المناجم الصغيرة كوسيلة لتشجيع الاستثمار الفردي
د. محمد رجائي جودة الطحلاوي
أستاذ جيولوجيا التعدين بكلية الهندسة جامعة اسيوط
رئيس جامعة اسيوط ومحافظ اسيوط سابقا
رئيس الجمعية العربية للتعدين والبترول
إن الطريق الوحيد أمام الدول الإفريقية لكي تستطيع النهوض باقتصادها وتنمية ثرواتها البترولية والتعدينية هي إقامة مشروعات مشتركة لتحقيق التكامل، فيما بينها بديلاً عن المنافسة. حيث إن هناك العديد من التحديات التي تواجه القارة الإفريقية تؤثر علي فرص التنمية فيها.
والطرائق التي تهدف إلى تعظيم القيمة المضافة للخامات التعدينية الإفريقية وإقامة صناعات عليها بدلا من تصديرها في صورتها الأولية مما يعظم العائد الاقتصادي منها كثيرة ومتنوعة. ويعتبر إنشاء قاعدة بيانات لاستغلال الكوادر البشرية الإفريقية ذات الخبرات في عمليات البحث والاستغلال للثروات المعدنية وأهمية التنمية المستدامة في إفريقيا من خلال إقامة المشروعات التعدينية العملاقة المشتركة بين الدول الإفريقية وإقامة مناطق صناعية لمعالجة الخامات المعدنية التي يلزم لمعالجتها استثمارات ضخمة.
العمل في المناجم من الصناعات واسعة الانتشار في العالم، وهى من الأعمال كثيفة العمالة حيث توفر فرص عمل للكثير من الرجال والنساء، والملايين في دول العالم الثالث يعملون في أعمال صغيرة الحجم في هذا المجال. وهي الأعمال التي يمكن لها أن تسهم إسهامًا كبيرًا في التنمية على المستويات القومية والمحلية.
المناجم الصغيرة
وفي مجال التعدين تُعرِّف أعمال المناجم الصغيرة الحجم Small - scale بأنها تلك التي يقوم فيها الأفراد Individuals بالعمل لمصلحة أنفسهم، أو في إطار المجموعات الأسرية، أو الأعمال الاستثمارية أو التعاونيات التي لا يتجاوز عدد العاملين فيها 15 فردًا، وهناك العديد من التعريفات للمنجم الصغير والمناجم الحرفية. فلبرازيل والفلبين مثلا تعرفها بأنها الأعمال التعدينية التي تستخدم الأدوات الأولية فقط ولا يتجاوز إنتاجها السنوي 50000 طن، وقد أخذت الأمم المتحدة بهذا التعريف عام 1972 وأكدت على أنه نشاط فردي تعديني يعتمد على الوسائل البدائية ولا يستخدم المعدات التعدينية الحديثة.
وبعنبر نشاط المناجم الصغيرة نشاطًا فيه الكثير من العشوائية في كثير من الدول، ورجال هذه الصناعة لا يحققون ربحًا وفيًرا ولكنهم بالكاد يكافحون لتدبير ما يسد رمقهم ومتطلبات أسرهم. وهذه الصناعة شائعة في الدول النامية والفقيرة في إفريقيا وآسيا وجنوب ووسط أمريكا، ويقدر عدد العاملين في هذه الصناعة بحوالي 20 إلي 30 مليون فردًا يعملون في 55 دولة. ومعظم نشاط المناجم الصغيرة غير قانوني وسيئ التنظيم. ومن مساوئ هذا النظام تلوث البيئة ونشوء أمراض كثيرة ومخاطر جمة.
وبالرغم من سلبيات نظام المناجم الصغيرة والحرفية فإنه يلعب دورًا هامًا في اقتصاد بعض المجتمعات النامية ويوفر دخلاً معقولاً بالإضافة إلى أن المنجم الصغير يستطيع أن يستخرج ما يعتبر بمقاييس الصناعة الحديثة غير اقتصادي، وبعض الدراسات الحديثة أثبتت أن كل دولار ينفق في المناجم الصغيرة يعود بحوالي 3 دولار في صناعات مساعدة لذلك نجد أن الجمعية الجيولوجية البريطانية تري أنه بالرغم من سلبيات المناجم الصغيرة فإنها تدعو إلى تنظيمها وتشجيعها على تحسين ظروف العمل بها من الناحية الصحية والسلامة المهنية والحفاظ على البيئة.
وعلى الرغم من ذلك فإن أعمال المناجم صغيرة الحجم تواجه عددًا من المعوقات منها:
- 1. توجه الدعم الفني والاقتصادي للحكومات ووكالات المعونة الدولية لأعمال المناجم كبيرة الحجم.
- 2. عدم توافر التكنولوجيات المناسبة لهذا الحجم من أعمال المناجم.
