طريق المستقبل

المستقبل لا يبدأ من الغد و إنما يبدأ من اليوم

إن العلماء مثل أي نمط من الأنماط البشرية فيها تناقضات وتشابهات داخل هذه الفئة ، فنجد من هو زاهد ومن هو مستمتع بالحياة ومن هو نابغ من البداية ومن  ظهر نبوغه متأخراً ومن هو يميل للمنهجية  في البحث ومن يؤمن بدور الانبثاق الفجائي للأفكار .

ولكن من دراسة العلماء وحياتهم وأسلوبهم في التفكير يمكننا أن نرصد بعض الصفات المتشابهة التي تجمع لحد ما بينهم مع الوضع في الاعتبار دائماً الاستثناء أي أن لكل قاعدة شواذ. كما أن هذه الصفات هي الحد الأدنى من الصفات التي تميز العلماء مشتركين وأن ما وصلوا إلية من نتائج جاء من عدد لا حصر له من الصفات التي تميز كل واحد فيهم .

أولاً : العناصر الأخلاقية

المقصود هنا ليس الأخلاق النمطية للمعيشة اليومية والسلوكيات الاجتماعية للعالم ولكن المقصود الأخلاق التي تحكم العالم في اشتغاله بالعلم .

من الخطأ أن نربط بين العالم في مجال عملة وبين حياته اليومية ذلك لكونه إنسان يمكن أن يكون له خصوصياته ونزواته. فنحن هنا نقصد الموضوعية وهى هنا معناها كل ما يحيط بشخصية العالم الأخلاقية من ناحية كل ما يتصل من قريب أو بعيد بعملة بالعلم .

1) الروح النقدية

حيث أنه من المهم لدى العالم أن يتسم بالروح النقدية في انتقاد وتفسير الآراء والمسلمات الشائعة، وأن ينتقد نفسه ويتقبل نقد الآخرين وأهم جوانب الروح النقدية :-

1-  اختبار آراء الآخرين سواء كانت فردية أو شائعة وعدم الاقتناع إلا بما قد مر على عقلة وتم تفنيده والتحقق منه واختبار مصدافيتة أياً كانت مصدر هذه الآراء والضغوط سواء نفوذ سلطه أو آراء شعبية. ومن أكبر الأمثلة على ذلك جاليليو ومبدأ دوران الأرض حول الشمس الذي أودى بحياته وكذلك باستير وانتقاده لمبدأ التوالد الذاتي للميكروبات ولولا وقوف هؤلاء العلماء وغيرهم لما تقدم العلم إلى الآن .

2-  النقد الذي يقوم به العالم للآخرين لا يستثنى منه نفسه وهو ما يعرف بالنقد الذاتي وهو أن يقوم العالم بالنظر إلى عملة بعين نافذة محاولاً معرفه العيوب وما سقط فيه من أخطاء وهذا أصعب من نقد الآخرين وذلك لآن النقد الذاتي يتطلب شجاعة في الاعتراف بالخطأ الذي في بعض الأحيان يكلف العالم ضياع سنوات من الجهد في تحقيق هذا الرأي المنتقد.

3-  تقبل النقد بروح طيبة من أهم الصفات التي تميز الروح النقدية إذ أنه لابد أن يستقر في الذهن أن أي عمل ينقصه الكمال وحقيقي أن الحقيقة العلمية عند الوصول لها تصبح ثوابت يتم الاتفاق عليها ولكن إلى أن تصل هذه المرحلة فهنالك الكثير من التحاور والجدل والنقد الذي يحقق للعالم تغطية كل جوانب الضعف لذا كان يجب أن يتميز العالم بالروح النقدية الايجابية في تقبل نقد الآخرين .

2) النزاهة

والمقصود به هنا نزاهة العالم في عملة من ناحية نقده لنفسه وللآخرين وتقبل النقد ، وكذلك نزاهة في الغاية الذي يسعى من أجلها في أشتغالة بالعلم . فلقد قسم أفلاطون أنماط الناس إلى من يسعى للمال ومن يسعى للشهرة دون سعى للعلم والحقيقة وهذه النقطة من أهم النقاط أي أن العالم لابد أن يكون سعيه الرئيسي الوصول إلى العلم والحقيقة وأن تكون لذته بهذه الحقيقة تفوق لذة أي ربح عادى .

