خوازيق السياسة الفلسطينية (5)
تداعيات مؤرقة في ذكرى يوم الأرض الخالد
فراس حج محمد/ فلسطين
ها هي ذكرى يوم الأرض الخالد تمرّ وفلسطين أرضا وشعبا ينأيان عن الحلم، ليدخلا في متاهات الضياع والبؤس غير معروف النهاية، وقد أجمعت قيادة هذا الشعب الصابر على أن تظل في وهم القيادة سادرة، وترعى الوهم وتربي أحلام الخراب.
ها هي سبعة وثلاثون عاما، وكل يوم تقضم الأرض شبراً شبرا بقانون يتلوه قانون، ولا تحرك القيادة ساكناً غير بعض التصريحات الخجولة التي يتلفظ بها بعض الساسة ذرا للرماد في العيون، نظرا لأن تلك القيادة قد اتخذت من التفاوض المقيت إستراتيجية للضياع والموت، وقتل روح المقاومة في نفوس الناس، وأقنعت نفسها بأن المقاومة السليمة هي خير وسيلة لدفاع الخراف عن نفسها ضد ذئب متمرس في العدوانية ونهش اللحوم البشرية الطرية وغير الطرية، وها هي ترى وتسمع قضم عظامنا بين أنياب الذئاب، فتعرش في الكراسي الورقية غير آبهة بأنة موجوع أو أسير يقبع في ظلام السجن، أو أرض تبتلع كل حين.
ومن عجيب الأمر وغريبه أن تلك القيادة قد قزمت القضية تقزيما لم يكن أحد يتوقع أن تصل إليه، فبعد أن تم التنازل عن أغلب أرض فلسطين لليهود، وإعطاؤهم شرعية وجود على الأرض المقدسة بما يزيد عن ثلاثة أرباع فلسطين التاريخية، أضحت هذه النسبة مرشحة للزيادة الآن لتقبل تلك القيادة بالتفاوض على ما تبقى من الأرض، ولعلها لن تحصل إلا على مزيد من الوهم المفضي للعدم.
ومن غريب الأمر وعجيبه كذلك أن تقوم السلطة الفلسطينية التي غدت دولة فلسطين – ورقيا وحسب- بتذكير الناس في خطبة الجمعة بتاريخ: 29/3/2013 بتحريم بيع الملاك الصغار الأرض لليهود أو لمن يظن أنه سيسربها لليهود، استنادا للفتوى الصادرة عن هيئة من علماء فلسطين عام 1935، والتي حرمت حرمة قطعية بيع الأراضي للحركة الصهيونية، لأن ذلك "عامل مؤثر في إخراج المسلمين من ديارهم، ومنع لمساجد الله أن يُذكر فيها اسمه وساعٍ في خرابها، وفيه اتخاذ اليهود أولياء؛ لأن عمله يعد مساعدة ونصرًا لهم على المسلمين، مما يسبب أذى لله ورسوله والمؤمنين، ما يعني خيانة الله ورسوله"، وقد شددت تلك الفتوى على "تحريم انتقال الأرض لليهود ببيعها وتحريم السمسرة على هذا البيع والتوسط فيه وتسهيل أمره بأي شكل وصورة، وتحريم الرضا بذلك كله والسكوت عنه، لذلك فهو يستلزم الكفر والارتداد عن دين الإسلام باعتقاد حِلّه".
ولكن ألا يحق لنا أن نسأل بعض أسئلة لعلهم يرونها غير منطقية؛ ألا تدخل عملية الاعتراف بإسرائيل دولة في مناطق الاحتلال عام 1948 تحت هذه الفتوى، ليكونوا قد أصيبوا بما تعاموا عنه؟ أم أن تلك الأرض لم تعد فلسطين وليس لنا فيها حق سوى زيارتها زيارات سياحية في الرحلات المدرسية والترفيهية لنتأمل أعمال الإسرائيليين في التعمير والبناء، ولنعود نحدث عن روعة التصميم والإدارة الإسرائيلية؟ وهل يا ترى كانوا أغبياء عندما نبشوا في الوثائق التاريخية ليزيلوا غبار النسيان عن تلك الفتوى؟ أم أنهم يظنون أن الناس أغبياء لا يفكرون؟
لقد جاء يوم الأرض الخالد، ولعل مثلهم مثل الإسرائيليين يريدون مسح الذاكرة الشعبية، فلم تعد تتذكر من فلسطين سوى الراتب الذي يشقون به شعبا كاملا، ليقع هذا الشعب بين مطرقة الاحتلال وسنديان الجوع المفضي لليأس، ليرضى الجميع بفتات الفتات، وأخيرا يرفع الأغبياء عقيرتهم بالصراخ والهتاف منشدين:
فدائي فدائي فدائي |
يا أرضي يا أرض الجدود |
فدائي فدائي فدائي |
يا شعبي يا شعب الخلود |
فهل أبقوا من فلسطين شيئا سوى ظلال باهتة من وطن يتلاشى كقطعة غيم في سماء لاهبة وأرض بور مجدبة، امتصوا خيراتها وأسلموها للعدى؟؟
وأنتم أيها الناس، إلى متى ستظلون صامتين لا تنتفضون، ولا تحركون تلك المياه الآسنة؟ أم أن اليأس عشش في الأفئدة، وأصاب الأرواح الوهن؟ لعمر الحق إن الأمر خطير والمسؤولية كبيرة، وسنحاسب جميعا على تقصيرنا، فإن لم نكن نخشى عذاب الله، فلننتبه إلى ما ستقوله عنا الأجيال القادمة أولادنا وأحفادنا، فهل سنتركهم في فم الغول، وندعي أنهم أعز علينا من أرواحنا؟ فإن كانت لنا بهم صلة محبة فلنعمل على إنقاذهم من أنياب الذئاب المفترسة!!