلال هيئة مستقلة خاصة ببرنامجه النووي. وافق بوتو على طلبه في خلال يوم واحد وتم إنشاء المعامل الهندسية للبحوث في مدينة كاهوتا القريبة من مدينة روالبندي عام 1976 ليبدأ العمل في البرنامج. وفي عام 1981 وتقديرًا لجهوده في مجال الأمن القومي الباكستاني غيّر الرئيس الأسبق ضياء الحق اسم المعامل إلى معامل الدكتور عبد القدير خان للبحوث.
بدأ الدكتور عبد القدير خان بشراء كل ما يستطيع من إمكانات من الأسواق العالمية، وفي خلال ثلاث سنوات تمكن من بناء آلات النابذة وتشغيلها بفضل صِلاته بشركات الإنتاج الغربية المختلفة وسنوات خبرته الطويلة.
يقول الدكتور عبد القدير خان في إحدى مقالاته: أحد أهم عوامل نجاح البرنامج في زمن قياسي كان درجة السرية العالية التي تم الحفاظ عليها، وكان لاختيار موقع المشروع في مكان ناءٍ كمدينة كاهوتا أثر بالغ في ذلك. كان الحفاظ على أمن الموقع سهلا بسبب انعدام جاذبية المكان للزوار من العالم الخارجي، كما أن موقعه القريب نسبيًا من العاصمة يسّر لنا اتخاذ القرارات السريعة، وتنفيذها دون عطلة. وما كان المشروع ليختفي عن عيون العالم الغربي لولا عناية الله تعالى، ثم إصرار الدولة كلها على إتقان هذه التقنية المتقدمة التي لا يتقنها سوى أربع أو خمس دول في العالم. ما كان لأحد أن يصدق أن دولة غير قادرة على صناعة إبر الخياطة ستتقن هذه التقنية المتقدمة".
حين علم العالم بعدها بتمكن الباكستان من صناعة القنبلة النووية هاج وماج؛ إذ بدأت الضغوط على الحكومة الباكستانية من جميع الجهات ما بين عقوبات اقتصادية وحظر على التعامل التجاري وهجوم وسائل الإعلام الشرس على الشخصيات الباكستانية. كما تم رفع قضية ظالمة على الدكتور عبد القدير خان في هولندا تتهمه بسرقة وثائق نووية سرية. ولكن تم تقديم وثائق من قبل ستة أساتذة عالميين أثبتوا فيها أن المعلومات التي كانت مع الدكتور عبد القدير خان من النوع العادي، وأنها منشورة في المجلات العلمية منذ سنين. تم بعدها إسقاط التهمة من قبل محكمة أمستردام العليا. يقول الدكتور عبد القدير خان: إنه حصل على تلك المعلومات بشكل عادي من أحد أصدقائه؛ إذ لم يكن لديهم بعد مكتبة علمية مناسبة أو المادة العلمية المطلوبة.
يتلخص إنجاز الدكتور عبد القدير خان العظيم في تمكنه من إنشاء مفاعل كاهوتا النووي (والذي يستغرق عادة عقدين من الزمان في أكثر دول العالم تقدمًا- في ستة أعوام) وكان ذلك بعمل ثورة إدارية على الأسلوب المتبع عادة من فكرة ثم قرار ثم دراسة جدوى ثم بحوث أساسية ثم بحوث تطبيقية ثم عمل نموذج مصغر ثم إنشاء المفاعل الأولي، والذي يليه هندسة المفاعل الحقيقي، وبناؤه وافتتاحه. قام فريق الدكتور خان بعمل كل هذه الخطوات دفعة واحدة.
استخدم فريق الدكتور خان تقنية تخصيب اليورانيوم لصناعة أسلحتهم النووية. هناك نوعان من اليورانيوم يوليهما العالم الاهتمام: يورانيوم-235 ويورانيوم 238. ويعتبر اليورانيوم235 أهمهما؛ حيث هو القادر على الانشطار النووي وبالتالي إنشاء الطاقة. يستخدم هذا النوع من اليورانيوم في المفاعلات الذرية لتصنيع القنبلة الذرية.
