Ali MSW

فترة تجريبية

المبحث الأول: نشأة المسيح عليه السلام

عند الشروع في البحث عن حياة المسيح عليه السلام لا بد لنا إلا أن نبدأ البحث من حياة الصديقة مريم العذراء, حيث أن القرآن الكريم أولى حياتها أهمية كبيرة حتى حظيت بسورة من القرآن سميّت باسمها, ويكفيها فخراً أنها المرأة الوحيدة التي ذكرها القرآن الكريم باسمها الصريح، اذ لم يذكر القرآن اسم امرأة بشكل صريح سواها، وقد ذكرها في اربع وثلاثين موضعاً بكل اجلال، وجعلها من المصطفين.

 

الصديقة مريم في سطور

مرتّ سنوات على زواج (حنّة) والدة السيدة مريم عليها السلام من عمران ولم ترزق أولاداً, إلى أن دعت ربها في يومٍ من الأيام أن يرزقها طفلاً. وقد كان الله تبارك وتعالى قد أوحى إلى نبيّه عمران أنه سيهبه ولداً يكون مباركاً يشفي المرضى ويحيي الموتى ورسولاً إلى بني إسرائيل. فأخبر عمران زوجته حنة بهذا الخبر. فنذرت ما في بطنها لخدمة الله في بيت الله (بيت المقدس) ويكون محرّرًا, ظنًّا منهم أنّ المولود سيكون ذكرًا. ﴿ إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ آل عمران/35

 ولكن المفاجأة جاءت عند ولادة حنّة اذ أنها انجبت انثى لا ذكراً كما كانت تظن، ويشير القرآن الكريم الى هذه المفاجأة بقوله ﴿ فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنثَى وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وِإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ﴾ آل عمران/36

فالأنثى لا تستطيع أن تؤدي واجبها في الخدمة كما يفعل الذكر.

 ولكن القرآن يقول إنّ الله قد قبل قيام هذه الأنثى الطاهرة بهذه الخدمة الروحية والمعنوية، لأوّل مرّة :﴿فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَّرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ إنَّ اللّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾آل عمران/37

فقد تكفّل السيّدة مريم عليها السلام زوج خالتها النبي زكريّا عليه السلام واتّخذت مكانًا بعيدًا عن النّاس ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا﴾ مريم/16

وذكر القرآن مصدر رزق مريم عليها السّلام ألا وهو من عند الله.

 وقد ورد عن الإمام الباقر عليه السلام ما ملخصه أن رسول الله صلى الله عليه وآله دخل يومًا على ابنته فاطمة عليها السلام وهو يعلم أنها لم تكن تملك طعامًا يذكر منذ أيام، فوجد عندها طعامًا وافرًا خاصًا، فسألها عنه، فقالت: هو من عند الله إنّ الله يرزق من يشاء بغير حساب. فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله لعلي عليه السلام: ألا أحدثك بمثلك ومثلها؟ قال: بلى، قال: كان زكريا إذ دخل على مريم المحراب فوجد عندها رزقًا، قال: يا مريم أنى لك هذا؟ قالت: هو من عند الله، إنّ الله يرزق من يشاء بغير حساب....

وكانت تقوم بعبادة الله تصوم نهارها وتقوم ليلها حتّى اصطفاها الله وطهرها وصارت تكلّمها الملائكة ﴿وَإِذْ قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاء الْعَالَمِينَ﴾آل عمران/42 

وأمرها بالسّجود تعبيرًا عن الشّكر لله وتعظيماً له ﴿يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ﴾آل عمران/43.

 

 

 

 

 

بشارة مريم

 

﴿إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ﴾آل عمران/59

وجاء الأمر الإلهي لتحمل مريم العذراء بالنبي الكريم والرّسول العظيم ليكون صاحب المعجزات منذ لحظة النفخ من الرّوح إلى لحظة رفعه إلى السّماء. ﴿إِذْ قَالَتِ الْمَلآئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ﴾آل عمران/45

فبينما كانت السيّدة مريم عليها السّلام تصلّي في المعبد وإذ بملاكٍ يتمثّل أمامها فجأة كهيئة رجلٍ ذو هيبة إيمانية, ﴿فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا﴾مريم/17

فذعرت مريم وخافت، فاستعاذت بالله لانقاذها ﴿قالت إنّي أعوذ بالرّحمن منك إن كنت تقيًّا﴾ مريم/18 فقال لها الروح -و قيل انه جبرائيل عليه السلام- ﴿إنما أنا رسول ربّك لأهب لك غلاماً زكيّاً﴾ مريم/19، ﴿قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا﴾ مريم/20 ﴿قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِّنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَّقْضِيًّا﴾ مريم/21.

 

الولادة المعجزة

 

قضى الله في قوانين الطبيعة أن يولد الإنسان من أبٍ وأمٍ، وهذا هو نظام العلل والمعلولات والأسباب والمسببات وهذا النظام لا يعني إطلاقاً عجز الخالق عن إيجاد إنسان من دون أب ولا أم، أو عجزه عن إيجاد إنسان من دون أحدهما وهكذا كانت ولادة عيسى بن مريم عليه السلام فقد خلقه الله من غير أب.

 

وأما كيفية الحمل فالقرآن الكريم يشير إلى أن ذلك كان بالنفخ من روح الله, قال تعالى: ﴿وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ﴾ التحريم/12.

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 68 مشاهدة
نشرت فى 1 فبراير 2015 بواسطة haidarali123

ابحث

عدد زيارات الموقع

2,847

بسم الله الرحمن الرحيم

فترة تجريبية