قراءة من مجلة امريكية صدرت عام 1929 
فيها مقال (الحرب العظمى ضد الحشرات) حرب قد لانربحها

توما شماني – تورونتو   

  عضو اتحاد المؤرخين العرب

منذ وصلت كندا ارض الاحلام والتطلعات، في تورونتو لم اكن اهوى الدوران على دكاكين بنت الحان وما اكثرها حيث يجتمع الرجال والحسان الشقراوات والسمراوات والسوداوات فيغوصون بعد الشرب في بحور الهوى والخيال. بل كنت اهوى الدوران على دكاكين بيع الكتب القديمة ، كما كنت افعل في بغداد يوم كانت بغداد بغدادا واذا كان في بغداد آنذاك دكانا او دكانين من الذين يبيعون الكتب القديمة، فان مافيها كان يباع في ايام لكثرة الذين ينشدون اقتناء الكتب القديمة. وفي توروتو وحدها العشرات من هؤلاء الباعة وبعض الدكاكين تجد فيها ما تريد في شتى انواع المعرفة، تجد كتبا قديمة على رفوف تصل السقوف. وفي احدى جولاتي في هذه الدكاكين التي اجد فيها المتعة عثرت على مجلة اسبوعية صدرت عام 1929 في نيويىك واسم المجلة (الحرية) كانت تباع بـ 5 سنتات وكان يباع منها المليون نسخة، والذي يثير الغرابة  فيها الآن ان الصور فيها ليست فوتوغرافية بل مرسومة باليد من رسامين يجيدون الصنعة وكانها فوتوغرافيات في دقتها ولم يكن من فوتوغرافيات غير فوتوغرافيات صغيرة لرؤوس الكتاب والكاتبات وسبب ذلك هي ان ماكنة التصوير الفتوغرافي كانت في بداياتها صندوقا ثابتا يقف على اربعة ارجل وكان على المصور ان يضع على رأسه قماشا اسودا عندما يضع اللوح الحساس للضوء وكان ذلك ممارسا في العراق لدي الفوتوغرافيين الذين يتخذون الارصفة لاخذد فوتوغرافات الهويات. وكانت الصور الفوتوغرافية آنذامك صورا نصفية لانه لا يمكن حمل هذه الآلة الفوتوغرافية لتسجيل الاحداث لهذا كانت المجلات تعتمد على الرسامين لاتحاف المقالات برسوم بالريشة والقلم التي تبدو قريبة جدا من الواقع.

حتى الاعلانات عن السيارات كانت مرسومة بالالوان بالريشة وليست فوتوغرافا لان الفوتوغراف لم يكن بالالوان بعد وفي الصورة رجل وامرأة فارعة القوام في اقصى الرشاقة وبرداء رجراج وبالالون. وفي المجلة (قصة قانون الحب) وفيها ايضا امرأة مليحة جالسة على كرسي بشكل ياخذ بعيون الرجال وبفستان حتى الركبة حاسرة الذراعين حتى الكتف، وكان ذلك اقصى ماكانت تستطيعه المرأة. ومن الاعلانات اعلان عن تخسيس جسم المرأة  وفيه امرأة كانها شجرة عالية تلف حول وسطها حزاما رجراجا مربوط بماكنة تهز حزان بكنها وكان على جسمها لباسا داخليا فوق الركبة وفوقه رداء آخرا يغطي اللباس الداخلي وذلك من باب الحياء انذاك في عدم نشر نساء شبه عاريات او العاريات بورقة التوث كما يحدث الآن. وفي ذلك الاعلان ما يشير الى ان الجهاز علاج لـ (لقبوضة البطن)  وعدم النوم والاضطرابات العصبية ؟! كانت اغلب الاعلانات عن معاجين الاسنان وغسول الفم. ومن الاعلانات اعلان طابعة (رويال) التي بقيت على شهرتها حتى حل عصر القومبياطرات وطريقة العمل بها الضرب على الحروف لكي تقفز على الورقة فلا تستطيع محوها ويجري تصليحها بجهد وكانت تعمل في الدوائر الرسمية منذ العهد الملكي في العراق ولم تتبدل وربما لاتزال معمول بها حتى هذا العهد. وثمة اعلان عن سكائر (فاتيما – فاطمة) يقف فيه رجل برباط وقبعة كلاسيكية وعلى جيبه العلوي الامامي الصغير من جاكيته الطويل كوفية متدلية حيث كان ذلك طراز الرجل.  

