أحداث المستقبل و تحدى القرآن
( أ ) تحدى القرآن للعرب
نأتى بعد ذلك إلى آية أخرى .. الرسول عليه الصلاة و السلام يأتى فيقرأ .. " تبت يدا أبى لهب و تب ما أغنى عنه ماله و ما كسب سيصلى ناراً ذات لهب و امرأته حمالة الحطب فى جيدها حبل من مسد " ( سورة المسد )
المسد : أى : الليف الخشن
.. هذا قرآن .. و فى من .. ؟ فى عم الرسول .. و فى من .. ؟ فى عدو الإسلام .. ألم يكن أبو لهب يستطيع أن يحارب الإسلام بهذه الآية ؟ ألم يكن يستطيع أن يستخدمها كسلاح ضد القرآن ؟ ضد هذا الدين .. قالت له الآية يا أبا لهب أنت ستموت كافراً , ستموت مشركاً , و ستعذب فى النار .. و كان يكفى أن يذهب أبو لهب إلى أى جماعة من المسلمين .. و يقول أشهد أن لا إله إلا الله و أشهد أن محمداً رسول الله .. يقولها نفاقاً .. يقولها رياء .. يقولها ليهدم بها الإسلام .. لا ليدخل فى الإسلام .. يقولها ثم يقف وسط القوم يقول : إن محمداً قد أنبأكم أننى سأموت كافراً .. و قال : إن هذا كلام مبلغ له من الله .. و أنا أعلن إسلامى لأثبت لكم أن محمداً كاذب .. لو كان أبو لهب يملك ذرة واحدة من الذكاء لفعل هذا .. و لكن حتى هذا التفكير لم يجرؤ عقل أبى لهب على الوصول إليه .. بل بقى كافراً مشركاً , و مات و هو كافر .. و لم يكن التنبؤ بأن أبا لهب سيموت كافراً أمراً ممكناً .. لأن كثيراً من المشركين اهتدوا إلى الإسلام كخالد بن الوليد و عمرو بن العاص و عمر بن الخطاب .. و غيرهم .. كانوا مشركين و أسلموا .. فكيف أمكن التنبؤ بأن أبا لهب بالذات لن يسلم و لو نفاقاً و سيموت و هو كافر ؟ .. المعجزة هنا أن القرآن قد أخبر بما سيقع من عدو .. و تحداه فى أمر اختيارى .. كان من الممكن أن يقوله و مع ذلك هناك يقين أن ذلك لن يحدث .. لماذا ؟ لأن الذى قال هذا القرآن .. يعلم أنه لن يأتى إلى عقل أبى لهب تفكير يكذب به القرآن .. هل هناك إعجاز أكثر من هذا ؟
( ب ) تحدى القرآن لغير العرب
انتقل بعد هذا إلى النقطة الثانية .. و هى ماذا حمل القرآن لغير العرب فى عصره ؟ و لغير العرب و الدنيا كلها بعد عصره ؟ أى ماذا حمل القرآن من أنباء نواميس الله فى الأرض و قوانينه التى كانت غيباً على البشرية كلها فى عصره و بعد عصره ؟ هنا الأمثلة كثيرة .. و المجال لا يتسع لها كلها .. و لكننى سأحاول أن أبين عدداً منها فيما يختص بالإعجاز فى عصر القرآن لغير العرب .. فقد كان هناك أمتان كبيرتان امبراطوريتان بجانب الجزيرة العربية .. هما الروم و الفرس .. الروم أمة مؤمنة .. أهل كتاب .. و لو أنهم لا يصدقون برسالة محمد إلا أن هناك عندهم إيماناً بوجود الله .. و القيم السماوية .. و الفرس كانوا أهل كفر و إلحاد فى ذلك الوقت .. لا يؤمنون بأى دين من الأديان .. إذن فأيهما أقرب إلى قلب المؤمنين ؟ الروم باعتبارهم أهل كتاب .. و أيهما أقرب إلى قلب الملحدين و الكفار .. الفرس باعتبارهم مشركين و كفرة .. قامت الحرب بين الدولتين .. فهزم الروم وانتصر الفرس و هنا فرح المشركين لأن الكفر قد انتصر .. و حزن المؤمنون لأن نوعاً من الإيمان قد هزم .. و هنا يتدخل الله سبحانه و تعالى ليزيل عن المؤمنين هذا الحزن .. فيقول فى كلام محفوظ متعبد بتلاوته لن يجرؤ و لن يستطيع أحد أن يغير فيه .. يقول : " الم غلبت الروم فى أدنى الأرض و هم من بعد غلبهم سيغلبون فى بضع سنين لله الأمر من قبل و من بعد و يومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء و هو العزيز الرحيم " ( الروم 1 : 5 ) ثم يمضى القرآن ليمعن فى التحدى ..
