محمد شهاب- المزارع السمكية Mohamed Shihab -Aquacultures

يعرض الموقع الأحدث من ومقالات و صور و مواقع تخص الاستزراع السمكى

التلوث المائي في مجاري الأنهار والمسطحات المائية

إعداد/ محمد شهاب

صاحب الربيعي- الباحث والخبير بشؤون المياه في الشرق الأوسط

تتعرض معظم مصادر المياه للتلوث خاصة منها المسطحات المائية المكشوفة للعوامل الجوية وملوثاتها وكذلك لنشاطات الإنسان اللامسؤولة تجاه الطبيعة، كما أنها تعتبر منافذ لتصريف المياه المبتذلة خاصة في الدول التي ليست لها شواطئ على البحار. تعتبر البحار والمحيطات الحاضنة النهائية لمياه الصرف المتعددة، وبحكم استخدامها كمسارات للبواخر المتعددة الأغراض ( البضائع، ونقل النفط الخام... ) فإنها عرضة للمزيد من التلوث عند تعرض البواخر لحوادث الغرق أو الاصطدام فتحدث الكوارث البيئية التي تؤثر بشكل سلبي على الأحياء المائية. لمزيد في البحث عن مسببات تلوث المصادر المائية في العالم، نطرق المحاور أدناه :

أولاً- تلوث المسطحات المائية :

إن المسطحات المائية خاصة منها مجاري الأنهار والبحيرات أكثر عرضة للتلوث من مصادر المياه الأخرى لأنها على تماس مباشر مع النشاطات المختلفة للإنسان تحديداً منها الزراعية والصناعية، فالقطاع الزراعي يعد من أكثر القطاعات الأخرى استهلاكاً للماء. وبالتالي فإن مياه صرفه ( بالضرورة ) تكون أكبر حيث لا تقتصر ملوثاتها على الأملاح المنحلة من التربة وإنما على ما تحمله من ملوثات ناتجة عن استخدام الأسمدة والمبيدات، ومياه الصرف للقطاع الصناعي تتسرب هي الأخرى إلى مجاري الأنهار. ونظراً لسميتها العالية فإنها تسبب أمراض خطيرة للإنسان، وتعمل على الإساءة لمواصفات مياه مجاري الأنهار والمسطحات المائية الأخرى. كما تتأثر مياه المسطحات المائية بملوثات الانبعاثات الغازية الناتجة عن المصانع الكبرى التي تستخدم الوقود الاحفوري كأحد مولدات الطاقة لتشغيلها. وتلك الملوثات تساهم ( بشكل غير مباشر ) في التلوث من خلال تفاعلها في الجو مع مياه الأمطار وهطولها بشكل أمطار حامضية تسيء للمواصفات الفيزيائية والكيميائية لمياه المسطحات المائية خاصة منها البحيرات التي نسبة تجدد مياهها ضعيفة مما يخفض من قدرتها على التنقية الذاتية للمياه. ولمناقشة أعمق في دور مياه الصرف الزراعي والأمطار الحامضية في التلوث المائي، نبحث في :

1-مياه الصرف الزراعي :

