محمد شهاب- المزارع السمكية Mohamed Shihab -Aquacultures

يعرض الموقع الأحدث من ومقالات و صور و مواقع تخص الاستزراع السمكى

إبراهيم نوار يكتب:في صحة نهر النيل .. وصحة المصريين

إعداد/ محمد شهاب

قلم /إبراهيم نوار

يعيش المصريون تحت خط الفقر المائي، بما يعادل 50% من الحد الأدنى العالمي الذي يقدر ب 1000 متر مكعب من المياه للفرد سنويا. هذا الرقم يمثل المياه المتاحة للاستهلاك من جميع المصادر ولجميع الأغراض، ومنها الري والصناعة والطاقة والاستهلاك المنزلي. أما الحد الأدنى لاحتياجات الفرد من المياه للاستهلاك المنزلي فتتراوح بين 150 إلى 300 لتر من المياه يوميا لجميع الأغراض مثل الشرب والنظافة والغسيل والطبخ وغيرها. ويبلغ متوسط نصيب الفرد في مصر حوالي 250 لترا يوميا. لكن هذا المتوسط يخفي تباينا صارخا بين المناطق والشرائح الاجتماعية المختلفة. وبسبب نقص المياه قالت الحكومة أن وزارة الإسكان بصدد تعديل تصميمات محطات المياه بهدف تخفيض متوسط معدل الاستهلاك المنزلي إلى 150 لترا للفرد، ما يقل بنسبة 40% عن المتوسط الحالي. ومع التوسعات العمرانية والزراعية الحالية، في الساحل الشمالي الغربي ومناطق شرق العوينات وتوشكى وغيرها، فإن معادلة العلاقة بين الناس والأرض والمياه تكشف عن زيادة نسبة العجز المائي الكمي تحت معدل الفقر المائي إلى أكثر من 50%.

المشكلة الأخرى التي تواجهها مصر في مواردها المائية هي تدهور نوعية المياه، الأمر الذي يؤثر سلبا على صحة المواطنين، ونوعية المنتجات الزراعية. ومن الملاحظ أن هذه المشكلة لا يتم الحديث عنها إلا في حالات الكوارث الطارئة، مثل تلوث مياه النيل بتسرب السولار والمازوت، وارتفاع نسبة الأمونيا ونقص نسبة الاوكسجين في المياه، وغرق مراكب نيلية تحمل مواد كيميائية سامة مثل المبيدات والأسمدة، و مواسم صيانة مصانع المبيدات والكيماويات التي يتم صرف مخلفاتها بدون معالجة في النيل، الأمر الذي يسفر عن تدمير الثروة السمكية والمائية في نهر النيل وبحيرات المياه العذبة، التي تتعرض هي الأخرى للموت البطئ بسبب التلوث، مثل بحيرة مريوط.

ويقودنا التحليل النهائي لظاهرة إهمال الاهتمام بصحة نهر النيل إلى فساد سياسة إدارة مياه النهر و مجراه، وهي سياسة تتوزع بين أكثر من عشر جهات حكومية منها وزارات البيئة والري والزراعة والداخلية والحكم المحلي والسياحة والنقل. ولا توجد سياسة موحدة لإدارة مياه نهر النيل هدفها النهائي هو تحسين صحة النهر الذي نردد جميعا إنه شريان الحياة في مصر، ولا توجد جهة للتنسيق بين هذه الوزارات، كما لا توجد رؤية للاهتمام بصحة نهر النيل، رغم الصراخ اليومي عن أهميته الإستراتيجية والواجب المقدس للدفاع عنه.

وبسبب الضغوط الاقتصادية، وعدم وجود المرافق الكافية للصرف الصحي و المنظومات الضرورية لمعالجة مياه الصرف وإعادة تدويرها في مجاري مياه مستقلة من أجل استخدامها في أغراض الري والصناعة والطاقة، فقد اختلطت مياه الترع بالمصارف، وأصبحت الناس لا تعرف كيف تفرق بين هذه وتلك. و زادت نسبة خلط مياه الصرف غير المعالجة بمياه الري، الأمر الذي يترك آثارا كارثية على صحة المواطنين، بمن فيهم الأطفال، ما يؤدي إلى تشوهات في البنية الجسدية للأجيال الجديدة، وانتشار الأمراض المزمنة بين الناس منذ الصغر. وإذا كانت هناك مصيبة في تعامل الناس مع صحة نهر النيل، فإن المصيبة تكون أفدح عندما يتحول إهمال الاهتمام بصحة نهر النيل إلى سياسة رسمية.

