خامات العناصر المشعة
يُقصد بخامات العناصر المشعة – بالدراسة الحالية - مجموعة المعادن والخامات التى تحتوى فى تركيبها الكيميائى عنصر اليورانيوم أو عنصر الثوريوم بصفة أساسية ، مثل اليورانينيت Uraninite بتركيب كيميائى غالب UO2 يصاحبه UO3 واكاسيد الرصاص والثوريوم وبعض المعادن الأرضية النادرة ويعرف عادة بإسم البتشبلند Pitchblende للونه الأسود ، ومثل الكارنوتيت Carnotite K2(UO2)2(V2O8).1-3H2O ، ومثل الثوريت Thorite ThSiO4 حيث يصاحبه عادة اليورانيوم فى الطبيعة على هيئة سليكات الثوريوم واليورانيوم Th,U)SiO4) ، وغيرهم . ويوجد فى الطبيعة مايقرب من 200 معدن يدخل فى تركيبه الكيميائى عنصر اليورانيوم أو الثوريوم أو كلا العنصرين معا .
وعلى الرغم من أن استخدام الثوريوم فى المفاعلات النووية بدأ منذ ميلاد الطاقة النووية فى خمسينيات القرن الماضى ، وأن احتياطياته العالمية أكثر وفرة من إحتياطيات اليورانيوم حيث تبلغ 3 مرات احتياطيات اليورانيوم ، ولكن استخدام اليورانيوم هو الأكثر شيوعا على مستوى العالم فى المفاعلات النووية ، كما يتركز الحديث عن اليورانيوم دون الثوريوم فى التقارير التى تصدر سنويا عن الهيئات الدولية المعنية بالطاقة النووية . ذلك لأن الثوريوم قليل الإستخدام كوقود نووى على مستوى العالم ، بسبب أن ذراته لاتنشطر مباشرة فى المفاعلات النووية مثلما تنشطر ذرات اليورانيوم 235 ، ويُصنف الثوريوم فى الفيزياء النووية كمادة خِصبة fertile أكثر منه مادة انشطارية fissile ، مثله مثل اليورانيوم-238 الذى يكون حوالى 99.3% بالوزن من اليورانيوم الطبيعى ، وكل المواد الخصبة النووية مثل اليورانيوم-238 والثوريوم-232 يمكن تحويلها فى قلب المفاعل النووى إلى مواد قابلة للإنشطارمباشرة ، فاليورانيوم-238 يتحول فى قلب المفاعل النووى إلى بلوتونيوم-239 ، والثوريوم-232 إلى يورانيوم-233 طبقا للمعادلتين الآتيتين :
وعندما نتحدث عن المفاعلات النووية فيجب التمييز بين نوعين من المواد القابلة للإنشطار ، مادة قابلة للإنشطار مباشرة مثل اليورانيوم-235 ، ومادة غير قابلة للإنشطار مباشرة مثل الثوريوم-232 ومثل اليورانيوم-238 وهما مادتين خصبتين fertile . وإن لم يتم تحديد المادة الإنشطارية عند الحديث عن الطاقة النووية والمفاعلات النووية فإننا نتحدث فى العادة عن معدن اليورانيوم[1] الذى يمثل نظير اليورانيوم 235 أحد مكوناته الهامة الإنشطارية التى تُعتبر الوقود النووى السائد تجاريا على مستوى العالم .