تشمل مخلفات جميع الأنشطة الزراعية أو المواد الصلبة العالقة في مياه الصرف الزراعي والزائدة عن حاجة النبات، وتقسم من حيث تسربها لعدة أقسام منها ما يتسرب نحو أعماق التربة ليصل إلى الخزانات الجوفية، ويتعلق ذلك بحجم المياه المتسربة وبنوع التربة ( رملية، طينية كتيمة، ومسامية.. ). والقسم الآخر يأخذ طريقه عبر مصارف البزل ويتعلق حجمه بنوع مصارف البزل ( سعتها، ميلها، تصريفها، مبطنة أو غير مبطنة... ) والقسم الأخير من مياه الصرف الزراعي، يأخذ طريقه مباشرة نحو قنوات الري ليتسرب نحو مجاري الأنهار والبحيرات والبحار.
تتعلق نسبة التلوث في مياه الصرف الزراعي بحجم النشاط الزراعي، ومتطلباته وسعة الرقعة الزراعية وفعالية قنوات الري والصرف. وإن طرق الري المتبعة في النشاطات الزراعية تعتبر العنصر الأساس المتحكم بحجم مياه الري المستخدمة، فطريقة الري التقليدي ( بالغمر ) تستهلك نحو 12 ألف م3 / هكتار من المياه تبعاً لنوع النباتات المزروعة.
في حين أن طرق الري الحديثة ( الرش، والتنقيط ) لا يتجاوز استهلاكها المائي عن 7500 م3 / هكتار، وبالتالي فإن حجم المياه الفائضة عن حاجة النبات في كلا الطريقتين متباين. بالإضافة إلى ذلك فإن حجم الرقعة الزراعية ونسبة التكثيف الزراعي ( الإنتاجيين الأفقي والعمودي ) يحدد حجم المياه المستخدمة وحجم المخصبات الزراعية وكذلك حجم المبيدات الحشرية المستخدمة، وبالتالي فإن الكميات الفائضة ( الأسمدة، المبيدات ) عن حاجة النبات أو المتسربة عبر المياه إلى المصارف أو مجاري الأنهار هي التي تتحكم بنسب تلوث مياه الصرف الزراعي.
ويأخذ تسرب مياه الصرف الزراعي ثلاث اتجاهات : التسرب المباشر نحو مجاري الأنهار، والتسرب نحو أعماق التربة إلى الخزانات الجوفية، والتسرب نحو المصارف الزراعية ( المبازل ) لتلقى في مجاري الأنهار أو البحيرات أو البحار والمحيطات. وتختلف تأثيرات التلوث المائي لمياه الصرف الزراعي باختلاف اتجاهات التصريف، فعند صرفها في مجاري الأنهار مباشرة فإنها تسبب تلوثها ويتعلق ذلك بحجم تدفق مياه النهر وطول المجرى ( أو مساحة البحيرة ) وحجم المياه المصروفة فإن كانت متناسبة وفقاً لحسابات التنقية الذاتية حيث أن المجرى المائي قادر على استيعاب تلوث مياه الصرف الزراعي والعمل على تنقيتها من الملوثات ذاتياً دون أن تتأثر نوعية مياه المجرى المائي وعلى خلافه فإن المجرى المائي يصبح ملوثاً.
في حين أن اتجاه التصريف لمياه الصرف الزراعي نحو أعماق الأرض إلى الخزانات الجوفية متعلق بنوع التربة ونفاذيتها وقدرتها على التنقية وحجم الغطاء النباتي وحجم وكمية المياه في الخزان الجوفي وطبيعته الطبوغرافية ومكونات صخوره وقابلية عناصرها على الذوبان في الماء. والاتجاه الأخير للتسرب لمياه الصرف الزراعي نحو البحار والمحيطات فإن تأثيراته الملوثة تبقى الأقل تأثيراً نتيجة قدرة البحار الذاتية على التنقية تعتبر عالية جداً قياساً بحجم مياه الصرف الزراعي المتسرب إليها.
ولكن عند النظر لإجمال مياه الصرف الزراعي المتسربة نحو البحار والمحيطات وما تحمله من ملوثات سامة فإن تأثيراتها السلبية على الأحياء المائية خاصة عند الشواطئ والمياه الضحلة تبدو مقلقة. ويترافق ذلك مع ذلك ما يطلق عليه بالتكامل الاقتصادي في الزراعة ( الإنتاج الزراعي والحيواني ) حيث أن مخلفات الحيوانات المتسرب مع مياه الصرف الزراعي تسبب تلوثاً إضافياً عند تسربها نحو مجاري الأنهار أو البحيرات أو الخزانات الجوفية أو البحار والمحيطات.
