عشية انتهاء اتفاقية الصيد ـ المغرب والاتحاد الأوروبي يلتزمان بشراكتهما
إعداد/محمد شهاب
انتهت رسميا اتفاقية الصيد البحري بين المغرب والاتحاد الأوروبي، إلا أن الطرفين أصدرا نهاية الأسبوع الماضي بيانا أكدا فيه ضمان استمرارية واستدامة الشراكة بينهما، ويواجه تجديد الاتفاق عقبة كبيرة وهي قضية الصحراء.
المال مقابل السمك
كان هذا في السابق محور الاتفاق بين الاتحاد الأوروبي وجاره في شمال إفريقيا، أي المغرب. فلكي تتمكن قوارب الاتحاد الأوروبي من صيد أسماك السردين والتونة والأنشوفة قبالة الساحل المغربي، دفعت بروكسل للمغرب ما مجموعه 208 ملايين يورو خلال السنوات الأربع الماضية. وانتهى سريان اتفاق المصايد منتصف ليلة اليوم الاثنين (17 تموز/ يوليو 2023) رسميا. إلا أن الطرفين أصدرا نهاية الأسبوع الماضي بيانا مشتركا أكدا فيه رغبتهما في ضمان استمرارية واستدامة الشراكة بينهما في مجال مصايد الأسماك. جاء ذلك في بيان مشترك مع المغرب أرسلته وزارة خارجية المملكة إلى رويترز بعد تقييم من كلا الطرفين في بروكسل لبروتوكول المصايد البالغة مدته أربع سنوات.
و كانت المحكمة العامة الأوروبية قد ألغت في 2021 اتفاقات تجارية بين الاتحاد الأوروبي والمغرب تشمل المنتجات الزراعية والأسماك لأنها وُقعت من دون موافقة شعب الصحراء الغربية. ويعتبر المغرب الصحراء الغربية جزءا من أراضيه، بينما يسعى متمردو البوليساريو المدعومون من الجزائر إلى إقامة دولة مستقلة في الصحراء الغربية. واستأنفت المفوضية الأوروبية على الحكم بعدما أصدرت بيانا مشتركا مع المغرب يقولان فيه إنهما سيتحركان لضمان استمرار العلاقات التجارية الثنائية. ولم يصدر أي حكم نهائي بعد في هذا الملف.
وجدد الاتحاد الأوروبي في بيانه "الأهمية القصوى التي يوليها لشراكته في مجال المصايد مع المملكة المغربية والاهتمام الكبير باستمراريتها". وأشار الطرفان في البيان إلى الأثر "الإيجابي" للاتفاق على قطاع المصايد محليا، لكنهما لم يتطرقا إلى العملية القضائية الجارية، وقالا إنهما سيواصلان التعاون العلمي لضمان استدامة الموارد.
من جانب آخر صرح متحدث باسم المفوضية الأوروبية لـ DW أنه "في الوقت الحالي لا توجد مفاوضات بين الاتحاد الأوروبي والمغرب حول الصيد السمكي". فالأوروبيون يقومون حاليا بتقييم السنوات الأربع الماضية - مثل شركائهم المغاربة، ويفكرون في تجديد العقد في المستقبل. لكن ذلك يعتمد على "الظروف والقيود، وكذلك على عوامل اقتصادية".
نزاع الصحراء الغربية
ومن بين هذه "الظروف"، من وجهة نظر مفوضية الاتحاد الأوروبي، حكم صادر عن محكمة العدل الأوروبية عام 2021، قضى ببطلان الاتفاقية بين الاتحاد الأوروبي والمغرب، فيما يتعلق بحقوق الصيد البحري قبالة سواحل الصحراء الغربية.
الصحراء الغربية، وهي مستعمرة إسبانية سابقة، ضم المغرب أجزاء واسعة منها في عام 1975. ومنذ ذلك الحين، تقاتل جبهة البوليساريو المدعومة من الجزائر من أجل استقلال المنطقة . ولأن الاتحاد الأوروبي لم يطلب من البوليساريو الموافقة على اتفاقية الصيد، فقد حكمت محكمة العدل الأوروبية بأنه من غير المسموح أن تشمل الاتفاقية المنطقة البحرية قبالة سواحل الصحراء الغربية، وهي منطقة غنية بالسمك. ولكن هذا الحكم ليس نهائيا بعد، لأن مفوضية الاتحاد الأوروبي استأنفت ضده. ورغم أنه مسموح لقوارب الاتحاد الأوروبي بمواصلة الصيد حتى نهاية العقد، أي حتى اليوم الاثنين، فإن هذا الحكم المعلق قد يكون سببا لعدم تجديد الاتفاقية بين الاتحاد الأوروبي والمغرب، في الوقت الحالي على الأقل.
