أ. د. سمير المنهراوي

أ. د. عزة حافظ

 

تتفق الآراء والدراسات المتصلة بمنطقة الشرق الأوسط علي توقع حدوث أزمة مائية في الستقبل القريب. ولا يعود السبب في ذلك إلي إختلال المناخ ونقص الموارد الطبيعية، بقدر مايرجع إلي الزيادة المضطردة في عدد السكان ومعدلات الإستهلاك.

والدول العربية الغير نهرية، والتي لا تمتلك مصادر متجددة للمياه العذبة السطحية الطبيعية، تعلم جيداً مشكلتها منذ القدم، ولا يوجد أمامها إلا الإستفادة القصوي بمصادر المياه الجوفية الضئيلة، بالإضافة إلي الإعتماد علي إقامة مشروعات لتحلية مياه البحر، بهدف تغطية المتطلبات الملحة للتنمية المتواصلة.

أما المشكلة الحقيقية فتكمن في الدول النهرية، وهي علي وجه التحديد: دول أحواض نهر النيل ونهر دجلة ونهر الفرات ونهر الأردن، حيث أدي الإرتفاع الكبير في الزيادة السكانية ومعدلات الإستهلاك إلي تقلص نصيب الفرد من المياه العذبة المتجددة سنوياً ( أمطار + مياه سطحية + مياه جوفية ) بدرجة تنذر بالخطر.

وللإستدلال علي حجم مشكلة المياه العذبة المتوقعة لعدد من دول منطقة الشرق الأوسط، نشير إلي إحصائية البنك الدولي الصادرة في شهر يوليو عام 1994 والموضحة بالجدول رقم (1)، حول نصيب الفرد السنوي من مصادر المياه العذبة المتجددة سنوياً لأعوام 1960 و 1990 و 2025، ومقارنته بالمعدلات الأفريقية والآسيوية، وحيث يتبين المؤشرات التالية :

  •        تحظي دولة العراق بأكبر حصة من المياه العذبة المتجددة سنوياً بمقدار حوالي 100 مليار متر مكعب / سنة ( المليار= 1000 مليون متر مكعب )، وهذه الكمية تنشأ أساساً من حصيلة نهري دجلة والفرات، بلإضافة إلي مياه الأمطار والثلوج المتراكمة علي الجبال، والمياه الجوفيه. وبناءاً عليه كان نصيب الفرد عام 1990 من إجمالي مصادر المياه العذبة المتجددة مقدار 5285 متر مكعب / سنة، ومن المتوقع أن ينخفض هذا المعدل ليكون في حدود 2000 متر مكعب / سنة عام 2025.
  •        فيما عدا دولة العراق، والتي تتسم بوفرة مصادرها من المياه العذبة، فإن بقية الدول العربيه تقع أسفل الحد الآمن safe limit لنصيب الفرد من المياه العذبه المتجددة، والمتفق عليه عالمياً أن يكون في حدود 1000 متر مكعب من المياه العذبة / سنوياً للفرد، وذلك بإعتبار ما سيكون عليه الحال عام 2025.
  •         وتقع ثلاث دول عربيه فقط وهي: لبنان – المغرب – مصر، فوق الحد الحرج critical limit  لنصيب الفرد من المياه العذبه المتجدده لعام 2025، أي أعلي من 500 متر مكعب / سنوياً للفرد. وهذا يعني أنه يمكن لهذه الدول الثلاثة أن تغطي إحتياجاتها المستقبلية بالإلتزام الصارم ببرامج ترشيد إستهلاك المياه وحسن إستعمالها.

جدول رقم (1): كميات المياه العذبة المتجددة سنوياً والمتاح إستغلالها بدول الشرق الأوسط وحصة الفرد من المياه حتي عام 2025، طبقاً لتقديرات البنك الدولي عام 1994.

 

 

  • أما بالنسبة لبقية الدول، فينخفض نصيب الفرد بها إلي أقل من 500 متر مكعب / سنة، وبنسب متفاوتة للغاية. لذا كان من الحتم علي هذه الدول أن تقيد معدلات التنمية والزياده السكانيه – بصورة أو بأخري – لتتناسب مع حجم الموارد المائيه التجددة سنوياً، أو البحث عن بدائل إقتصادية لتوفير المياه العذبه، وسيكون تحقيق ذلك أمراً عسيراً مستقبلاً.

          وبسبب محدودية المياه العذبة بالمنطقة، وتفاقم الزيادة السكانية، إشتد التنافس للحصول علي المياه العذبة، ومحاولة السيطرة علي منابعها، وباتت ذريعة سائغة للتوتر والتهديد بشن الحروب.

          وهناك أمثلة كثيرة لنذر التوتر المائي بالمنطقة، مثل تلويح بعض دول منابع النيل بالتحكم في مقدراته، وبما قد يهدد أمن مصر. وأيضاً ما يحدث أعلي منابع نهري دجلة والفرات، حيث إستكملت تركيا مشروعاتها الإستفزازية للتحكم في مصادر المياه، وبدون أدني إعتبار لمصالح العراق وسوريا.

أما إسرائيل، فقد قامت منذ سنوات طويلة "بشفط " معظم مياه حوض نهر الأردن وحولتها إلي منطقة النقب الصحراوية، تاركة خلفها دولتي فلسطين والأردن في مجاعة مياه حقيقية.