ولكن نسب اليورانيوم 235 في اليورانيوم الخام المستخرج من الأرض ضئيلة جدا تصل إلى 0.7 % وبالتالي لا بد من تخصيب اليورانيوم لزيادة نسبة اليورانيوم 235؛ إذ لا بد من وجود نسبة يورانيوم 235 بنسبة 3-4% لتشغيل مفاعل ذري وبنسبة 90 % لصناعة قنبلة ذرية. يتم تخصيب اليورانيوم باستخدام أساليب غاية في الدقة والتعقيد وتمكنت معامل كاهوتا من ابتكار تقنية باستخدام آلات النابذة، والتي تستهلك عُشْر الطاقة المستخدمة في الأساليب القديمة. تدور نابذات كاهوتا بسرعات تصل إلى 100ألف دورة في الدقيقة الواحدة. يقول الدكتور خان: في حين كان العالم المتقدم يهاجم برنامج الباكستان النووي بشراسة كان أيضًا يغض الطرف عن محاولات شركاته المستميتة لبيع الأجهزة المختلفة لنا! بل كانت هذه الشركات تترجّانا لشراء أجهزتها. كان لديهم الاستعداد لعمل أي شيء من أجل المال ما دام المال وفيرًا! قام الفريق الباكستاني بتصميم النابذات وتنظيم خطوط الأنابيب الرئيسية وحساب الضغوط وتصميم البرامج والأجهزة اللازمة للتشغيل. وحين اشتد الهجوم الغربي على البرنامج وطبق الحظر والعقوبات الاقتصادية بحيث لم يتمكن الفريق من شراء ما يلزمهم من مواد.. بدأ المشروع في إنتاج جميع حاجياته بحيث أصبح مستقلا تماما عن العالم الخارجي في صناعة جميع ما يلزم المفاعل النووي.
امتدت أنشطة معامل خان البحثية لتشمل بعد ذلك برامج دفاعية مختلفة؛ حيث تصنع صواريخ وأجهزة عسكرية أخرى كثيرة وأنشطة صناعية وبرامج وبحوث تنمية، وأنشأت معهدا للعلوم الهندسية والتكنولوجية ومصنعًا للحديد والصلب، كما أنها تدعم المؤسسات العلمية والتعليمية.
نال الدكتور خان 13 ميدالية ذهبية من معاهد ومؤسسات قومية مختلفة ونشر حوالي 150 بحثًا علميًا في مجلات علمية عالمية. كما مُنح وسام هلال الامتياز عام 1989 وبعده في عام 1996 نال أعلى وسام مدني تمنحه دولة الباكستان تقديرًا لإسهاماته الهامة في العلوم والهندسة: نيشان الامتياز.
علي مشرفة
ولد الدكتور علي مشرفة في دمياط في 22 صفر 1316 الموافق 11 يوليه 1898، في عام 1907 حصل "علي" على الشهادة الابتدائية، وكان ترتيبه الأول على القطر.. إلا أن والده توفي في نفس العام تاركًا عليًّا الذي لم يتجاوز الاثنى عشر ربيعًا ربًّا لأسرته المكونة من أمه وإخوته الأربعة..
ولعل هذا هو السر فيما يُعرف عن شخصية الدكتور "علي مشرفة" بالجلد والصبر.. وحب الكفاح. وارتفاع الحس التربوي في شخصيته.
حفظ عليٌّ القرآن الكريم منذ الصغر، كما كان يحفظ الصحيح من الأحاديث النبوية.. كان محافظًا على صلاته مقيمًا لشعائر دينه كما علمه والده، وقد ظلت هذه المرجعية الدينية ملازمة له طوال حياته.. يوصي إخوته وجميع من حوله بالمحافظة على الصلاة وشعائر الدين كلما سنحت له الفرصة.. وقد بدا ذلك جليًّا في خطاباته التي كان يبعثها إلى إخوته وأصدقائه أثناء سفره للخارج.. والتي طالما ختمها بمقولة:
(اعمل وإخوانك للإسلام.. لله). وقد عاش ملازمًا له في جيبه مصحف صغير رافقه في السفر والحضر..
في عام 1914 التحق الدكتور علي مشرفة بمدرسة المعلمين العليا، التي اختارها حسب رغبته رغم مجموعه العالي في البكالوريا. وفي عام 1917 اختير لبعثة علمية لأول مرة إلى إنجلترا بعد تخرجه.. فقرر "علي" السفر بعدما اطمأن على إخوته بزواج شقيقته وبالتحاق أشقائه بالمدارس الداخلية.. التحق "علي" بكلية نوتنجهام Nottingham ثم بكلية "الملك" بلندن؛ حيث حصل منها على بكالوريوس علوم مع مرتبة الشرف في عام 1923. ثم حصل على شهادة Ph.D (دكتوراة الفلسفة) من جامعة لندن في أقصر مدة تسمح بها قوانين الجامعة.
