بقلم: أمل خيري
|
غلاف تقرير وضع الأطفال في العالم 2009 |
تشير الإحصاءات إلى تعرض أكثر من نصف مليون امرأة كل عام للوفاة لأسباب تتعلق بالحمل والولادة ، كما يتوفى 4 ملايين مولود حديث الولادة خلال 28 يوما من ولادته ، وهذه الأرقام المخيفة تشكل تحديا كبيرا أمام الجهود الدولية في مجال الصحة، لذا يركز تقرير وضع الأطفال في العالم لعام 2009 الذي أصدرته منظمة اليونيسيف على صحة الأمهات والمواليد الجدد ويؤكد التقرير أن إحراز التقدم السريع في مجال رعاية صحة الأم والطفل أمر ممكن من خلال البيئة الداعمة ومتوالية الرعاية الصحية ويحدد الإجراءات التي يجب إتباعها من أجل تجنب الوفيات لكل من الأمهات والمواليد .
وفيات الأمهات
تمثل الهدف الرابع من الأهداف الإنمائية للألفية في خفض معدل وفيات الأطفال دون سن الخامسة بمقدار الثلثين بين عامي 1990 و2015 ، وتمثل الهدف الخامس في تحسين صحة الأمهات بمقدار ثلاثة أرباع في نفس الفترة الزمنية ، ونظرا للترابط الواضح بين صحة كل من الأمهات والمواليد الجدد فإن تقرير اليونيسيف يؤكد على ضرورة اتخاذ نفس الإجراءات التي من شأنها الحد من وفيات الأمهات والمواليد ، حيث تتوقف صحة الأم والوليد على عدة عوامل يجب توافرها في البيئة المحيطة بالأم والطفل ومن أهمها الرعاية والاهتمام من جانب المجتمعات المحلية والعائلات للنساء الحوامل وللمواليد الجدد ، كما تلعب الرعاية الصحية دورها في تقليل نسبة وفيات الأمهات والمواليد لذا فإن الدول النامية تسجل أعلى نسب في هذه الوفيات ، حيث تشير تقديرات عام 2005 إلى أن 99% من وفيات الأمهات كانت في الدول النامية كان نصفها في دول أفريقيا جنوب الصحراء وثلثها في جنوب آسيا وشكلت المنطقتان معا 85% من بين الوفيات المتعلقة بالحمل والولادة .
ووفق بيانات 2005 تبلغ معدل المخاطرة التي تتعرض لها حياة امرأة تعيش في دولة نامية وتتوفى نتيجة لمضاعفات الحمل والولادة أكثر من 300 ضعف على هذا المعدل بالنسبة لامرأة تعيش في دولة صناعية مما يعكس تدني مستوى الرعاية الصحية للأمهات في هذه الدول .
وتتمثل أهم الأسباب المباشرة لوفيات الأمهات في مضاعفات التوليد كنزيف ما بعد الولادة والتشنج أثناء الحمل أو الولادة والمخاض المتعثر ومضاعفات الإجهاض وتشير الأبحاث أن حوالي 80% من وفيات الأمهات يمكن تجنبها بإتاحة فرصة وصول النساء للخدمات الأساسية للأمومة والرعاية الصحية ، كما يمكن تعرض الأم للوفاة لأسباب غير مباشرة مثل فقر الدم والأمراض المعدية والطفيلية ونقص اليود الذي يتسبب في وفيات الأجنة والتشوهات ،وفي مقابل كل امرأة تتوفى هناك 20 امرأة أخرى تصاب بالضرر من مضاعفات الولادة.
وفيات المواليد
حسب آخر تقديرات أعدتها منظمة الصحة العالمية فإن 40% من الوفيات دون سن الخامسة تحدث في الأيام الثمانية والعشرين الأولى من حياة المولود و3 أرباع وفيات هؤلاء الأطفال في أول سبعة أيام من ولادتهم و25 :45 % من هذه الوفيات تحدث في اليوم الأول من الولادة.
كما تتسع الفجوة بين عدد وفيات المواليد في الدول النامية والمتقدمة حيث تفوق نسبة احتمال وفيات المواليد في الدول النامية 14 ضعفا لمثيلتها في الدول المتقدمة ، كما سجلت الدول النامية نسبة 98% من وفيات المواليد الجدد وبلغت عدد الولادات الميتة أي المواليد الذين ولدوا موتى 3 ملايين في عام واحد ، وتكشف هذه النسب والأرقام بشكل نسبي عن صعوبة الوصول للأطفال الذين يولدون في البيوت .