التأثيرات السلبية للمخصبات في مياه الصرف الزراعي على مجاري الأنهار والبحيرات :
تحوي مياه الصرف الزراعي على كميات عالية من مركبات الآزوت والفسفور والبوتاسيوم الزائدة عن حاجة النبات تأخذ طريقها إلى المصارف الأساسية كمجاري الأنهار والبحيرات، فتعمل على الإساءة لنوعية المياه وتشجع على نمو الطحالب والاشنيات خاصة في المياه الراكدة في البحيرات وكذلك في الأنهار البطيئة الجريان بسبب إقامة المنشآت المائية العديدة ( السدود ) التي تعمل على ترسيب مادة الطمي خلف بحيراتها وتقلل من سرعة جريان الماء ( كما هو الحال في حوضي دجلة والفرات ونهر النيل في مصر ).
وقد أدى ذلك لانتشار وباء ( الشمبلان ووردة النيل ) بشكل كبير في تلك المجاري المائية، فتلك النباتات الوبائية تنتشر على سطح الماء بشكل واسع ولها القدرة على التكاثر بمعدل 70 ألف نبته سنوياً وتقدر مساحة انتشارها على سطح الماء بنحو 4200 م2 سنوياً وتمتاز بفعالية عالية على استهلاك الماء وتسريع عمليات التبخر من المجاري المائية حيث يمكن أن يخسر خلالها المجرى المائي نحو نصف إلى ثلث خزينه المائي، فالتقديرات تـشير إلـى أن حجم المياه التي يخسرها نهر النيل جراء انتشار الوباء نحو 2 مليار م3 سنوياً.
أهم الأضرار التي تسببها النباتات الوبائية على البيئة والسكان :
1- تعمل على زيادة معدل التبخر من المجرى والمسطحات المائية لنحو ثمانية أضعاف المعدل الطبيعي.
2- قابليتها على التكاثر السريع لتشكل طبقة عازلة فوق سطح المياه وتعيق الكثير من العمليات البيوضوئية بين الهواء والماء.
3- تعمل على سد مجاري الشبكات المائية وقنوات الري الفرعية فتعيق جريان المياه نحو الأراضي الزراعية، كما أنها تعمل على إعاقة الملاحة النهرية.
4- تعمل على قتل أنواع عديدة من الطحالب والأسماك نتيجة حجبها لضوء الشمس.
5- الإساءة لنوعية المياه نتيجة انخفاض نسب الأوكسجين المذاب مما يؤدي إلى الإضرار بالأحياء المائية.
" إن احتواء المياه على مواد ذات أهمية خاصة بالنسبة للنباتات المائية كالمركبات النيتروجينية والفوسفاتية يمكن أن يحرض نمواً غير عادي للنباتات في المياه ويمنع استخدامها للأغراض المختلفة كما تؤدي لحدوث تخمرات في الوسط المائي حيث تنبعث االروائح الكريهة، وبذلك يزداد الطلب الحيوي للأوكسجين لأن النمو الوبائي للطحالب والاشنيات في المياه الملوثة ينقص كثيراً من الأوكسجين المذاب ".
التأثيرات السلبية للمبيدات في مياه الصرف الزراعي على الكائنات الحية :
تحتوي المبيدات الحشرية المستخدمة في مكافحة الأمراض الزراعية على مركبات كيميائية معقدة غير قابلة للتفكك في الطبيعة إلا بشروط خاصة وبفترات زمنية متباينة تبعاً لنوع الأحياء المائية وقدرتها على تخزينها في جسمها، لكن قسماً منها يتعرض للموت بسبب تأثيراتها السامة، فعند استهلاك الإنسان للحوم الأسماك النهرية أو البحرية بكميات كبيرة ولفترات زمنية طويلة يؤدي لإصابته بأمراض خطيرة ومن ثم موته.
وكذلك الأمر بالنسبة للنباتات الطرية المعاملة بالمبيدات الحشرية بشكل مكثف حيث تختزن قسماً منها في أنسجتها وعند تناولها من قبل الإنسان تسبب له أمراض خطيرة، فمثلاً مركبات الدايوكسين المستخدمة في مكافحة الأعشاب والمواد المطهرة عند دخولها جسم الإنسان وبتراكيز عالية فإنها تعمل على الإضرار بالجملة العصبية وتسبب حالات من الشلل والأمراض الخبيثة وتقرحات جلدية وكذلك ولادات مشوهة، وفي حالات متقدمة تؤدي إلى الموت.