ويرى بعض خبراء الطاقة النووية أن استخدام الثوريوم كوقود نووى على المستوى التجارى سوف يحتاج إلى مزيد من الأبحاث لتتأكد جدواه الإقتصادية على المستوى التجارى .. وقد يطول هذا الوقت نظرا لوفرة اليورانيوم الحالية وقلة تكلفة تجهيزه وسهولة عملية إثرائه enriching .. .. ونجد فى المقابل أن الهند[2] التى تمتلك أكبر احتياطى عالمى من الثوريوم بعد أستراليا ، وتعانى نضوبا فى مصادر اليورانيوم مع تدنى رتبة ماتبقى من موارده ، ولأنها ترفض قيود وضغوط مصدرى اليورانيوم لها وخاصة كندا حيث يشترطون مراقبة ومتابعة استخداماته السلمية .. قد نجحت فى تصميم مفاعلات نووية تستخدم الثوريوم كوقود نووى أساسى على المستوى التجارى بعد تحويله باستخدام مادة بادئة انشطارية إلى أحد النظائر المشعة القابلة للإنشطار مباشرة مما يؤدى إلى تعظيم استخدام الثوريوم المتوفر عندها كوقود نووى . ومن جهة أخرى نجد أن دولا أخرى مثل روسيا وفرنسا تمتلك مفاعلات مُولِّدة breeder reacors - (وهى المفاعلات التى تنتج مادة انشطارية بمعدلات أكبر بكثير من استهلاكها ) - غير تجارية تعمل بخليط متوافق من الثوريوم واليورانيوم كوقود نووى ، ولمثل هذه المفاعلات ميزة أساسية بالنسبة للسلم الدولى رغم تكلفتها الرأسمالية وارتفاع تكلفة تشغيلها مقارنة بالمفاعلات التقليدية التى تعمل باليورانيوم فقط كوقود نووى ، وهى انخفاض محتوى البلوتونيوم فى الوقود النووى المحترق spent fuel الذى يمكن استخدامه فى الأسلحة النووية. ويرى بعض خبراء الطاقة النووية أنه يجب الإسراع فى تطوير استخدام الثوريوم كوقود نووى أساسى على المستوى التجارى فى مفاعلات محطات القوى الكهربية اقتداءا بالهند كوسيلة للحد من انتشار الأسلحة النووية .
ويصدر عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية IAEA بالإشتراك مع وكالة الطاقة النووية NEA لمنظمة التعاون الإقتصادى والتنمية OECD (تسمى نادى الأغنياء بوسائل الإعلام) تقريرا تفصيليا كل عامين عن مصادر اليورانيوم والإنتاج والعرض والطلب على المستوى العالمى وعلى مستوى كل دولة من دول العالم ، كما تتابع فى تقريرها الأنشطة النووية على مستوى كل دولة وعلى مستوى العالم ، ويشتهر هذا التقرير السنوى بإسم بالكتاب الأحمر Red Book منذ أن صدر .
وأقرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية بالإشتراك مع وكالة الطاقة النووية (يشار إليهما فيما بعد بـ IAEA/NEA) نظاما قياسيا صنفت فيه مصادر اليورانيوم إلى فئات بمسميات محددة ، ثم أجرت عليه تعديلا طفيفا فى بعض مسميات فئاته وتوصيفها بالكتاب الأحمر إصدار 2008. ولايعترف هذا النظام بالمسمى " إحتياطى" Reserve لأى فئة ولايعتمده ، ويعتمد فقط المسمى "مصدر" Resource لكل فئات مصادر اليورانيوم بالنظام الذى تم إقراره .
ويقسم هذا النظام مصادر اليورانيوم تقسيما عاما تحت قسمين رئيسيين . القسم الأول يشمل كل مصادر اليورانيوم التقليدية ، والقسم الثانى يشمل كل مصادر اليورانيوم غير التقليدية. ويُعرف النظام المصادر التقليدية بأنها تلك المصادر التى يكون فيها اليورانيوم هو المنتج الأولى الرئيسى أو المنتج المصاحب co-product أو المنتج الثانوى الهام important by-product ، وفيما عدا ذلك تسمى باقى المصادر الأخرى بالمصادر غير التقليدية ، وتُعتبر صخور الفوسفات من الناحية التاريخية هى أهم مصادر اليورانيوم غير التقليدية ، وقد أمكن للنرويج استخلاص 690 طن يورانيوم من فوسفات المغرب العربى بين عام 1975 وعام 1999 ، بينما استخلصت الولايات المتحدة الأمريكية حوالى 17150 طن من رواسب فوسفات فلوريدا بين عام 1954 وعام 1962 ، وتؤكد بعض المصادر[3] أن إسرائيل[4] تحصل على احتياجاتها من اليورانيوم باستخلاصه من رواسب الفوسفات الضعيفة الرتبة بصحراء النقب بالقرب من بير سبع التى تحتوى على حوالى 30 ألف إلى 60 ألف طن يورانيوم ، إضافة إلى العجينة الصفراء yellow cake التى تستوردها من جنوب أفريقيا ، وإلى ماتحصل عليه من الوقود النووى من فرنسا التى بنت لها مفاعل ديمونة عام 1963 . ويذكر الكتاب الأحمر أنه مع وصول سعر اليورانيوم إلى أكثر من 260 – 310 دولار أمريكى لكيلوجرام اليورانيوم تصبح صخور الفوسفات ورواسبها مصدرا هاما منافسا لباقى مصادر اليورانيوم التقليدية .