وتتوقع لورينا ستيلا مارتيني، الخبيرة في شؤون المغرب في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية في روما، أن يصدر قرار من محكمة العدل الأوروبية بحلول نهاية العام. لكن قضية الصحراء الغربية لا تؤثر فقط على اتفاقية صيد السمك، كما تؤكد مارتيني، وتضيف: "هذا يمكن أن يؤثر على مجالات أخرى من العلاقات بين الاتحاد الأوروبي والمغرب".ويتعلق الأمر بالحكم الذي ستصدره محكمة العدل الأوروبية، حينها سيتضح ما إذا كانت عقود الاتحاد الأوروبي مع المغرب تشمل الصحراء الغربية أيضا، خصوصا في قطاعات تشمل مثلا الزراعة أو التعاون الاقتصادي بشكل عام.
المغرب يريد اتفاقيات شراكة تقدم قيمة مضافة للبلاد
الأمر محسوم بالنسبة للمغرب، فهو يعتبر الصحراء الغربية جزءا من أراضيه. ولكن هذا ليس كل شيء، فقد ألمح وزير الخارجية ناصر بوريطة، الأسبوع الماضي، إلى ما يمكن أن يكون سببا إضافيا لعدم وجود قوارب صيد تابعة للاتحاد الأوروبي تعمل في المياه المغربية الآن. رئيس الدبلوماسية المغربية قال إن الرباط تريد اليوم شراكات ذات قيمة مضافة، بدلا من أن يأتي أحدهم لصيد السمك، يعطي المال، ثم يغادر. تغيير في طريقة التعامل مع الاتحاد الأوروبي.
فيما يرى ياكوب كيركيغارد، باحث أول في مركز أبحاث "صندوق مارشال الألماني" في بروكسل، أنه من الواضح لماذا يختار الجانب المغربي مثل هذه الكلمات: فلقد تدهورت العلاقات بين المغرب والاتحاد الأوروبي بسرعة خلال الأشهر الأخيرة، خاصة بعدما أدان البرلمان الأوروبي، في وقت سابق من هذا العام، وضع حقوق الإنسان في البلاد. ويضيف كيركيغارد: حينها "تشعر أنك الشخص الوحيد الذي يتم انتقاده". ويعود ذلك خصوصا إلى أن أعضاء البرلمان الأوروبي لم يشيروا إلى الجزائر، المنافس الرئيسي للمغرب، وهي مورد رئيسي للغاز لبعض دول الاتحاد الأوروبي. وهناك نزاع بين المغرب والبلد المجاور، مستمر منذ عقود، لأن الجزائر تدعم جبهة البوليساريو في النزاع حول الصحراء الغربية.
ويعرب كيركيغارد عن اعتقاده بأن هذا الغضب قد يؤدي إلى أن المغرب لن يوافق على تمديد الاتفاقية، إلا إذا قدم الاتحاد الأوروبي تنازلات في هذا المجال. و"على المدى الطويل، يتعلق الأمر بالاعتراف بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية". فمثلا استجابت إسبانيا لمطالبات المغرب.
إسبانيا لها مصلحة خاصة
وإسبانيا هي الدولة الأوروبية الأكثر تضررا من هذا الإنهاء المؤقت لاتفاقية الصيد البحري بين الاتحاد الأوروبي والمغرب. فمعظم قوارب الاتحاد الأوروبي، البالغ عددها 128، تبحر تحت العلم الإسباني، فيما يبحر بعضها الآخر تحت العلم الألماني أو الفرنسي أو الهولندي. وسيتم تعويض المتضررين ماديا عن الفترة الممتدة حتى نهاية عام 2023 فقط، حسب مفوضية الاتحاد الأوروبي. وبما أن إسبانيا تتولى رئاسة مجلس الاتحاد الأوروبي خلال النصف الثاني من هذا العام، أي تترأس دول الاتحاد الأوروبي البالغ عددها 27 دولة، فمن المحتمل أن يكون الاهتمام بهذا الأمر كبيرا خلال الأشهر الخمسة ونصف المتبقية من هذا العام.
مارينا شتراوس/ ف.ي
ساحة النقاش