2- الأمطار الحامضية :
يلعب التلوث البيئي دوراً أساسياً في تلوث مجاري الأنهار والبحيرات بالأمطار الحامضية، فدورة الماء في الطبيعية التي تبدأ من التبخر إلى هطول الأمطار على المسطحات المائية تتخللها جملة من التفاعلات في الجو تعمل على إذابة مكونات الغازات العالقة في الهواء مع مياه الأمطار لتأخذ طريقها إلى المسطحات المائية والخزانات الجوفية وتسهم في تلوثها. هناك عاملين أساسين يسهمان في تغيير مواصفات الأمطار الهاطلة، فالعامل الأول طبيعي ناتج عن تلوث الجو بالغازات المختلفة المتدفقة من جوف البراكين وحرائق الغابات وتحلل بقايا النباتات والحيوانات النافقة والتي في الغالب تطلق غازات معينة عند تفاعلها مع الماء تعطي نواتج كيميائية حامضية تسهم في تغيير مواصفات ماء المطر الطبيعي إلى ماء مطر حامضي يسبب تلوث مياه المسطحات المائية.
والعامل الثاني صناعي يعود لانبعاثات الغازات المختلفة لمداخن المصانع الكبيرة نحو الجو والناتجة عن استخدامها للوقود الاحفوري الذي يؤدي احتراقه لإنتاج غازات ( ثاني أوكسيد الكبريت، كبريتيد الايدروجين، وأكاسيد النتروجين.... ) تتفاعل مع ماء المطر في الجو لتهطل على شكل أمطار حامضية على المسطحات المائية وتسهم في تلوثها.
بالإضافة للتلوث فهناك عوامل ثانوية منها نوع التربة السطحية ومكوناتها والطبيعة الطبوغرافية لطبقاتها الأرضية ومكونات صخور الخزان الجوفي التي تهطل الأمطار الحامضية عليها حيث تلعب نوع التربة دوراً كبيراً في زيادة نسب التلوث، فبعض مكونات الترب الكلسية قابلة للذوبان في الماء عند سقوط الأمطار الحامضية عليها حيث تسهم بتغيير مواصفات المياه. وتعرقل العمليات الحيوية في منطقة الجذور للنباتات وتضعف نموها نتيجة زيادة تراكيز الكالسيوم في الماء الذي يعمل على عرقلة نظام الامتصاص في منطقة الجذور في المنطقة السطحية للتربة، حيث ترتفع قيم الـ 
PH في منطقة الجذور وتسبب اختلال في عملية التمثيل الضوئي فتذبل النباتات ويؤدي إلى موتها التدريجي. وبذات الوقت فإن تأثير الأمطار الحامضية على الأحياء المائية في البحيرات الراكدة يؤدي لاختلال عمل أجهزتها التنفسية خاصة للأسماك ويسبب هلاكها.
وخلال مسار الأمطار الحامضية في الطبقات الجيولوجية أعلى منطقة الخزان الجوفي إلى المياه الجوفية تعمل على إذابة مكونات صخورها من الفلزات الثقيلة ( وكذلك مكونات صخور الخزان الجوفي ) كالرصاص، الزئبق، والألمونيوم فتسبب العديد من الأمراض الخطيرة عند استهلاكها من قبل الإنسان دون معالجة.
تحتوي مخلفات المياه الصناعية أيضاً على مكونات حامضية ( حمض الكلوريد، حمض الخل، حمض كلور الماء، حمض الأزوت، أكاسيد النتروجين، وأكاسيد الكبريت... ) المتسربة نحو البحيرات والمياه الجوفية تسهم في تلوث المياه نتيجة تفاعلها مع الفلزات الثقيلة للتربة والمسببة للعديد من الأمراض للإنسان والحيوان، كما أن أكاسيد الكبريت تعمل على إكساب الماء رائحة كريهة.
يلعب التلوث الجوي بالغازات المنطلقة من مداخن المصانع الكبرى في العالم دوراً كبيراً في هطول الأمطار الحامضية، وليس بالضرورة أن تكون مصانع البلد ذاته وإنما يمكن أن يكون التلوث عابراً للحدود من دول آخرى بسبب عامل الرياح واختلاف الضغط الجوي بين المناطق والمدارات في الكرة الأرضية. حيث تعمل على انتقال مكونات التلوث لمسافات بعيدة عن مصادرها الأساس، وعند تفاعلها مع الأمطار تسبب هطول الأمطار الحامضية في مناطق متعددة من العالم فتسبب الإساءة لنوعية المياه في المسطحات المائية والخزانات الجوفية.
وكذلك فإنها تسبب أضرار بالغة لأشجار الغابات ( الصنوبريات تحديداً ) خاصة الأشجار الفتية منها حيث تعمل على تلف قممها النامية. ويقدر حجم الغازات المنطلقة من مداخن المصانع الكبرى في الدول الصناعية في العالم بنحو 200 مليون طن سنويا،ً تسبب أضرار بيئية بالغة للعديد من دول العالم.
الإجراءات المتبعة لتقليل أضرار الأمطار الحامضية على المسطحات المائية :
1- رش سطح البحيرات بمادة الجير لتعديل حموضة مياهها، ويقدر حجمه تبعاً لنسبة قيم الـ 
PH في مياه البحيرة وذلك من خلال تحاليل مخبرية دقيقة، فالتقديرات المخبرية الخاطئة لقيم الـ PH في مياه البحيرة تعمل على زيادة كمية الجير المستخدم، وبالتالي فإنه يعمل على تحويل مياه البحيرة من مياه حامضية إلى مياه قلوية تترك آثار بالغة على المياه لاتقل عن آثار الحموضة ذاتها.
2- إصدار قوانين وتشريعات قطرية مُلزمة لأصحاب المصانع بضرورة اتباع أساليب تقنية حديثة، للحد من الانبعاثات الغازية المنطلقة من مداخن مصانعها نحو الجو.
3- إبرام اتفاقيات عالمية مع الدول الصناعية لمنع التلوث العابر للحدود، للحد من انطلاق الغازات من مداخن مصانعها الملوثة للجو والمسببة للأمطار الحامضية.

