"البلطي" سمكة عالمية من مياه مصرية
إعداد/محمد شهاب
كتب محمود دسوقى:
يحظى الإنتاج السمكي في مصر بجودة عالية ومذاق مُفضّل لدى المواطنين، وتعتبر أسماك البلطي واحدة من أهم الأسماك الشعبية والأكثر إنتاجًا واستهلاكًا في السوق المحلية المصرية، حيث تنتشر المزارع السمكية في غالبية المحافظات الساحلية، ويبلغ الإنتاج في مصر حوالي 2 مليون طن بنسبة اكتفاء بلغت 85 %. وتحتل مصر المركز الأول أفريقيًا والسادس عالميًا في الاستزراع السمكي، كما تحتل المركز الثالث في إنتاج السمك البلطي، كما أن مؤشرات الاكتفاء الذاتي في طريقها للارتفاع في ظل تنفيذ عدد كبير من مشروعات الاستزراع وتطهير البحيرات السمكية وحل مشكلاتها.
وتتميز البيئات المائية في مصر بخلوها من أنواع البكتريات الضارة والتي قد تكون موجودة في بيئات مائية في دول وقارات أخرى، وتخضع مشروعات الاستزراع السمكي لرقابة مشدد ومتابعة دورية من قبل الجهات المختصة وعلى رأسها جهاز حماية البحيرات والثروة السمكية التابع لمجلس الوزراء، كما يحرص القائمون على المزارع السمكية على تحقيق أعلى معدل إنتاج وجودة ممكنة لضمان تحقيق هامش الربح المستهدف وتحقيق الاستمرارية في الإنتاج.
«الأهرام التعاوني» ترصد مؤشرات الإنتاج السمكي في مصر وأهم الأصناف التي يتم إنتاجها ومعدلات الجودة فيها، وترد من خلال المتخصصين على الدعوات المغرضة بمقاطعة أسماك البلطي المصري من قبل بعض الأشخاص غير ذوي التخصص أو الصفة العلمية.
جودة الأسماك المصرية أكد الدكتور عبد العزيز نور، أستاذ الإنتاج الحيواني والسمكي بجامعة الإسكندرية، أن الأسماك المصرية من أجود أنواع الأسماك عالميًا وتحظى بقبول كبير في السوق المحلي أو الأسواق العالمية، كما أن البيئات المصرية للأسماك خالية تمامًا من أنواع البكتريا الخطرة ولا توجد أي محاذير من تناول أي نوع من الأسماك المصرية المتعارف عليها، وأن الحديث عن إصابة بشرية نادرة بسبب عدوى بكتيرية نتيجة التلوث أو تناول الأسماك في قارات أخرى وربطه بالأسماك المصرية هو شيء لا يقبله عقل وتشويه مقصود للإنتاج السمكي المصري، علمًا بأن الإصابة البكتيرية محور الحديث في أمريكا ثبت أنها بسبب التلوث في المياه، وليس لها علاقة بسمكة البلطي أو أي نوع من الأسماك، كما أن السمك البلطي في أمريكا مختلف عن البلطي المصري، فهناك اختلاف في المصادر وبيئات الإنتاج ولا يمكن القياس والمقارنة بهذا الشكل العشوائي، وسمكة البلطي هي السمكة الشعبية الأولى في مصر ومبني عليها اقتصاديات الإنتاج السمكي بشكل كبير.
وشدد أستاذ الإنتاج الحيواني والسمكي بجامعة الإسكندرية، على ضرورة الطهي الكامل للأسماك سواء عند القلي أو الشوي أو الطبخ، فهناك عادات خاطئة لدى بعض المواطنين عند تناول الأسماك حيث يفضلون تناولها “نصف مستوية” أو نيئة، وبالتالي تزداد فرصة انتقال أي ملوثات ميكروبية أو بكتيرية للإنسان، وقبل الشراء أيضًا لابد من التأكد من سلامة الأسماك وطازجيتها تجنبًا لمشكلات سوء الحفظ والتخزين، ولابد أيضًا من الشراء من مصادر موثوقة وتخضع للرقابة.
أعلاف غير تقليدية وأوضح الدكتور عبد العزيز نور، أن مصر تستورد كميات كبيرة من الأسماك من الخارج، رغم أنها كانت تحتل المركز الثاني عالميًا في إنتاج السمك البلطي، ومن هنا لابد من بذل مزيد من الجهود لعودة الإنتاج السمكي لسابق عهده حتى تحقيق الاكتفاء الذاتي، ولابد أيضًا من محاولة إنتاج الأعلاف من مصادر أخرى للتغذية السمكية تقليلاً للنفقات، وفي هذا الشأن لابد من الاستفادة من “ذبابة الجندي الأسود” وهي عبارة عن ذبابة تُعالج يرقاتها المخلفات والنفايات كما تنتج البروتين الحيواني عالي القيمة الغذائية والذي ينافس مسحوق السمك وكسب الصويا، وبالتالي فنحن قادرون على الاستغناء عن استيراد كسب الصويا ومسحوق السمك واستبدالهم بمنتج طبيعي محلي يسهل توفيره وهو أيضًا أعلى من حيث القيمة الغذائية وأقل في التكاليف.