وقد رجع إلى مصر بأمر من الوزارة، وعين مدرسًا بمدرسة المعلمين العليا.. إلا أنه وفي أول فرصة سنحت له، سافر ثانية إلى إنجلترا، وحصل على درجة دكتوراة العلوم D.Sc فكان بذلك أول مصري يحصل عليها.
في عام 1925 رجع إلى مصر، وعين أستاذًا للرياضة التطبيقية بكلية العلوم بجامعة القاهرة، ثم مُنح درجة "أستاذ" في عام 1926 رغم اعتراض قانون الجامعة على منح اللقب لمن هو أدنى من الثلاثين.
اعتمد الدكتور "علي" عميدًا للكلية في عام 1936 وانتخب للعمادة أربع مرات متتاليات، كما انتخب في ديسمبر 1945 وكيلاً للجامعة حتى عام 1945.
نبذة عن حياته العلمية:
بدأت أبحاث الدكتور "علي مشرفة" تأخذ مكانها في الدوريات العلمية وعمره لم يتجاوز خمسة عشر عامًا.
* في الجامعة الملكية بلندن King’s College، نشر له أول خمسة أبحاث حول النظرية الكمية التي نال من أجلها درجتي Ph.D ( دكتوراه الفلسفة) و Dsc.(دكتوراة العلوم).
دارت أبحاث الدكتور مشرفة حول تطبيقه الشروط الكمية بصورة م.عدلة تسمح بإيجاد تفسير لظاهرتي شتارك وزيمان.
* كذلك.. كان الدكتور مشرفة أول من قام ببحوث علمية حول إيجاد مقياس للفراغ؛ حيث كانت هندسة الفراغ المبنية على نظرية "أينشين" تتعرض فقط لحركة الجسيم المتحرك في مجال الجاذبية.
* ولقد أضاف نظريات جديدة في تفسير الإشعاع الصادر من الشمس؛ إلا أن نظرية الدكتور مشرفة في الإشعاع والسرعة عدت من أهم نظرياته وسببًا في شهرته وعالميته؛ حيث أثبت الدكتور مشرفة أن المادة إشعاع في أصلها، ويمكن اعتبارهما صورتين لشيء واحد يتحول إحداهما للآخر.. ولقد مهدت هذه النظرية العالم ليحول المواد الذرية إلى إشعاعات.
* كان الدكتور "علي" أحد القلائل الذين عرفوا سر تفتت الذرة وأحد العلماء الذين حاربوا استخدامها في الحرب..
* بل كان أول من أضاف فكرة جديدة وهي أن الأيدروجين يمكن أن تصنع منه مثل هذه القنبلة.. إلا أنه لم يكن يتمنى أن تصنع القنبلة الأيدروجينية ، وهو ما حدث بعد وفاته بسنوات في الولايات المتحدة وروسيا..
* تقدر أبحاث الدكتور "علي مشرفة" المتميزة في نظريات الكم، الذرة والإشعاع، الميكانيكا والديناميكا بنحو خمسة عشر بحثًا..
* وقد بلغت مسودات أبحاثه العلمية قبل وفاته إلى حوالي مائتين.. ولعل الدكتور كان ينوي جمعها ليحصل بها على جائزة نوبل في العلوم الرياضية.
"خير للكلية أن تخرج عالمًا واحدًا كاملاً.. من أن تخرج كثيرين أنصاف علماء" هكذا كان يؤمن الدكتور مشرفة، وكان كفاحه المتواصل من أجل خلق روح علمية خيرة..
يقول في سلسلة محاضراته الإذاعية: أحاديث العلماء:
"هذه العقلية العلمية تعوزنا اليوم في معالجة كثير من أمورنا، وإنما تكمن الصعوبة في اكتسابها والدرج عليها.. فالعقلية العلمية تتميز بشيئين أساسيين: الخبرة المباشرة، والتفكير المنطقي الصحيح" ولقد نادى بأفكاره هذه في كثير من مقالاته ومحاضراته في الإذاعة: مثل: كيف يحل العالم مشكلة الفقر؟ – العلم والأخلاق – العلم والمال – العلم والاقتصاد - العلم والاجتماع.. وغيرها.