وبالنسبة للنظام الذى أقرته الـ IAEA/NEA ، تم تصنيف مصادر اليورانيوم إلى فئات بمسميات محددة على أساسيين ، أولهما درجة التأكد والثقة فى بيانات تلك المصادر الجيولوجية وتقدير كمياتها ورتبتها ، وثانيهما هى حدود التكلفة الإقتصادية لإستخراج اليورانيوم متضمنا ذلك تكلفة النقل والتجهيز والتكلفة الثابتة غير المباشرة وتكلفة الحفاظ على البيئة من الأضرار الناتجة عن تلك الأعمال.
ويتم تقسيم المصادر حسب درجة التأكد والثقة إلى فئتين رئيسيتين هما "مصادر اليورانيوم المحققة" Identified Resources و "مصادر اليورانيوم غير المحققة" Undiscovered Resources . وتنقسم مصادر اليورانيوم المحققة إلى فئتين فرعيتين هما " مصادر مؤكدة بشكل معقول" Reasonably Assured Resources (RAS) و " مصادر مستنبطة " Inferred Resources (IR) - كانت تسمى بالمصادر الإضافية المقدرة من الدرجة الأولى EAR-I فى التقارير السابقة ، يتم التعبير عنهما بكميات اليورانيوم بالطن المترى التى يمكن استخراجها من المناجم بعد تجهيزها وتركيزها بالتكنولوجيات المتاحة . وتنقسم مصادر اليورانيوم غير المحققة إلى فئتين فرعيتين هما مصادر مأمولة Prognosticated Resources (PR) – كانت تسمى بالمصادر الإضافية المقدرة من الدرجة الثانية EAR-II، ومصادر تخمينية Speculative Resources (SR) ، ويتم التعبير عنهما بكميات اليورانيوم بالطن المترى فى مكانها بالصخور والرواسب الحاوية لها In Situ .
أما تقسيم مصادر اليورانيوم تبعا لتكلفة استخراج وتجهيز الكيلوجرام الواحد من اليورانيوم ، فإن IAEA/NEA تستخدم ثلاث فئات محددة التكلفة ، ولاتتبع تلك التكلفة أحوال السوق وتقلباته وهم بالترتيب كما يلى :
§ الفئة الأولى : أقل من 40 دولار أمريكى تكلفة الكيلوجرام الواحد من اليورانيوم ناتج مصنع التجهيز بمواصفات العجينة الصفراء .
§ الفئة الثانية : من 40 إلى80 دولار تكلفة الكيلوجرام الواحد من اليورانيوم ناتج مصنع التجهيز بمواصفات العجينة الصفراء .
§ الفئة الثالثة : من 80 إلى 130 دولار أمريكى تكلفة الكيلوجرام الواحد من اليورانيوم ناتج مصنع التجهيز بمواصفات العجينة الصفراء.
