


على موائد "شم النسيم".. "السمكة" فى الفن القبطى.. رسائل البركة والإبداع
إعداد/محمد شهاب
2025 أبريل 21 أحمد عامر عبدالله
فى ظهيرة اليوم، يستطيع المرء الجزم بأن أغلب البيوت المصرية قد تصدرت موائدها السمك بمختلف أنواعه وطرق تجهيزه ( فسيخ، رنجة، سلمون، تونة، مشوى، مقلى..... والقوس مفتوح. فهو عيد الربيع، «شم النسيم»، وبالتزامن مع عيد القيامة وانتهاء فترة «الصوم الكبير». وللأسماك دلالات رفيعة ومكانة خاصة بالفن القبطى.
تعتبر «السمكة» من أهم وأكثر الرموز المسيحية انتشارا فى الشرق والغرب على السواء منذ عصر الكنيسة الأولى. وقد اُتّخِذَت السمكة كرمزٍ للمسيحية منذ القرن الأول الميلادى، فقد عثر على رسومات للسمكة فى كهوف ومقابر المسيحيين المتواجدة تحت الأرض، كما زينت السمكة جدران الكنائس المنقوشة بالفسيفساء منذ العصور المسيحية المبكرة .
وعن محورية «السمكة « بالنسبة لـلفن القبطى، يقول دكتور إسحق إبراهيم عجبان، عميد معهد الدراسات القبطية وأستاذ التاريخ القبطى: « معروف أن صيد السمك كان الحرفة الأساسية لمعظم سكان فلسطين. وكان الصيادون يأتون بالسمك ليبيعوه فى أورشليم، وكان هناك باب يدخلون منه يسمى (باب السمك). ويلاحظ أن ( يت صيدا) تعنى (بيت الصيد) لاشتغال اهلها بصيد السمك .ومن دواعى ربط السمكة بالمسيحية أن السيد المسيح اختار بعض الصيادين ليكونوا بين تلاميذه، لينشروا رسالته ويجذبوا الناس للإيمان برسالته».
واستخدم السيد المسيح نفسه «السمكة» كرمز لشعبه ورعيته، فعندما دعا تلاميذه قال لهم: «هلم ورائى فأجعلكما صيادى الناس». ورمز السمكة له أهمية خاصة فى العهد الجديد, حيث تُذكر كلمة سمكة بمشتقاتها نحو 27 مرة فى البشائر الأربع فقط (متي- مرقص- لوقا- يوحنا). وقام السيد المسيح باصطياد الناس وأولهم الرسل كصيادى الناس، وقام بإشباع الجموع بالسمك مع الخبز (إشباع الجموع بخمس خبزات وسمكتين).
ويوضح الدكتور عجبان أن «السمكة» ترمز للخلاص فى المفهوم المسيحى. وترسم الأسماك مع الخبز أو مع سلة خبز، للدلالة على معجزتى إشباع الجموع التى صنعهما السيد المسيح. ونظرا لأن «السمكة» ترتبط فى الاذهان باشباع الجموع وصيد السمك الوفير، ونظرا لأن السمكة تضع الكثير من البيض ، لكل ذلك فهى رمز للرخاء والبركة والخير. وقد استخدم المسيحيون الأوائل السمكة كشعار متداول فيما بينهم فى زمن الاضطهادات الرومانية للتعرف على بعضهم البعض. و»السمكة» تعيش فى الماء ولذلك ترمز للولادة الروحية من الماء والروح. كما ترسم مع المرساة أو «الهلب». وهو أحد رموز القرن الأول، ومعناه أن يسوع المخلص كونه الرجاء، أو المرساة الثابتة لحياه الفرد. فبرغم ما قد يمر به الإنسان من أحداث فهو ثابت فى السيد المسيح رجاء الأمم .كما استخدم الفنان القبطى السمكتين المتقاطعتين كرمز يؤكد به الارتباط بين الشكل الرمزى والعقيدة أى ارتباط الرمز بالمرموز إليه. فالسمكتان المتقاطعتان يكونان الحرف الأول من اسم المسيح باليونانية، ويشكلان صليبا .
وهناك من يعتقد أن رمز «السمكة» قد وصل إلى أقصى مراحل تطوره باجتماع ثلاث أسماك ملتفة على بعضها بشكل زخرفى داخل هيئة المثلث . كما ظهرت أيضا الأسماك الثلاث داخل شكل المثلث، ولكنها مشتركة برأس واحدة. وفى ذلك رمزية أو إشارة لمفهوم «الثالوث» فى العقيدة المسيحية.
ويؤكد الدكتور عجبان أنه منذ الأجيال الأولى، والمسيحيون يتخذون من «السمكة» رمزا لهم فى كثير من فنونهم وصناعاتهم. فقد كان الفنانون القدماء ينقشون «السمكة» على حامل الأيقونات «الايقونستاس». كما استخدموها نقشا على المسارج والمصابيح الفخارية كعلامة إيمان وخلاص.
وترسم الأسماك أيضا سابحة فى نهر النيل ضمن أيقونات رحلة العائلة المقدسة إلى مصر، كأحد معالم البيئة المصرية.
وفى أحد متاحف روسيا، وجدت قطعة نسيج مصرى، وفقا لما ذكرته الباحثة مرجريت مجدى خله فى رسالتها لنيل درجة الماجستير من «جامعة الإسكندرية» وعنوانها «الرمزية فى فن التصوير القبطى». وتشير الرسالة إلى كون قطعة النسيج مزخرفة بسمكة يتدرج لونها من الأخضر حتى الأصفر، أما زعانفها فملونة بالأحمر. ويعبر التواء جسمها عن كونها فى حالة سباحة.
كما يضم المتحف القبطى «أزيارًا» قديمة لتخزين الحبوب وغيرها من الغلال، وتحمل هذه «الأزيار» نقوشا ترمز لـ «السمكة». وضمن معروضات المتحف أيضا، «مذبح» أثرى من الحجر الجيرى، يرجع إلى القرون الأولى للتاريخ المسيحى، ويحمل نقوشا لحمامة تتوسط سمكتين، مع نقوش نباتية ترمز للكرامة المقدسة. كما يوجد صورة تمثل قطعة من الحجر الجيرى عليها نقش يمثل صليبا بين اثنين من الدلافين، وعلى جانبيه زخارف نباتية.أما «الصليب»، فيرمز للخلاص فى المسيحية، وبينما ترمز»الدلافين» لخلاص الإنسان من الغرق.


ساحة النقاش