http://www.facebook.com/permalink.php?story_fbid=130600157091523&id=100004246174587مفردات اللغة وحرفية القص ، وتسابق الثراء اللغوي والإسلوب في بلوغ الموهبة عبر منصة الإحتراف القصصي :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عرفت غادة هيكل كاتبة هاوية ناشئة في محاولات لكتابة النص القصصي منذ عام تقريبا ،
وهي ككثيرات من النساء العربيات اللاتي يكوين جراحهن وأوجاع حياتهن اليومية بكاوية السحر المفيد لهن وللأمم وهو فن الكتابة .
فكثيرات إلتجأن للكتابة والإنهماك في القراءة حتى بلغن مصافالأديبات المبدعات وكانت لهن بصمة في الأدب العربي ، حتى رأيت خطوات نهجها تتجه إلى هذا الدرب من الإبداع فسعدت لتقدمها هذا ..
واليوم في رحلتي اللاهثة الباحثة حول كل جديد يمتعني في فن القصة القصيرة والرواية وأحيانا الشعر عبر صفحات الفيس وجروباته المختلفة لفت انتباهي هذا النص : الشهية للكاتبة / غادة هيكل ..
فمنذ أن حاولت أن تكتب غادة وهي تتميز باختيار مفردات اللغة وانتقائها ، وتولد في خاطرها الجملة الأدبية البلاغية قبل أن يولد موضوعها ، وعلى التوازي يولد في ذهنها موضوعات تهمها وتقلق حيرتها تود ولو تخرجها عن مكنونها وترى جزءا منها فيها ، ترى جنون بطلاتها وأبطالها وكسرهم لقيود الواقع في كل جرأة وتحدي بلا حساب سوى حساب النفس والضمير ، وأيضا ترى إنكسار أنوثتها على أعتاب الرجولة المتعددة الأشكال والألوان في فن وئد المرأة على حد عباراتها ذات يوم ،وتتلوّع مع بطلات نصوصها ، وأحيانا تحلم معهن بالفارس المغوار الذي يخطفها من حدود الواقع ويذهب بها إلى عالم الخيال بلا قيود .. فقط يقف عند حدود أنوثتها لتعلمه الدرس الذي لم يتعلمه رجال الواقع والحياة الصاخبة بالهموم والمشاكل والمسئوليات المفرودة ..
واليوم نحن أمام نص من بنات جنون أفكارها المتحررة الذي يعد إسقاطا على مرحلة من مراحل العمر قد سرقت فيها عين الكاتبة لقطات ومشاهد لتعدها اليوم بعد التخمر والنضج لنص يطرح سؤالا صارخا في وجه جبروت الرجل وتحديه بإنفراده حتى في هذا العصر الحديث بقراره .. ليقرر مصير من هم تحت ولايته ، وتضعنا أمام نتائج القرار السلطوي الذكوري لتشعل فينا نار الثورة ضد هذا المتجبر ، وهي تحكي عن قصة لرب عائلة أراد أن يجمع أولاده حوله في منزل واحد .. أولاده الذكور وزوجاتهم ، وبناته الإناث وأزواجهن كلهم في منزل واحد ذات غرف متجاورة ، وهي تلقي كاميرة عينيها القديمة على مشاهد سابقة قد طرحت في ذهنها السؤال الغير مجاب حتى ينضج نصا كهذا ، وتلبس ثوب نصها ( الشهية ) على جسد أنثة بضة بها معالم الأنوثة واضحة صارخة في سن المراهقة ، وهي تتلصص رغم عنها تارة وبإرادة نار الشهوة التي تسري في جسدها تارة لتتسمع محافل ليلات العرس والحب في كل غرف الجوار من حولها وغنج الكل بلا إستثناء ، فما عساها أن تفعل وسط هذا المحفل الجنسي اليومي المقام بلا أجازة ولا رحمة يدق طبول الرغبة من مقربة أذنيها وهي في سن المراهقة ؟،وسماع الحكاوي أثناء النهار ومشاهدة البعض منها بإرادتها أو مباغتة ، وتفاجأ البطلة بالذي كان يتللصص عليها ويرى بعينيه نار شهوتها وهي تتأجج تحرق فراشها ووسادتها ، حتى رآها ذات يوم تتغزل في جسدها بيدها أمام مرآتها ، وكأنه رآها وهي تفعل الرذيلة .. كأنه أخذ الحجة عليها ليجعلها تستسلم له بلا ممانعة ، كأنه قرأ ندائها الذي أعطاه الدليل على أنها ستتجاوب له برضا وتمني ، وصوّرت غادة المشهد في كامل البراعة والتكثيف ، مما أثرى النص وجعله ذات قيمة ..
