في مسرحيته الشهيرة، وقف الفنان محمد نجم، أمام المبدع الراحل حسن عابدين، يصف له، ذلك الرجل الذي كان كلّما يمشي في الشارع، وينادي عليه أي أحد باسمه فإنه يرد عليه..
وبين كل جملة وأخرى، ظل نجم يقول لعابدين العبارة الشهيرة "شفيييييييييق يا رااااااااااجل" فتضج قاعة المسرح بالضحك..
لا أدري، لماذا تذكرت الرّاحل حسن عابدين بجلبابه الفلاحي، وهو يجفّف عرقه بالمنديل ـ إذ لم يكن هناك اختراع اسمه الكلينيكس وقتها ـ وهو يتساءل عن شفيق هذا.. فيشرح له محمد نجم إنه "هوة اللي لما بيعطش يشرب" يضحك المتفرّجون، فيعود للسؤال مجدداً: مين شفيق ده؟ فيرد نجم دا اللي لما يكون عطشان يقول عاوز أشرب..
طبعاً لم يعرف حسن عابدين، حتى انتهاء العرض، وربما حتى وفاته، هذا المدعو شفيق.. مثلما نحن الآن.. لا نعرف بالضبط سبباً واحداً لبقاء واستمرار السيد شفيق في رئاسة الوزارة حتى الآن.. ولولا ثقتنا في نزاهة المجلس العسكري، وشرفه، لقلنا إن السيد شفيق هو آخر عيون النظام السابق في شرم الشيخ على ما يحدث في برّ مصر.
أعترف، أنني لا أعرف عن الفريق أحمد شفيق، سوى أنه كان وزيرا للطيران المدني، وسوء الحظ هو الذي أوقعه ليكون آخر رئيس حكومة في عهد الرئيس السابق حسني مبارك..
تنحّى الرئيس بعد أن ألفى عليه الشعب يمين الطلاق بالثلاثة، وخلعه، لكن رئيس الوزراء سيء الحظ، أصبح في ورطة، إذ لم يستطع التوفيق بين أزمة النظام السابق وبين الشعب الثائر، وبات للأسف بتردده، يمثل مشكلة لنفسه أولاً، ربّما كان مضطراً لأن يصدّق أنه لا يزال رئيس حكومة عند مبارك، ولا يريد أن يحنث بيمينه الذي أقسمه أمام الرئيس المخلوع، وبعدما بات جزءاً من العهد الجديد، فقد استكبر أن يطلق على ما حدث في 25 يناير، على الأقل لقب "الثورة".
في مؤتمراته الصحفية، كان يكتفي بوصف الحركة، أو الانتفاضة، ولو كنتُ مكانه، عقب تنحي الرئيس، لقدمت استقالتي على الفور، لأن رأس النظام الذي أقسم أمامه اليمين الدستورية، لم يعد موجوداً، وبالتالي، سقط هو وسقط يمينه، ولو فرضنا أن المجلس العسكري أعاد تكليفه، لكان واجباً عليه، أمام جموع الشعب الثائرة على الأقل، إعادة تشكيل الحكومة، واستبعاد كل الوجوه القديمة غير مأسوفٍ عليها.. وأداء اليمين أمام من أعاد تكليفه ولو من حيث الشكل.
الفريق شفيق، اكتفي بـ"ترقيع" الحكومة مرّتين، في محاولة لا يملكها لإعادة العذرية، إلى تشكيلة كان ينبغي إهالة التراب عليها، وليس تغييرها بـ"القطّارة" ولهذا نجد الحكومة تتباطأ كثيراً وبدرجة مملّة أمام ما يحدث. لتبدو حكومة عاجزة عن اتخاذ قرار واحد داخلي أو خارجي بشكل شجاع يستلهم روح المرحلة، بدل أن تدور في الفراغ، وتلف حول نفسها بحثاً عن "التعلب اللي فات فات وفي ديله 7 لفات" لترمي كل شيء على ظهر المجلس العسكري بدل أن تواجه هي المشاكل وتقترب من الشعب وتتواصل معه، لتغطية عجزها على الأقل، أو لتبرر وجودها.