وتحدث 68% من وفيات المواليد الجدد نتيجة لعدة عوامل أساسية مثل حالات العدوى الحادة بما في ذلك العفن والالتهاب الرئوي والتيتانوس والإسهال والاسفكسيا وتسبب حالات العدوى نسبة 36% من هذه الوفيات ، وانخفاض وزن المواليد نتيجة الولادة قبل الموعد أو انحصار النمو في الرحم وتشوهات الأجنة بالإضافة لبعض العوامل غير المباشرة مثل الافتقار للتعليم وعدم تلبية الممارسات الصحية لحاجة المواليد وعدم كفاية فرص الحصول على الطعام المغذي وضعف المرافق الصحية ومحدودية الحصول على خدمات الأمومة خاصة الرعاية التوليدية .
وتشير الإحصاءات أنه في مقابل كل مولود يتوفى يوجد 20 طفل يعاني من إصابات وقت الولادة أو مضاعفات ناشئة عن الولادة قبل الأوان.
البيئة الداعمة للنساء والأطفال
يحدد التقرير عددا من الإجراءات الكفيلة بتقليل نسب وفيات الأمهات والمواليد ومن أهمها:
§ تعزيز إمكانية الوصول لخدمات تنظيم الأسرة وتوفير الرعاية الصحية والتغذوية قبل الولادة .
§ العمل على الوقاية من انتقال فيروس نقص المناعة من الأم للطفل .
§ توفير التطعيمات الاعتيادية وإجراءات الوقاية والتي تشمل توزيع الناموسيات المعالجة بالمبيدات الحشرية لمقاومة البعوض وأملاح معالجة الجفاف وغيرها.
§ تيسير الوصول لمياه نقية وإتباع ممارسات أفضل في مجال النظافة العامة والشخصية وتحسين شبكات الصرف الصحي.
§ توفير الكوادر الصحية الماهرة عند الولادة ، والرعاية التوليدية الأساسية بحد أدنى 4 مراكز صحية لكل نصف مليون من السكان.
§ تقديم المعرفة والمهارات الحياتية للحوامل عند ظهور أعراض الخطر وتقديم المشورة التغذوية للأمهات والمكملات الغذائية حسب الحاجة وتوعية الأم بضرورة الرضاعة الطبيعية أثناء الساعة الأولى بعد الولادة وتوفير الدفء للمولود وتجنب تحميمه خلال اليوم الأول من ولادته.
ويؤكد التقرير أن هذه الإجراءات لن يكتب لها النجاح إذا تمت بصورة فردية بل يجب توفير البيئة الصحية الداعمة وإقامة أنظمة صحية ديناميكية تعمل على إدماج كل من البيت والمجتمع المحلي والمراكز الصحية .
وهذه البيئة الداعمة تتطلب احترام حقوق المرأة والطفل والتعليم جيد النوعية ومستوى العيش الكريم والحماية من الإساءة والاستغلال والعنف وتمكين المرأة وإشراك الرجال في رعاية المرأة والطفل ومنع زواج الأطفال.
متوالية الرعاية
غابت البرامج الصحية الملائمة لرعاية الأمومة والطفولة المبكرة من سياسات اغلب الدول خاصة النامية وربما لم تكن واضحة بالشكل الكافي لذا كان توفير البيئة الداعمة للأم والطفل هاما كما أسلفنا إلا أن الأهم هو أن توفر هذه البيئة متوالية الرعاية التي تهدف لتجاوز التركيز على التدخلات الفردية أو المحصورة بمرض معين وتتمثل متوالية الرعاية في كل من الأسرة والمجتمعات المحلية والكوادر الصحية.
فالأسر تلعب دورا هاما في الرعاية فعلى سبيل المثال معظم الأمراض التي تصيب الطفل تكون الأم هي أول من يشخص المرض وهي التي تقدر مدى شدته وعلى أساسه تتوجه لاستشارة احد الكوادر الصحية المدربة كما تقع أيضا مسئولية تمريض الطفل وإعطائه الأدوية الضرورية على كاهل أعضاء الأسرة ، كما أن أكثر من 60% من النساء يلدن في منازلهن في منطقتي إفريقيا جنوب الصحراء وجنوب آسيا وغالبا ما تعود المرأة التي تلد في المراكز الصحية في خلال 24 من الولادة ليقوم برعايتها أفراد أسرتها لذا لابد من رفع مستوى التوعية بالممارسات المنزلية الفردية المحسنة مثل الرضاعة الطبيعية والعناية بالحبل السري والنظافة الشخصية وغسل الأيدي بالصابون والوقاية من التلوث وطرق انتشار العدوى.
