طمر بحيرات الأسماك.. تهجير جديد يستهدف مناطق حزام بغداد
إعداد/محمد شهاب
ضمن سلسلة الانتهاكات المتواصلة التي يتعرّض سكان مناطق حزام بغداد؛ منذ الغزو الأمريكي على العراق عام 2003 ولغاية اللحظة، أقدمت القوات الحكومية على طمر وتجريف الآلاف من بحيرات الأسماك التي تّعد مصدر رزق 80% من سكان تلك المناطق.ووفقاً لمصادر عسكرية فإن قرار طمر بحيرات الأسماك شمل مدينتي التاجي والطارمية؛ بعد ورود معلومات استخبارية تؤكّد تمويل هذه البحيرات عناصر تنظيم داعش. وقالت المصادر، التي طلبت عدم الكشف عن هويتها في حديث لمراسل "الخليج أونلاين": إن "ما يقارب نصف بحيرات الأسماك في مناطق التاجي والطارمية، والبالغ عددها نحو 2000 بحيرة، تموّل عناصر تنظيم داعش بالمال، وإنها تعدّ مصدر التمويل الوحيد لعناصر التنظيم رغم انحسار وجوده في تلك المناطق"، مبيّنه أنه "يتم تقاسم الأرباح مقابل عدم التعرّض إلى أصحابها".وأضافت: إن "تنظيم داعش لا يزال يفرض سلطته على بعض أصحاب البحيرات؛ لكون أغلب بحيرات الأسماك أُنشئت في مناطق وعرة يصعب على القوات الأمنية الدخول إليها في جميع الأوقات"، لافتة إلى أن "قرار طمر البحيرات جاء بعد معلومات استخبارية تؤكّد تمويل تنظيم داعش عناصره من هذه البحيرات".ونوّهت المصادر بأن "الهدف من ذلك هو تجفيف منابع التمويل لعناصر تنظيم داعش في مناطق حزام بغداد، وخصوصاً مناطق التاجي والطارمية، حيث يتخذ بساتينها وبحيراتها مركزاً للتخطيط وتنفيذ عملياته بين الحين والآخر".
ومن جهتهم فنّد مواطنون من مدينتي الطارمية والتاجي ما تحدّثت به القوات الأمنية حول امتلاك تنظيم داعش بحيرات للأسماك أو تمويل عناصره منها عن طريق فرض الإتاوات على مالكي هذه البحيرات.وقال الشيخ ياسين المشهداني، أحد شيوخ مدينة الطارمية، في حديث لمراسل "الخليج أونلاين": إن "مدينة الطارمية اشتهرت منذ عام 2005 بتربية الأسماك حتى أصبحت المورد الرئيسي لآلاف العائلات، كما أنها تدرّ أموالاً طائلة لأصحابها"، لافتاً إلى أن "75% من الثروة السمكية في العراق مصدرها بحيرات الأسماك في مناطق التاجي والطارمية".وأضاف: إن "قيام القوات الأمنية مؤخراً، متمثّلة باللواء 22، بطمر مئات البحيرات وإجبار المواطنين على إخلاء بحيراتهم من الأسماك تسبّب بخسارة أصحابها آلاف الدولارات، حيث تُقدّر خسارة حوض السمك الواحد ما بين 5 - 10 آلاف دولار "، مشيراً إلى أن "هذا القرار يأتي ضمن سلسلة الانتهاكات الممنهجة التي تمارسها القوات الحكومية ضد أهالي القضاء، والضغط عليهم من أجل ترك منازلهم وأراضيهم التي فيها الخير الوفير".وتابع المشهداني حديثه قائلاً: إن "القوات الحكومية تختلق الحجج والذرائع لمحاربة سكان المدينة بكل الوسائل الممكنة"، متسائلاً: "كيف يمكن أن يعاقَب آلاف المواطنين من مربّي الأسماك بسبب ارتباط شخصين أو ثلاثة بتنظيم داعش؟".استدرك قائلاً: إن "معظم المشاريع التجارية والزراعية والحيوانية ضُربت في مناطق حزام بغداد بسبب المضايقات الأمنية المستمرّة وعمليات الابتزاز التي يتعرّض لها سكان تلك المناطق، ما دفع البعض منهم إلى إغلاق محالهم التجارية وحقول الدواجن أو نقلها إلى مناطق أكثر أمناً".
ويعاني قضاء الطارمية، الذي يُعدّ واحداً من أكبر أقضية حزام بغداد الستة، منذ الغزو الأمريكي على العراق عام 2003، من سيطرة الجماعات المسلّحة التي تظهر تارة وتختفي تارة أخرى، كما عانى في الآونة الأخيرة من كثرة الانتهاكات التي ترتكبها مليشيات منضوية تحت مسمّى الحشد الشعبي وبغطاء حكومي، وشهد قضاء الطارمية طوال هذه الفترة انتهاكات كثيرة وجرائم كبيرة أجبرت مئات العائلات على النزوح، إلا أن معاناة المدينة غُيّبت إعلامياً بسبب منع القوات الحكومية الإعلاميين من الدخول إلى الطارمية؛ لكيلا تُكشف الجرائم البشعة التي ترتكبها هذه القوات بحق المدنيين الأبرياء..
ومن جانبه قال المواطن أحمد الفراس: إن "أغلب المزارعين في مناطق التاجي والطارمية استغلّوا قربهم من نهر دجله وحوّلوا أغلب أراضيهم إلى بحيرات أسماك"، لافتاً إلى أنه "لا صحة لامتلاك تنظيم داعش أي بحيرات في تلك المناطق في الوقت الحالي".
وأضاف في حديث لمراسل "الخليج أونلاين": إن "تنظيم داعش في عامي 2014 - 2015 كان يحصل على الأموال من بعض مالكي البحيرات القريبة من أماكن وجودهم مقابل عدم التعرّض لأصحابها، لكن هذه الظاهرة انتهت في الآونة الأخيرة بعد سيطرة القوات الأمنية على المدينة بشكل كامل، ودعا الفراس الحكومة العراقية إلى "التدخّل العاجل لإيقاف قرار طمر بحيرات الأسماك الذي أصدرته قيادة عمليات بغداد؛ لأن هذا القرار له نتائج سلبيّة، خاصة على المستوى الاقتصادي".
وكانت السلطة القضائية قد كشفت، في أبريل 2016، أن "الإجراءات التحقيقية قادت إلى نحو 2500 بحيرة أسماك في مناطق شمالي بغداد، مساحة الواحدة منها 500 متر، ووارداتها تصل إلى مليارات الدنانير شهرياً تذهب إلى تنظيم داعش لتمويل عملياته".
وذكر قاضي محكمة التحقيق المركزية، جبار عبد الحجيمي، في بيان أصدره المركز الإعلامي للسلطة القضائية حينها، أن "قسماً من هذه البحيرات أنشأها التنظيم ووضع فيها عمالاً لغرض البيع، وأخرى لأشخاص تركوها بسبب الأحداث الأمنية وتم الاستيلاء عليها، في حين اتّفق بعض أصحاب هذه البحيرات مع التنظيم على تقاسم الأرباح مقابل عدم التعرّض لهم".وقال: إن "آليّة تمويل الإرهابيين في الوقت الحاضر تختلف عما كانت عليه قبل إعلان ما يُسمّى بدولة الخلافة (..) حيث إن بيت المال في تنظيم داعش هو يشبه عمل وزارة المالية"، مشيراً إلى أن "التنظيم يقوم بتوزيع الأموال على المناطق خارج سيطرته من خلال مكاتب حوالات (..) إلى محافظات العراق"، بحسب زعمه.
ساحة النقاش