" وعد الله لا يخلف الله وعده و لكن أكثر الناس لا يعلمون " ( الروم 6 ) ما هذا ؟ أيستطيع محمد صلى الله عليه و سلم أن يتنبأ بنتيجة معركة ستحدث بين الروم و الفرس بعد بضع سنين ؟ هل يستطيع قائد عسكرى مهما بلغت قوته و عبقريته .. و نبوغه أن يتنبأ بمصير معركة عسكرية بعد ساعة واحدة من قيامها ؟ فما بالك أن ذلك يأتى و يقول إنه بعد بضع سنين ستحدث معركة بين الفرس و الروم و ينتصر فيها الروم .. هل أمن محمد صلى الله عليه و سلم على نفسه أن يعيش بضع سنين ليشهد هذه المعركة ؟ .. لقد وصل الأمر بأبى بكر رضى الله عنه .. أنه راهن على صحة ما جاء به القرآن .. إذن فقد أصبحت قضية إيمانية كبرى .. هذا هو القرآن .. كلام الله .. و أساس الإيمان كله .. يأتى و يخبر بحقيقة أرضية قريبة ستحدث لغير العرب .. و يقول الكفار إن القرآن كاذب .. فيقول المؤمنون إن هذا صدق .. و يحدث رهان بين الإثنين ..
ماذا كان يمكن أن يحدث لو أنه لم تحدث معركة بين الروم و الفرس ؟ أو لو أنه حدثت معركة و هزم فيها الروم ؟ أكان بعد ذلك يصدق أى انسان القرآن ؟ أو يؤمن بالدين الجديد ؟ ثم إذا كان القرآن من عند محمد فما الذى يجعله يدخل فى قضية غيبية كهذه لم يطلب منه أحد الدخول فيها ؟ أيضيع الدين من أجل مخاطرة لم يطلبها أحد ؟ و لم يتحده فيها إنسان ؟ و لكن القائل هو الله .. و الفاعل هو الله .. و من هنا كان هذا الأمر الذى نزل فى القرآن يقيناً سيحدث .. لأن قائله ليس عنده حجاب الزمان .. و حجاب المكان .. و لا أى حجاب و هو الذى يقول ما يفعل .. و من هنا حدثت الحرب .. و انتصر الروم على الفرس فعلاً .. كما تنبأ القرآن ..
و هكذا تحدى القرآن الكفار و غير المسلمين فى وقت نزوله .. أى أنه لم يتحد العرب وحدهم .. بل تحدى الكفار و المشركين من غير العرب .. بأن أنبأهم بما سيحدث لهم قبل أن يحدث بسبع أو ثمانى سنوات .. تحداهم بهذا لعلهم يؤمنون ..
الروم : كانوا على دين المسيح ( مسيحيون )
الفرس : كانوا يعبدون النار ( مجوس )
و إلى هنا :
إذا انتهينا إلى هذا نكون قد أثبتنا أن القرآن تحدى العرب و غير العرب فى وقت نزوله .. و لكننا قلنا إن القرآن ليس له زمان .. و ليس له مكان .. و أنه سيظل حتى قيام الساعة .. فكيف يمكن أن يتحدى الأجيال القادمة ؟ لابد أن يكون للقرآن معجزة دائمة .. أن يعطى عطاء لكل جيل لم يعطه للأجيال السابقة ..
و قد كان .. جاء فى القرآن أشياء لو أن أحداً أخبر بها وقت نزوله لاتهم الذين قالوها بالجنون .. و لكنها جاءت للعصور القادمة , جاءت لتتحدى عبر الأجيال إلى يومنا .. و إلى الأيام القادمة ..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
و شهدوا للقرآن و هم كافرون
إن إعجاز القرآن لم يتوقف .. و لن يتوقف .. و إذا كان القرآن قد تحدى الكفار فى عصر نزوله بأن أنبأهم بما يدور داخل صدورهم .. و أنبأهم بمصائرهم .. فإنه يتحدى الكفار حتى فى هذا الزمان .. فى هذا الوقت الذى نعيش فيه بل و يستخدمهم .. فى ماذا ؟ فى إثبات قضية الإيمان .. تماماً كما استخدمهم وقت نزوله فى إثبات قضية الإيمان .. إن هدف الكفار و المضلين عن سبيل الله هو إنكار هذا الدين .. و إنكار وجود الله .. و لكن القرآن جاء .. و بعد أربعة عشر قرنا .. ليستخدم الكفار فى إثبات أن دين الله حق ..
