وخزة ضمير (37)
الحب المُهين في زمن اللهيب
فراس حج محمد
14-7-2012
كأننا مصدومون مما يجري من حولنا في العالم، ليس للمسلمين فقط، وإنما ما تقوم به الرأسمالية العفنة باستعباد كامل للبشرية وربطها بشهواتها، وجعلها تساق سوقا نحو موتها البطيء، محققة أحلام المهوسين من أصحاب رؤوس الأموال الطائلة، ليزداد الفقير فقرا، ويتضخم سرطان الثروة عند المتخمين، وتتسع المسافة بين الحلم والواقع، وهنا تكون انتكاسة الجماهير التي طالما حلمت بغد أفضل، ولكنها تصطدم يوميا بما يخيب أملها، فهي لا تروم من الدنيا وحطامها إلا رغيف خبز وقطعة قماش، وقليل ما تعدت أحلامهم هذا المطلب الإنساني البسيط، حتى إذا ما حصلت عليه، استشرت آلة المال في كل بلد لتقص من أجنحة الحلم ليغدو الرغيف نصفا، وتتلاشى قطعة القماش، فيلهب الناس لفح الهاجرة، ويجمد البرد الدماء في الشرايين.
هذا ما وصلت إليه البشرية في مستواها السياسي والاقتصادي، وهذا بلا شك يؤثر في النواحي الاجتماعية والثقافية كل تأثير، فإما الصمت وإما الهروب، وأما مناوشة الأوضاع ومعابثة الثعابين فلم تخطر على قلب إنسان إلا ما ندر، بحجة أن المسألة كبرى، والعالم هو هكذا ولا سبيل للإصلاح، فانعدمت الرؤيا وغابت طريق الحرية وامتقع الناس في السواد.
ولكن الناس يحرصون على الحياة فلا بد من أن تعاش، فيبذلون من أجل ذلك أوهامهم في معابثة المشاعر والعواطف، فيتسلون بوهم الحب هروبا من سيوف الحرب ومخالب الجوع، وهكذا حتى يتم تخديرهم وإبعادهم، فلا يفكرون إلا برياح القلب التي تهب من تلقاء كاظمة أو فاطمة أو بثينة أو أسماء، ولك أن تسمي ما شئت وأن تعدد ما حلا لك العدّ.
هذا هو الواقع المرير الذي يتشكل أمامنا يوميا، الكل يبكي على نفسه برومانسية حالمة، ممجدا ألمه الذي صنعته لها الأوهام ورديء الأحلام، ونسي الناس الهموم الكبرى، وغدوا بلا عناوين فكرية أو أيديولوجية أو دينية، فقط لا يفكرون إلا بالذات وما تفرع عنها من مطبات صناعية تأكل القلب وتفتت الكبد.
تقوم الدنيا ولم تقعد إذا ما انتهك أحدهم محرما من المحرمات الشخصية، أو اعتدي على ما عُرف بالحرية الفردية، ولكن أن يدمر مجتمع كامل بمنهجية واضحة، فالكل عن ذلك في سهو ولهو، ولا يعنيهم من الأمر شيء، ولسان حالهم ومقالهم يقول: ابعد عن الشر وغني له، ومن تدخل فيما لا يعنيه لقي ما لا يرضيه، ولم يعلم بأن الشر زاحف إليه عاجلا أم عاجلا، فمصيبة جارك اليوم، ستجدها في بيتك غدا، فلا تلومن إلا نفسك إذا لم يقف معك أحد، فمن قدم السبت ير الأحد أمامه على رأي المثل.
يكفي ما نحن فيه من تبلد وحيرة، ولنكن كما يجب أن نكون عناصر كيميائية متفاعلة وفاعلة ومتحدة مثيرة للتغيير وصناعة الغد الأفضل، فمصيبة العالم في بورما وسوريا هي ليست في أن المجرم إما عنصري حاقد تخلى عن إنسانيته، وإما سفاح تلذذ بطعم الدم، ولكن لأن الضمير العالمي في اختبار ومحنة، فأين أصحاب النظريات والأمثولات الفلسفية وأدعياء الحق البشري في العيش بسلام، وأن من حق الشعب أن يختار حاكمه؟ أين تلاشت تلك الأفكار؟ ولماذا؟ أكانت هي الأخرى ضحكا على الذقون؟
إن العالم الرأسمالي اليوم على شفير الهاوية الأخلاقية، لأنه قد تجاوز حدود الطمع البشري المسموح فيه بفطرة الإنسان إلى نسف كل المنظومات القيمية من أجل هدف واحد، وهو إغراق الناس ببحر الدم ما دامت عجلة الاقتصاد تنتج مالا وفيرا، وهم في أمان في بلادهم فليحترق العالم إما حبا وإما حربا، لا فرق، فلا شيء يزعج الدول الكبرى، ولا شيء يكدر خاطر الأمين العام للأم المتحدة، فمشاكل العالم بسيطة تمنحه فرصة لأن يتابع مسيرة حياته اليومية بدون أدنى قلق، فالعام الحر ما زال يشع نورا وديمقراطية، والعالم يعيش بعدل وسلام، فما الداعي لكل ذلك القلق؟ فالحب المُهين في زمن اللهيب علاجنا وعلاجهم، فما زال في الكون متسع لبعض حلم هارب من أروقة الدمار الأممية!!