وهنا أسأل سؤالاً محدداً.. هل سمعتم أن حكومتنا اتخذت قراراً له قيمة؟
هل سمعتم صوتاً لها اليوم، أو أمس، أو أول أمس؟
الإجابة: لا
أما لماذا؟ فذلك لأن "شفيق بتاعنا" ليس مثل "شفيق بتاع محمد نجم"، الأخير على الأقل وحسب اعتراف نجم ذاته كان "لما يبقي مستعجل يمدّ".. لكن شفيق "بتاعنا" يعيش نفس أزمة الرئيس السابق، والنظام كله، وشلة عواجيز الفرح إياهم، حيث كانت كل ردود أفعاله متأخرة للغاية، ربما بحكم السن، وربما بحكم الورطة، وربما بسبب قصر النظر وقلة الحيلة التي تركت المعالجة لكل أزمات البلد، سلاح أمني في يد شخص عدواني مثل حبيب العادلي ليفعل ما يشاء.
قد يشفع لـ"شفيق بتاعنا" أنه لم يصل للسبعين بعد، وبالتالي فهو شباب مقارنة برئيسه السابق، لكنه حتى وهو في عز جريمة وزير إعلام النظام السابق أنس الفقي، خرج على الهواء، ليصفه بالزميل، ويقول إن الفقي قدم استقالته، وكنت أتمنى كغيري من المصريين أن يعلن أنه اتخذ قراراً واحداً ولو لمرة واحدة بأنه هو الذي أقال الفقي، استجابةً لمطالب الناس، أو حتى لتحسين صورته، ونفي الصورة المترددة عنه على الأقل، وإثبات أنه "سيّد قراره" كما كان يقول "ترزي" النظام السابق، السيد فتحي سرور، وليس "سفرجياً" في عزبة النظام السابق!
ولأن شفيق يا راجل.. لا يمشي في الشارع، ولم يسمع الهتافات والنداءات، ويبدو أنه يعيش في جزيرة نائية، لا يزال يتعامل معنا بعقلية الطيّار الذي يرتفع في الهواء آلاف الأمتار، وبالتالي يرى كل الأشياء صغيرة، أو لا يكاد يراها أساساً.. الناس، العمارات، المدن، والأحداث أيضاً!. وهو في نظرية الطيّار تلك، يشبه رئيسه السابق تماماً.. فالرجل لم يفكر مرّة في النزول إلى ميدان التحرير، للقاء المحتجين على الأرض، لم يحاول أن يستمع إليهم في مكان الحدث، ويجرّب التواصل معهم، ولو كان فعلها يومها، لاستحق أن يصفّق له الجميع، ولسجّل موقفاً، كان يكتفي باللف والدوران على الفضائيات، ليتحدث لغة ناعمة تماماً، وضبابية جداً!
شفيق يا راجل.. يبدو أنه لا يختلف كثيراً عمن سبقوه، إلا في الألفاظ، الابتسامة، لكن إذا صح ما نسب إليه من إيقافه لبرنامج "واحد من الناس" للزميل عمرو الليثي، لأنه استضاف إبراهيم عيسى الذي طالب باستقالة رئيس الوزراء، فستكون مصيبة سوداء، لأنه إذا كان الرجل يستفتح عهده بتكميم الأفواه، وبمكالمة هاتفية واحدة فقط، فماذا هو فاعلٌ بنا غداً؟ خاصة بعد إلغاء وزارة الإعلام، وبأي حق يطلب وقف برنامج، وكيف يستجيب له صاحب القناة بكل هذه البساطة ويمنع إعادة البرنامج؟ وهل هذه محاولة رخيصة لممالأة رئيس الوزراء، من أصحاب فضائيات طالما مالأوا النظام والسلطة وأولاد النظام وجلادي النظام.؟
تليفون واحد، يعيدنا إلى نفس ما قبل 25 يناير.
ألم أقل لكم إن "شفيق بتاعنا" مثل "شفيق يا راجل"..
..لما بيجوع بياكل!
ولما يعطش بيشرب!
وعندما يريد إيقاف برنامج، فيتصل بالتليفون أيضاً.
جاتنا نيلة في حظنا الهباب.
ساحة النقاش