كان ينادي دائمًا أن على العلماء تبسيط كل جديد للمواطن العادي حتى يكون على إحاطة كاملة بما يحدث من تطور علمي.. يوجه كلامه إلى العلماء قائلاً:
"ومن الأمور التي تؤخذ على العلماء أنهم لا يحسنون صناعة الكلام؛ ذلك أنهم يتوخون عادة الدقة في التعبير ويفضلون أن يبتعدوا عن طرائق البديع والبيان، إلا أن العلوم إذا فهمت على حقيقتها ليست في حاجة إلى ثوب من زخرف القول ليكسبها رونقًا؛ فالعلوم لها سحرها، وقصة العلم قصة رائعة تأخذ بمجامع القلوب؛ لأنها قصة واقعية حوادثها ليست من نسج الخيال".
فبسط الدكتور مشرفة كتبًا عديدة منها: النظرية النسبية - الذرة والقنابل - نحن والعلم - العلم والحياة.
واهتم خاصة بمجال الذرة والإشعاع وكان يقول: "إن الحكومة التي تهمل دراسة الذرة إنما تهمل الدفاع عن وطنها".
ثقافتنا في نظر الدكتور مشرفة هي الثقافة الأصلية التي لا بد أن نقف عندها طويلاً.
ويرى أنه لا يزدهر حاضر أمة تهمل دراسة ماضيها، وأنه لا بد من الوقوف عند نوابغ الإسلام والعرب، ونكون أدرى الناس بها.. فساهم بذلك في إحياء الكتب القديمة وإظهارها للقارئ العربي مثل: كتاب الخوارزمي في الجبر والفارابي في الطب والحسن ابن الهيثم في الرياضة.. وغيرها.
وكان الدكتور مشرفة ينظر إلى الأستاذية على أنها لا تقتصر على العلم فقط، وإنما توجب الاتصال بالحياة.. وأن الأستاذ يجب أن يكون ذا أثر فعال في توجيه الرأي العام في الأحداث الكبرى التي تمر بالبلاد، وأن يحافظ على حرية الرأي عند المواطنين، وآمن الدكتور مشرفة بأن "العلم في خدمة الإنسان دائمًا وأن خير وسيلة لاتقاء العدو أن تكون قادرًا على رده بمثله.. فالمقدرة العلمية والفنية قد صارتا كل شيء.. ولو أن الألمان توصلوا إلى صنع القنبلة الذرية قبل الحلفاء لتغيرت نتيجة الحرب.. وهو تنوير علمي للأمة يعتمد عليه المواطن المدني والحربي معًا".
إسهاماته
مشرفة جامعيًّا:
تمتعت كلية العلوم في عصره بشهرة عالمية واسعة؛ حيث عني عناية تامة بالبحث العلمي وإمكاناته، فوفر كل الفرص المتاحة للباحثين الشباب لإتمام بحوثهم.. ووصل به الاهتمام إلى مراسلة أعضاء البعثات الخارجية..
سمح لأول مرة بدخول الطلبة العرب الكلية؛ حيث كان يرى أن:
"القيود القومية والفواصل الجنسية ما هي إلا حبال الشيطان يبث بها العداوة والبغضاء بين القلوب المتآلفة".
أنشأ قسمًا للغة الإنجليزية والترجمة بالكلية.. كما حول الدراسة في الرياضة البحتية باللغة العربية.. صنف قاموسًا لمفردات الكلمات العلمية من الإنجليزية إلى العربية.
يقول المؤرخون: إن الدكتور مشرفة أرسى قواعد جامعية راقية.. حافظ فيها على استقلالها وأعطى للدرس حصانته وألغى الاستثناءات بكل صورها، وكان يقول: "إن مبدأ تكافؤ الفرص هو المقياس الدقيق الذي يرتضيه ضميري".
مشرفة أدبيًا:
كان مشرفة حافظًا للشعر.. ملمًّا بقواعد اللغة العربية.. عضوًا بالمجمع المصري للثقافة العلمية باللغة العربية؛ حيث ترجم مباحث كثيرة إلى اللغة العربية.
كان يحرص على حضور المناقشات والمؤتمرات والمناظرات، وله مناظرة شهيرة مع د/ طه حسين حول: أيهما أنفع للمجتمع الآداب أم العلوم".