ويمكن ربط العلاقة بين التقسيمين السابقين لمصادر اليورانيوم حسب درجة الثقة فى بيانات اليورانيوم الجيولوجية والمعدنية والكمية وحسب فئات التكلفة المشار إليها كما هو موضح بالشكل رقم 1 . حيث يوضح الشكل العلاقة بين مصادر اليورانيوم بفئاتها المختلفة ، فيعبر المحور الأفقى عن درجة التأكد والثقة فى البيانات الناتجة عن الأبحاث الجيولوجية وعن التقييم الكمى والنوعى لليورانيوم ، بينما يعبر المحور الرأسى عن درجة الجدوى الإقتصادية لإستغلال اليورانيوم معبرا عنها بفئات التكلفة السابق الإشارة إليها .
شكل رقم (1)
وذكر ملخص الكتاب الأحمر إصدار 2008 المنشور فى 3 يونيو 2008 [5] أن مصادر اليورانيوم المحققة identified (RAR + IR) عام 2006 بتكلفة تقل عن 130 دولار للكيلوجرام الواحد تقدر بحوالى 5.5 مليون طن ، وقد كانت 4.7 مليون طن عام 2005 . وأن هذا المصادر تكفى بالتكنولوجيات المتاحة حاليا 435 محطة كهرباء نووية لمدة 100 سنة قادمة – هم عدد المحطات العاملة على مستوى العالم فى 1 يناير 2007. وأن إنتاج العالم من اليورانيوم عام 2006 وهو 39603 طن من تلك المصادر ، لا يكفى سوى 60% من احتياجات مفاعلات تلك المحطات . وتم سد الفجوة بين الإنتاج والإحتياجات من مصادر اليورانيوم الثانوية (غير المصادر التقليدية وغير التقليدية) ، التى تتمثل أساسا فى ناتج فك 1200 رأس نووية حربية .
وذكر ملخص تقرير عام 2008 عن المستقبل المرتقب للطاقة النووية [6] المنشور بتاريخ 16 أكتوبر 2008 : أن الطاقة النووية قد أمدت العالم بـ 2.6 بليون ميجاوات ساعة MWh فى عام 2006 مثلت 16 % من إجمالى إحتياجات العالم من الطاقة الكهربية . وتم تسجيل عدد 439 محطة كهرباء نووية فى يونيو 2008 على مستوى العالم بقدرة إجمالية كهربائية مركبة 372 جيجاوات GWe . ويتوقع التقرير طبقا لأقل وأعلى السيناريوهات أن تلك القدرة سوف تزيد مع قدوم عام 2050 بمعامل 1.5 إلى 3.8 تبعا لأقل وأعلى السيناريوهات على الترتيب. كما يتوقع التقرير فى السيناريو الأعلى أن نصيب الوقود النووى فى توليد إحتياجات العالم من الكهرباء سوف يزيد من 16% (النسبة الحالية) ويصل إلى 22% عام 2050 ، وأن هناك زيادة إضافية تقدر بحوالى 5% لتوقع دخول بعض الدول المجتمع النووى مع عام 2020 .
وعقد التقرير مقارنة بين تكلفة استخدام الوقود النووى وتكلفة استخدام الفحم والغاز الطبيعى كوقود بالنسبة لإجمالى تكلفة إنتاج الكهرباء من محطات القوى الكهربية عند مستويات التكلفة عام 2005 ، أظهر فيها أن الوقود النووى كان منافسا جيدا بالنسبة للفحم والغاز الطبيعى ، وأصبح منافسا قويا بفارق كبير عندما اشتعلت أسعار البترول ووصلت إلى أكثر من 140 دولار أمريكى للبرميل فى يونيو عام 2008 ، وجرى وراءها ارتفاعا تابعا بأسعار الفحم والغاز الطبيعى .
