بقلم: أمل خيري
منذ أن تعلم من والده الحديث الشريف القائل "وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا"، اكتشف إبراهيم عبد المتين الناشط البيئي الأمريكي حقيقة دوره في الحياة وواجبه الأساسي في حماية الأرض والمحافظة على البيئة، فقد تعلم من الحديث أن البشر جميعا جزء من نسيج رائع في الكون، وأن الإسلام يحث البشر على الارتباط بالأرض، بل وعلى الحب العميق لهذا الكوكب الذي جعل الله كل أرضه مسجدا وطهورا.
وإيمانا منه بدور الإيمان في تعزيز الوعي البيئي، واهتمام الإسلام بالمحافظة على الكون وما فيه، قدم عبد المتين كتابه الجديد "جرين دين: ما الذي يعلمه الإسلام حول حماية الكوكب"، والذي صدر في الحادي عشر من نوفمبر الماضي، عن دار نشر بيريت كوهلر باللغة الانجليزية، والكتاب من القطع المتوسط ويأتي في 264 صفحة، استغرق إعداده عامين ليصدر في الوقت المناسب.
يعرض الكتاب قصصا حول بعض الأمريكيين المسلمين الذين شعروا بمسؤوليتهم تجاه المحافظة على كوكب الأرض، واتخذوا خطوات فعلية لحمايته. هذه القصص تسلط الضوء على الوعي البيئي، والاتجاه القائم على العدالة والأمانة والإيمان، والهدف الأساسي من الكتاب هو تحريك المجتمعات المؤمنة، وأنصار البيئة، وحلفائهم لتعزيز الوعي البيئي على أسس علمية وعملية راسخة.
"جرين دين"
يقدم المؤلف في كتابه الجديد عشقه لعالم الطبيعة إلى القارئ – ليس المسلم فقط - بل لكل فرد مهتم بالتعرف على علاقة الإسلام بالبيئة، أو التعرف على الإسلام بوجه عام.
حيث يدعو لإعادة دراسة علاقتنا بالماء والطاقة والنفايات والطعام، كما يساعد الكتاب على تبديد نواحي من سوء فهم الإسلام لدى العديد من الناس، فيقول عبد المتين : "هناك الكثير من سوء الفهم حول الحضارة الإسلامية... لقد كانت الحضارة الإسلامية في أوجها حضارة متقدمة تكنولوجياً لأبعد مدى"، ويرى المؤلف أن الإسلام دين بيئي يحافظ على الطبيعة.
والكتاب يخاطب جميع الأديان، كمحاولة لإيجاد أرضية مشتركة يلتقي عليها البشر جميعهم طالما كانوا يتشاركون الحياة على هذا الكوكب، فمن واجبهم الحفاظ عليه وحمايته. لذا يتناول الكتاب أربعة عناصر أساسية وهي الماء والغذاء والطاقة ثم النفايات، باعتبار أن هذه العناصر اللازمة لحياة البشر أو المترتبة عليها.
يتحدث القسم الأول من الكتاب عن النفايات، ويتناول مشكلة زيادة الاستهلاك، ونشأة الحركة البيئية لمواجهة هذه المشكلة، ثم يسلط الضوء على المسلمين "الخضر" والمساجد الخضراء.
وينتقل في القسم الثاني للحديث عن الطاقة، فيعرض أنواع الطاقة المستخدمة، وقارن بينها مستخدما تعبير "طاقة من الجحيم" و"طاقة من الجنة"، في إشارة للفرق بين الطاقة الملوثة للبيئة والتي تسبب انبعاث الكربون، والطاقة النظيفة الآمنة كطاقة الشمس والرياح، كما تناول الوظائف والمهن الخضراء.
وفي القسم الثالث سلط الضوء على الماء وأهميته للحياة، وعلى النفايات السامة التي تلقى في الأنهار والبحار والمحيطات، ثم تحدث عن عالم الوضوء العجيب. وتناول القسم الرابع الغذاء، والذي ضم عدة موضوعات منها: أطعم عائلتك، حدائق الغذاء الحضرية والريفية، وتحدث عن دور المزارعين الخضر، والذبيحة الخضراء، والطعام الحلال الأمريكي الذي سيشكل مستقبل الغذاء في أمريكا.