ثانياً- تلوث مجاري الأنهار والبحار :

تلقى معظم مياه الصرف المتعددة بعد معالجتها في المسطحات المائية كالبحار والبحيرات ومجاري الأنهار ويختلف حجمها تبعاً لاختلاف حجم التجمعات السكانية والصناعية والزراعية، فالتوسع الحضري أدى لزيادة مياه الصرف الصحي والتوسع الصناعي زاد من مخلفات الصرف الصناعي، وكذلك الأمر بالنسبة للتوسع الزراعي فإن مياه الصرف الزراعي المحملة ببقايا الأسمدة والمبيدات والأملاح، أصبحت تأخذ طريقها نحو المسطحات المائية وأدت لتلوثها.
تعاني الدول غير المطلة على شواطئ البحار بشكل أكبر من تلوث مجاريها المائية ويمكن أن يسهم التلوث العابر للحدود عبر المجرى المائي أيضاً بذلك، فمياه الصرف المتعددة غير معالجة بشكل جيد تسبب خطورة على السكان. إن خطورة تلوث مياه البحيرات والمجاري المائية يصبح أكبراً حين يكون إجمالي تصريف المجرى المائي مساوياً أو أقل من إجمالي حجم مياه الصرف المطروحة في المجرى المائي مما يؤدي لتغيير المواصفات الفيزيائية والكيميائية والحيوية للمياه، وبالتالي على الأحياء المائية. وبالعكس حين يكون إجمالي حجم تصريف المجرى المائي أكبراً من إجمالي حجم مياه الصرف، فإن المجرى المائي يستطيع الحفاظ على توازنه البيئي لقدرته الذاتية على التنقية.
ويتم حساب نسب التلوث في المسطحات المائية عن طريق حساب قيم الـ (
COD ، BOD ) فإن كانت قيم الأولى أعلى من قيم الثانية فإن مياه المجرى تعتبر مياهاً ملوثة وغير صالحة للاستخدامات البشرية، وفي الغالب يكون ذو رائحة وطعم غير مستساغ. إن الوسط المائي الخالي من التلوث تتراوح قيم الأوكسجين المذاب فيه بين ( 5- 10 ) ملغ / لتر تبعاً لفصول السنة ( الحرارة والبرودة ).
المياه الملوثة تسبب أمراض عديدة للإنسان منها : الكزاز، مرض النوم ( ذبابة التسي تسي )، داء الكلب، السل، الحمى الصفراء، التهابات الدماغ، أمراض معوية، حمى الثعابين، البلهارسيا، التيفوس، الكوليرا، أمراض جلدية متعددة، والتهاب المفاصل.
ويقدر حجم مياه الصرف المتعددة في الوطن العربي نحو 22 مليار م3 سنوياً، ومن المتوقع أن يصل في العام 2025 لنحو 50 مليار م3. فإذا علمنا بأن المتر المكعب الواحد من المياه الملوثة يتسبب في تلوث ( 40- 60 ) م3 من مياه المجرى الطبيعي، ندرك حجم الكارثة البيئية التي يمكن أن تسببها مياه الصرف المتعددة على مياه المسطحات المائية وخاصة مجاري الأنهار والبحيرات ذات التصاريف المائية الثابتة سنوياً.
ففي دراسة بيئية أجريت على مياه مجرى نهر النيل في مصر وجد أنه يتلقى سنوياً نحو 5.6 مليار م3 مياه صرف متعددة منها : 1.1 مليار م3 مياه صرف صناعي، 4 مليارات م3 مياه صرف زراعي، ونحو 500 مليون م3 مياه صرف منزلي. فعند مدينة أسوان الواقعة أعلى النهر وجد أن نسبة الملوثات في مياه النهر لاتتجاوز 500 جزء في المليون لكنها تزداد تدريجياً عبر مسار النهر لتصل لنحو 2000 جزء في المليون عند منطقة الدلتا أسفل النهر، بسبب حجم الملوثات الكبيرة المقدرة بنحو 129 ملوثاً.
