<!--<!--<!--

اكتشاف جسيم "نيوترينو" بأعماق البحر المتوسط.. طاقة هائلة قادمة من أعماق الكون

إعداد/محمد شهاب

في أعماق البحر الأبيض المتوسط، وسط ظلمة لا يبددها إلا وميض الاكتشافات العلمية، التقطت عيون الباحثين جسيما يكاد يكون شبحا كونيا: "نيوترينو" ذو طاقة هائلة تفوق بثلاثين مرة ما سُجل على الأرض من قبل. هذا الجسيم الأولي، الذي لا يحمل شحنة كهربائية ولا يكاد يمتلك كتلة، عبر مسافات شاسعة خارج مجرة درب التبانة، ليُصبح رسولا يخبرنا بقصص كونية لا تُروى إلا لمَن يملك أدوات الرصد الدقيقة.

إن اكتشاف "نيوترينو" (بطاقة 220 بيتا إلكترون فولت) ليس مجرد إنجاز علمي، بل نافذة فُتحت على أكثر الظواهر عنفا في الكون: انفجارات المستعرات العظمى، واندماج النجوم النيوترونية، والتفاعلات الهائلة حول الثقوب السوداء. هذه الجسيمات، بتفاعلها الضعيف مع المادة، تظل حاملة لأسرار نشأتها عبر أزمان لا تُعد، حاملة معلومات يستحيل الحصول عليها بالوسائل التقليدية.

في قاع المتوسط، حيث يعمل تلسكوب النيوترينو للكيلومتر المكعّب (KM3NeT)، تتضافر جهود 350 عالما من 21 دولة لرصد هذه الجسيمات الشبحية. موقعا المرصد، "أركا" قرب سواحل صقلية و"أوركا" قبالة تولون الفرنسية، مزودان بكابلات مضيئة تكشف أدق الإشارات. وفي 13 فبراير 2023، عبر "ميون" ناتج عن "نيوترينو" عبر كاشف "أركا"، مسجلا طاقة لم يسبق لها مثيل.

لم يقتصر الأمر على الأرقام القياسية، بل امتد لتحديد مصادر محتملة لهذا النيوترينو الهائل، منها نوى مجرية نشطة تعرف باسم البلازار، ما قد يساعد في فك طلاسم الأشعة الكونية وتركيبتها.

العلماء يؤكدون أن هذا الجسيم لا ينتمي إلى مجرتنا، بل أتى من أعماق الكون، ربما نتيجة تفاعل الأشعة الكونية الفائقة مع فوتونات الخلفية الكونية.

وفي حين لا يزال نظام التنبيه الخاص بالنيوترينوات قيد التطوير، يأمل العلماء أنه مع اكتماله، سيتمكنون من إرسال إشعارات فورية للتلسكوبات حول العالم لتوجيه عدساتها نحو مصدر هذه الجسيمات فور رصدها.

وبينما يواصل هذا الفريق الدولي عمله الدؤوب، يبدو أن هذا الجسيم الكوني فتح فصلا جديدا في فهمنا للكون، فصلا يُكتب في أعماق البحر، بحروف من ضوء وأسرار من ظلام.