و أن هذا الكتاب هوكلام الله المنزل على رسوله محمد صلى الله عليه و سلم .. و هذا هو موضوعنا :
الحقائق الكونية فى القرآن الكريم
عندما يقول الله سبحانه و تعالى :
" ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فأخرجنا به ثمرات مختلفاً ألوانها و من الجبال جدد بيض و حمر مختلف ألوانها و غرابيب سود و من الناس و الدواب و الأنعام مختلف ألوانه كذلك " ( فاطر 27 / 28 )
فإننا نرى أن الله سبحانه و تعالى تكلم عن الجماد .. و تكلم عن النبات .. و تكلم عن الحيوان و الإنسان .. ثم يقول الله سبحانه و تعالى : " إنما يخشى الله من عباده العلماء " ( فاطر 28 ) العلماء فى ماذا ؟ .. فيما يتعلق بخلق الله من الجماد و الحيوان و النبات و الإنسان ..
ولذلك جاء الله سبحانه و تعالى بالمتناقضات الموجودة فى النوع الواحد .. لو أنه جنس واحد لما وجد فيه متناقضات ..
أولاً النبات :
عند قوله تعالى : " ثمرات مختلفاً ألوانها " كان يجب أن نلتفت إليها .. لماذا اختلفت ألوانها .. و ما هى العلاقة بين الألوان و الطبيعة .. مثلاً حينما يتغذى النبات وجد من الدراسة أنه يتغذى بواسطة خاصية الأنابيب الشعرية .. و هنا نقف قليلاً .. هل هذه الأنابيب الشعرية تميز .. هل تستطيع التمييز .. إذا جئنا بحوض .. و وضعنا فيه سائلاً مذاباً فيه أصناف مختلفة .. ثم جئنا بالأنابيب الشعرية .. نجد أن الماء قد صعد فى مستوى أعلى من مستوى الإناء .. و لكن هل كل أنبوبة ميزت عنصر أخذته ؟ .. أم أن كل أنبوبة أخذت جميع العناصر ؟ .. و هى مذابة .. لكن النبات ليس هكذا .. أننى أزرع الحنظل .. بجانب القصب .. فيخرج هذا حلوا .. و هذا مرا .. هذا يأخذ عناصره وهذا يأخذ عناصره من نفس التربة .. هناك إختيار .. و من هنا ظهر ما سمى بخاصية الانتخاب .. و الانتخاب معناه الاختيار بين بديلات .. أى أنك تترك هذا و تأخذ هذا و لذلك قال الله سبحانه و تعالى " يسقى بماء واحد و نفضل بعضها على بعض فى الأكل " ( الرعد 4 ) لكن خاصية الأنابيب الشعرية .. تتعامل مع السائل كله .. بلا تمييز .. و من هنا نعرف أن الخاصية شئ .. و اختيار النبات للعناصر الغذائية التى يريدها أو يحتاجها شئ آخر .
ثانياً : الجماد :
نأتى بعد ذلك للجماد .. يقول الله سبحانه و تعالى " و من الجبال جدد بيض و حمر مختلف ألوانها و غرابيب سود " .. هذا علم الجماد .. و هو علم الآن فيه مجلدات .. ثم بعد ذلك الإنسان .. أجناس الوجود كلها .. ثم بعد ذلك قال الله " إنما يخشى الله من عباده العلماء ".. العلماء فى ماذا ؟ بهذه كلها .. إذن كلمة العلماء أطلقت على من يتفكر فى خلق الله .. سواء كان جمادا أو حيوانا أو نباتا .. و الذهن النشط يستطيع أن يصل إلى هذه العلوم الأرضية .. بالملاحظة و التجربة .. و الدليل على ذلك أنك إذا استعرضت تاريخ أى مخترع من المخترعات فى الكون التى أراحت الناس .. تجد أنها نتيجة لإنسان قد لاحظ بدقة .. و لم تمر عليه المسألة كباقى الناس و العلم مكانه المعمل و الملاحظة و التجربة .