وذكر التقرير أن تكلفة اليورانيوم تصل إلى حوالى 5% من إجمالى تكلفة إنتاج الكهرباء. أما عن تأثير سعر اليورانيوم على سعر الكهرباء المولّدة من المحطات النووية ، فتقول إحدى النشرات الصادرة عن IAEA/NEA يوم الثلاثاء 1 يونيو 2006 [7] أن تكلفة اليورانيوم لاتمثل سوى نسبة قليلة من التكلفة الكلية لتوليد الكهرباء من المحطات النووية ، وأن تقلبات أسعار اليورانيوم لاتشغل بال مالكى تلك المحطات كثيرا ، حيث تمثل تكلفة وقود اليورانيوم النووى حوالى 15% من تكلفة الكهرباء المولّدة ، وأن اليورانيوم (المجهز كعجينة صفراء U3O8) يتكلف ثلث هذه التكلفة (أى نفس النسبة المذكورة بأول الفقرة الحالية). ثم قالت النشرة أنه لأغراض المقارنة فإنه حين يصل سعر الغاز الطبيعى لضِعف سعره (وقت تحرير النشرة) فمن شأن ذلك أن يرفع تكلفة توليد الكهرباء بنسبة 75% عند استعمال الغاز الطبيعى كوقود لمحطات توليد الكهرباء . وتؤكد تقارير كثيرة أن تكلفة تشغيل محطات الكهرباء بالوقود النووى أقل من تكلفة التشغيل بالفحم أو بالبترول أو بالغاز الطبيعى ، فضلا عن تميزه بعدم انبعاث غازات الإحتباس الحرارى ، وعلى رأسها غاز ثانى أكسيد الكربون . ولأغراض المقارنة فإن تشغيل محطة كهرباء قدرتها المركبة 1 جيجاوات (1-GW) بالوقود النووى بدلا من الفحم ، يؤدى ذلك إلى تجنب انبعاث من 6 إلى 7 مليون طن ثانى أكسيد الكربون سنويا، وأن طنا واحدا من غاز ثانى أكسيد الكربون المنبعث يمثل ضررا على البيئة بتكلفة خارجية external cost قدرها من 10 إلى 25 دولار أمريكى [8] تبعا لنوع الفحم المستخدم .
] ملاحظة : سعر اليورانيوم فى 26 مايو 2006 [9] (وهو تاريخ قريب من تاريخ النشرة المذكورة) كان USD 112/كجم يورانيوم ، وكان فى عام 2005 USD 52.10/كجم يورانيوم ، وفى 22 ديسمبر 2008 [10] وصل السعر إلى USD 138/كجم يورانيوم .[
ويستطرد التقرير المشار إليه سابقا مؤكدا بأن التحدى الإقتصادى الحقيقى بالنسبة لمفاعلات محطات الكهرباء النووية يبقى متعلقا بالإلتزامات والتكلفة الإستثمارية حتى مرحلة التشغيل التجارى لتلك المفاعلات . وأن العائد الإقتصادى من الإستثمار فى المحطات النووية يتحقق مع الإهتمام بمراعاة التحسين والتحديث الدائم فى الأداء وفى العمل على زيادة القدرة الكهربية المتاحة من تلك المحطات وفى زيادة عمر تشغيلها الإقتصادى . وقد أمكن فى حالات كثيرة تحقيق معدل تحسين فى الأداء والقدرة الكهربية المتاحة بـ 10 نقطة مئوية ، وفى بعض الحالات وصلت تلك النسبة إلى أكثر من 20 نقطة مئوية ، كما أمكن تحقيق زيادة فى عمر التشغيل الإقتصادى لكثير من المفاعلات النووية من 40 إلى 80 سنة .
