أحبكَ أيها الراحل الكبير
فراس حج محمد
هـــا هـــو آخر يــومٍ في هذا العام، يستأذن البشرية بالرحيل، هو آخر يوم في مفكرة العشق الجميل والذاكرة الحية الثرية التي لا تموت ولا ينضب لها فكر وفتنة، تطوى على رؤيا كانت حلما وأصبحت سر الدقائق والزمن.
تصطرع في المخيلة صور وذكريات، مواقف وحكايات، صبابات وغوايات، جنون ومجون، انكسار وضعف، قوة وتحدٍ، إرادة وصلابة، انهيار وانهمار، وقوف ووقوع، عقل وعاطفة وقلب، كلها كانت إرثا وجدانيا مبهرا، تلفه سنة 2013 وتغلفه بأردية الحب الناعم الشفيف، وتسلمه إلى سنة أخرى، لتظل شعلتنا مضيئة ما دام الزيت في مصابيح أرواحنا.
ها هو آخر يوم ينقص رويدا رويدا، أراه لا يطيب له البعد والابتعاد، هل كنت أيها العام مريرا؟ ألم تشبع من انتكاساتنا أم أعجبك أننا كنا العاشقين المولهين الذين ملأنا الدنيا وأشغلنا الناس؟ فهل حقا كنا كذلك؟
ربما أيها العام كنت لي محطة مختلفة، كنت بهيجا، كنت رحيما، لم تقس عليّ، لا أحب لك الانتهاء، علمتني فيه الصبر والحكمة، وأعطيتني فيه اكتمال الأربعين، عمر النضوج والوحي والسفر الروحي، أعطيتني ما لم تعطه لأحد، كنت صديقي أيها العام الجريح!!
ها أنت تبكي، أكاد أسمع همهماتك وزفرة أحشائك، تلفحني حرارة أنفاسك، وقد آلمك ما آلم الكثيرين، هل كنت يا صديقي سبب المصائب والجنون في عالم ناسه لا يرحمون ولا يرعون، لقد وعدتنا في بدايتك أن تكون خيرا، ولم تخلف لك وعدا، ولكن من عاش فيك لم يكن يعرف للخير محلا، فقد حمّلك المجرمون العتاة الطغاة الخطايا والأوزار وأنت منها بريء براءة الشمس من دماء الأصيل.
كنت وما زلت أيها الراحل الجليل صديقا، ألم تترك فينا نفسك؟ فكيف بنا أن نكرهك، أنكره أنفسنا. إني أحبك، ولكن لن أرثيك فأنت مت من على مفكراتنا وأجندة أعمالنا لكنك باق مقيم فينا جزء من كياننا!!
تكلم أيها الراحل الجميل، لم يبق كثير وقت، ادفع بالتي هي أحسن، فنحن لم نكن نستحق فرصتك، والله إننا نحن الخونة، ولست أنت، أحبك أيها العام الذي كنت صديق أعمارنا ثلاثمئة وخمسة وستين يوما، أحبك أيها 2013.