- 3. افتقار العاملين في هذا المجال للمعلومات اللازمة من النواحي الجيولوجية والبيئية والقانونية والتسويقية.
- 4. حاجة العاملين في هذا المجال للتدريب لقلة المهارات، مما يؤدي بهم إلى تصرفات تعرضهم للمخاطر.
- 5. ظروف العمل فيها خطيرة من النواحي البيئية والصحية.
وتُدعم بعض المنظمات الدولية القليلة هذا الحجم الصغير من أعمال المناجم من خلال:
- 1. إدخال أجهزة وأدوات محلية الصنع.
- 2. مساعدة العاملين في هذا المجال على سلوك الطرق الأكثر إنتاجية والأكثر أمانًا والأقل إضرارًا بالبيئة.
- 3. تحديد وإدخال تقنيات استخراج وتكرير ملائمة.
- 4. توفير المعلومات حول الجوانب المختلفة لأعمال المناجم صغيرة الحجم.
- 5. تقوية المنظمات المحلية التي تمثل العاملين في هذا المجال واهتماماتهم.
- 6. مساعدة متخذي القرار على كافة المستويات على فهم احتياجات العاملين
تقرير الهيئات الدولية عن المناجم الصغيرة
تؤكد دراسات الأمم المتحدة أن المناجم الصغيرة تشهد تزايدًا كبيرًا فى كثير من الدول النامية. وقد أثبت التقرير الذي أصدرته منظمة العمل الدولية أن نشاط المناجم الصغيرة فى 35 دولة فى إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية شهد زيادة بمعدل 20 % خلال السنوات الخمس الأخيرة مشيرًا إلى أن معدلات النمو تلك فى زيادة مطردة.
وفي نفس الوقت تؤكد بعض الدراسات العالمية أن المناجم الصغيرة تهدد حياة العاملين فيها، حيث تتعرض القوة العاملة من رجال ونساء وأطفال ممن يعملون فى بيئة خطرة إلى الملوثات الأمر الذي أدى إلى ارتفاع ملحوظ فى معدل الوفيات بنسبة 90 مرة مقارنة بالمناجم فى الدول الصناعية. وقد أظهرت دراسة أجرتها منظمة العمل الدولية أن ستة آلاف حالة وفاة تحدث فى الصين سنويًا فى المناجم الصغيرة.
والمعروف أن الصين تأتى فى مقدمة الدول التي تمتلك مناجم للفحم تحت الأرض حيث يعمل 200 ألف عامل فى 5220 منجما لإنتاج 25 مليون طن من الفحم سنويًا فى إقليم هونان. وفى الصين تبلغ عائدات إنتاج الذهب من المناجم الصغيرة حاليا ما يعادل حوالي 200 مليون دولار أمريكي سنويا وتبعًا للدراسة التي أجرتها منظمة العمل الدولية فإن 80 إلى 100 مليون شخص فى العالم يعتمدون على المناجم الصغيرة لتوفير سبل عيشهم بينما من المرجح أن ما يقل عن 10 فى المائة فقط من القوة العاملة فى المناجم الصغيرة يمتلكون مهارات تدريبية.
ويطالب التقرير بتشجيع المناجم الصغيرة على توفير بيئة العمل التي تشجع استخدام أفضل الطرق فى المناجم وتوفير المناخ الصحي للعمال إضافة إلى تأمين سلامتهم، فالملايين في دول العالم الثالث وخاصة في أفريقيا يعملون بأعمال صغيرة الحجم يقوم بها أفراد بالعمل لمصلحة أنفسهم أو في مجموعات أسرية أو أعمال استثمارية أو جمعيات تعاونية.
إجراءات لازمة لإنجاح تجربة المناجم الصغيرة اا
يجب أن تشجع الحكومة المصرية وتدعم تنمية صناعة المناجم الصغيرة بكل ما لديها من إمكانات، باتخاذ الإجراءات التالية:
- · وضع التشريعات والقوانين والأنظمة اللازمة للمناجم الصغيرة شاملة مجموعة من قواعد السلامة المهنية.
- · إنشاء وحدة خاصة لإدارة وتنظيم شئون المناجم الصغيرة داخل الإدارة العامة للمناجم.
- · لا مركزية الإدارة للسيطرة علي شئون المناجم الصغيرة مع منحها سلطة إصدار التراخيص من داخل النظام العام
ومن البلاد التي نجحت بها تجربة المناجم الصغيرة الفلبين، فقد أتاحت الفرصة للأفراد العاملين وعائلاتهم في المناجم الصغيرة في العيش في مستوي معقول، يقدر عدد العاملين بحوالي 75% و15% في مجال الأعمال والأسرة والعشرة بالمائة الباقية تنشا مؤسسات تعدين تجارية. وغالبية الذين يقتاتون من أعمال المناجم يعملون في مناجم الذهب والرمال والزلط في حين إن الأفراد المشتغلين في الأعمال المحجرية يعملون في المجال المعادن الصناعية مثل الفلسبار والسيليكا والحجر الجيري. والتكنولوجيا المستخدمة لا تتجاوز الطرق البدائية على عكس المؤسسات الكبيرة.