نشر للدكتور مشرفة ما يقرب من ثلاثين مقالاً منها: سياحة في فضاء العالمين - العلم والصوفية - اللغة العربية كأداة علمية - اصطدام حضارتين- مقام الإنسان في الكون..
مشرفة اجتماعيًّا:
شارك الدكتور علي في مشاريع مصرية عديدة تشجيعًا للصناعات الوطنية.. كما شارك في إنشاء جماعة الطفولة المشردة.. كان أول من لقن من حوله دروسًا في آداب الحديث وإدارة الجلسات.
دُعيَ من قبل العالم الألماني الأصل ألبرت أينشتين للاشتراك في إلقاء أبحاث تتعلق بالذرة عام 1945 كأستاذ زائر لمدة عام، ولكنه اعتذر بقوله:
"في بلدي جيل يحتاج إلي" وفاته:
توفى الدكتور "علي مصطفى مشرفة" عن عمر يناهز 52 عامًا.. يوم الإثنين الموافق 15 يناير 1950.
أمبير، اندره ماري
Ampère, André Marie
(1836 - 1775)
عالم رياضيات وكيميائي وبيولوجي، وفيزيائي وشاعر فرنسي. ولد في مدينة ليون. نشأ في ظروف قاسية حيث أعدم والده إبان الثورة الفرنسية. أكمل دروسه بسرعة وأصبح أستاذاً في الجامعة ثم في معهد ليون وبعدها انتقل إلى مدرسة البوليتكنيك. كما عيِّن مفتشاً عاماً في الجامعة. لم يتحول مطلقاً عن الأبحاث طوال حياته.
أوصله اجتهاده إلى التدريس في المدرسة التقنية في باريس وأصبح أستاذ الفيزياء في الكولج دي فرانس. يعد أمبير مؤسس علم الكهربائية الديناميكية حيث اكتشف القوانين التي تحكم القوة بين مغنطيس وموصل فيه تيار ثابت. وكان كثيراً ما يجري دراساته في شقته البسيطة. وتسمى باسمه الآن وحدة التيار الكهربائي: الأمبير Ampere وتساوي شحنة كهربائية مقدارها كولومب واحد لمدة ثانية. توفي في مرسيليا عام 1836.
أنغشتروم, أندرز يوناس
Angstrom Anders Jonas
(1874 - 1814)
فيزيائي سويدي. تلقى علومه في أبسالا في السويد وأصبح أستاذاً للفيزياء فيها. وكانت أبرز أعماله, دراسة الطيف، حيث أطلق اسمه على وحدة قياس طول الموجة: الانغشتروم (الانغشتروم يساوي واحداً من مئة مليون من السنتيمتر).
اكتشف الهيدروجين في جو الشمس وحاول تحليل طيف الشفق القطبي. Aurora poloris – aurora borealis
أريستوتل
Aristotle
(322 - 384) ق.م
فيلسوف وطبيعي يوناني. تمتع أرسطو بالشهرة الأوسع بين فلاسفة الأغريق، وهو ابن طبيب ملك مكدونيا (مقدونيا).
توجه أرسطو إلى أثينا ليتلقى تعليمه على يدي أفلاطون (347 ـ 427 ق.م) فبقي معه حتى أواخر أيامه (حوالي عشرين سنة). قام أرسطو بتعليم الاسكندر المقدوني وهو في سن الرابعة عشرة ثم أصبح صديقاً له.
أنشأ أرسطو «المدرسة المشائية» في أثينا. كتب في العلوم الطبيعية والمنطق والأخلاق وما وراء الطبيعة وفي السياسة والأدب. وقد تأثر بشدة لموت الاسكندر. طبعت كتب أرسطو في الغرب وباللغة اللاتينية في القرن الخامس عشر كما طبعت باللغة اليونانية أيضاً في نفس الفترة تقريباً. كان أرسطو أول من قال بتعاقب البحر واليابسة (جيولوجياً) وكان له بعض المفاهيم الخاطئة حول نشوء بعض الاحياء، وكذلك فيما يتعلق بتسارع الأجسام الساقطة، واعتقد بإستحالة وجود الفراغ. كما اعتقد بوجود عنصر واحد فقط لكل الأشياء. لقي أرسطو اهتماماً كبيراً من علماء الشرق أثناء ازدهار الحضارة الإسلامية.
أرهنيوس، سفانته أوغوست
Arrhenius, Svante August
(1927 – 1859)
عالم فيزيائي وكيميائي سويدي. تعلم أرهنيوس في «أبسالا» و«ستوكهولم» وظهر عليه النبوغ في الرياضيات منذ وقت مبكر.