الكون كتاب رائع
يضم الكتاب العديد من القيم الإسلامية التي تخص البيئة والعناية بها، فالإسلام أولى عناية فائقة بالطاقة وأهميتها، ففي قوله تعالى "والله الذي أرسل الرياح فتثير سحابا فسقناه إلى بلد ميت فأحيينا به الأرض بعد موتها كذلك النشور" ( فاطر 9)،فالرياح هي التي تثير السحاب الذي ينزل المطر الذي ينبت الزرع ويخرج الغذاء، كما أن الرياح تسير السفن في البحار، إشارة إلى قوة طاقة الرياح. وإلى الله وحده يرجع الفضل في إرسال الرياح وإنزال الماء العذب من السماء ولو شاء الله لجعله ملحا أجاجا. والله أخرج لنا النبات والزرع المختلف الأشكال والألوان لغذائنا ولكنه أمرنا ألا نسرف في الغذاء وليأكل كل منا حسب طاقته، ولو امتثل جميع البشر لقاعدة الاعتدال في الطعام والشراب لما وجد جائع واحد على ظهر الأرض.
ويأمرنا الرسول صلى الله عليه وسلم بالأكل مما يلينا، وينهى عن الأكل من وسط الطعام، ويعتقد عبد المتين أن هذا الحديث ربما يكون فيه دعوة ضمنية لشراء المواد الغذائية المنتجة محليا باعتبارها الأقرب إلينا، وليس فقط الأكل من الطبق الأقرب.
وتعاليم الإسلام كلها تؤكد على التناغم مع الكون وحماية البيئة، فالتوحيد يجعلنا ندرك أن الله هو خالق كل شيء صغيرا كان أم كبيرا، وكأنه يدعونا لاحترام جميع المخلوقات وكل ما في الكون مهما صغر حجمه، وحتى لو كنا لا نراه بالعين المجردة.
كما يدعونا الإسلام للتفكر في الكون والخلق، والعديد من الآيات تحثنا على التفكر والنظر للجبال والأشجار والبحار والأنهار، وكأنه يدعونا للحفاظ على هذه الأشياء وحمايتها من العبث والتلوث وليس فقط مجرد المشاهدة، فالتفكر يقتضي منا فهم أهمية هذه الأشياء لنحافظ عليها حتى تظل على جمالها وبريقها الذي خلقها الله عليه والرسول صلى الله عليه وسلم يشير إلى أن الدنيا حلوة خضرة.
أمانة الاستخلاف
يؤكد الكتاب كذلك على حقيقة الاستخلاف، فمعنى الدين الأخضر أن الله خلقنا من تراب الأرض، لذا يجب علينا أن نفعل ما في وسعنا للعناية بالأرض وما عليها والتعامل السليم مع خيراتها لنحقق معنى الاستدامة. كما أننا بمقتضى الاستخلاف سنبعث بعد الموت لنحاسب عما قمنا به مع أنفسنا أو مع الآخرين وكذلك مع الكون من حولنا.
وهناك أيضا قيمة الأمانة التي اختارها الإنسان وهي أمانة الاستخلاف، وينبغي على الإنسان أن يكون مسؤولا عن هذه الأمانة وسيحاسب عليها. فالأرض لم يخلقها الله للنهب والتدمير والإفساد، بل لرعايتها وحماية ما عليها من نباتات وكائنات.
ويؤكد الكتاب كذلك على قيمة العدل، فمعنى الدين الأخضر يقتضي منا التعامل مع العالم وفق مفهوم العدل، والخطوة الأولى في هذا السبيل إدراك حقيقة أن أفعال البشر قد ينتج عنها إفساد للبيئة، والخطوة الثانية تتمثل في العمل على الحد من هذا التأثير السلبي.
وكما يرى الإمام زيد شاكر العالم الأمريكي المسلم، فإن لفظ الفساد في قوله تعالى "ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس"، يعني التلوث. فالفساد حسب هذا المعنى يتضمن جفاف الأمطار، اختفاء الأسماك من البحار، تلوث الهواء والماء، وغيرها من المعاني ذات الصلة بالبيئة. والآية تؤكد أن كل ذلك من فعل البشر ونتيجة لسلوكياتهم، "ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها"، وبالتالي فالإسلام كما يؤكد عبد المتين في كتابه يدعونا للتوجه نحو اقتصاد عادل بأسلوب عادل، وأن نبتعد عن الاستغلال الوحشي للأرض والبشر، والعيش وفق مفهوم وفرة الموارد التي ينبغي علينا مشاركتها بالعدل، لا وفق مفهوم ندرة الموارد الذي يجعلنا نتقاتل عليها.
أما القيمة الأخيرة التي يؤكد عليها الكتاب فهي قيمة الميزان أو التوازن. فالدين الأخضر يوجب علينا إدراك حقيقة التوازن الإلهي، فالقرآن الكريم يؤكد على أن الله وحده هو الذي وضع الميزان، أي جعل في الكون توازن محسوب ويدعونا لعدم الإخلال بهذا التوازن "والسماء رفعها ووضع الميزان¤ ألا تطغوا في الميزان¤ وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان" (الرحمن 7-9)، وبالتالي فما يقوم به البشر من تلوث وإسراف واستغلال يدمر كل هذا التوازن، وينبغي علينا العمل على استعادة التوازن في هذا الكوكب.