وتقديرات حساب تكلفة معالجة 1000 م3 من المياه الملوثة وصلت لنحو 50 جنيهاً مصرياً، مما يؤشر لحجم الإنفاق السنوي الكبير الذي تنفقه الدولة على مياه الصرف للحافظ على الحد الأدنى لمستوى التلوث في مياه نهر النيل. وكذلك الأمر بالنسبة لحوضي دجلة والفرات في العراق ونهر العاصي في سوريا، فنسب التلوث فيها أصبحت كبيرة نتيجة ما تتلقاه من مياه الصرف المتعددة على طول مجاريها.
تشير التقديرات إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية تنفق سنوياً ما قدره 500 مليار دولار لإزالة الملوثات في مجاري أنهارها وبحيراتها، وفي فرنسا وصل إجمالي مياه الصرف لنحو 19 مليار م3 ( مدينة باريس لوحدها تطلق يومياً ما قدره 1.7 مليون م3 من مياه الصرف في نهر السين ) ويقدر إجمالي حجم مياه الصرف المتعددة في العالم للعام 2005 التي تلقى في المسطحات المائية بين ( 600- 700 ) مليار م3.
إن مياه الصرف المتعددة ( تحديداً منها الصناعية والزراعية ) تحمل الكثير من المركبات الكيميائية المعقدة والعناصر الثقيلة والمبيدات التي تراكمت عبر السنيين في قاع البحار والبحيرات المغلقة، وهي شديدة السمية للعديد من الأحياء المائية وتسبب خلل في التوازن للبيئة البحرية.
وتختلف معايير مياه الصرف المتعددة التي تطرح في البحار عنها في مجاري الأنهار والبحيرات المغلقة تبعاً لغزارة ( أو حجم ) المجرى أو المسطح المائي وقدرته على التنقية الذاتية، فكلما كبر حجم المسطح المائي وزادت غزارته المائية كلما زادت قدرته على التنقية الذاتية قياساً بحجم مياه الصرف المتسربة إليه، فالبحار مسطحات مائية شاسعة ومرتبطة بالمحيطات. لذا فإن قابليتها على التنقية الذاتية كبيرة جداً، مع مراعاة اعتماد المعايير البيئية لطرح مياه الصرف المتعددة فيها حفاظاً على التوازن البيئي في المستقبل وتختلف تلك المعايير من دولة لآخرى.
إن اختلال التوازن للبيئة البحار والمحيطات لا يعود لإلقاء مياه الصرف المتعددة وغير المعالجة وفقاً للمعايير الصحية والبيئية وحسب، بل لحجم التلوث بالمواد الهيدروكربونية الناتجة عن حوادث اصطدام بوآخر نقل البترول في البحار. لأن معظم شركات النقل البحري لا تمتثل كلياً للاتفاقيات الدولية الخاصة بمنع تلوث البحار والمحيطات أو لحدوث كوارث بيئية نتيجة اصطدام أو غرق البوآخر الناقلة للبترول مما يؤدي لتسرب كميات كبيرة من البترول الخام إلى مياه البحار وتسبب أضرار بالغة على الأحياء البحرية، وهناك كوارث بيئية ناتجة عن تسرب البترول نحو المسطحات البحرية نتيجة الحروب.