واستطرد أستاذ الإنتاج الحيواني والسمكي بجامعة الإسكندرية قائلاً: إن ذبابة الجندي الأسود مهمة في معالجة النفايات التي تتسبب في الروائح الكريهة ونقل الأمراض وتحويلها إلى أعلاف لتنمية الثروة الحيوانية، وهناك عشرات الدراسات التي أثبتت جدوى استخدام هذه الذبابة، مضيفًا أننا في مصر لدينا العلوم والأبحاث والإمكانيات اللازمة للاستغناء عن استيراد الأعلاف السمكية من الخارج وإنتاج بدائل محلية أعلى في القيمة الغذائية، كما أن هناك أنواع أسماك يمكن تربيتها في نهر النيل والمسطحات المائية تسهم بقوة في تنقية المياه وحل مشكلات النفايات والمخلفات بالمياه، ونمتلك بالفعل مفرخات هذه الأسماك والأمهات المنتجة لها، فما الذي يمنع تربيتها والتوسع في إنتاجها طالما لها هذه الفوائد المهمة والمتعددة.
البلطي سليم 100 % وفي اتجاه موازٍ، أضافت الدكتورة نسرين عز الدين، الأستاذ بكلية الطب البيطري جامعة القاهرة ومستشار محافظة الفيوم لشئون الثروة السمكية، أن الدعوات المغرضة بمقاطعة أسماك البلطي بالسوق المصري والتحذير من تناولها لا أساس لها من الصحة وجاءت من قبل غير متخصصين يحملون أهدافًا ومصالح خاصة، وأن القائمين على هذه الدعوات ربطوا بشكل غير منطقي بين السمك البلطي المصري وبين تداول خبر بتر أطراف سيدة أمريكية بعد تناولها سمك البلطي وإصابتها بأحد أنواع البكتيريا المنتشرة بشكل وبائي بالمياه الأمريكية وخاصة في خليج المكسيك.
وأكدت عز الدين، أن نوع البكتيريا الذي ذكرته بعض المواقع ومنصات التواصل الاجتماعي على أنه المسبب لبتر أطراف السيدة الأمريكية غير صحيح وليس هو النوع الخطير الذي تسبب في هذه الحادثة في أمريكا، وبالتالي فإن الأمر أشبه بكونه حملة غير مبررة للهجوم على البلطي المصري دون دليل أو أي سند علمي، مضيفة أن البلطي المصري سليم تمامًا ولا يمثل أي خطورة على المواطنين بل إنه عالي القيمة الغذائية كغيره من أنواع الأسماك المحلية.
البكتريا الضارة وأشارت الدكتورة نسرين عز الدين، إلى أن بكتيريا "الفيبريو" أو المعروفة باسم بكتيريا "الضمة" والتي يمكن أن تتسبب بأضرار للإنسان، لا علاقة لها بنوع معين من الأسماك أو المحاريات أو القشريات بل هي بكتيريا يرتبط وجودها بالمياه المالحة خاصة مع ارتفاع درجات الحرارة، وأغلب الحالات المصابة ليست عن طريق الطعام الملوث من هذه المياه ولكن الغالبية من الحالات تصيب الإنسان عند ملامسته هذه المياه إذا كان لديه أي خدش أو جرح بالجسم، ويمكن أن يصاب حتى أثناء السباحة في هذه المياه أو مجرد المشي على الشاطئ أو ملامسة أي شيء يخرج من هذه المياه ولا يشترط تناول أي مأكولات بحرية للإصابة، محذرة من الانسياق وراء المهاترات التي يقوم بها غير المتخصصين على منصات التواصل الاجتماعي والتي تتسبب في إثارة الفزع لدى المواطنين والإضرار بسمعة الأسماك المصرية، خاصة مع حملات الاستهداف الدائم لأسماك البلطي المصري الذي حققت فيه مصر مركزًا متقدمًا على مستوى العالم من حيث الجودة والإنتاج .
الطحالب الخضراء وأَضافت الدكتورة نسرين عز الدين، أنه مع ظهور الطحالب الخضراء في إحدى شواطىء بورسعيد، انتشرت الإشاعات مجددًا وخرج غير المتخصصين وبادروا بتوجيه المواطنين بعدم تناول أي نوع من الأسماك مصدره محافظة بورسعيد لكون هذه الطحالب سامة للأسماك وللإنسان، وتم الاستناد في هذه التحذيرات إلى خطاب غير موثق متداول على منصات التواصل الاجتماعي، وتم التشهير بالأسماك المصرية دون تحري الدقة أو انتظار أي رد من الجهات المختصة حول طبيعة هذه الطحالب.
