عوائق التنمية الثقافية فى العالم العربى
عوائق التنمية الثقافية فى العالم العربى
=======
التنمية الثقافية وأهميتها للإنسان فى العالم العربى والعوائق التى تقابلها
التنمية البشرية مصطلح يتضمن كل نشاط يؤدي إلى زيادة ما في أحد جوانب حياة الإنسان المادية والمعنوية , ومن ضمن هذه الجوانب تنمية النمط الثقافي أو البعد الثقافي لأي نشاط أو ظاهرة, فللظواهر الاقتصادية أبعاد ثقافية اقتصادية , وللظواهر الصحية أبعاد ثقافية صحية , وللظواهر الزراعية أبعاد ثقافية زراعية, وهكذا . . .
والثقافة باختصار هي أن يعرف الفرد شيئاً عن كل شئ , أو أن يلم إلماماً يسيراً بأكثر ضروب المعرفة , ولكنها أي الثقافة, قد تتركز في مقصودها الدلالي على المعرفة المتصلة بالعلوم الإنسانية بوجه خاص , لأنها ترقى بالإنسان , وتوسع معارفه , وتمده بالنظرة الشاملة للأمور , لينعكس هذا على شخصيته وسلوكه , فيكون واسع الأفق , يحسن إتيان الأمور ويجيد التصرف في شؤون حياته , ويعرف حقوقه , ويحرص على أداء واجباته,
فالثقافة من الأمور التي يتجمل بها الإنسان, ويستكمل بها مقومات شخصيته, إلا أنه لا يمكن الاستغناء عنها , فهي من الضرورات الحتمية لكل فرد, فمن الناحية الفطرية, لابد أن يكون كل إنسان منتمياً إلى أسرة أو إلى جماعة أو إلى وطن والثقافة تفرق بين الإنسان وسائر الكائنات الأخرى, كما أنها تتباين من مجتمع إنساني لآخر, وتختلف بين أي نمطين من الحياة لمجموعتين بشريتين .وأما التنمية الثقافية فهي الزيادة في الثقافة بكل أشكالها وجوانبها وظواهرها ونشاطاتها, ولكل ظاهرة في هذا الكون بعد ثقافي , فتنمية البعد الثقافي الاقتصادي يسهل التنمية الاقتصادية, وتنمية البعد الثقافي الصناعي يجّود تطور التنمية الصناعية, وتنمية البعد الثقافي الزراعي يحسن التنمية الزراعية ويعجلها . . .
لقد أكدت مؤتمرات (اليونسكو) العديدة التي عقدت في العقدين الماضيين أهمية الاعتراف بالبعد الثقافي ضمن منوال التنمية والتأكيد على الهويات الثقافية، وفتح آفاق المشاركة في الحياة الثقافية مع دعم التعاون الثقافي الدولي، وقد اعتبر من الضروري اعتماد القيم الكونية، وفي آن واحد التعددية الثقافية، بحيث تهدف السياسات الثقافية إلى المحافظة على تعددية المبادرات الثقافية وحمايتها بهدف دعم التفاهم والاعتبار والاحترام بين الأفراد والأوطان في مجابهة مخاطر الصراعات والتغلب عليها، وهذا ما جعل الثقافة بالمنظور الكوني الجديد في قلب عملية الوجود البشري، وعملية التنمية الإنسانية من منطلق أن الثقافة هي مجمل الخطوط المميزة روحانياً أو مادياً وفكرياً وحسياً،
وهذه الخطوط هي التي تميز مجتمعاً ما أو مجموعة اجتماعية وهي تعني الفنون والآداب وطرائق الحياة ونوعية الحياة الاجتماعية ومنظومة القيم والتقاليد والمعتقدات عوائق التقدم الثقافي– أو التنمية الثقافية – مشروط بتطورات وأوضاع لابد من توافرها، لكن الظروف الحالية للمجتمع والثقافة العربيين تواجه عوائق عديدة تغيب شروط التقدم الثقافي، ولعل أهم هذه العوائق:
1-غياب الديمقراطية وضمانات حقوق الإنسان، وبالذات حق التفكير والتعبير والعقيدة.
2-التخلف الاقتصادي والفقر وأثرهما في الحرمان من الحقوق الثقافية.
3-انتشار الفكر غير العلمي وسطوته على الجماهير البسيطة.
4-سيادة نظم التعليم التلقيني مقابل التعليم النقدي.
5-انتشار الأمية بأنواعها الأبجدية، الثقافية، التكنولوجيا آفاق مستقبلية لتنمية ثقافية في العالم العربي:
يمكننا الاستناد إلى رؤية مستقبلية لتنمية ثقافية في العالم العربي قدمتها الدكتورة هدى النعيمي في ندوة عقدت في دمشق بعنوان: (مشروع النهضة العربية للقرن الحادي والعشرين) والتي ارتكزت على النقاط التالية:
1-نظرة جديدة للتراث بقصد استلهام الأصيل فيه والإنساني ونبذ ما تراكم فيه من أفكار ورؤى وليدة عصور الاضمحلال والتدهور.