اشتغل مع العالم فانت هوف Van’t Hoff ثم أصبح أستاذاً للفيزياء في «ستوكهولم». وضع ارهنيوس نظرية التفكك الالكتروليتي (الكهربي) للسوائل والمحاليل، وحصل بذلك على جائزة نوبل للكيمياء سنة 1903. ثم طبَّق هذه النظرية على الغلاف الجوي فيما يجري فيه من ظواهر كهربائية. له دراسات هامة في خواص السوائل. وكان أرهنيوس مهتماً في بنية الكون وكان أول من قدَّر الضغط الناشيء عن الضوء وأهميته في الفيزياء الكونية مثل طرد ذيول الشهب Comes بعيداً عن جهة الشمس بسبب ضغط إشعاعات الشمس على الشهاب.
أستون فرانسيس وليام
F. W. ASTON
(1975 - 1877)
بريطاني عالم فيزياء كيميائية.
نال أستون شهادته الأولى في الكيمياء من جامعة بيرمنجهام، بيد أنه تحول إلى دراسة الفيزياء عندما بلغ سن السادسة والعشرين. وفي عام 1909 عمل في مختبر كافيندش مساعداً للعلاّمة الشهير طومسون. قدَّم أستون إلى علم الفيزياء إسهاماً جوهرياً وحيداً، غير أنه كان في منتهى البراعة والتفوق: ذلك هو اختراعه لجهاز تصوير الطيف الكتلي (mass spectrograph) بعد الحرب العالمية الأولى مباشرة. وقد مكنه ذلك الاختراع من فصل ذرات الكتل المختلفة، ومن قياس الذرات بدقة. كما أنه أوضح أن العديد من العناصر يمكن أن يوجد على شكل ذرات لها كتل مختلفة بدرجة جداً قليلة ومع ذلك لها خواص كيميائية متطابقة. وقد سمّى الكيميائي البريطاني فريدريك سودي (1877 ـ 1956) هذه الذرات باسم النظائر المشعة، وهي تستخدم اليوم لتحديد عمر الصخور. هذا، وقد تم منح استون (1922) وسودي (1921) جائزتي نوبل في الكيمياء.
أفوغادرو، أميدو، كونتي دي كوارينا
Avogadro Amedo, Conte di Quaregna
فيزيائي إيطالي من العلماء الإيطاليين الذين نالوا شهرة عالمية، عمل أستاذاً للفيزياء في جامعة تورينو بين 1834 و 1850 من أهم أعماله:
ـ اكتشف عدد الذرّات في الجزئي الغرامي 22.4 ليتر من أي غاز في الظروف العادية (حرارة وضغطاً) هذا العدد يعرف بعدد أفوغادرو ويرمز إليه بحرف N = 6.024 × 1023 ـ اكتشف قانوناً عرف باسمه وهو: إن حجمين متساويين من جسمين غازيين يحتويان تحت الحرارة نفسها والضغط نفسه على أعداد متساوية من الجزيئات.
من كتبه: النظرية الذرية La Teoriia moleculare تورينو 1901.
Siscorso Storico – Critico alle opere Scelte de Avogadro. Torino Utet 1911.
بالمر، جوهان جاكوب
Balmer, Johann Jacob
(1898 - 1825)
فيزيائي سويسري. ولد في لوزان Lausen سنة 1825، درَّس الرياضيات في معاهد عدة. وضع أبحاثاً ودراسات عدة كان أشهرها:
ـ أطياف إرسال الغازات.
ـ اكتشف صيغة تحمل اسمه عام (1885) وهي التالي:
حيث Rh تمثل ثابتة ريد برغ و n عدد أكبر من 2.
Rh. 1,096776.107m-1 ـ سلسلة بالمر Serie de Balmer وهي سلسلة من الخطوط المرئية من طيف ذرة الهيدروجين حيث يكون طول الموجة ? وتحسب بواسطة صيغة بالمر المذكورة أعلاه. أو بالصيغة التالية:
حيث B هي ثابتة و n عدد طبيعي.
بكريل، أنطوان أنري
Becquerel, Antoine Henri
(1908 – 1852)
عالم فيزيائي فرنسي. كان والده وجده من علماء الفيزياء، تلقوا العلم من بعضهم بحكم الوراثة البيئية والأبوية.