وأضافت الدكتورة نسرين عز الدين، أنه بعد إجراء الفحص والتحليل المعملي من قبل علماء متخصصين بالجامعات المصرية، تبين أن هذه الطحالب المشار إليها ليست من الأنواع السامة، وأن حالات النفوق في الأسماك الصغيرة كانت محدودة للغاية وليس بسبب هذه الطحالب، وأن اللون الأخضر جاء بسبب تجمع الطحالب الخضراء وبالتحليل والفحص المعملي لم يثبت وجود ملوثات، فبكوني رئيسًا للفريق العلمي الباحث في مشكلات الثروة السمكية، كلفت فور تداول الموضوع أعضاء الفريق في بورسعيد بأخذ العينات وتحليلها دون أن نشر الموضوع أو التحدث فيه لحين ظهور النتائج وهذا هو المنهج السليم للتعامل في هذه الحالات، فليس من المعقول التسبب في الفزع للمواطنين دون سبب، خاصة وأن كل ما تم تداوله كان مجرد إدعاءات من غير المتخصصين وأثبتت الفحوص والتحاليل أن الأسماك سليمة تمامًا وليس هناك أي خطورة من تناولها.
مصادر موثوقة وشددت الدكتورة نسرين عز الدين، على ضرورة الحصول على الأسماك من جهات ومصادر موثوق بها وليس من الشارع أو الباعة الجائلين، مضيفة أن الأسماك الواردة من البيئة الملوثة يتم التعرف عليها من خلال الرائحة، وإذا كانت ملوثة بصرف صناعي يتم التعرف على مثل هذه الأنواع من الملوثات عند الطهي سواء القلي أو الشوي، حيث يتم استشعار رائحة مبيدات أو مواد كيميائية، موضحة أن لكل سمكة مواصفاتها الشكلية وفي حالة وجود أي خلل أو تغيّر في هذه المواصفات خاصة في المعالم الخارجية يُفضّل عدم شراء هذه الأسماك.
ولابد أيضًا من فتح خياشيم السمك للتأكد من كونه طازجا حيث لابد أن يكون لون الخياشيم أحمر وردي، أما إذا كان اللون أحمر قاتم أو نبيتي فذلك دليل على إصابة السمكة باحتقان في الخياشيم نتيجة مرض معين، أما بالنسبة لسمكة الموسى فهي تتميز باحتواء خياشيمها على كمية زائدة من المخاط مقارنة بباقي الأسماك، وكثرة المخاط في بقية أنواع الأسماك يكون سببه مرض معين خاصة إذا كان لون المخاط متغير أو رائحته كريهة، وعند الشراء لابد أيضًا من الضغط على السمكة وفي حالة تكوّن حفرة في الجسم يدل ذلك على أن السمكة في بداية التحلل أو مريضة، ولابد أن تكون عين السمكة لامعة.
واستطردت الدكتورة نسرين عز الدين، إنه بشأن التساؤل عن جودة أسماك المزارع فهي أسماك جيدة وعالية القيمة الغذائية ويحرص القائمون على هذه المزارع على تحقيق إنتاج عالي الجودة والقيمة الغذائية، والفرق بين أسماك المزارع والأسماك في نهر النيل أو البحار هو أن أسماك المزارع تتغذى صناعيًا من خلال الأعلاف السمكية ويتم علاجها عند الإصابة بأي مشكلات مرضية، أما الأسماك في نهر النيل والبحار فهي تتغذى بشكل طبيعي دون تدخل الإنسان، والأسماك بروتين حيواني مهم جدًا وسهل الهضم، وتتضمن عنصر أوميجا3 المهم في علاج ضعف الزهايمر والذاكرة، كما أن نسبة الكوليسترول في الأسماك قليلة مقارنة باللحوم والدواجن، وعند الطهي لابد من القلي أو الشوي بطريقة سليمة وكذلك في التخليل والتمليح للاحتفاظ بالقيمة الغذائية للأسماك وتلافي الإصابة بالبكتيريا أو الطفيليات، أما الأيزوبود فهو طفيل مدمر للثروة السمكية لكنه غير مضر إطلاقًا بالإنسان.