2-النظر إلى التعليم باعتباره منظومة متكاملة تهدف إلى إرساء قيم إعمال العقل من دون الاعتماد على النقل، والتأكيد على النظرة الموضوعية، واتساع الأفق في التعامل مع ثقافات الغير، وربط التعليم بضرورات الحياة الاجتماعية.
3-مراجعة الدور المنوط بأجهزة الإعلام وأدائها، بحيث يصبح فارقاً في تبنيه لسياسات وخطاب تنويري يتميز بالجرأة في الطرح والنقاش، ويقوم بدوره التثقيفي والفكري بين جماهير الشعب الذي تقف الأمية بوجوهها الثلاثة: الأبجدية والثقافية والتكنولوجية عقبة كأداء أمام أي خطة للتنمية الثقافية.
4-وضع استراتيجية دائمة للقضاء على الأمية في البلدان العربية والتي تشكل تحدياً لكل خطط التنمية الثقافية، بل استهزاء بكل منجزاتها، ويمكن في هذا المجال للمثقفين العرب أن يتبنوا برنامجا لمحو الأمية يشاركون فيه بأنفسهم، ويضربون المثل عن التحامهم الحقيقي والفعلي بجماهير الشعب الذي يتشدقون ويتحدثون باسمه وقدراته.
5-التأكيد على الثقافة العلمية ودورها في إيجاد مناخات تحترم البحث العلمي، وتؤمن بدور التجارب العلمية في إثراء حياتنا ومفاهيمنا دونما معارضة بينها وبين الثقافة الإنسانية، فالثقافتان جناحان لطائر واحد، يثريان العقل والوجدان ويساعدان إلى حد كبير على القضاء على ثنائية الفكر، التي تخلق التصادم المزيف بين العلم والإبداع رغم ما يحويه الإبداع من فكر متسق وما يمثله العلم من إبداع لا ينكره أحد.
6-إرساء قيم ثقافية وطنية / عالمية جيدة تصون الهوية الوطنية، ولا تعزل نفسها أو تتقوقع على ذاتها، خائفة من غيرها، مضخمة من شأن نفسها عن حق أو عن غير حق.
7-العمل بدأب وبشكل مستمر على إيجاد كوادر ثقافية قادرة على حمل رسالة التنمية الثقافية والوصول ببرامجها إلى أقصى درجات التحقق، فكم من برنامج طموح أفسده الموظفون الذين يعملون في حقل الثقافة بتفكيرهم الروتيني والمتخلف، إن الكوادر المؤهلة بحكم انتمائها لجموع الشعب، وإيمانها العميق بحق الشعوب في المعرفة والثقافة المستنيرة هي الأجدر بتولي المناصب القيادية في العمل الثقافي تحقيقاً لفلسفة التنمية في نشر الوعي الفكري والثقافي والسياسي بين جموع الجماهير العربية العريضة على امتداد الوطن العربي.
8-رفع القيود المفروضة على العمل الأهلي بتكويناته ومنظماته، وإفساح المجال أمامه ليحقق رسالته في نشر الوعي، وتدريب كوادره على العمل الخلاق التطوعي، وإعطاؤه الفرصة للعمل بحرية في النشأة والتأسيس والممارسة.
9-تأكيد الحرية والديمقراطية للفرد والجماعة على كل الصعد الفكرية والسياسية والاجتماعية كشرط أساسي لقيام وعي عربي مدرك لذاته وللعالم من حوله الآن ومستقبلا.
10-إنشاء مجالس على مستوى العالم العربي في العلوم والفنون والآداب تتبنى وضع أسس للعمل العلمي والثقافي للدول العربية، وتساهم في توحيد الجهود العلمية للباحثين العرب في كل مجالات المعرفة بغاية الوصول إلى منظومة متكاملة من المعرفة تساهم في النهضة العربية المرتقبة، مواكبة للتطورات الكبرى التي يشهدها عالم اليوم من المعرفة والثقافة والتقدم المذهل في كافة المجالات.
وفي الختام يمكن القول إن مفهوم التنمية الثقافية يهدف إلى تطوير الذهنيات والمدارك والأخلاقيات وتطوير طرائق الفكر والتفكير والإبداع لإيجاد حالة فعل مجتمعية ديناميكية مستمرة للارتقاء بمستوى الوعي البشري إلى آفاق تطويرية كبرى.ومن هنا نستطيع القول بان التنمية البشرية فى المجتمع لن تتحقق الا اذا ارتبطت بالتنمية الثقافية فهما وجهان لعملة واحدة .
==========
حسن رزق
لمزيد من الموضوعات
basmetaml.com