المسؤول عن الكوكب
يعتبر عبد المتين نفسه مسؤولاً عن كوكب الأرض، لذا يشكل العمل على حماية البيئة أسلوب حياته، فهو يحيا من أجل هذا الهدف، ففي كل خطوة من خطوات حياته المهنية يشعر بارتباطه الشديد بالكون من حوله، يقول عن نفسه "لقد ولدت أثناء عاصفة ثلجية عنيفة، وأحب كل فصول السنة لأن كلاً منها يأتي بمتعته الخاصة. أحب القطط والعناكب، لذا تعتبرني زوجتي مجنونا حينما أتحدث إليها. كوكب الأرض هو بيتي الكبير وهو بيتكم كذلك، ومعا يمكننا حمايته واحترامه. فتقديرنا للأرض هو انعكاس لتقديرنا لأنفسنا، لذا فإني دائما أحب السير على الأرض كما أرادني الله".
يبلغ إبراهيم عبد المتين ثلاثة وثلاثين عام، فقد ولد في يناير 1977، وهو مواطن أمريكي مسلم، يعمل مستشارا للسياسات البيئية المستدامة في مكتب رئيس بلدية مدينة نيويورك. بدأت علاقته بالبيئة منذ طفولته المبكرة، حين كان يأخذه والده مع العائلة في الصيف لزيارة أقاربه في فيرجينيا، وأثناء الطريق كان يصطحبه للغابات ليتمكن من إقامة علاقة أفضل مع الطبيعة.
قبل هذه الرحلات كان يعتقد أن العالم كله عبارة عن مبان خرسانية، ولكنه بعد عدة رحلات تعرف على جمال الطبيعة، وشعر بارتباطه الأصيل بالكوكب. وفي إحدى الغابات توقف والده لصلاة الظهر، فسأله وأين المسجد الذي ستصلي فيه؟، فأشار إلى الأرض وقال له الأرض كلها مسجد، وفي هذا اليوم تعلم أن الأرض كلها مكان مقدس وطهور وينبغي على كل مسلم أن يحافظ على إبقائها طاهرة ونظيفة.
وحين أصبح شابا يافعا، أخذ على عاتقه مهمة حماية الأرض، وبعد تخرجه من جامعة رود آيلاند عام 1999، عمل عبد المتين في منظمة "أورتوارد باوند" بولاية ماساتشوسيتس، وهي مؤسسة غير ربحية تهتم بالحياة البرية، وقد كان لها أعظم الأثر في تكوينه الفكري، فقد كان أحد مبادئ العمل في هذه المؤسسة "ترك المكان أفضل مما كان"، وبالتدريج أدرك عبد المتين أن هذا المبدأ ينطبق أيضا على دوره كخليفة لله على الأرض.
وبعد عودته إلى نيويورك، قدم برامج للشباب في إطار تحالف لحماية البيئة في بروكلين، وفي نفس الوقت ساعد على تأسيس أكاديمية بروكلين للعلوم والبيئة التي تحولت اليوم لمدرسة ثانوية ينتظم فيها مئات الطلاب سنويا. وخلال شهر رمضان الماضي أطلق عبد المتين حملة بعنوان "30 يوماً من الدين الأخضر"، والتي دعا فيها للحفاظ على البيئة والقيام بإعادة التدوير، وممارسة الانضباط الشخصي على أنماط الاستهلاك والعادات المسببة لتلوث البيئة، تماما كما ينجح المسلم في ضبط نفسه خلال النهار على تحمل الجوع والعطش.
دعوة لإنقاذ الأرض
لا يقتصر اهتمام عبد المتين بالبيئة على هذا الكتاب فقط، بل يدعو لتنظيم حركة عالمية لإنقاذ الكوكب على أساسي ديني، فيرى أن المسلمين بحاجة لأن يتعلموا ويعلموا غيرهم القضايا والحلول. فطريقة إدارتنا للعناصر الأساسية للحياة تشكل حضارتنا، وينبغي علينا العمل على جعل مؤسساتنا أكثر مسؤولية، والبحث عن أفضل السبل لتقديم الماء للعطشى، والطعام للجوعى، والطاقة للإنتاج، ونعيد تدوير نفاياتنا، ونخفض من تأثيراتنا السلبية على هذا الكوكب، فالجميع يتحمل مسؤولية حماية الكوكب.
