بقلم: أمل خيري
كان لظهور شبكات الإنترنت الاجتماعية أكبر الأثر في تغيير سلوك المؤسسات والجمعيات غير الحكومية؛ حيث تعددت منصات الدعم والدعوة وحشد الجماهير وتلقي التبرعات، عبر أدوات إلكترونية بسيطة ساهمت في خفض التكاليف من ناحية، وتحقيق الانتشار الواسع للمؤسسات من ناحية أخرى، سواء كانت مؤسسات مجتمع مدني، ربحية أو غير ربحية، أو جمعيات خيرية، أو منظمات غير حكومية.
وعلى الرغم من استخدام العديد من المؤسسات للفضاء الشبكي، ومواقع الشبكات الاجتماعية، وأدوات التدوين وتطبيقات المحمول، فإن هذه المؤسسات لا تقف على قدم المساواة بهذا الخصوص؛ حيث تتفاوت كفاءة المؤسسات في الاستفادة من هذه التقنيات الحديثة، وهو الأمر الذي أدركته مبادرة L2 الإلكترونية؛ حيث قدمت دليلا هو الأول من نوعه لاختبار ذكاء المؤسسة الإلكتروني، لقياس مدى فاعلية المؤسسة في الاستفادة من التكنولوجيا الرقمية في تحقيق أهدافها.
مخزن الإبداع الرقمي
مبادرة L2 الإلكترونية، عبارة عن مخزن أفكار حول الإبداع والابتكار الرقمي، وهي منظمة متعددة الأعضاء، تجمع قادة الفكر معا سواء من الأوساط الأكاديمية أو الصناعية، لتعزيز الابتكار الرقمي والتسويق الإلكتروني، وذلك من خلال إعداد البحوث، واختيار أفضل الممارسات، وقياس الاتجاهات الصاعدة في هذا المجال، وتقوم المبادرة بغربلة التجارب الإبداعية الرقمية وتقديمها للشركاء باعتبارها رأسمال فكري يمكن تحويله لواقع.
وتقوم إستراتيجية مبادرة L2 الإلكترونية على إجراء الأبحاث، وعمل دراسات حالة، وتقديم الاستشارات حول خرائط طريق للعلامات التجارية الإلكترونية، وإستراتيجيات استخدام الشبكات الاجتماعية، ومشروعات تحسين المواقع الإلكترونية.
وفي الثالث والعشرين من نوفمبر الماضي، قامت المبادرة بإصدار أول دليل إلكتروني لقياس مدى فاعلية المؤسسات في استخدام وتوظيف التكنولوجيا الرقمية، وقامت بإجراء دراسة على مائة مؤسسة أمريكية لقياس كفاءتها الرقمية، من خلال عدة معايير وضعها البروفيسور ستيرن جالاوي سكوت وآخرون.
ويعتبر سكوت هو مؤسس هذه المبادرة والأب الروحي لها، ويعمل سكوت أستاذا مشاركا بكلية إدارة الأعمال بجامعة نيويورك؛ حيث يقوم بتدريس إستراتيجيات العلامات التجارية، والتسويق الشبكي، وقد قام بتأسيس مركز أبحاث L2 للإبداع الرقمي، كما شارك في تأسيس شركة Firebrand، وهي شركة تنفيذية ناشطة استثمرت أكثر من مليار دولار أمريكي في مجال التسويق ووسائل الإعلام.
وفي عام 1992 أسس سكوت شركة استشارات إستراتيجية حول العلامات التجارية، قامت بتوظيف 120 متخصص في الولايات المتحدة وأوروبا وآسيا، وفي عام 1997 أسس سكوت شركة "المغلف الأحمر"، وهي شركة إلكترونية تقوم بتصنيف العلامات التجارية في مجال تجارة التجزئة، والتي حققت عام 2007 إيراداً وصل إلى مائة مليون دولار أمريكي.
وقد اختير سكوت للمنتدى الاقتصادي العالمي "القيادات العالمية للغد"، والذي ضم مائة شخص ممن تقل أعمارهم عن الأربعين، والذين كان لانجازاتهم تأثيرا على المستوى العالمي، كما عمل سكوت في مجالس إدارة "إدي باور"، وصحيفة النيويورك تايمز، وبوابة الكمبيوتر، وأمريكا الخضراء، وكلية هاس لإدارة الأعمال بجامعة كاليفورنيا، وقد حصل على شهادة البكالوريوس من جامعة كاليفورنيا، وماجستير إدارة الأعمال من جامعة كاليفورنيا ببيركلي.
ويقوم مركز أبحاث L2 للإبداع الرقمي بنشر تقارير سنوية لتصنيف العلامات التجارية في عدة مجالات تشمل صناعة السيارات، والماركات الفاخرة، وشركات السفر، والصيدلة، ومؤسسات الحكومة والقطاع العام، ووسائل الإعلام، وبطاقات الائتمان، ومتاجر البيع بالتجزئة، كما يقوم بنشر أبحاث ودراسات حول اتجاهات الصناعة، باستخدام التحليل والرسوم البيانية والإحصاءات وتعليقات الخبراء.