ولاتقتصر أضرار مياه الصرف المتعددة والتسرب النفطي في البحار على الكائنات البحرية والتوازن البيئي للبحار ذاتها، وإنما يمتد تأثيرها لشواطئها.
التلوث في مجرا نهري دجلة والفرات :
التلوث المائي في نهري دجلة والفرات بلغ معدلات غير مسبوقة خاصة بعد أن أقامت دول أعالي النهرين سلسلة من السدود والمشاريع الزراعية، فمعظم المياه المتدفقة نحو الأراضي العراقية عبارة عن مياه ملوثة ذات تراكيز عالية من الأملاح. وفي تصريح لرئيس الوزراء ( نوري المالكي ) عند لقائه بالجالية العراقية في استراليا منذ أكثر من شهرين قال : " أن 25 % فقط من مياه مجاري بغداد خاضعة للمعالجة والباقي تطرح في نهر دجلة دون معالجة ". وبتاريخ 28 / 7 / 2009 صرح وزير الموارد المائية ( لطيف رشيد ) قائلاً : " ن حجم تلوث مياه نهر الفرات عند مدينة القائم بلغ 1200 جزء في المليون ". وبنفس الفترة الزمنية أقر وزير الصحة بـ : " عدم وجود تقنيات لمعالجة نفايات معظم المستشفيات حيث يتم التخلص منها عبر مجاري الصرف الصحي ". وبذلك يمكن تقدير حجم التلوث لمياه نهري دجلة والفرات في جنوبي العراق بين ( 2700 – 3000 ) جزء في المليون، علماً بأن معايير منظمة الصحة العالمية لا تجيز استخدام المياه التي تزيد نسبة التلوث فيها على 500 جزء في المليون ( بإعتبارالتنقية الذاتية لمياه النهر قادرة على إزالة تأثيراتها السلبية ) للاستخدام البشري.
بمعنى أخر سكان جنوبي العراق يستهلكون في حياتهم اليومية مياه صرف صحي لمدن وأرياف أعلى النهر، لذلك معظمهم يعاني من أمراض خطيرة وزادت الاصابات السرطانية والولادات المشوهة في السنوات الأخيرة. وعجبي عليهم أن كنوز الدنيا من الذهب الأسود تحت أقدامهم ويعانون من الجوع والفقر والمرض والعوز، ولا يعملون بقول الصحابي الجليل ( أبو ذر الغفاري ) حين قال : " عجبت بما لا يجد قوت يومه، ولا يشهر سيفه ".
هذه النسب العالية من التلوث المائي، لا يقتصر تأثيرها السلبي على الأحياء المائية والنظام المائي وحسب، بل ينسحب على استخدامات المياه للزراعة والصناعة وما يمكن أن تتركه من آثار سلبية بالصحة. كما يتوجب الإشارة إلى أن النسب العالية للتلوث المائي لا يمكن إزالتها في محطات تنقية مياه الشرب، نظراً لقدم تقنياتها وضعف كادرها الفني وقلة طاقتها الإنتاجية، مما يدفعها لضخ مياه غير معالجة في شبكات مياه الشرب لسد متطلبات السكان، وقد زادت شكاوى المواطنين من حصولهم على مياه ملوثة.
وبدلاً من أن تسعى الجهات المختصة ( وزارة الصحة والبيئة والبلديات والموارد المائية... ) لإيجاد حلول عاجلة لإنقاذ السكان من الأمراض التي يعد 80 % من مسبباتها تلوث مياه الشرب، تتفاخر أنها بصدد فتح المزيد من المستشفيات على مستوى القطر، وقد قيل قديماً : " الوقاية خير من العلاج " لكن لا حياة لمن تنادي في بلد يهمين الجهلة والأميون على مراكز القرار السياسي.