شارك عبد المتين في تأليف كتاب عن تنظيم الشباب ومستقبل النشاط السياسي في الولايات المتحدة، وهو يكتب أيضا في العديد من المجلات المتخصصة في شؤون البيئة، والمجتمع المدني. ونتيجة لنشاطه البيئي تم تكريمه من قبل مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية "كير" في مايو الماضي. وفي نفس الشهر أقام ورشة تفاعلية للطلاب في "بيت الإيمان" بمانهاتن، حول علاقة الإيمان بالبيئة، استخدم فيها أساليب تعليمية غير تقليدية، وضمت الورشة طلاباً من ديانات مختلفة.
وتتعدد أنشطة عبد المتين مع الطلاب، ففي أبريل الماضي أطلق أسبوع التوعية عن الإسلام بجامعة أوهايو، حيث دعا الطلاب المسلمين للعمل من أجل البيئة. ويهدف الحدث لفتح حوار حول الإسلام والمسلمين بين الطلاب داخل الحرم الجامعي. وخلال هذا الأسبوع شجع عبد المتين الطلاب على التفكير في كمية النفايات التي يخلفونها، وكمية المياه التي يستخدمونها، وشجعهم على ابتكار أساليب للحد من كل منهما.
وفي يونيو الماضي شارك عبد المتين في مهرجان "الشوارع"، وهو مهرجان حضري دولي تنظمه شبكة "إنيرسيتي" للعمل الإسلامي، شارك فيه 20000 مواطن، وقد ألقى عبد المتين كلمة أمام حشد من الأمريكيين الذين حضروا المهرجان تحدث فيها عن الإيمان والبيئة، وإعادة التدوير.
كما تم تكريمه من قبل مكتب رئيس مانهاتن "بورو" خلال شهر رمضان الماضي أثناء حفل الإفطار السنوي، وجرى الاحتفاء بعبد المتين على أنه ناشط بيئي، يقدم نموذجا طيبا لجميع الأعمار والأديان، وأقيم الاحتفال في قاعة "أودبون" حيث اغتيل الناشط الإسلامي مالكوم إكس.
قصة الكتاب
يروي عبد المتين قصة تأليف الكتاب، فيقول إن ما ألهمه فكرة الكتاب امرأة مسنة التقاها عام 2008 في أحد المؤتمرات ضم جمعاً من نشطاء البيئة، فسألها عن رأيها في تغير المناخ، فقالت : "أعتقد أن الديمقراطيين يريدون تخويفنا من تغير المناخ، تماما كما يفعل الجمهوريون بتخويفنا من الإرهاب!"، وفي هذه اللحظة أدرك عبد المتين أن كثيراً من الناس يعتقد أن تغير المناخ مجرد دعاية سياسية. لذا قرر أن يقوم بدوره كمسلم في توعية المسلمين وغيرهم بأهمية الحفاظ على البيئة من منطلق إيماني.
فالمسلمون بحاجة للشعور بأن الحفاظ على البيئة واجب تمليه الشريعة، وأنه يجب أن يحتل أولوية كبرى في حياتهم، فينبغي عليهم الدعوة للحفاظ على نقاء المياه وترشيد استخدامها، وسلامة البيئة لأنهم أمناء على الأرض، فالإسلام يدعونا لعدم الإسراف في المياه حتى في الوضوء ولو كنا على نهر جار.
فهناك ما يقرب من مليار شخص على وجه الأرض لا يحصلون على المياه النظيفة، ويموت طفل كل عشرين ثانية بسبب تلوث المياه، في الوقت الذي تحتكر فيه شركات تعبئة المياه في زجاجات الماء النقي، لذا يدعو عبد المتين كل مسلم أن يكون سفيرا للبيئة في كل مكان.
تمثلت إحدى التحديات الكبرى التي واجهها عبد المتين أثناء إعداد الكتاب في عملية تحريره. ولحسن حظه ساعدته زوجته فاطمة أشرف في جعل أسلوب الكتاب أكثر جاذبية للقارئ، كما زوده الإمام زيد شاكر من جامعة الزيتونة بإرشاداته حول عملية الكتابة، وقام بتقديم الكتاب كيث إليسون ، أول عضو مسلم في الكونجرس الأمريكي.
ويعتبر عبد المتين أن كتابه هذا مجرد محاولة مبتدئة منه، ولكنه يتضمن دعوة للعلماء المؤهلين كي يهتموا بهذا الجانب ويقدموا كتابات أكثر عمقا حول الإسلام والبيئة.
قناة جرين دين على اليوتيوب
http://www.youtube.com/user/greendeenbook
ساحة النقاش