السمكة الشعبية الأولى وفي السياق نفسه، أكد الدكتور أشرف يونس رئيس قسم التنمية البشرية والاقتصاد بكلية الثروة السمكية بجامعة السويس، أن الأسماك المصرية من أجود أنواع الأسماك على مستوى العالم وتعتبر مصر واحدة من الدول الرائدة في إنتاج أسماك البلطي كونها السمكة الشعبية الأولى في السوق المصري، ويتم إنتاج أسماك البلطي من نهر النيل أو من خلال المزارع السمكية التي تخضع للرقابة الكاملة من الجهات المختصة لضمان جودة وسلامة الإنتاج، كما تولي الدولة أهمية كبيرة بقطاع الإنتاج السمكي كونه واحدًا من أهم القطاعات الإنتاجية التي توفر البروتين الحيواني للمواطنين.
وأضاف رئيس قسم التنمية البشرية والاقتصاد بكلية الثروة السمكية بجامعة السويس، أن الإنتاج السمكي سواء الطبيعي أو في المزارع يحظى باهتمام كبير ومتابعة من قبل القائمين على شئون الثروة السمكية في مصر وخاصة جهاز حماية وتنمية البحيرات والثروة السمكية، حيث تتم متابعة المزارع والتأكد من التزامها بمواصفات الإنشاء والإنتاج، كما أن القائمين على المزارع السمكية والتي تمثل النسبة الأكبر في الإنتاج السمكي حريصون كل الحرص على جودة وسلامة إنتاجهم لضمان استمرارهم في السوق وتحقيق هامش ربح مناسب، فأي خلل في المزرعة أو إهمال أو القيام بممارسات خاطئة أو مخالفة يعرض صاحب المزرعة للمساءلة القانونية أولاً ويعرضه أيضًا لخسائر فادحة قد تؤدي إلى غلق المزرعة.
وأشار الدكتور أشرف يونس، إلى أن الحديث عن تحذير المواطنين من تناول أنواع بعينها من الأسماك دون أي أسباب علمية أو منطقية هو بمثابة إضرار مباشر بالثروة السمكية في مصر والتي تبذل الدولة جهودًا مضنية لتنميتها، فلا توجد أي أنواع بكتيريا ضارة سواء في الأسماك المصرية أو البيئات التي تتربى فيها تلك الأسماك، وتخضع مياه نهر النيل ومياه البحيرات والمزارع السمكية لإجراءات التحليل الدورية للتأكد من جودتها ومناسبتها للاستزراع السمكي، وبالتالي لا توجد أي خطورة من تناول أي نوع من أنواع الأسماك المنتجة محليًا في السوق المصري.
تطهير البحيرات
أما حسن عفيفي، صياد وصاحب مزارع سمكية في محافظة بورسعيد، فأكد أن مصر تنتج أجود أنواع الأسماك على مستوى العالم وهناك إقبال كبير على الأسماك المصرية سواء في السوق المحلي أو في الخارج حيث يتم تصدير العديد من أنواع الأسماك ومنها “اللوت والبوري والشبار”، وتتميز البحيرات السمكية في مصر بجودة ونظافة مياهها وتتجدد باستمرار من خلال مياه البحر المتوسط ومياه الصرف الزراعي مما يعادل نسبة الملوحة في المياه ويجعلها أكثر تناسبًا مع عمليات الاستزراع السمكي كبيئة صحية ونظيفة، مضيفًا أن الجهود التي تمت خلال السنوات الماضية في تطهير البحيرات السمكية، ومنها بحيرة المنزلة ساهمت في زيادة الإنتاج السمكي، حيث تم تعميق البحيرات من 50 سم إلى حوالي 3 أمتار و2 متر في بعض مناطق البحيرة، وهو ما جعل هناك تنع في البيئات التي تعيش فيها الأسماك وأيضًا تنوع في الإنتاج السمكي ذاته، مضيفًا أن زيادة أسعار الأسماك في السوق المحلي المصري دليل على قوة وزيادة الطلب عليه.
وأشار عفيفي، إلى أن المزارع السمكية تستخدم أفضل وأجود أنواع الأعلاف والتي تتكون من فول الصويا والردة والذرة الشامية الصفراء ونسبة من الأملاح، ويتم طبخ تلك المكونات آليًا من خلال أجهزة ومعدات إنتاج الأعلاف دون تدخل الإنسان، وهو ما يزيد من نسب التحويل في الأسماك ومن ثم زيادة معدلات الإنتاج وتحقيق جودة الإنتاج، وهناك زيارات دورية من وزارة الزراعة للمزارع السمكية لمتابعة عمليات الإنتاج والاطمئنان على جودته بشكل عام، محذرًا من التعامل غير السليم مع الأسماك أثناء تداولها وتخزينها أو عمليات ما بعد البيع، فسوء التداول والإهمال يتسبب في تلف الأسماك وتحللها ومن ثم عدم صلاحيتها للاستخدام، وهذه المشكلات ليس لها أي علاقة بجودة الإنتاج السمكي حيث إن أي منتج يتم التعامل معه بطريقة خاطئة يكون عُرضة للتلف
ساحة النقاش