ثالثاً : الإنسان و البحث فى الروح
و لكننا أحياناً نتجاوز موضوع العلم .. موضوع التجربة و المعمل .. و ذلك عندما أقول مثلاً الروح قبل المادة .. أو المادة الروح .. فهذا بحث فى عنصري الإنسان الذى لم نشهد خلقه .. و لا نستطيع أن نجرى عليه تجربة .. إن هذا يدخل فى علم الله .. فهو الذى خلق .. و هو الذى يستطيع أن يقول لنا كيف تم الخلق .. و لذلك يقول الله سبحانه و تعالى : " ما أشهدتهم خلق السماوات و الأرض و لا خلق أنفسهم " ( الكهف 51 ) إذن فهذه مسألة لا يمكن أن يصل فيها العلم البشرى إلى نتيجة .. لماذا ؟ . لأننا لم نحضر التجربة .. و لم نرها بالعين .. و لا نستطيع أن نجربها أو نقوم بها .. و لكن بالأذن سمعناه من الله .. و هذا أمر غيبى عنا .. و ما دام الأمر غيبياً عنا .. فإن الله الذى خلقنى هو الذى يحدثنى .. كيف خلقت ؟ و من هنا فإننى لا يمكن أن أتحدث علمياً عن العنصرين اللذين يتكون منهما الإنسان .. و أيهما جاء أولاً .. و إذا صمم أحد على أن يبحث فى هذا .. يكون قد شغل نفسه بعلم لا ينفعه عن جهل لا يضره .. لأنه لن يستطيع أن يدلل على ما يقول علمياً .. و بالتجربة أنا أستطيع أن أمسك المادة و أدخلها المعمل .. و لكنى لا أستطيع أن أمسك بالروح و أدخلها إلى المعمل ..
العلم التجريبى لا اختلاف فيه
و العلم يجب أن يتم على مادة صماء .. يمكن أن تدخل فى المعمل الأصم .. و تعطى حقائق صماء .. أليست هذه الحقيقة ؟ و الدليل على ذلك أن المعسكرات المتصارعة لا تختلف فى مذاهب العلم .. و لكنها تختلف فى مذاهب الهوى و النظريات .. لا توجد هناك كهرباء أمريكية .. و كهرباء روسية .. و لا توجد كيمياء ألمانية .. ولا كيمياء إنجليزية .. كل علم الكيمياء فى أى دولة من دول العالم خاضع لما تعطيه التجربة الصماء التى لا هوى لها .. و بهذا تكون النتيجة واحدة .. سواء كان المعمل إنجليزيا أو أمريكيا أو سوفيتيا .. أو أى معمل من معامل الدنيا ..
و لكن الخلاف يحدث عندما تتدخل مذاهب الهوى و النظريات .. فإذا جئنا إلى مذاهب الهوى .. هوى النفس .. نجد أنها متناقضة .. ليست مختلفة و لكنها متناقضة .. هذا على النقيض من ذلك .. رأسمالية و شيوعية .. إيمان .. و إلحاد .. و إنكار للديانات لماذا ؟ لأن هوى النفس دخل هنا فأفسد القضية العلمية و أضاع حقائقها .
فإذا أخذنا خلق الإنسان مثلا .. فاننا نأخذ هذا الخلق عن الله .. الذى خلق .. ماذا قال الله سبحانه و تعالى .. قال خلقتك من تراب .. و قال من طين .. و قال من حمأ مسنون .. و قال من صلصال كالفخار .. هذه ليست تناقضات فى الخلق .. أو تناقضات فى مادة الخلق نفسها و هى التراب .. بل إن الله سبحانه و تعالى يبين لنا أطوار هذه المادة من التراب إلى الطين إلى الحمأ إلى الصلصال .. إنها المراحل التى مر بها خلق الجسد البشرى من تراب إلى ما قبل نفخ الروح فيه .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الكفار يشهدون بصحة القرآن
و نعود إلى الآية الكريمة " ما أشهدتهم خلق السماوات و الأرض و لا خلق أنفسهم و ما كنت متخذ المضلين عضداً "
( الكهف 51 ) ما معنى كلمة مضل ؟ كلمة مضل تعنى أن هناك قضية حق .. و ان هناك إنسانا يريد أن يضللنى و يعطينى عكس القضية .. أى يعطينى غير الحقيقة و هو الضلال .. هذا هو معنى مضل .. إذن قول الله " و ما كنت متخذ المضلين عضداً " .. أى أننى فى ساعة الخلق لم أطلب العون و المساعدة أو المشورة .. أو النصيحة .. من هؤلاء المضلين .. و إلا لو كان حدث ذلك .. ثم جاءوكم يخبرونكم كيف تم خلق السماوات و الأرض .. و كيف خلقتم أنتم ؟ لكان لكم العذر فى تصديقهم .. ولكن ما داموا لم يشهدوا الخلق .. و لم أطلب معونتهم .. فإن ما سيقولونه لكم غير واقع .. غير صحيح .. إنه ضلال .. و هذه معجزة من معجزات القرآن .. فقد قال لنا الله .. إنه سيكون هناك مضلون .. و أن هؤلاء المضلون سيحاولون أن يقولوا لكم غير الحق فى قضية خلق السماوات و الأرض .. و فى قضية خلق الإنسان .. فلا تصدقوهم لأننى لم أستعن بهم ساعة الخلق .. و لم يكونوا موجودين . إذن لو لم يحدث أن جاء أناس يضلون عن سبيل الله .. لقلنا إن القرآن غير صحيح .. لأنه أين المضلون ؟ و لو وجد المضلون و تناولوا قضية أخرى غير خلق السماوات و الأرض و خلق الإنسان .. لقلنا إن القرآن غير صحيح .. لأنه يوجد من يضل عن سبيل الله .. و لكنه لا يتناول فيما يقوله قضية خلق السماوات و الأرض .. و لا قضية خلق الإنسان .. و لكن كون المضلين جاءوا و كونهم تحدثوا عن قضية خلق السماوات و الأرض و خلق أنفسهم .. و هل المادة قبل الروح ؟ أم الروح قبل المادة ؟ كون هؤلاء جاءوا .. و كونهم تناولوا قضية خلق السماوات و الأرض .. و خلق الإنسان .. فهذا إثبات لما جاء فى القرآن عنهم .. و كأن هؤلاء المضلين الذين جاءوا ليصدوا عن سبيل الله .. إنما قدموا خدمة كبيرة للدعوة الإسلامية .. و للقرآن .. بأنهم أثبتوا بكفرهم صحة القرآن .. و صحة آياته .. أترى إعجاز أكثر من ذلك ؟ يستخدم الله الكفار الذين يضلون عن سبيله .. و يحاولون تكذيب القرآن .. يستخدمهم الله سبحانه و تعالى ليقوموا و هم لا يدرون بإثبات صحة الدين الذى يحاولون أن يهدموه .. و بإثبات وجود الله سبحانه و تعالى .. و هم يريدون أن ينكروه .. فيقول فى قرآن نزل منذ أربعة عشر قرناً : إن هناك من سياتى ليضل عن سبيل الله .. و يتخذ من قضية خلق السماوات و الأرض و الإنسان مادة لهذا الإضلال .. و كل ما سيقولونه هو غير الواقع .. و أنا أنفى من الأن ما سيقولونه بعد مئات .. أو ألوف السنين .. و أقول لكم إنه غير صحيح . إذن فكون هؤلاء المضلين جاءوا إثبات للقرآن .. و كونهم أنهم قالوا غير الحق و لم يستطيعوا أن يدللوا عليه عملياً .. و أخذوا يطلقون نظرياتهم .. كل نظرية تهدم الأخرى إثبات آخر و هم يجتهدون فى محاولة هدم منهج الله و نحن نقول لهم إنكم تثبتونه .. لأن الله أخبرنا عنكم فى القرآن منذ أربعة عشر قرناً .. و قال إنكم ستأتون .. و ستفعلون كذا و كذا فى محاولة لتضليل الناس .. و هدم القرآن .. أترى الإعجاز .. فى استخدام الكفار لتثبيت قضية الإيمان فى الكون ؟
العلاقة بين جسد الإنسان
و القشرة الأرضية الخصبة
إذن فخالق الإنسان هو الله .. و خالق السماوات و الأرض هو الله .. و هذا أمر غيبى نأخذه عمن خلق .. إلا أن الحق سبحانه و تعالى حين يعرض قضية غيبية . فإنه ينير طريق العقل دائماً بقضية نحسها و نشهدها .. تقرب القضية الغيبية التى يتحدث عنها .. فالله خلقنى من تراب .. من طين .. من حمأ مسنون .. من صلصال كالفخار .. ثم نفخ فيه من روحه .
إذا أخذنا التراب ثم نضيف إليه الماء فيصبح طينا .. ثم يترك لتتفاعل عناصره فأصبح حمأ مسنوناً كالذى يستخدمه البشر فى صناعاتهم .. ثم يجفف فيصبح صلصالاً .. هذه أطوار خلق الجسد البشرى .. و البشر تم خلقهم من الطين .. من الأرض ..
فإذا جئنا للواقع .. فلنسأل أنفسنا : الإنسان مقومات حياته من أين ؟ من الأرض .. من الطين .. هذه القشرة الأرضية الخصبة هى التى تعطى كل مقومات الحياة التى أعيشها .. إذن فالذى ينمى المادة التى خلقت منها هو من نفس نوع هذه المادة .. و هى الطين .. و لقد حلل العلماء جسد الإنسان فوجدوه مكوناً من ستة عشر عنصراً .. أولها الأوكسجين .. و آخرها المنجنيز .. و القشرة الأرضية الخصبة مكونة من نفس العناصر .. إذن عناصر الطين المخصب هى نفس عناصر الجسم البشرى الذى خلق منه .. هذا أول إعجاز .. و هذه تجربة معملية لم يكن هدفها إثبات صحة القرآن أو عدم صحته .. و لكنها كانت بحثا من أجل العلم الأرضى .