ما يثير الفزع في الوقت الراهن هو مشروع لإقامة محطات لتموين السفن النهرية بالمازوت أو أنواع الوقود الأخرى على طول مجرى النهر في إطار رغبة تحويل نهر النيل إلى ممر ملاحي! هذا المشروع الذي تم طرحه في بداية الأمر عام 2013 بهدف ربط البحر المتوسط ببحيرة فيكتوريا وإنشاء طريق بري وطريق سكك حديد بموازاته، يحاول استعارة الدور الذي تقوم به أنهار مثل الراين والدانوب في أوروبا من حيث كونها ممرات للنقل النهري. لكن الذين يحاولون استعارة هذا الدور ليقوم به نهر النيل يتناسون حقيقة أن أوروبا تعتمد على الأمطار أساسا في الري وليس على مياه الأنهار، وانها تنشئ بمساعدة الأمطار و البحيرات الناتجة عن ذوبان ثلوج الجبال خزانات للمياه العذبة التي تستخدمها محطات تنقية مياه الشرب. في مصر يختلف الأمر تماما سواء في الري أو في مياه الشرب، حيث أن نهر النيل هو المصدر الرئيسي لإمدادات المياه العذبة ومن ثم وجبت المحافظة على صحة مياه النهر وعدم تعريضها لمخاطر التلوث.

منذ أيام أصدرت وزارة البيئة بيانا بشأن تطهير نهر النيل في الأقصر من بقعة زيتية بعد بلاغ تلقته من شركة مياه الشرب هناك. ومنذ عدة أسابيع بدأت إحدى شركات النقل النهري نقل كيماويات وأسمدة زراعية بين دمياط وتوشكى عبر النيل، ومنذ سنوات غرقت إحدى سفن النقل النهري بحمولة ضخمة من الفوسفات في النيل، ويتم يوميا صرف مياه صرف صناعي غير معالجة في المجرى الرئيسي للنهر، مما يتسبب في تلوث مياه الشرب والري ونفوق الأسماك. وإذا سألت أي صياد يعيش على الصيد في النيل فسوف يخبرك انه لا يستطيع الآن صيد ما كان يصطاد قبل عشر سنوات أو أكثر، وأنه يكون محظوظا إذا فاز بصيد يعادل 10% مما كان يصطاد من قبل. وجاء في بيان وزارة البيئة أنه تبين وجود بقعة سولار بطول 10م × 1.5 م تقريبا، غير معلومة المصدر. وقالت الوزارة انه تم التعامل مع البقعة وتفتيتها دون أن تتوقف محطة المياه، مع إجراء مسح كامل لمجرى النيل حتى المراسي السياحية جنوبا والتأكد من خلوه من أي آثار للتلوث.

المشكلة هنا أن وزارة البيئة والوزارات الأخرى المعنية بإدارة مجرى النيل تتعامل مع مثل هذه الوقائع كحوادث طارئة، تنتهي بالتدخل أحيانا، أو من تلقاء نفسها بعد اكتمال دورة أضرارها في أحيان أخرى، بدون الاهتمام بصياغة سياسة تضمن صحة المياه ومجرى النهر. و لا تتحرك هذه الجهات في العادة إلا بعد ورود بلاغات من جهات رسمية، خشية وقوع كارثة، لكنها تستريح بعد ذلك انتظارا لبلاغ جديد. ومع التوسع في مشروع تحويل نهر النيل إلى مجرى ملاحي، سوف يزيد عدد محطات تموين السفن بالوقود على مجرى النهر، بكل ما يحمله ذلك من مخاطر على صحة المياه. بل إن الأمر يزداد خطورة مع الاتجاه الى استخدام مجرى النيل في نقل المازوت اللازم لتشغيل قمائن صناعة الطوب الأحمر المنتشرة على طول مجرى النيل. ومع زيادة معدل استخدام النيل كمجرى ملاحي فإن النهر يصبح أكثر تعرضا للتلوث، ما يعني زيادة تلوث مياه الشرب. في هذه الحالات تلجأ محطات مياه الشرب لزيادة استخدام المطهرات الكيماوية، وهو ما يزيد من حدة التلوث وليس العكس.

المصدر: الأهالى
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 280 مشاهدة
نشرت فى 30 أغسطس 2025 بواسطة hatmheet

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

2,923,595