من الطرائف التي اوردتها مجلة (الحرية) ان الشاب هربرت في التاسعة عشر من عمره لم يستطع ان ينمي له شاربا واضحا فسأل العائلة (هل احلقها ؟)هنا توا اجابته اخته في الرابعة من العمر (اتركها هربي –  تصغير اسم اخيها هربرت -  فلا احد يراها). وفي مفال للنساء عنوانه (لبس الشيك) فيه نساء بقامات عالية جدا المرسومة باليد يرندين الفساتين الطويلة التي تحت الركبة من النوع الهفهاف وهو لبس ذاك الزمان الذي لم يتحرر من الفساتين الطويلة بعد. ومقال آخر بعنوان (الشامبو الصحيح لك) وفيه نساء يرتدين الفساتين الهفهافة وهي طفرة من الفساتين الطويلة وكان الفستان الهفهاف ترتدينه النساء المسيحيات واليهوديات في البصرة او في دواوين النساء الغنيات، وربما كان (الكلوش) طفرة لانطلقات جديدة في الفساتين دون ان يشعرن به والتي ادت بعيد الحرب العالمية الثانية الى الثورة الكبرى في انحسار الفساتين الى ما فوق الركبة، اذ كان قبل ذلك (حرام) على المرأة ان تكشف عن ركبتها حتى في الاوساط الاوربية وعندما كانت باريس الرائدة فيها وكان روادها المصممة المضروبة (نينا ريتشي) التي جننت النساء بلون (التان) النحاسي عندما دعتهن الى كشف اجسامهن في الشواطيء فاحدثت هذه الانطلاقة الى تزايد اصاباتهن بسرطانات الجلد اما (ييف سان لوران) الذي مات قبل شهر، مشهور عنه انه القائل (وضعت النساء في السراويل) فظهرت الجينات سلاح المرأة القاتل بعد ان مات القبقاب.

في هذا العصر بدأت الدعايات حول الاسطوانات الموسيقية وكانت تعمل على صندوق موسيقي (الغرامافون) وكانت الاسطواات رقيقة بقدر بحجم (قرصة الخبز) وكانت مصنوعة من مادة سوداء اللون اشبه ببلاستيك اليوم الذي  لم يكن البلاستيك قد دخل الحياة وفيها مسارات دقيقة. وكان في الغرافون يدا تضم ابرة توضع الى الاسطوانة عند ذلك تنساب الموسيقى. اما دوران الاسطواتة فكان يحدث يمحرك كان ياخذ قوته من محرك يعرف بـ (الزنبلك) الذي يملى من الجانب بتدويره باليد كما كان يفعل مع الساعة اليدوية سابقا حيث كانت تعمل لـ 24 ساعة ثم يعاد بالتدوير باليد. وكان الغرامافون الاول يعلوه بوق كبير ينقل الصوت وكان اكثر ما يعمل به في المقاهي بالبصرة, وكان في بيتنا في البصرة (غرامافون) علي شكل صندوق له غطاء وكان هناك مخزن لبيع اسطوانات (القبنجي) و(صديقة الملاية) وغيرهما. وكان في بغداد ستوديو بدائي كان ينتج (اسطوانات نعيم) - بفتح العين والتشديد على الياء - . ماتت تلك الاسطوانات عندما حل الراديو اليدوي واشرطة النسجل. وفي المجلة اعلان عن (قلم الرصاص) وكان ذلك العهد من التقدم لا يعرف غير (قلم الرصاص) اداة للكتابة، يوم كنا في الابتدائية كان (قلم الرصاص) الاداة الوحيدة للكتابة لنا نحن الطلاب وكنا نحمل معنا (محبرة) مليئة بالحبر السائل وكثيرا ما كان غطائه ينفلت فتحدث طامة تلويث ملابس الطالب بالحبر، وكنا نحمل ما كنا نسميه (السلاية) وهو نوع من القلم الخشبي وفي نهايته ثقب يمكن ادخال فيه ريشة الكتابة المعدنية براس رفيع للكتابة العادية او راس عريض قليلا للمولعين بالخط العربي. وفي عهدنا جاء قلم الحبر المحمل بالحبر (قلم النافورة Fountain Pen ) وكان يملأ بالحبر من محبرة بيد صغيرة على جانبه، حتى اذا انتهى الحبر يملأ مرة خرى ولكن لم يستطع الا الموسرين من الطلبة اقتنائه.  