الموت دليل على الحياة لأن الموت نقض لها :
و لقد جعل الله سبحانه و تعالى .. من الموت دليلا على قضية الخلق .. فالموت نقض للحياة .. أى إن الحياة موجودة .. و أنا أنقضها بالموت .. و نقض كل شئ يأتى على عكس بنائه .. فإذا أردنا أن نبنى عمارة نبدأ بالدور الأول .. و إذا أردنا أن نهدمها نبدأ الأخير .. إذا وصلت إلى مكان و أردت أن أعود .. أبدأ من آخر نقطة وصلت إليها .. إنها تمثل أول خطوة فى العودة .. و نحن لم نعلم عن خلق الحياة شيئا .. لأننا لم نكن موجودين ساعة الخلق .. و لكننا نشهد الموت كل يوم .. و الموت نقض الحياة إذن هو يحدث على عكسها .. أول شئ يحدث فى الإنسان عند الموت . أن الروح تخرج .. و هى آخر ما دخل فيه .. أول شئ خروج الروح .. إذن آخر شئ دخل فى الجسم هو الروح .. ثم تبدأ مراحل عكس عملية الخلق .. يتصلب الجسد .. هذا هو الصلصال .. ثم يتعفن فيصبح رمة .. هذا هو الحمأ المسنون .. ثم يتبخر الماء من الجسد و يصبح ترابا .. و يعود إلى الأرض .. إذن مراحل الإفناء التى أراها و أشهدها كل يوم هى عكس مراحل الخلق .. فهناك الصدق فى مادة الخلق .. و الصدق فى كيفية الخلق .. كما هو واضح أمامى من قضية نقض الحياة .. و هى الموت ..
الحياة نفخ من روح الله
شئ آخر .. يقول الله سبحانه و تعالى : " و نفخت فيه من روحى " ( الحجر 29 ) . و معنى النفخ أى نفس .. أى أن هناك نفسا خرج من النافخ إلى المنفوخ فيه .. فبدأت الحياة .. و بماذا تنتهى الحياة بخروج هذا النفس .. فأنت إذا شككت فى أن أى إنسان قد فارق الحياة .. يكفى أن يقال لك إنه لا يتنفس .. لتتأكد يقينا أنه مات إذن دخول الحياة إلى الجسد هو دخول النفس .. مصداقا لقوله تعالى : " و نفخت فيه من روحى " .. و خروجها هو خروج هذا النفس فالمسألة يقيناً كما قال الله ..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
معجزة القرآن فى إخباره بعلم الأجنة
و إذا كنا نريد إعجازاً أكثر .. فلننظر ماذا قال القرآن فى علم الأجنة .. علم تكوين الجنين فى بطن أمه .. هل تناول أحد هذه المسألة قبل القرآن أو عصر القرآن .. أو بعده بفترة .. أبدا .. أول من تحدث عنها هو القرآن و أعطانى ما هو غائب عنى .. فكون الله سبحانه و تعالى يأتى فى قرآنه و يعطينى مراحل تكوين الجنين .. فهذه آية من آيات عظمته و قدرته .. و علمه .. و يقول الله فى أطوار الجنين : " ثم جعلناه نطفة فى قرار مكين ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاماً فكسونا العظام لحماً " ( المؤمنون 13 / 14 ) علم الأجنة ما عرفه الناس إلا حديثاً .. و القرآن كما قلت كلام متعبد بتلاوته .. لا تبديل فيه و لا تغيير .. أى أن القضية التى يذكرها ستبقى كما هى إلى آخر الدنيا .. فعندما يأتى القرآن و يخبر بهذا فكأنه يتحدى العلم و العلماء .. إلى يوم القيامة .. يقول لهم هذا هو تكوين الجنين فى بطن أمه .. و أنا أذكره لكم و أذكر مراحله بالتفصيل .. لم يشهده أحد من البشر حتى ساعة نزول القرآن .. و لا حتى بعد نزوله بمئات السنين .. و لكننى أسجله لتعلموا عندما أعطيكم من العلم ما تستطيعون به معرفة أطوار الجنين .. أن القائل هو الخالق .. لأنه لا يمكن لأحد أن يقول هذا الكلام .. و أن يتحدى بصحته على مر العصور و أن يخترق الحجب ليروى شيئاً لم تكن البشرية تعرفه أو تعلم به .. إلا أن يكون ذلك هو الله .. و إلا فكيف يأمن أى إنسان ؟ أى بشر مهما بلغ من العلم .. كيف يأمن أنه بعد عشرات السنين .. أو مئات السنين .. لن يأتى ما يناقض هذا الحديث . و ما يثبت عدم صحته ؟