ونحن هنا لا نغفل دور المال في حياتنا سواء في تيسير المعيشة أو حتى تيسير وسائل البحث نفسه ولهذه الأسباب نجد هجرة العقول إلى الخارج ، وإذا كان السبب الثاني هو الأهم لذا إذا توافر للغالبية منهم ما وجدوه من احترام للبحث وإمكانيات عادوا لأوطانهم . أما مبدأ الشهرة لا تستطيع إغفاله فإن العالم يسعى إلى الشهرة ولكن من وبين العلماء فإن غاية ما يسعد أي عالم ثناء عالم آخر على عملة

أما الكسب المادي للمادة فمن يسعى لذلك في الغالب إنسان يشتغل بالعلم لا يحمل في ثناياه روح عالم بل متاجر بحرفة يمتهنها .

3) الحياد

وهى من أهم صفات الموضوعية التي تلخص أخلاق العالم  وهى بالمعنى الحرفي عدم الانحياز الموضوعي لآي طرف من أطراف النزاع الفكري أو العلمي دون الاقتناع بالمبدأ ونقده وتفنبده جيداً للوقوف على المميزات والعيوب واستخلاص الحقائق منه .

ثانيا : ثقافة العالم

وهى تعنى هنا الوعي الأجتماعى السياسي الذي لابد أن يتحلى العالم به في منظومة العلم الحديثة بعد تخلى العالم عن مبدأ العلم للعلم في العصور القديمة إلى مبدأ السيطرة على الطبيعة في العصور الوسطى وأخيراً مبدأ السيطرة على النفس البشرية والقوى الطبيعية .

وهنا يمكن تقسيم الثقافة لدى العالم إلى مستويان الأول معنى بمجاله والثاني معنى بالمعرفة الإنسانية و نجاح العالم يأتي بكيفية الربط بين هذين المستويين وحدوث التناسق في جميع عناصر شخصيته .

المستوى الأول

وهو مدى ثقافة العالم في مجال تخصصه الذي أصبح الآن في ظل الثورة المعلوماتية والإمكانيات البحثية المتوفرة شيء لم يعد سهلاً. بل إن التخصص أصبح في أدق التفاصيل حيث أن فروعاً في أحد مجالات العلم في السابق أصبح الآن وحدة عدد من العلوم المشتغلة التي لها أفرادها المتخصصون وأن شدة التخصص وضعت العالم في وضع صعب وأن علية الاهتمام حتى لا يتأخر في مجاله ولا يعيق أبحاث غيره وكذلك علية أن يهتم بباقي فروع المجال الذي يدرسه كعلم البيولوجي مثلاً وهو متخصص في الخلية وعلية الإلمام بالكيمياء والنظريات الطبيعية والوراثة وغيرها من العلوم المكملة ذلك حتى لا يفقد قدرته الأبتكارية ولا يصبح خاوياً من علوم قد تكون بالأهمية بما كان في مجال تخصصه.

المستوى الثاني

وهو المعنى بالمعرفة الإنسانية أي على المستوى الأنسانى العام إذ أن إغفال هذه الثقافة تجعل العالم أداه فنية معقدة وليس إنسان وتوسع الفجوة بينه وبين الإنسانية ويفقد التمييز بين ما هو مفيد وغير مفيد مما يؤدى بأبحاثه إلى مستنقع من اللأخلاقية . لذا كان علية السعي لهذه المعارف الإنسانية ليترك دائماً النافذة مفتوحة بينة وبين الإنسانية وإن كان هذا أمراً شديد الصعوبة في ظل المسؤوليات والمعارف العلمية المتخصصة الذي هو مطالب في الأصل بمعرفتها والقيام بها ولكن نجح كثيراً من العلماء في القيام بذلك بل أن هذا أفادهم في أبحاثهم حيث كانوا يعودون لها بذهن صافى .

المصدر: د. عماد الدين يوسف محمود -أستاذ مساعد- مركز البحوث
  • Currently 204/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
58 تصويتات / 3343 مشاهدة

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

60,816