وعلي مدي السنوات القليلة الماضية، صدر عدد كبير من الدراسات والمقالات والكتب، وجميعها تدور حول أزمة المياه في الشرق الأوسط، وأبعادها الأقتصادية والسياسية المتوقعة علي المدي القريب والبعيد.

إلا أنه من الملاحظ أن المكتبة العربية تفتقر بشدة إلي توافر الكتب والمؤلفات التي تتناول الوجه الآخر من المشكلة، ألا وهي كيفية المحافظة علي ما لدينا من ثروة مائية طبيعية، وإسلوب تنميتها، وهذا هو لب موضوع كتابنا الحالي.

فالأمر أصبح واضحاً ومستقراً في الأذهان، من حيث أننا نواجه نقصاً حاداً مؤكداً في مصادر المياه العذبة الطبيعية، حالياً ومستقبلاً. فما هي البدائل المتاحة لدينا حتي يمكن مواجهة هذه المشكلة المصيرية ؟.

وتعتمد البدائل المتاحة علي المحاور الآتية:

  • التعرف علي المصادر الطبيعية المتجددة للمياه العذبة.
  • تحديد جودة هذه المصادر وتصنيفها من حيث خصائصها الكيميائية والبيولوجية.
  • العناية بمجاري المياه العذبه وتهذيبها وتعميقها بالقدر الكافي لتفادي وجود المسطحات الواسعه التي ينشأ عنها معدلات بخر عالية.
  • ترشيد إستهلاك المياه العذبة وتعظيم الإستفادة منها كماً ونوعاً.
  • تحديث النظم الزراعية والتركيب المحصولي بما يتلائم مع إحتمالات شح المياه العذبة مستقبلاً.
  • تطوير تكنولوجيات وإقتصاديات طرق تحلية مياه البحر والمياه المملحة.
  • إعادة إستخدام مياه الصرف الفاقدة بطريقة إقتصادية آمنه وبما لا يهدد البيئة.

                 ويتناول المؤلفان مناقشة هذه القضايا الفنية بشئ من التفصيل علي مدي عرض الموضوعات الرئيسية، وذلك بهدف تقديم هذه الموضوعات المتخصصة إلي القارئ العربي بطريقة مبسطة وإسلوب موضوعي.

          ويحتوي الكتاب علي خمسة فصول، يمكن إيجاز فحواها فيما يلي:

          الفصل الأول يوضح نوعية المصادر الطبيعية للمياه العذبة، وطريقة تكوينها، وكيفية إرتباط خصائصها وجودتها بالبيئة المحيطة بها. مع تقديم بعض الأمثلة التوضيحية بالوطن العربي.

          الفصل الثاني يعرض إحتياجات الإنسان الحديث من المياه النقية، ومعدلات الإستهلاك التصميمية، وتقديم بعض النماذج الإسترشادية لمعدلات الإستهلاك المعمول بها عالمياً ومحلياً، والإدارة الحديثة للموارد المائية الطبيعية.

          الفصل الثالث يقدم قدراً وافياً من المعلومات العلمية الخاصة بالخصائص الطبيعية والكيميائية للمياه، والتي تشير في مجملها إلي أن الماء يشذ في خواصه عن بقية المركبات المعروفة للإنسان، وبالتالي فأنه لا يمكن إخضاعه للنواميس والقوانين الطبيعية المعمول بها، مما يجعله متفرداً كأحد معجزات الخالق سبحانه وتعالي.

          الفصل الرابع يناقش إقتصاديات إنتاج المياه النقية الصالحة للشرب من مصادرها المتنوعة، سواء من مصادرها العذبة أو الغير عذبة، وبالطرق التكنولوجية المختلفة. ويتضح أن تكلفة الإنتاج تعتمد علي عوامل متعددة، بدءاً من طبيعة وجودة مياه المصدر، وحتي نوعية التكنولوجيا المراد إستخدامها. ويتبين أنه لا مفر من إعتبار المياه النقية كسلعة ذات أهمية خاصة، ومن الواجب تسعيرها وإخضاعها لآليات السوق من حيث العرض والطلب والمنافسة الحرة، شأنها في هذا شأن المواد الخام الأخري.

الفصل الخامس يشرح بالتفصيل المعايير الإسترشادية – الدولية والمحلية – لنوعية وجودة مياه الشرب الآدمي. وإستلزم الأمر الخوض بعمق في الخصائص الكيميائية لعدد كبير من المركبات العضوية والغير عضوية، وتأثيرها الفسيولوجي علي أجهزة وخلايا الإنسان، تحت التركيزات المختلفة. وجري تقديم أمثلة للدلالة علي خطورة التلوث البيئي علي صحة الأنسان والحيوان والنبات.

***للإطلاع يرجي متابعة مكتبة الهيئة ***

إعداد: خالد شريف وفيق
إشراف: أ. هدي حسني

المصدر: الدار العربية للنشر والتوزيع

ساحة النقاش

مكتبة الهيئة العامة لتنمية الثروة السمكية

gafrdlibrary
عنوان الهيئة: القطعة رقم (210) بالقطاع الثانى-حى مركز المدينة-التجمع الخامس-القاهرة الجديدة- Email: [email protected] »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

2,413,688

اخر إصدارات كتب المكتبة