ولكن الآمانة تقتضي أن نقول : أن النص تميز في لغته السريعة البلاغية المتقنة ، وتميزها في المنولوج النفسي ، وكذا وصف إنفعالات البطلة وأفكارها ، وإتقان عالى القمة وهي تعدي سريعا بلامبالاة على شخصية الأب كبير العائلة والمحفل ، وتلت عنه ما يجب بلا زيادة أو نقصان ، رسمت شخصياتها بإتقان القص القصير الموجز ، ويقول قائل أنها لم تصوّر في نصها سوى الراوي والبطلة ، وأقول لا هذا خطأ ، بل صوّرت في نصها كل الشخوص المشتركة بإتقان القص القصير الموجز المفيد ، وهذا من فنيّات التكنيك القصصي ، وتحكم الكاتب في أدواته جيدا ، ماذا يقول ؟ وماذا يصوّر ؟ ومتى يحذف ومتى يكثف ؟ ومتى يعطي أهمية لهذا ومتي يغفل ذاك ؟ ، والعبارة اللاصقة لدى أذهان البعض : أن التكثيف في القصة القصيرة معني بالسرد والإيجاز في هيكله ، هذه عبارة ناقصة ، لأن التكثيف كما ورد من أقوال هيب لورد وأيضا دريني خشبة وعلى الراعي وجابر عصفور بمفهوم : أن التكثيف يعني حالة القصة واسلوبها وشخوصها ، وطريقة غزلها بطريقة كلية ، وهذا ما أجادت فيه الكاتبة ..
لغة القصة ومفرادات ألفاظها وجملها المعبرة وحرفية القص :
نرى لغة القصة راقية توحي وتنم عن جنس الكاتبة المحبب ( ككتابة بقلم أنثة ) ، متى يعبر الكاتب عن جنسه بشكل حميد مقبول مضيف ( وخاصة كتابات المرأة ) ؟ عندما تقرأ أول حروفها وكلماتها تشعر برقة وحنين ، وتشعر أنك تدعو إلى صدر دافيء به عبق عاطفي خاص ، عندما تشعر أنك إن لجأت إليه قطعا ستنام مع أول مداعبات أناملها لشعرك وحكات يديها على ظهرك ، وإن جعلت رسول ندائها لك إبتسامة أنثوية خاصة ، أو عين بها لهفة وحنين تناديك خلسة عبر شفرات الأنوثة المتعددة ، وهذا ليس شعرا أو كلاما غير علمي مرسل ، فكه إن كان رمزا .. عندما تتجرد الكاتبة من الواقع البغيض المغاير لخيلاتها الخاصة ، وتنسلخ رويدا رويدا على إستحياء عبر شريط رفيع كالجسر الهاو إلى العالم الجني السحري في سحر التعبير والإبداع في عالم الحروف ويبقى منها جزء من العقل الراشد يعرف موضوعه الذي يكتب فيه ، كما قال قسطنطين ستانسلافيسكي في كتابه فن الممثل في باب رد الفعل وباب التركيز للممثل عندما ينغمس في دوره ويتقمص الشخصية قال : يجب أن يحتفظ بجزء من العقل الواعي الراشد الذي يمده بخطوط الشخصية من خلال صور الحياة التي إلتقطتها عيناه في الحياة ..
هنا يتجلى اسلوب الأنثى المرأة لتتكلم بلسانها الحاني المنغم .. تداعب فكرك وحواسك ويكون الكلام مفيد .
وفي مطلع القصة نرى غادة تقول على هذا الذي وصفته عنها سالفا : عاشت مع روحها كالكوب الفارغ، لا يملؤها سوى قطرات دماء لوثت ثوبها الطاهر فأصابها الصمم عن الحق، والبكم عن قول الحقيقة.