مؤشر الذكاء الرقمي
يعتبر مؤشر الذكاء الرقمي هو الدراسة الأولى والأكبر من نوعها، التي تقدم معايير محددة لقياس كفاءة المؤسسة الرقمية؛ من حيث كفاءة الوصول للمؤسسة عبر محركات البحث، والقدرة على الاستفادة من التكنولوجيا الرقمية، وفاعلية الاستفادة من شبكات الإنترنت الاجتماعية وشبكات المحمول.
وتقوم الدراسة على فرضية أن التكنولوجيا الرقمية تلعب حاليا الدور الأكبر في تحديد أفكار الناس وتغيير اتجاهاتهم، وهو ما يجب أن تتنبه له جميع المؤسسات حكومية أو غير حكومية، ربحية أو غير ربحية؛ لذا فقد قامت الدراسة بتقييم مائة مؤسسة أمريكية من القطاع العام، وترتيبها من حيث مدى كفاءتها في استخدام التكنولوجيا الرقمية، كما هدفت لتوفير أداة قوية لتشخيص مواطن الضعف والقوة الرقمية في هذه المؤسسات لمساعدتها في تحديد أولوياتها لزيادة الاستثمار في مجال التكنولوجيا الرقمية.
وقد خلصت الدراسة إلى أن 80% من المؤسسات التي شملتها الدراسة استخدمت على الأقل إحدى الشبكات الاجتماعية، و63% من المؤسسات استضافت المدونات، و20% منها استفادت من شبكات المحمول، ولعبت صفحات الفيس بوك الدور الأكبر في هذا الإطار وكذلك تويتر، والحوارات الحية والدردشة، فكل هذه مجرد أمثلة على كيفية استفادة المؤسسات من الفضاء الشبكي.
وترى الدراسة أن هذه الجهود من شأنها أن تجني الثمار سريعا، ففي انتخابات التجديد النصفي الأمريكية التي جرت في نوفمبر الماضي، تفوق المرشحون الفائزون على منافسيهم في أعداد معجبيهم على الفيس بوك، فتؤكد الدراسة أن 74% من مرشحي مجلس النواب ، و81% من مرشحي مجلس الشيوخ الفائزين في الانتخابات زاد عدد مؤيديهم على الفيس بوك عن منافسيهم من المرشحين، وفي يناير 2010، تلقى الصليب الأحمر أكثر من 24 مليون دولار أمريكي تبرعات لضحايا زلزال هاييتي عبر استخدام الرسائل النصية، ولا ننسى الدور الذي لعبه الفيس بوك وتويتر في الانتخابات الإيرانية.
جاءت وكالة الفضاء الأمريكية (ناسا) في مقدمة النتائج، تلاها البيت الأبيض، ثم منظمة بيتا لرعاية الحيوانات، ثم جيش الدفاع الأمريكي، ثم اللجنة الوطنية الديمقراطية، وصندوق الحياة البرية العالمي للولايات المتحدة.
والقاسم المشترك بين هذه المؤسسات كان كفاءة استخدام تكنولوجيا الاتصال والمعلومات الرقمية والتواجد بفاعلية في الفضاء الشبكي.
معايير الذكاء الإلكتروني
ما يعنينا بالطبع من هذه الدراسة ليس نتائجها ولا ترتيب المؤسسات وتصنيفها، وإنما ماهية المعايير التي استندت إليها الدراسة لتقييم المؤسسات، وكيفية تطبيق المؤشر في قياس ذكاء المؤسسات الإلكتروني، وهو ما يمكن أن نستفيد منه على وجه الخصوص في مجتمعنا العربي؛ حيث يمكننا استخدام هذا المؤشر وتطبيق هذه المعايير لإعداد دراسة شاملة لتقييم المؤسسات العاملة في الدول العربية، سواء في القطاع الحكومي أو غير الحكومي، وسواء كانت مؤسسات تسعى للربح أو مؤسسات خيرية أو غير ربحية.
كما يمكن أن تقوم كل مؤسسة على حدة بتقييم نفسها ذاتيا، من حيث مدى انطباق هذه المعايير على أسلوب عملها، لقياس مدى كفاءتها الإلكترونية والرقمية، وتلمس مواطن الضعف للعمل على تلافيها، ومواطن القوة لتعزيزها، للمضي قدما في سبيل الريادة الإلكترونية.
