التلوث الاجبارى بين شربة ماء و جرعة هواء
د حسن بخيت
رئيس الادارة المركزية للمساحة الجيولوجية
لو عرض عليك شربة ماء او وجبة طعام ملوثة لكى تشربها او تاكلها فانك بالتاكيد ستأبى وستختار السلامة ولكن لومشيت بطريق وفوجئت بغبار او دخان يملىء المكان هل تستطيع ان تكتم انفاسك اكثر من دقيقة ؟.. بالطبع لا والا ستموت وحينئذن تجد نفسك رغم انفك مرغما على استنشاق هذا الهواء ولا تمكلك الا الغضب و الاستسلام هذا بالنسبة لك لو كنت عابر سبيل لبضع دقائق ولكن ما بلك لو كنت من ساكنى هذه المنطقة لبضع سنيين وهنا تكمن خطورة الموقف فهناك تلوث اجبارى لا تستطيع الفكاك منه ويدخل الى رئتيك رغما عنك ودون استذان لذا انجد انفسنا امام مسئولية كبيرة لهذا الكم الكبير من الانبعثات الناتجة عن الانشطة الصناعية المختلفة مثل مصانع الاسمنت وكسارات المحاجر والمناجم بالاضافة الى الدخان اللعين السام المحمل بالرصاص المدمر الذى يخرج من شكمانات السيارات والدرجات البخارية وكافة المركبات المتحركة .
ومؤخرا وصلتنى دعوة لحضور ندوة عن صناعة الاسمنت نظمتها غرفة مواد البناء باتحاد الصناعات المصرية واثير ضمن ما اثير التلوث الناتج عن صناعة 35 مليون طن اسمنت يتم انتاجها سنويا من خلال 15 مصنعا للاسمنت منتشرة فى ربوع مصر وتم عرض تقريرا عن مؤشرات نتائج الرصد البيئى خلال النصف الأول من عام 2008 والذى اشار الى تجاوز إنبعاثات الجسيمات الصلبة الكلية للحد الأقصى المنصوص عليه بالقانون واستخدام المازوت كوقود و عدم وجود مدافن آمنة لدفن اتربة الممرات الجانبية في بعض الشركات وعدم وجود مساحات خضراء كافية ومخالفة الحدود المسموح بها في بيئة العمل الداخلية وضعف دور الإدارات البيئية وعدم إستيفاء السجلات البيئية وعدم وجود خطة إقتصادية لإستغلال أتربة الممرات الجانبية ( الباى باص ) و عدم وجود مخصصات مالية للتعامل مع تراب الباي باص من منظور علمي إقتصادي
• ومن المحزن والملفت للنظر فى هذه الاحصائية هى تلك النسبة العالية من هذه الانبعثات الترابية والتى بلغت نحو 11 ألف طن بخسارة اقتصادية بلغت 5 مليون جنيه بالإضافة للتأثيرات البيئية الناتجة ولكن الاغرب فى هذه الاحصائية هو ان هذه النسب الكبيرة من هذه الانبعثات تم رصدها بالمصانع المتاخمة للتجمعات السكنية وخاصة القاهرة وهى مصانع حكومية مما يضاعف من الاثار السلبية لهذا التلوث ويستطيع القارىء ان يقرأ هذا التقرير بالتفصيل فى طيات مجلة التعدين والاستثمار التى تصدر فى القاهرة .
هنا لابد من وقفة من جانب كل المعنيين لمراجعةالااجراءات المتبعة من قبل جهاز شئون البيئة مع تقديرى للجهد الذى يبذل ولكن المراجعة مطلوبة وباستمرار حيث انه السباق مع الزمن لخطورة هذا التلوث المباشرة على البيئة المحيطة و بالتالي المواطن المصري ولابد من تعاون شركات الاسمنت فى تمويل البحوث والدراسات لبحث كيفية الإستفادة الإقتصادية من أتربة الممرات الجانبية والالتزام بالنمازج البيئية المتميزة في التحكم في أحمال التلوث الصادرة من مداخن الشركات وخاصة فى ظل التقدم الكبير فى تكنولوجيات هذا التحكم والذى نستطيع من خلاله القول بانه لا يوجد صناعات ملوثة ولكن يوجد مصانع غير ملتزمة بالمعايير البيئية .
ونعود الى امثالنا المؤثرة القديمة.....الوقاية خير من العلاج لنرفع دعوة من اجل وقف التراخيص لاقامة مصانع قريبة من المدن من خلال إعداد تقييم بيئي إستراتيجي مخطط التوسع في صناعة الأسمنت في مصر وذلك لتوطينها في مواقعها المناسبة والحد من أثارها والتأكد من استخدام تكنولوجيات تتوافر بها الاشتراطات البيئية قبل الموافقة على الترخيص لها .
واخيرا وليس اخرا سررت بالعرض الذى قدمته شركة المقاولين العرب وخاصة ما يتعلق بالمشروع الناجح للاستفادة من نفايات مصانع الاسمنت والذى استخدم فى رصف الطرق والذى ادى الى التخلص من الكثير من هذه النفايات ولعل المشكلة التى تقابل المشروع هو عدم استطاعتها نقل كل النفايات وذلك بسبب بعض مواد قوانين البيئة التى تحظر نقل اى نفايات من محافظة الى اخرى ويمكن لمجلس الشعب تعديل هذه الفقرة لتستسنى حالات نقل المخلفات بقصد التدوير والتصنيع وبهذا نساعد مثل هذه الشركات على استكمال مثل هذه المشاريع الناجحة .
ساحة النقاش