قهوة بنغمة صوتها العذب!!
فراس حج محمد
وأخيرا جاء صوتها صافيا شفافا جميلا رائعا حاملا كل شوق لتراني وأراها وقد اكتملنا في دائرة الحب المتصل، لتقول ما كان ينبغي أن تقول، جاء صوتها شهيا رقراقا كماء جدول منساب بين الحقول المنتشية بنسائم الصباح، جاء صوتها ليعلن بداية طقوس جديدة مجدولة بعناق القهوة كما يحدث عادة معي ومعها كل صباح.
وأخيرا، جاء صوتها لتكون أقرب، فتزيد قربا على قرب، إنها الآن في متناول مسمعي كل ثانية، إنها في الرحاب تتجول في النفس والعقل والروح كما ينبغي لها، فقد فتحت لها قلبي وعقلي، ووهبتها روحي، فكانت أمنيتي وغدي وحاضري وأبدية مطلقة مفتوحة على كل توقع من أمل نسجته خيوط أيد ماهرة، فلن تكون خيوطا وهمية، فليس هناك ما هو أصدق من القلب وأحاديث النجوى الداخلية، فما زلت أنا وأنت نصدق دقة القلب التي شرحت بدفقتها الحارة حبا طاهرا ملائكيا مقدسا، وأنا كما عهدتني أصدق القلب وأتبعه، ليس وهما أو مرضا أو تخيلات نفسية بل لأنه هو إحساس لن يكذب أبدا.
وأخيرا، جاء صوتها مصاحبا لقهوتها، لتضيف لطقوسها بندا جديدا في سفر الحب المفتوح لكل فرح وزهرة نرجس تفوح باسمها وتغني عنها ولها أعذب الأغنيات، جاء الصوت سحريا ساحرا مسافرا في المطلق ليقول بنعومته ولطافته وهو يسري في أعصابي هامسا "أحبك"، كان شبه صوت موسيقي رنان شجي، مشحون بالغرام إلى غايته القصوى الدالة على ما كنت أتوقع وأشتاق.
وأخيرا، جاءت ببراءتها محملة عبر الأثير في تموجات صوت قوي رنّان كأنه نقرة عود أو تناغم كمان يلامس الأوتار برفق لتخرج الألحان عذبة منسابة بحنان لتزرع الأحلام نجوما في وسائد اللقاءات المرتقبة، جاء الصوت، وجاءت، وهلّ لتكون معي قولا لقول مواجهة تفرغ في فؤادي شجوها وحنينها.
وأخيرا جاء صوتها في موعده، حيث انتقت اللحظة التي لو تأخرت أكثر لتماست الأعصاب وتلفت وأصابها العفن، جاءت على قدر كالقدر، جاءت في موعد الصباح كأنها الصباح جاءت بجمالها وعطرها الذي تسرب إلى الذاكرة، فصوتها له ذلك القبس المسمى نورا، وتلك الفيزيائية المسماة عطرا، جاءت لتقول: ها أنا بين يديك فاكتمل فيّ، ولأكتمل بك، لنصبح حرفا واحدا نخطه في أول قصيدة تبدأ بحروفنا المتشابهة، كيف لم أفطن أن بيننا تشابها في الحروف؟
يا لله كم كانت تستذكر أشياء وتصنع أخرى، وتعد المفاجآت، مفاجآت كتلك التي صنعتها في إحساسات القهوة وطقوسها، لتجعلني أشعر معها ومع قهوتها بأنها ملهمة ذكية وجامحة وجامعة لكل مطلب روحي ونفسي وعقلي، كانت وما زالت وستبقى أنثى بطعم القهوة، وقهوة برائحة الأنثى، أرتوي منها كلما كتبت حروف اسمها لأقول لها: "ها أنا هنا، لم أبرح المكان، أنتظرك، فأين أنت؟"
هذه المرة تأتي إلي بصوتها لتشبع بعض رغبة مسكونة لسماعها، تأتي لتعانقني وتلثم الشفاه بصوتها الشفاف، تأتي إلي وهي عازمة على البقاء، تستأذن هذه المرة ليس تهربا ولكن لتستجمع قوافي قلبها لتعود أنضر وأجمل وأبهى، تتركني وأنا أحدق في صوتها لأراها فيه، فتاة بارعة كاملة مشتاقة محبة تسكن أعالي النور، متحدرة إليّ تمد يدها لتمسك بي، تخطفني من ذاتي ومن كل ما حاولي، وتمسك بصوتي كأنني أنا، ترسم لي خط سيرها، فأتبعها مقتفيا أثر صوتها، فتنبهني قهوتها التي اشتاقت لتحمل عني بعض تولهي واشتياقي.
كيف لي الآن وقد تجمعت بكاملها أمامي كأجمل امرأة وأرقها، هي وقهوتها ونغمة صوتها واختيارات كلامها، لتدل على روحها وجمال حضورها، هل تبقى من أمنيات لأطلبها؟ إنها هنا الآن في متناول يدي أحرك بضعة أزرار لتكون ساكبة توله أنفاسها في مسمعي، إنها هنا ليس بصوتها فقط بل بكلها وأناقة حضورها، فيا لله ما أبدعها جمالا وحسن حديث وصوتا وحبا واشتياقا.