وبصرف النظر عن التكلفة الإستثمارية التى تتكلفها محطة كهرباء نووية وبصرف النظر عن تكلفة تشغيلها ، فلم يعد هناك مجالا لمناقشة ضرورة أو عدم ضرورة إمتلاك مصر برنامجا نوويا ، فقد أصبح ذلك ضرورة حتمية لامفر منها تفرضها متطلبات الأمن القومى وتفرضها ضرورة تنوع مصادر الطاقة تأمينا لمستقبل مصر القريب من شر مجاعة طاقية طاحنة. كما يجب اعتبار مشروع المحطات النووية مشروعا قوميا تضعه مصر على قمة اهتماماماتها مثله مثل السد العالى وقناة السويس ، وأن يتم طرحه وتنفيذه ملكا عاما مصريا خالصا ، مع ضرورة مراعاة الفصل التام بين مصادر التمويل ومصادر الخبرة والتكنولوجيا وتوريد المعدات ، وأن لانلجأ لطرح مثل هذا المشروع بنظام البووت BOOT الذى تتبناه وزارة الكهرباء والطاقة منذ عام 1999.... ويبقى بعد ذلك ثمة مخاوف حقيقية - يجب وضعها فى الإعتبار – من أن تسيطر الإحتكارات الدولية الكبرى على عملية إنتاج الوقود النووى بدعوى مخاطر انتشار السلاح النووى ، بما يحول دون وجود سعر عادل يحقق مصالح المنتجين والمستهلكين فى سوق غير متوازنة للوقود النووى يمكن أن تداخله ضغوط الهيمنة والإبتزاز السياسى . ذلك على الرغم من أن امتلاك حق المعرفة الكاملة بدورة الوقود النووى لإنتاج الوقود اللازم لتشغيل محطات الكهرباء النووية وللإستخدام فى الأغراض السلمية ، هو حق للشعب المصرى يجب التمسك به ، وهو حق أساسى تكفله المادة الرابعة من معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية التى وقعت عليها مصر عام 1981 ، ولم توقع عليها إسرائيل ، حيث قال عمرو موسى حين كان وزيرا لخارجية مصر : أن رفض إسرائيل التوقيع على تلك المعاهدة لا يعنى سوى أن هذه المعاهدة غير قادرة على حماية مصر ، ويخلق ذلك وضعا خطيرا للغاية فى منطقة الشرق الأوسط . كما ينبغى على النخبة الحاكمة أن تلغى تماما من عقلها وضميرها عند نقل التكنولوجيا النووية ، أننا نفتقر الخبرة ، وأننا عاجزون عن التأهل لها فى وقت قصير ... بشرط التوقف عن حصار الموارد البشرية وتهميشها ، وبشرط العلم بأن نقص الكوادر الفنية وتدنى مستوى الخبرة والتدريب والمهارات ليس عيبا لصيقا بالشعب المصرى ، ولكنه عيبا يعيب النظام الذى يحكم الشعب ، وعيبا لصيقا بالنخبة التى تعتلى مراكز القمة فى إدارة موارد البلاد وتفتقر الموهبة والخبرة والقدرة على حسن إدارة هذه الموارد ، كما تفتقر القدرة على خلق موارد جديدة .
وتمتلك مصر قاعدة مؤسسية رصينة فى مجال تكنولوجيا الطاقة النووية ، تتمثل فى ثلاث هيئات . هيئة المواد النووية وتختص بأعمال التنقيب واكتشاف المواد النووية وتوفيرها لمشروعات الطاقة . وهيئة الطاقة الذرية[11] وتضم المركز القومى لبحوث وتكنولوجيا الإشعاع ، والمركز القومى للأمان النووى ، ومركز المعامل الحارة. وهيئة المحطات النووية لتوليد الكهرباء وهى التى تعنينا فى الدراسة الحالية ، وقد تم إنشائها كهيئة عامة لها الشخصية الإعتبارية ويرأس مجلس إدارتها وزير الكهرباء والطاقة بمقتضى القانون رقم 13 لسنة 1976 (أى منذ أكثر من ثلاثين عاما) .. وحدد القانون إختصاصاتها ، وعلى رأسها اقتراح إنشاء محطات القوى النووية فى توليد الكهرباء ، والبحوث والدراسات اللازمة لمشروعات إنشاء محطات القوى النووية ، ووضع أسس مواصفات مشروعات إنشاء محطات القوى النووية وتهيئتها للتنفيذ . وعليه فعندما يصرح وزير الكهرباء والطاقة الدكتور حسن يونس فى 27/8/2008 [12] أن الهيئة التى يرأس إدارتها ستقوم باختيار مواقع المحطات النووية وهو مايتطلب 34 نوعا من الدراسات حتى يمكن تحديد الموقع الصالح ، فلنا أن نتساءل أين كانت تلك الهيئة باختصاصتها التى حددها القانون منذ أكثر من ثلاثين عاما وماذا كانت تفعل خلال تلك الأعوام الطويلة. وفى جميع الأحوال فالرجاء هو أن يتحقق توقع الوزير الذى صرح به بأن العمل سوف ينتهى فى أول محطة نووية لتوليد الكهرباء فى مصر بين عامى 2016 و 2018 .