فإذا لم يكن الحديث هنا عن الله .. و إذا لم يكن عن يقين كامل .. فكأن القرآن قد أعطى معه وسيلة هدمه .. كان يكفى أن يقول إنسان إن القرآن يقول هذا عن أطوار الجنين .. و قد أثبت التقدم العلمى أنه غير صحيح .. كان يكفى أن يقال هذا ليهدم قضية الدين من أساسه .. و يكون القرآن قد أعطى للكفار أقوى سلاح يهدمونه به .. فالذى كشف علم الأجنة متأكد تماماً أن ما يقوله هو الحق .. و أن تطور العلم مهما جاء فانه لن يأتى ليناقض هذا الكلام .. و لقد أثبتت أحدث البحوث عن الجنين .. صحة ما ذكره القرآن منذ أربعة عشر قرناً .. و لم تختلف عنه .. فى أى تفصيل من التفصيلات .. رغم أن هذا كان أمراً غيبياً .. و أمراً لم يتحدث عنه أى إنسان قبل أن يأتى القرآن .. و مع هذا فقد ذكره القرآن بالتفصيل .. و حدد أطواره .. و جاء العلم بعد ذلك ليثبت هذه الحقيقة .. إذن فلابد أن قائل القرآن هو الله .. لأن الذى يعلم يقيناً هو الله وحده ..
آيات الله فى الأرض
مراكز الإحساس بالجلد
نأتى بعد ذلك إلى نقاط سأمر عليها بسرعة .. لأن آيات الله كثيرة جداً فى الأرض .. و كلها تنطق بإعجاز القرآن .. يقول الله سبحانه و تعالى : " كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلوداً غيرها ليذوقوا العذاب " ( النساء 56 ) هذه الآية عن الكفار يوم القيامة .. و الهدف منها هو أن يقول الله إن العذاب سيستمر فى الآخرة .. و كانوا يقولون إن مراكز الإحساس موجودة فى المخ .. و إن الجلد ليس فيه مراكز إحساس .. كان هذا هو الحديث حتى فترة وجيزة .. أما أيام نزول القرآن فلم يكن أحد يعرف شيئاً عن ذلك على الإطلاق فيأتى الله سبحانه و تعالى و يقول : " كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلوداً غيرها ليذوقوا العذاب " . فكأن العذاب له صلة بالجلد .. و الإحساس بالعذاب يأتى من الجلد .. ثم يكتشف العلم أخيراً أن مراكز الإحساس بالألم موجودة فعلاً فى الجلد .. و هى التى تحس بالعذاب .
( يؤكد العلم الحديث أن كل سنتيمتر فى الجلد يستقبل 800 مؤثر , و الأذن و العين كل منهما يستقبل 18 مؤثراً و لو زاد العدد فقد الإحساس ) .
الذرة
و نأتى إلى القرآن فنجده ربما كان أول كتاب فى العالم كله ... أخبر : أنه يوجد شئ أصغر من الذرة .. فيقول سبحانه و تعالى : " فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره و من يعمل مثقال ذرة شراً يره " ( الزلزلة 7 /8 ) لأن الذرة هى أدق ميزان فى العالم .. ثم يأتى فى آية أخرى و يقول عن الذرة " و لا أصغر من ذلك و لا أكبر إلا فى كتاب مبين " ( يونس 61 ) إذن فهناك شئ أصغر من الذرة .. و هذا الشئ مقيد فى كتاب عند الله و مكتوب ..