قبل (عصر الدي دي تي) يبدو ان العالم كان يشعر ان الحشرات قد خلقت بلية على بني البشر ففي مقال في المجلة عنوانه (الحرب العظمى ضد الحشرات –  قتال لن نربحه) وفي عنوان جانبي (الحشرات اكثر تلائما على الارض مع البشر) يشير المقال الى انه بعد ملايين السنين استطاع (الرجل) –  لم يقل الانسان بل الرجل وكان آنذاك الرجل السيد الناهي –  استطاع اقامة السيادة على الحيوانات الكبيرة وانشأ الحضارات الا ان حياته تعرضت لهجمات من (اتحاد من الحشرات المؤذية والاحياء الدقيقة) ان الحرب معها الآن اكثر ضخامة. في الماضي انمحت حضارات باثر هؤلاء الاعداء الدقيقي الصغر. ان الخسائر السنوية في الحبوب تقدر بـ 2 ترليون مارك اي 22% في الحبوب و 20% في الفواكه ونحن لاندري شيئا عن الحشرات اعدائنا. ويضيف المقال الى ان عدد الاخصائيين في الحشرات في الولايات المتحدة الامريكية كان  2000 متخصص اما في العالم فيزيد قليلا على 6000 لكننا لانصرف اكثر من عدة ملايين دولار لمكافحة الحشرات الضارة واذ كنا ننجح في بعض الاحيان فانا نخلق بيئة جيدة لهجمات الحشرات. وعلينا دراسة اكثر من 200 الف نوع من الحشرات. والجدير بالذكر ان الحشرات تعمل متلائمة مع البيئة اكثر مما يتلائم (الرجل) مع البيئة. من غير شك ان تطور (الرجل) قد توقف اما الحشرات فهي تتطور مع البيئة الجديدة.

الواقع انني اردت من هذا العرض لاحد اعداد مجلة (الحرية) ال صادرعام 1929 في مدينة نيويىك التي ربما كانت في ذاك الزمن الاعلى في مجال التقدم التكنولوجي وربما كانت في مكانة لندن او باريس او برلين او اعلى. في عرضها نجد الطفرات الكبرى التي حدثت في الصحافة وخاصة في انتاجها خلال ثمانين عاما من الزمن. مجلة (الحرية) ال صادرة عام 1929 في مدينة نيويىك عاشت في زمن بدأ فيه التصوير الفوتوغرافي ولادته ثم ضل جامدا في اطار الفلم والتحميض لاكثر من نصف قرن اما الآن فان الصورة تلعب دورا عاليا في الاخبار وبعض الصور تنطق بما لا ينطقه مقال في الف كلمة. وبالاتمته و ( التركيز العالي High Defintion ) والدجتلة اصبح بالممكن اظهار الصورة في لحظة بالالوان وارسالها الى وكالات الانباء لتنشرها في الصحف ابتداء من (طويريج) لتدور حل العالم في لحظة ثم ترجع الى (طويريج) هكذا ينشر الخبر الآن ليدور حول العالم في لحظة. المجلات والصحف اليومية في هذا العصر غدت امبراطوريات تنشر الكذب المسفطط واكبر دليل على ذلك الامبراطور (كونراد بلاك) الذي كان المالك لامبراطورية اعلامية تضم اكثر من 70 صحيفة كبرى وتلفزيونات شهيرة وهو الآن قابع في زنزانة في السجن بعد ان كان يعيش في قصر ثمنه 10 ملايين دولار. أما مجلة (تايم TIME ) و (نيوزويك NEWS WEEK ) وغيرهما صورة للمجلات الاسبوعية في العالم المتقتق الآن فهي تاخذ القراء على بساط سحري تاخذه في رحلة حول العلم وهو او وهي مستلقيان على الاريكة (المسفنجة). اما الاعلانات هنا فهي الاخرى غدت سلطنات عائمة فوق عصر القومبوطرات المتقنقة في اقصى درجات التقنقة فاحدى شركات الادوية تصرف 10 ملايين دولار على ادويتها وهناك الآلاف منها ابتداء من شركات ومصانع المقانق وتصنيع دماء المجازر ونفايات المجاري الى اغذية بشرية حتى السيارات وشاحنات العشرين طن. ومن برنامج (التحريك الحياتي Animation ) يجعلون من امرأة بارعة الجمال قادرة على القفز من القعر الى اعلى عمارة في تيويورك. المرأة الآن غدت جارية في الاعلانات او اللعبة باربي يلعبون بها كيفما شاؤوا والتجارة باجزاء جسمها لدفع بضائعهم نحو الربح المسروق علنا.

 

 

hanyembaby

مهندس / هاني امبابي 00966548220741

  • Currently 168/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
56 تصويتات / 936 مشاهدة
نشرت فى 6 نوفمبر 2009 بواسطة hanyembaby

ساحة النقاش

هاني امبابي

hanyembaby
TEL +966548220741 [email protected] »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

1,368,550