إن المشروع النووى المصرى هو مسألة أمن قومى وإستراتيجى قبل أن يكون مجرد بحث عن بدائل للطاقة أو مجرد هدف لتنويع مصادر الطاقة بمصر . وقد أكد على ذلك الرئيس حسنى مبارك حين كان يفتتح محطة كهرباء شمال القاهرة فى أكتوبر 2007 ، وهو يصدر توجيهاته السياسية بإحياء البرنامج النووى المصرى ، حيث اعتبر أن تنفيذ البرنامج النووى المصرى لتوفير الإحتياجات المستقبلية من الطاقة الكهربائية أمر يدخل فى صميم الأمن القومى المصرى فى ضوء التقديرات الإحصائية التى تشير إلى أن عدد سكان مصر سيصل عام 2025 إلى نحو 100 مليون .
ويجب فى هذا المجال أن نعرف لماذا تخلفنا كثيرا فى مجال تكنولوجيا الطاقة النووية عن دول أخرى ، كانت مصر أكثر تقدما منها منذ 50 عاما مثل الهند وكوريا الجنوبية وإيران . وأن نجلس متواضعين مع علماء أفاضل هجروا مصر بعد أن تراخى النظام فى حمايتهم كثروة علمية ، وعادوا إليها بعد أن تعدى بعضهم الثمانين من عمره مثل الدكتور مهندس عصمت زين الدين الذى أسس قسم الهندسة النووية بجامعة الإسكندرية عام 1964 وكان مستشارا للرئيس الراحل جمال عبد الناصر ، ، ليحكى لنا لماذا تعثر المشروع النووى المصرى الطموح منذ أيام عبد الناصر وحتى الآن ، ولماذا ترك مصر فترة طويلة من عمره ، ولماذا هاجرت أول دفعة من المهندسين تخرجت على يديه إلى أمريكا لتكون أساسا لأبحاث طاقة الإنشطار النووى وطاقة الإندماج النووى . وأن نسأل أنفسنا لماذا أحجمت القيادة السياسية عن تنفيذ مشروع المحطة النووية بالضبعة واستغلت الحادثة التى وقعت بالمحطة النووية فى شرنوبل ببلاروسيا فى 26 إبريل 1986 لزعزعة ثقة الشعب المصرى فى هذا المصدر الهام من مصادر الطاقة . وهل توقف العالم تماما عن إنشاء محطات نووية بعد هذه الحادثة ، أو بعد الحادثة التى سبقتها فى مفاعل جزيرة ثرى مايل فى بنسلفانيا بالولايات المتحدة الأمريكية عام 1979 . يجب أن ندرس جيدا أسباب فشلنا فى الماضى وأن نفهم جيدا ماحدث من عثرات لهذا المشروع لكى نصل إلى مايمكن أن نفعله صوابا فى المستقبل ، فنتمكن بذلك من وضع رؤية استراتيجية واضحة وعملية لمستقبل ناجح للمشروع النووى الذى نريد إعادة إحياءه من جديد فى مصر ، ولن يتحقق ذلك إلا من خلال بناء مؤسسى قوى ومتكامل ، يضع على رأس اهتماماته ، الإهتمام بمنظومة التعليم التى انهارت فى مصر ، وتشجيع البحث العلمى وزيادة الإنفاق عليه ، والعناية بالتنمية البشرية وعدم تهميش الكفاءات المتميزة الجادة .
م/ عاطف هلال 2009
ساحة النقاش