ديمومة ذكر الله
و يقول الله " فلا أقسم برب المشارق و المغارب " ( المعارج 40 ) أى مشارق و أى مغارب ؟ فى عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم و كان كل ما يعرفه الناس عن الشمس أنها تشرق من مكان .. و تغرب من مكان آخر .. فيقول مثلاً الشمس تشرق من ناحية هذا الجبل .. و تغرب من ناحية هذه الشجرة .. و لكن الآن كل بلد له مشرق و مغرب .. فالشمس عندى تشرق من ناحية الجبل .. و بعد دقائق تشرق فى بلدة أخرى .. و بعد دقائق فى بلدة ثالثة .. و بعد دقائق فى بلدة رابعة .. و هى تغرب من هناك و بعد دقائق تغرب من بلدى .. و بعد دقائق تغرب من بلد مجاورة .. أى أن لها مشارق و مغارب .. و الصلاة مثلاً .. الصلاة مستمرة فى الأرض ليلاً و نهاراً .. توقيت الظهر مثلاً عندى .. و بعد دقائق فى بلدة أخرى .. و بعد دقائق فى بلدة ثالثة .. و نصف الأرض نائم .. و النصف الثانى يسبح الله .. بعض الناس يصلون الفجر .. و فى نفس اللحظة غيرهم يصلون الظهر .. و فى نفس اللحظة غيرهم يصلون العصر .. و فى نفس اللحظة غيرهم يصلون العشاء .. الصلاة هنا فى القاهرة مثلاً و بعد دقيقتين فى بنها .. و بعد دقيقتين أخريين هى فى دمنهور .. و بعد دقيقتين هى فى الإسكندرية .. و بعد دقيقتين أو ثلاث هى فى بلد آخر .. و هكذا .. بحيث لا ينقطع عن العالم أجمع ثانية واحدة ليست فيها ذكر الله ..
من إعجاز القرآن
يأتى الله سبحانه و تعالى ليرينا كيف يعالج قضية أخرى ..يعالجها بما يناسب عقول الذين عاصروا نزول القرآن إلى الأرض .. و تفكير كل الأجيال القادمة .. يأتى فيقول : " و الخيل و البغال و الحمير لتركبوها و زينة " ( النحل 8 ) أى إنه و هو يتحدث عن نعمة قد حدد للإنسان ما خلقه له ليساعده على التنقل فى الأرض .. و لكن هل هذا هو نهاية المطاف .. لو أننى أفكر بتفكير ذلك العصر .. العصر الذى نزل القرآن لقلت إنها نهاية المطاف .. و لكن الله يعلم أن الإنسان سيركب السيارة و الصاروخ و الطائرة .. و أن كل جيل سيختلف عن الجيل الآخر بوسائل التنقل .. فكيف يسجل ذلك دون ان يقول ما هو فوق عقول الناس فى ذلك الوقت .. مما قد يذهب الإيمان فى نفوسهم ؟ يقول الله سبحانه و تعالى : " و الخيل و البغال و الحمير لتركبوها و زينة و يخلق ما لا تعلمون " ( النحل 8 ) أترى بلاغة القرآن .. قد سجل علم الله و فى نفس الوقت احتفظ به غيبا على الذين عاصروا نزول القرآن .. و يخلق ما لا تعلمون .. هنا معناها ان ما ذكرته ليس نهاية المطاف .
و لذلك فأنا أقول لكم من الآن : إن هذه هى وسائل تنقلكم و لكنى سأخلق فى الأجيال القادمة ما لا تعلمون أنتم .. و سأخلق للأجيال التى بعدها ما لا تعلمه الأجيال القادمة .. و هكذا إلى نهاية الدنيا .. و من هنا فقد سجل القرآن التطور الذى سيحدث .. و فى نفس الوقت احتفظ بعبارته فى مستوى العصر الذى نزل فيه ..
عنصرا الذكر و الأنثى فى الرجل
و تأتى الدنيا كلها .. فتتهم النساء بأن لهن دخلا فى أن يلدن إناثا و يلدن ذكورا .. و يخبر الله سبحانه و تعالى أنه خلق الإناث و الذكور من نطفة الرجل .. و ليس للمرأة دخل فى ذلك " و أنه خلق الزوجين الذكر و الأنثى من نطفة إذا تمنى "
( النجم 45 / 46 ) .. ثم يأتى العلم أخيراً .. و يكتشف هذه الحقيقة الكونية .. و يعلن أن عنصرى البشرية الذكر و الأنثى موجودان معاً فى الرجل .. و أن تحديد النوع يأتى من الرجل و ليس للمرأة دخل فيه ..
دعوة القرآن إلى إمعان النظر فى الكون
و الله سبحانه و تعالى يقول : " و كأين من آية فى السماوات و الأرض يمرون عليها و هم عنها معرضون "
( يوسف 105 )
أى إن هناك أشياء عجيبة خلقها الله فى السماوات و الأرض تتطلب من الإنسان أن يمعن النظر فيها .. و لكنه لا يمعن فيها النظر .. رغم أن الله سبحانه و تعالى طلب منا أن نمعن النظر فى آياته .. و أن نستخدم نشاطات الذهن فى اكتشاف نشاطات الكون ..
ساحة النقاش