كما تلعب المجتمعات المحلية دورا حيويا في متوالية الرعاية الصحية للأمهات والمواليد خصوصا في المناطق المحرومة أو البعيدة عن الخدمات وتعتمد أغلبها على الجهود التطوعية ، وتهدف لتحسين إمكانية وصول الناس للخدمات الصحية وتيسير الاتصال بين الكوادر الصحية والأفراد والأسر وتشجع على تغيير السلوكيات المسببة للمرض.
أما الكوادر الصحية المدربة فتضطلع بمهمة القيام بنشاطات الرعاية الصحية الأساسية والتغذية سواء من خلال الزيارات المنزلية أو في مكان محدد كما تقوم هذه الكوادر بقيادة حملات للترويج لإتباع ممارسات أفضل في النظافة الشخصية كما تضطلع الكوادر الصحية أيضا بتقديم المشورة بشأن الوقاية من انتقال فيروس نقص المناعة من الأم للطفل وتحسين التعامل مع أمراض الطفولة كالملاريا والالتهاب الرئوي وتعفن الدم الذي يصيب حديثي الولادة.
وقد أثبتت الدراسات أن الشراكات المجتمعية في نيبال قد نجحت في تخفيض نسبة وفيات المواليد الجدد بحوالي 30% ، كما انخفضت نسبة 62% من وفيات المواليد الجدد عندما قامت كوادر صحية مجتمعية بتقديم الرعاية المنزلية لهؤلاء المواليد.
تعزيز الأنظمة الصحية
يقدم تقرير اليونيسيف العديد من التوصيات اللازمة لتسريع التقدم في مجال تخفيض وفيات الأمهات والمواليد ومن بين الخطوات العملية التي اقترحها التقرير لدعم متوالية الرعاية السابق الإشارة إليها:
1. تعزيز عملية جمع البيانات وتحليل الاتجاهات والمستويات والمخاطر وأسباب وفيات الأمهات والمواليد وإصابتهم بالأمراض حيث أن توافر البيانات الجيدة عن صحة الأم والطفل يشكل الأساس للسياسات السليمة والبرامج المؤثرة والمشاركات المجتمعية.
2. زيادة القوى العاملة في مجال الرعاية الصحية الأولية في الدول النامية وقد أوصى بحث أجرته منظمة الصحة العالمية عام 2006 بوجوب أن يكون لدى كل دولة في المتوسط 2.28 مهني من الاختصاصيين في مجال الرعاية الصحية لكل ألف من السكان لكي تحقق تغطية تلبي الحاجة للكوادر الصحية الماهرة أثناء الولادة.
3. حشد المجتمعات للمطالبة برعاية صحية أفضل للأمهات والمواليد وتوفير بيئة داعمة لحقوق المرأة والطفل.
4. تأسيس آليات عمل تمويلية مستدامة لخدمات الرعاية الصحية للام والطفل.
5. تشجيع الاستثمار في البنى لتحتية والمرافق الإدارية والنقل والمواصلات لضمان توفير رعاية صحية جيدة النوعية .
6. تحسين نوعية الرعاية في كافة جوانب الأنظمة الصحية.
7. تعزيز الالتزام السياسي من خلال إيجاد مستوى من التعاون أقوى بين الشركاء فقد شهدت السنوات الأخيرة توسعا في الشراكات العالمية المعنية بالصحة ، كما جذبت صحة الأمهات والمواليد الجديدة اهتماما خاصا من جانب الشراكات والمبادرات العالمية ومع ذلك لا يخلو ازدياد هذه الشراكات من التحديات واهم هذه التحديات استمرار التدفقات المالية الداعمة والمعونات لذا فقد شرعت العديد من المنتديات في التصدي لكيفية تحسين فعالية المعونات الدولية واستمرار تدفقها وزيادة قيمة أموال المعونة والعمل مع جميع الأطراف الفاعلة في مجال التنمية .
وعلى الرغم من ارتفاع المساعدات التنموية الرسمية على المستوى العالمي بنسبة 64% في الفترة من 2003 إلى 2006 فإن هذه المعونات بلغت 3% فقط من إجمالي الأموال المنفقة من المساعدات التنموية الرسمية كما تظهر الأبحاث أن بعض الدول تواجه تقلبات حادة في تدفق هذه المعونات خاصة في الدول التي تعتمد اعتمادا كاملا على هذه المعونات ، وهذه التحديات تتطلب التزام جميع الشركاء الأساسيين بالعمل معا على الوفاء بالالتزامات تجاه الأمهات والمواليد الجدد كما تتطلب بناء روابط متينة بين الحكومات والمانحين والشراكات العالمية ومنظمات المجتمع المدني والقطاع الخاص والمجتمعات والأسر نفسها من أجل زيادة فرص إنقاذ أرواح الآلاف من النساء والأطفال.
لا تنس تسجيل إعجابك بصفحة غراس على الفيس بوك
ساحة النقاش