وأول هذه المعايير يتمثل في الموقع الإلكتروني للمؤسسة، والذي أعطته الدراسة 40% من إجمالي المعايير؛ حيث يقيس هذا المعيار فعالية موقع المؤسسة الإلكتروني، وتقاس هذه الفعالية بمقياسين أساسيين:
- من حيث الوظيفة والمحتوى، وهذا المقياس يمثل 75% من فاعلية الموقع الإلكتروني ويمكن قياس مدى كفاءة الوظيفة والمحتوى من خلال التكنولوجيا المستخدمة في الموقع، وتقنيات البحث والتصفح للموقع، وخدمة العملاء، ومحتوى الموقع ودوره في التعليم والتوظيف والعضوية والشفافية والدعوة وحشد التأييد، والتسويق الإلكتروني وجمع التبرعات.
- من حيث التفاعل مع الجماهير، والتي تمثل 25% من فاعلية الموقع الإلكتروني، وتشمل التصميمات الجذابة والرسائل وسبل التواصل والتفاعل مع الزوار.
أما المعيار الثاني فيتمثل في التسويق الإلكتروني، والذي يمثل 30% من إجمالي المعايير، ويشمل جهود التسويق، وإبراز العلامة التجارية عبر محركات البحث، ويتم ذلك من خلال تقنيات البحث، وعدد زيارات المستخدمين، والبريد الإلكتروني من حيث معدلات الإرسال، والمحتوى وتفعيل وسائل الإعلام الاجتماعية والدعاية والإعلان، وقياس الابتكار في وسائل التسويق الإلكتروني، سواء من خلال الإعلانات أو المسابقات وغيرها، وأخيرا من حيث تكرار الظهور في المدونات سواء بالتنويه أو بإبداء الثقة.
الشبكات الاجتماعية والمحمول
ويحتل المعيار الثالث نسبة 20% من إجمالي المعايير ويختص بالشبكات الاجتماعية، ويقيس مدى حضور المؤسسة على مواقع الشبكات الاجتماعية، وعدد المعجبين والمتابعين ودرجة التأثير في المنابر الإعلامية الاجتماعية الأساسية.
ويتم قياس كفاءة المؤسسة في استخدام الشبكات الاجتماعية من خلال ثلاث مقاييس، الأول درجة استخدام الفيس بوك والذي يشغل 50% من هذا المعيار، بقياس عدد المعجبين أو المتابعين وعدد الإضافات والملاحظات والتطبيقات المستخدمة، ثم يأتي تويتر في المنزلة الثانية ليمثل 25% من المعيار بقياس أعداد المتابعين وعدد الإدراجات ومعدلاتها، ويتساوى معه موقع اليوتيوب في نفس النسبة ويقيس أعداد المشاهدين للفيديوهات المضافة من قبل المؤسسة على قنواتها، وعدد مرات التحميل، وعدد المقاطع المضافة، وعدد المسجلين في قنوات المؤسسة على اليوتيوب.
وآخر المعايير يتمثل في استخدام المحمول، ووضعت الدراسة نسبة 10% لمدى كفاءة استخدام المحمول، لقياس قدرة المؤسسة على استخدام تطبيقات المحمول وبرامج الهواتف وغيرها من الأجهزة النقالة في التسويق، ويتم قياس مدى توافر نسخة للموقع الإلكتروني متوافقة مع الجوال، ومدى استخدام تطبيقات الهواتف الذكية من حيث إتاحتها وشعبيتها وكفاءتها الوظيفية، وأخيرا مدى النجاح في استخدام تطبيقات أجهزة الآي باد في الدعاية والتسويق.
أتمنى أن تتبنى إحدى الجهات مهمة تقييم، أو تصنيف المؤسسات حسب كفاءتها في توظيف التكنولوجيا الرقمية، خاصة بالنسبة للجمعيات الخيرية والمؤسسات غير الربحية ويمكن أن تتم هذه الدراسة على مراحل، أو تقسم حسب الدول، أو تقسم نوعيا، فمثلا تجرى دراسة عن الجمعيات الخيرية في الدول العربية ككل أو في كل دولة على حدة، أو تجرى دراسة عن المؤسسات بجميع أنواعها في دولة ما.
ولتيسير الأمر على الجهات الراغبة في تنفيذ مثل هذا التقييم أُقدِّم المعايير السابقة بشكل أكثر عملية من خلال الجدول التالي:
المعيار |
نسبته |
ما يقيسه |
المؤشرات |
الموقع الإلكتروني |
40% |
فعالية موقع المؤسسة الإلكتروني. |
|
التسويق الإلكتروني |
30% |
فعالية جهود التسويق والتعريف بالعلامة التجارية. |
|
الشبكات الاجتماعية |
20% |
كفاءة المؤسسة في استخدام الشبكات الاجتماعية. |
|
المحمول |
10% |
كفاءة استخدام المحمول. |
|
لتحميل التقرير كاملا
http://www.l2thinktank.com/publicsectordigitaliq/publicsectordigitaliq_f.pdf
لا تنس تسجيل إعجابك بصفحة غراس على الفيس بوك
ساحة النقاش