القصة وما أدركم ما القصة!
فراس حج محمد
القصة ليست كاملة، ولكنها محتملة في تَنَقُّصِها من أطرافها، فقصة القلب ليست كأية قصة، إنها قصة القلب الذي سكنه الحنين وأبكاه الأنين، يا لعزاء القلب في لغة لا تستقيم إلا على نار الوجع!!
القصة ليست كاملة أو مكتملة، وليس بوسع اللحظة أن تعطيَها الكمال المطلوب منها، لأن شخوصها لا يبحثون عن الكمال الملائكي المهيب، بقدر ما يبحثون عن نقصهم العجيب الكامل في إنسانية تجعلهم أحرارا من كل هاجس وألم.
القصة ليس قصة متواردة في خواطرها أو متشابهة في أحداثها مع صور وأحداث وأغنيات وحكايات، قصة لها أبجديتها التي صُنِعت من مسامات الجلود الملتهبة التي تقرحت في مقعدها منتظرة أيامها أن تأتي، وكأنّ ذلك المسمى انتظارا سيطول أكثر، فتزداد الجلود تقرحا!
القصة ليست وهما كاملا أو حقيقة كاملة، ولا هي بين بين، هي قصة أخرى، ليس لها من الوهم نصيب، وليس لها من الحقيقة حظ، هي قصة غيمة تشكلت بقلبين متصلين بحدقات العيون، فنامت في مدارج الغفوة العلوية لتحلم بأن تصبح رذاذا يروي الصحراء اللاهبة في نفوس المتعطشين للقاء!!
القصة ليست وزن قصيدة يترنم بها صاحبها كل صباح، فترقص محبوبته نشوى بها، وتقول: "يا ألله! ما أجملك يا شاعري!"، وليست مقطوعة نثرية تتناغم بموسيقى الحروف لتكون أوثق اتصالا بأوتار النفوس المشتاقة لعناق الروح الأبدي، إنها ليست قصة لغة احترقت على الشفاه في همسة حبّ صباحية اقتربت من أن تكون شبيهة بالروتين اليوميّ المنتظر ليسعد بها القرّاء المتلهفين ليعرفونا ويقرؤنا أكثر، إنها شيء أشبه بالمعجزة البيانية السائلة في مرايانا كلما تفتح زهر في جوانب حديقة الصباح المنظور!
القصة ليست قصة لسرير اللذة القابعة في أمنياتنا!! وليست قصة البحث عن متعة عابرة على ضفاف جسد عنبري موشى بأزهاره وتضاريسه المائجة على بحر من رحيق وعسل، إنها ليست قصة قطف قبلة تتوزع هنا أو هناك، إنها قصة أخرى بروح أخرى وبوح آخر، إنها قصة السر النابض والحياة المستمرة في جسد الزمن، ليكون لذينك الجسدين المصلوبين في فراش الحلم وصال واغتسال ومتعة روحية مستقرة وأمان مستقر في كل لحظة اشتعال غير مُنْبَتّ وغير مرخيّ في نداء اشتماله واعتلائه آفاق الوجود في كل لحظة وجود!!
القصة ليست هي ذات القصة قبل عامين أو يزيد أو ينقص، فالقصة ليست قصة العمر المتطاول في ابتهالاته لأن تكوني نسمته المفرحة ووردته العاطرة، القصة ليست سنة أو بعض سنة، وليس شهرا أو أسبوعا أو يوما، إنها عصيّة على أن تقاس بمدى طوليّ زمنيّ عرفتك وعرفتني فيه، إنها قصة نجمة سهرت واعتاشت على نور الحب السابح على وجوهنا كلما ائتلق الحب في العينين، وتورد خداك خجلا من جرأتي المحببة على حد زعم القلب!!
القصة وما أداركِ وما أدركم ما القصة! فهي معي وبدوني حاضرة وغائبة صباحا ومساء، هي كل القصة، ولذا لا أحسن أن أستوعب القصة كما تشعر بها المعاني والفكرة، وتعجز اللغة أن تنضد حروفها! فيا لها من قصة عجائبية غرائبية نصفها سلسبيل عذب، والآخر خمر معتق في كؤوس ليست في متناول ثغر يتضور شوقا لرشفة من حياة محتملة مرسومة على شفتيك!
لعلكم أدركتم الآن ما هي تلك القصة، قصة السيدة التي لن تكون إلا لي أغنية ولحنا وجمالا ولذة ونشوة وحنانا وجنونا ومجونا وواقعا وخيالا وذكريات وحكاية ولهٍ يومي لحظيّ متصل ما دام القلب ينبض فيراها في كل أبيضَ ناصع، وفي كل نور جامعٍ إنها هي قصتي وقصة الغد الآتي!!