تقتصر طرق التشغيل في عمليات التعدين في المناجم الصغيرة على المناجم المكشوفة وعمليات التحجير مع عدد صغير من مناجم الذهب تحت السطحية. وتقتصر عمليات المعالجة في المحاجر الصغيرة علي الرمال والزلط والمعادن الصناعية مثل الفلسبار والسيليكا والجير على عمليات الغربلة والانتقاء معتمدة أساسا على العمل اليدوي أو الميكنة على نطاق ضيق. وتشمل عمليات استخراج الذهب طرق استرجاع متقدمة تشمل استخدام السيانيد والترسيب بغاز الزنك أو باستخدام الكربون النشط، وتستخدم الملجمة بواسطة عمال المناجم الصغيرة في المناطق التي يتهافتون عليها بحثًا عن الذهب.
والواضح أن معظم آليات الدعم للمناجم الصغيرة يقدمها العاملون أنفسهم بواسطة اتحاداتهم وأنظمتهم. وفي بعض مناطق تعدين الذهب اتحدت تجمعات رجال التعدين المتفرقة مع بعضها في مجموعات أكبر.
مشكلة التلوث البيئي
اهتمت هيئة اليونيدو UNEDO بدراسة تلوث الزئبق الناتج عن عمليات المناجم الصغيرة في جنوب الفلبين. وانتهت المرحلة الأولي من المشروع عام 2000 ووضعت اقتراحات للمرحلة الثانية بهدف عمل دراسة بحثية على معالجة خام الذهب بهدف تنمية وعمل صناديق أحواض) فعالة وقليلة التكلفة لاستخراج الذهب.
وقد أنشأت إدارة المناجم وحدات تعدين خاصة بها، والإدارة لها معاملها الخاصة حيث يمكن لرجال التعدين تحليل العينات واختبارها وعلى رجال المناجم الصغيرة أن يدفعوا التكاليف للحكومة.
استغلال مخلفات المناجم الصغيرة
بعد التحقق من ارتفاع قيمة مخلفات مناجم الذهب الصغيرة تقوم بعض الشركات الكبيرة بشراء هذا الركام ومعالجته لاستخراج الذهب منه. وقد قام مؤخرًا بعض رجال المناجم الصغيرة ببناء وحدات سيانيد وبدؤا يشترون هذه المخلفات وحققوا بذلك ربحًا معقولاً وخلقوا سوقًا منافسًا مع الشركات الكبيرة أدت إلى رفع أسعارها.
التشريعات المنظمة لنشاط المناجم الصغيرة
فطنت الفلبين مبكرًا إلى ضرورة وضع تشريعات تضمن سلامة وسهولة نشاط المناجم الصغيرة وحمايتها من سيطرة الشركات العملاقة، ووضعت من التسهيلات ما يسر التعاون بين الجانبين، ولعل الأحرى بنا وضع قانون جديد للتعدين في مصر أن نأخذ ذلك في الاعتبار وعلينا أن نعرّف بدقة ما هي المناجم الصغيرة والتي غالبًا لا يزيد إنتاجها عن 50000 مترًا مكعبًا وتلتزم بالأسلوب الحرفي سواء كان تنجيمًا سطحيُا أو تحت سطحي ضحل وعلى ألا تستخدم معدات تعدين متطورة، وأن تعتمد بالدرجة الأولي على العمل اليدوي ولعل التصريح الممنوح للمنجم الصغير يشتمل على الضوابط اللازمة لنجاح المشروع.
ولعل الفلبين هى الدولة الوحيدة التي وضعت تشريعات للسلامة المهنية للمشروعات الصغيرة وأنشأت لذلك إدارة خاصة لمتابعة هذا النوع من النشاط كما سبق الإشارة إليه.
بعض الملاحظات الختامية
من الملاحظ أن هناك اهتمامًا متنامبًا لصناعة المناجم الصغيرة كأحد الحلول للحد من أزمة البطالة في الدول النامية. وأيا كان الأمر فعلينا أن نعمل على تعظيم الاستفادة من هذا النشاط وذلك بدراسة التجارب السابقة في البلاد المختلفة والتي أخذت بهذا الأسلوب وأن نراجع أساليبها في معالجة المشاكل الناتجة. ولا شك أن تجربة الفلبين تقدم نموذجًا ناجحًا يحتاج منا أن ندرسه بعناية، وخاصة أنه في الوقت الذي تعمل فيه الصين على غلق المناجم الصغيرة والتي تسبب لها كما هائلا من المشاكل نجد أن التجربة الفيليبينية تنمو بنجاح يدعو للإعجاب.
ساحة النقاش