
هل هناك خطر حقيقي لحدوث تسونامي في منطقة المتوسط مع ارتفاع حرارة البحر؟
إعداد:صبرا المنصر
انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي في تونس، في الأيام الأخيرة، العديد من الإشاعات حول احتمال وقوع تسونامي في البحر الأبيض المتوسط، وذلك بسبب الارتفاع غير المسبوق في درجات حرارة مياه البحر الأبيض المتوسط. وترافق ذلك مع تداول مقاطع فيديو مفبركة تُظهر أمواجا ضخمة، ما أثار حالة من القلق لدى المواطنين وأدى إلى شبه خلوّ الشواطئ، حسب ما تظهره الصور المتداولة.
وبحسب بيانات جمعها برنامج كوبرنيكوس الأوروبي وحللتها هيئة الأرصاد الجوية الفرنسية، سجل البحر المتوسط في 29 يونيو/ حزيران الماضي أعلى حرارة سطحية على الإطلاق خلال نفس الشهر، بمتوسط 26,01 درجة مئوية. وهي أعلى بثلاث درجات تقريبا من الأرقام الموسمية المسجلة في نفس الفترة بين 1991-2020. ووفق خبراء، لم تسجل من قبل درجة حرارة يومية بهذا الارتفاع في شهر حزيران/يونيو، محسوبة على كامل حوض البحر الأبيض المتوسط.
لفهم ما يحدث بشكل علمي وتسليط الضوء على التأثيرات المحتملة للظاهرة، حاورت فرانس24 الأستاذ عامر بَحبَة، أستاذ مبرز، وخبير في الطقس وباحث في المخاطر الطبيعية.
1-هل هناك فعلا خطر حقيقي من حدوث تسونامي في البحر الأبيض المتوسط نتيجة ارتفاع درجات حرارة المياه؟
يجب أن نوضح أمرا أساسيا هنا: ارتفاع حرارة مياه البحر لا يمكن أن يتسبب في حدوث تسونامي. هذه إشاعة لا تستند إلى أي أساس علمي. التسونامي لا علاقة له بالمناخ أو بدرجات حرارة الماء، بل هو ظاهرة جيولوجية ناتجة أساسا عن زلازل قوية تقع تحت قاع البحر. يعني، لكي يحدث تسونامي، لا بد من زلزال قوي، عادة بقوة لا تقل عن 7 درجات على سلم ريختر، ويجب أن يقع تحت البحر، لأن الطاقة الناتجة عن الزلزال تُحرّك كميات هائلة من الماء، مما يولد تلك الموجات العنيفة. الحرارة المرتفعة في البحر، مثل ما نراه اليوم في المتوسط، هي ظاهرة مناخية، وقد تكون مقلقة من حيث تأثيرها على النظم البيئية أو الطقس، لكنها لا يمكن أن تولّد تسونامي.
عواصف، حرائق، فيضانات، موجة حر.. هل نحن في "عصر" الكوارث الطبيعية؟
الآن، هل هناك خطر من تسونامي في البحر المتوسط بشكل عام؟ نعم، هناك خطر حقيقي لكنه محدود. تاريخيا، شهدت المنطقة بعض موجات التسونامي، مثل تلك التي ضربت جزيرة كريت اليونانية عام 365 ميلادية، أو زلزال ميسينا في إيطاليا سنة 1908. لكن قوة هذه الموجات في المتوسط عادة ما تكون أقل مقارنة بتلك التي تحدث في المحيطات مثل ما نشهده في اليابان أو إندونيسيا. ومثال حديث على ذلك هو زلزال بومرداس بالجزائر سنة 2003، الذي بلغت قوته حوالي 6.9 درجات، وتسبب في موجة تسونامي صغيرة وصلت إلى بعض السواحل، لكنها كانت ضعيفة.
الخلاصة لا يوجد أي خطر من تسونامي بسبب ارتفاع حرارة البحر، وهذه الأخبار المتداولة على مواقع التواصل مجرد إشاعات لا تستند إلى مصادر علمية، وتروّجها للأسف صفحات تبحث فقط عن "البوز".
2- هل من الممكن التنبؤ مسبقا بحدوث ظواهر مثل التسونامي أو اضطرابات بحرية كبرى وماهي المؤشرات التي يُعتمد عليها؟
لا، لا يمكن التنبؤ مسبقا بحدوث زلزال، وبالتالي لا يمكن التنبؤ مسبقا بتسونامي. الزلازل، على عكس الأحوال الجوية، لا توجد أي تقنية أو دولة في العالم قادرة على التنبؤ بها بدقة قبل وقوعها. بينما يمكننا التنبؤ بحالة الطقس لأيام أو حتى أسبوع، الزلازل تبقى ظواهر مفاجئة. صحيح أن هناك أقمارا صناعية وأجهزة رصد مخصصة لرصد أمواج التسونامي، لكنها لا تعمل قبل الزلزال، بل تدخل حيز الاستخدام مباشرة بعد وقوع الزلزال. فعند حدوث زلزال تحت البحر، تبدأ أجهزة القياس في تتبع تحركات المياه، ويمكن حينها فقط إصدار تحذيرات مبكرة بشأن احتمال وقوع تسونامي. هذا ما تقوم به مثلا دول مثل اليابان أو الولايات المتحدة، حيث تصدر إنذارات بعد الزلازل البحرية القوية، لكنها لا تستطيع توقع الزلزال نفسه مسبقا.