سأقاوم نفسي ولا أنجرف مع كل مقطع في النص وكل لفظ فقط سأتكلم عن هذا الجزء ، من أول لحظة تصوّر الكاتبة في إتقان قصصي محترف ، وصفا كاملا عن البطلة وحياتها بعد الواقعة التي تسرد في القصة ، عندما رأت من حياتها الكاملة سوى كوب فارغ لا يملؤه غير قطرات دماء لوثت ثوبها الطاهر ( مع أني أود لو حذفت لفظ ( الطاهر ) أرى أنه زائد ، فاعتلّت بالصمم والصمت عن الحق وقول الحقيقة ، والحق والحقيقة لأول وهلة يترسب في مخيلة القاريء المتعجل ، أنهما يعنيان الحادثة التي جرت وفاعلها ، ولكن الحق والحقيقة التي تشير إليهما غادة في نصها هما الصرخة في وجه المتجبر المتسلط في حياة ونفوس بشر يقرر لهما وفق هواه ، وهذا إتقان .
فتجد أنها وصفت الحالة بأنها كالكوب الفارغ ، لأول وهلة تضع عيناك أمام كوب فارغ ، كي نرى حلاوة وإبداعها في اختيارها لتركيب جملها وألفاظها ثم تؤجل اللفظ الذي دل على ملو الكوب بدماء ملوثة ، لم تقل غادة مباشرة كوب ملؤه الدم الملوّث ولكن من جماليات مغازلة المتلقي في لغة أنثوية خاصة قدمت وأخرت الألفاظ للجمالية والإمتاع .
وفي حرفية القص الشغوفة قريحتها به ، اشتغلت مع نصها والمتلقي في اسلوب مباشر مقتحم لموضوعه ، وهي تبدأ قصتها وعين كاميراتها على البطلة من أول لحظة ، لم تتجول كاميراتها على الفارغ في وصف المنزل ولا وصف الشخصيات ولا وصف الأب وسلوكياته وجزءا من تاريخ حياته ، دخلت مباشرة في صلب الموضوع ، وهذا تكنيك جيد على موضوع تعلم مسبقا البغية منه .
ولكن أتت لحظة التنوير بصاروخ هائل مدمر لأعتى الطائرات والدبابات والنصوص المبنية بشكل محكم في بدايته ووسطه ، وقضت على جزء هائل من روعة النص ، وأقصته من نيل الجوائز والمنافسة ، وهذا عندما تكلمت بشكل تقريري في سطورها الأخيرة عن البطلة ورد الفعل لوصف حالتها : أطفأت نيران جسدها وأشعلت نيران العار الذي لحقها أينما وجهت وجهها ، آثرت الصمت حتى لا تهدم كل الجدران ، فضلت أن تتعايش مع ذلها وخزيها صماء بكماء ، لم تعد تسمع سوى أنين روحها خالية الوفاض ، وآلام ضلوعها التى يسكنها الشوك ،وفراش ملوث لم تعد تستطيع النوم عليه، فافترشت الأرض كى تكبح جماح رعونتها ،ولطخت وجهها بترابها، وجعلت من شعرها الأسود ليلا طويلا حالكا يغطي عيونها الجميلة عن ضوء النهار، فلم يعد لها نهار، ولم تعد لها حياة ولم تعد شهية .
وهذا هو الصاروخ القاتل المدمر ، لو أن الكاتبة بعد إيجازها وتكثيفها المتقن للقاء الجنسي بين البطلة وبين الآخر ، كانت فاجأتنا أن البطلة بعد التفكير فيما حدث والنار الجديدة التي شبت في جسدها وتحريم فراشها على جسدها واختارت الأرض مناسبة لها في جمالية وبراعة من الكاتبة في تحريم فراشها واختيارها للأرض ، لو أنها فاجأتنا بعد تفكير بأنها جرت على المطبخ لتستل سكينا وأغلقت النص على هذه اللقطة ، وتركت النص للمتلقي يرى كل بمفهومه ماذا تفعل بالسكين ؟ .. تشج به بطنها وتتخلص من حياتها ؟ ، ولا تهرع ناحية المتلصص عليها وقرأ خبيئة نفسها بأنها تشتعل بنار الجنس ولذلك كأنه ساومها حتى أخذ منها شرفها ؟ ، أو أنها ستهرع للرجل الأب صاحب السلطة والقرار وحكم عليهم جميعا وحجزهم داخل هذا السور العالي ؟ ، هذه التسؤلات قد تترك في لحظة التنوير ونهاية القصة فعلا مؤثرا إيجابيا لدى المتلقي ، ومع هذا لا يبقى سوى أن أحيي غادة هيكل على مشوارها الإحترافي الذي كاد أن يصل في رحلة كنت متابعا فيها كتابتها مع أول حروفها ، ورايت تطورا يحمد
نشرت فى 29 ديسمبر 2012
بواسطة ghadahekal
عدد زيارات الموقع
25,016
ساحة النقاش