الإجراءات المطلوب إتخاذها من الحكومة :
1 – إصدار تشريعات قانونية عاجلة لمنع إلقاء الملوثات والاوساخ في مجاري نهري دجلة والفرات، وضرورة تشديد الرقابة على سكان المدن والأرياف التي تقع على مجاري الأنهار مباشرة.
2 – توفير الحاويات اللازمة لجمع الاوساخ وعدم رميها في مجاري الأنهار التي أصبحت تطفو على سطحها بشكل مستعمرات من الزبل وأكياس النايلون والعلب الفارغة... وغيرها.
3 – رصد الأموال اللازمة للنهوض بواقع البنى التحتية من شبكات مياه الصرف المنزلي ومحطات لمعالجة مياه الصرف والاستفادة منها في الري وسقي الحدائق والمنتزهات العامة وغسل الشوارع كإجراء لتوفير المياه، والحد من هدر مياه الشفة.
4 – تشديد الرقابة الصارمة على محطات تنقية مياه الشرب للتأكد من صلاحيتها للشرب وعدم تعريض حياة الناس لخطر الإصابة بالأمراض الخطرة، فتوفير مياه الشرب النظيفة اقل ما يمكن أن تقدمه الدولة كخدمة للمواطنين.
5 – إلزام أصحاب المصانع والمستشفيات ذات المخلفات المضرة بالصحة على ضرورة اقتناء محطات معالجة أولية تقلل من خطورة مخلفاتها قبل التخلص منها في شبكة المصارف العامة.
6 – رفع مستوى وعي المواطن بأهمية الحفاظ على البيئة المائية من خلال إعداد برامج توعية صحية وتبيان خطورة التلوث المائي على الصحة والبيئة معا.

ملاحظة : للمزيد من المعلومات والاطلاع على المصادر راجع كتابنا ( التلوث المائي– الأسباب والمعالجات )أوسط

المصدر: الحوار المتمدين
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 281 مشاهدة

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

1,852,462