أما من يخرج ليقول: "سيحدث زلزال غدا أو خلال ساعات" فذلك غير علمي إطلاقا. ومع الأسف، انتشرت على وسائل التواصل فيديوهات لأشخاص يدعون ألقابا مثل "قبطان" أو "خبير"، ويطلقون تحذيرات دون أي أساس علمي. هذه إشاعات خطيرة ومضلّلة. حتى بعض المقاطع التي نُشرت وتُظهر البحر المتوسط وكأن به موجات ضخمة أو دوامات، ثبت أنها ليست صورا حقيقية، بل محاكاة رقمية أو محتوى من إنتاج الذكاء الاصطناعي. وهنا نؤكد: لم يصدر أي تحذير علمي من أي جهة موثوقة، لا في تونس ولا خارجها. بل على العكس، صدرت تصريحات واضحة عن مختصين مثل الدكتور حسين الحامدي، مدير الجيوفيزياء بالمعهد الوطني للرصد الجوي في تونس، الذي أكد أن ما يروج لا أساس له من الصحة.
لكن هناك نقطة مهمة نحب أن نوضحها: العلم يعرف المناطق الجغرافية الأكثر عرضة لمثل هذه الظواهر، استنادا إلى البيانات الجيولوجية والتاريخية. مثلا، جنوب اليونان، تركيا، إيطاليا، هي مناطق معروفة بنشاطها الزلزالي، لأنها تقع على التقاء الصفيحة التكتونية الأفريقية والأوراسية.
لكن حتى مع هذه المعرفة، نعود ونكرر: نحن نعرف أين قد تحدث الزلازل، لكن لا أحد يمكنه أن يعرف متى ستقع.
3- ماهي التأثيرات والمخاطر الفعلية لارتفاع غير مسبوق في حرارة مياه المتوسط على المدى القصير والمتوسط؟
تأثيرات ارتفاع حرارة البحر المتوسط متعددة، وبعضها نشهده اليوم بشكل مباشر، والبعض الآخر يظهر على المدى المتوسط والبعيد. إذا بدأنا بالتأثيرات القريبة، أول ما نلاحظه هو أن الكائنات البحرية، مثل الأسماك، لا تتحمّل درجات الحرارة المرتفعة. فعندما تسخن مياه البحر، تهرب هذه الكائنات نحو الأعماق، حيث تكون المياه أبرد. هذا يخلق مشكلًا للصيادين الصغار الذين يعتمدون على الصيد الساحلي، لأن السمك يصبح أقل وجودا قرب الشواطئ. على سبيل المثال، في خليج قابس، المياه القريبة من الشاطئ تكون أدفأ من تلك التي على بُعد 50 كيلومترا في العمق، وهو ما يدفع الأسماك إلى الهجرة. من جهة أخرى، تؤثر الحرارة المرتفعة أيضا على البيئة البحرية. فقد شهدنا حالات نفوق جماعي للأسماك، كما حدث في سليمان (الواقعة في ولاية نابل شمال شرقي) وفي خليج المنستير(الوسط الشرقي). صحيح أن السبب الأساسي في المنستير كان التلوث الناتج عن تصريف مياه المصانع ومخلفات الصيد، لكن الاحترار ساهم في تفاقم الوضع، وخلق بيئة بحرية غير صالحة للحياة.
النباتات البحرية، مثل الطحالب، تتضرر هي الأخرى. فهي تلعب دورا أساسيا في إنتاج الأوكسجين، لكنها لا تتحمل السخونة أيضا. وقد لاحظنا مؤخرا تراكما غير معتاد للطحالب على الشواطئ التونسية، وهو مؤشر على خلل بيئي محتمل ناتج عن الاحترار.
وتجدر الإشارة إلى أن تأثير التلوث البيئي يتضاعف مع الاحترار. ففي الشتاء، تكون حرارة المياه منخفضة، وهو ما يُخفف من حدة التلوث، أما في الصيف ومع ارتفاع الحرارة، فتصبح الروائح الكريهة والتغيرات اللونية في المياه أوضح، كما حدث مؤخرا في خليج المنستير. أما على المدى المتوسط، فالمشكل يصبح مناخيا بالأساس. في الخريف، تعود المنخفضات الجوية، خاصة من شمال الأطلسي، وتلتقي مع هواء دافئ ورطب فوق المتوسط. هذا التفاعل يُشكل سحبًا رعدية قوية، ما يؤدي إلى أمطار غزيرة، وفي أحيان كثيرة إلى فيضانات. وكلما ارتفعت حرارة البحر، زاد التبخر، وزادت معه كمية الرطوبة في الجو، وهذا ما يغذي تلك العواصف. وقد رأينا أمثلة حية على ذلك، كما حدث في كارثة درنة بليبيا 2023، وفيضانات فلانسيا بإسبانيا في 2024، وهي أحداث تتكرر كل عام تقريبا في شهري سبتمبر/أيلول وأكتوبر/تشرين الأول. حتى تونس لم تسلم من هذه الظواهر، وقد سجّلنا في السنوات الأخيرة سيولا وفيضانات قوية خلال نفس الفترة.
الاحترار، إذن، لا يؤثر فقط على البيئة البحرية وعلى الاقتصاد المرتبط بها، بل هو عامل مباشر في تطرف الأحوال الجوية، وزيادة خطر الكوارث الطبيعية.


ساحة النقاش