تعلم بكريل في باريس، وصار أستاذاً في «مدرسة البوليتكنيك» اقتسم مع بيير كوري Pierre Curie، والسيدة ماريا سكلودوفسكا M. Sklodowska زوجته، جائزة نوبل للفيزياء سنة 1903. سبق له أن اكتشف اشعاعات «أملاح اليورانيوم» والمسماة باسمه: «أملاح بكريل».
اخترع بكريل جهازاً لإحداث الفسفرة Phosphoroscope لدراسة خاصية الفسفرة كما اشتغل على مغاطيسية واستقطاب الضوء.
بيرزيليوس، يينس ياكوب، بارون
Berzelius, Jons Jakob, Baron
(1848 – 1779)
كيميائي سويدي. اشتغل في العمل الطبي ثم اشتغل في تدريس الصيدلة والطب والكيمياء. له اكتشافات كيميائية هامة وبحوث كثيرة. لكن أهم انجازاته العلمية يظل وضع وتكريس الرموز الحالية للعناصر الكيميائية بدلاً من الرموز المعقدة وغير العملية القديمة التي قامت على الرمز بأشكال هندسية للعناصر.
بور، نيلز
Bohr, Niels
فيزيائي دانماركي. تلقى بور علومه في كوبنهاغن وكيمبردج وعمل مع العالم الشهير رذرفورد Rutherford في مانشستر ثم عاد إلى كوبنهاغن استاذاً للفيزياء.
حصل على جائزة نوبل للفيزياء سنة 1922. اختير عضواً في الجمعية الملكية.
كان لبحوث بور أثر مباشر في توسيع النظرية الذرية، وقد وضع نموذجاً للذرة أمكن به شرح تكوين طيوف العناصر وأماكنها في جدول مندلييف الدوري.
وبالاشتراك مع سمرفيلد Sommerfield طوَّر نظرية الكم. وبالتعاون مع ويلر Wheeler وضع بور نظرية في بناء الذرة.
هاجر إلى امريكا عندما احتلت ألمانيا النازية بلده. وفي أمريكا عمل في بحوث القنبلة الذرية وبعد الحرب عاد إلى بلاده.
وجدير بالذكر أن اسم بور يظهر في الأدبيات على شكل بوهر ويلفظ هكذا بتأكيد الهاء خطأ.
بولتسمن، لودويج
Boltzmann, Ludwig
(1906 – 1844)
عالم وفيلسوف نمساوي. تعلم بولتسمن في لنتس وفينا وعمل أستاذاً لعدد من الموضوعات قبل أن يقدم له منصب أستاذ الفيزياء في فيينا. كان بولتسمن حجة في موضوع حركية (كيناتيكية) الغازات. ويعود له كثير من الفضل في انتشار نظرية ماكسويل (Maxwell) الكهرطيسية (الكهربائية ـ المغنطيسية) في أوربا.
اشترك بولتسمن مع ستيفان (Stefan) في صياغة قانون يحمل اسميها قانون ستيفان ـ بولتسمن وأحياناً اسم استيفان. ويتعلق هذا القانون بالإشعاع الحراري من الأجسام السوداء ودرجة الحرارة المطلقة.
وقد أضاف بولتسمن الكثير إلى النظرية الميكانيكية للحرارة ومبدأ اقتسام الطاقة الذي يحمل اسمه، ويسمى أحياناً قانون بولتسمن. وهناك ثابت فيزيائي يعرف بثابت بولتسمن Boltzmann Constant والذي يساوي النسبة بين متوسط مجموع الطاقة لجزئ ما ودرجة حرارته المطلقة (ويساوي أرغ لكل درجة حرارة (1.38 × 16-10).
بورن، ماكس
Born, Max
(1970 – 1882)
مكتشف وعالم فيزيائي ألماني.
ولد بورن في برسلاو، وكان والده أستاذاً فدرس في جامعة برسلاو حيث يعمل والده ثم في جامعات أخرى. قام بتدريس الفيزياء النظرية في غيتنغن Gottingen ثم انتقل إلى انجلترا فعمل مدرساً في كيمبردج، ثم في جامعة ادنبره في سكوتلانده وفي جامعات أخرى. كان مجال دراسته الرئيسي هو (فيزياء الكم) quantum physics، وفي سنة 1954اقتسم مع بوثه Bothe جائزة نوبل للفيزياء.
تــابــع
ساحة النقاش