فراس حج محمد

موقع يختص بمنشورات صاحبه: مقالات، قصائد، أخبار

كتابةٌ على الكتابة:

حين تتسلق الكلمات الأسوار نحو الحرية قبل صاحبها

قمر عبد الرحمن| فلسطين

هناك كتبٌ تقرأ... تتـرك فيك أثرًا أعلى من أثر القراءة، وكتاب "الأسوار والكلمات" للناقد فراس حج محمد واحد من تلك الكتب، يخرج من بين صفحاته صدى المفاتيح والبوابات، لكنه لا يُسمعنا أنين الأسرى، بل إرادة أرواحهم وهي تتسلّق الجدران نحو الضوء.

صدر الكتاب عن منصة "ناشرون فلسطينيون" عام 2025.

يتحدث فيه الناقد بشكل رئيسي عن أدب الأسير المحرر باسم خندقجي، ويقسم الكتاب إلى ثلاثة أقسام تتكامل كأضلاع نصّ واحد: في "العتبات التمهيدية" يضع الناقد حجر الأساس لفهم أدب السجون بوصفه فعلًا معرفيًا وإنسانيًا، وفي "القراءات النقدية" يعبر بنا إلى نصوص الأسرى الكتّاب بعيون محبّة ويقظة، أما "القضايا والآراء" فتمثل تأملات فكرية تتجاوز حدود القراءة إلى طرح أسئلة الحرية والجمال والكتابة نفسها.

لكن هذا العمل ليس دراسة نقدية باردة، بل شهادة حياة على انتصار الكلمة على السجن. هنا يتحوّل الأسر إلى مختبـرٍ للروح، وتتحول العزلة إلى نبعٍ للمعنى. تجربة باسم خندقجي الذي كتب من خلف الجدران كما يكتب شاعرٌ من أعالي جبل، رأى من سجنه ما لا يراه الأحرار. كلماته كانت له حرية مؤقتة، وعتبة عبور إلى إنسانيته قبل أن يعانق هواء الوطن.

وليس خندقجي وحده، فثمّة أصوات أخرى لا تقل بهاءً: كميل أبو حنيش، وهيثم جابر، وغيرهم الذين جعلوا من السجن فضاءً للتأمل والإبداع. كلٌّ منهم حمل قيده بكرامة الكلمة، وصاغ من ليله الطويل نجمًا يُضيء لغيره الطريق. واليوم بعدما تحرروا، تبقى نصوصهم دليلًا على أن الكلمة كانت الأسبق نحو الحرية.

ويمتاز فراس حج محمد في هذا العمل بنقده الصادق مع النص أكثر من صدقه مع الأسماء. نقده لا يتزيّن ببلاغة مجانية، بل يتكئ على وعي جمالي يلمس جوهر التجربة. وقد قرأ فراس تجربة خندقجي قراءة مبكرة، حتى قبل أن تحصد روايته "قناع بلون السماء" جائزة البوكر العربية. ومع إشادته بعمقها الرمزي، رأى بموضوعية أنها أقل فنيًا من رواياته السابقة، مؤكّدًا أن القيمة الفنية لا تُقاس بالجوائز، بل بما تُحدثه الكلمة من أثر في الوجدان والفكر. رأيه ذاك لا يقلّل من الإنجاز، بل يمنحه بعده الحقيقي: أن الحرية الإبداعية لا تعرف سقفًا ولا تتوقف عند محطة واحدة.

وفي موازاة هذا الجهد النقدي، لا يمكن تجاهل الدور النبيل الذي يؤديه المحامي حسن عبادي، الذي جعل من صوته جسرًا تعبـر عليه كلمات الأسرى من عتمة الزنازين إلى فضاء الحرية. لم يكن ناقلًا لرسائلهم فحسب، بل كان صوتًا يحمل أصواتهم، ونافذةً يفتحها على العالم الأدبي. بجهده الحثيث في التواصل مع النقاد والمؤسسات الثقافية، منح نصوص الأسرى فرصة أن تُقرأ بجدّية، وأن تُناقش كأدبٍ له مكانته وقيمته، لا كرسائل من داخل القيد. لقد كان حسن عبادي، في صمته وفعله، شريكًا في صناعة حريتهم المعنوية، جعلهم يشعرون بأن الكلمة ما زالت قادرة على الحركة، وأنهم ما زالوا أحياء في المشهد الثقافي الفلسطيني والعربي.

ويُختتم الكتاب بمقالات نقدية وفكرية تشبه ممرات ضوء في نهاية النفق، يتأمل فيها الناقد معنى الكتابة في زمن القيد، ومعنى الحرية حين تُصبح فعلًا لغويًا قبل أن تكون واقعًا. إنها مقالات تمنح القارئ يقينًا بأن الأدب الفلسطيني، لا سيما أدب الحركة الأسيرة، لا يُكتب بالحبر فقط، بل بنبضٍ عاش التجربة وشهد خلاصها.

في النهاية، يذكّرنا كتاب "الأسوار والكلمات" أن الحرية لا تبدأ من المفتاح بل من الكلمة. وأن هناك حبرًا إن لامس الجدار جعله نافذة. فالكلمات تتسلق الأسوار نحو الحرية قبل صاحبها.

المصدر: فراس حج محمد
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 67 مشاهدة
نشرت فى 2 نوفمبر 2025 بواسطة ferasomar

فراس عمر حج محمد

ferasomar
الموقع الخاص بــ "فراس حج محمد" »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

966,107

فراس حج محمد

نتيجة بحث الصور عن فراس حج محمد كنانة أون لاين

من مواليد مدينة نابلس في فــلسطين عــام 1973م، حاصل على درجة الماجستير في الأدب الفلسطيني الحديث من جامعة النجاح الوطنية. عمل معلما ومشرفا تربويا ومحاضرا غير متفرغ في جامعة القدس المفتوحة. 

عمل محررا لغويا في مجلتي الزيزفونة للأطفال/ رام الله، وشارك في إعداد مواد تدريبية في وزارة التربية والتعليم الفلسطينية، وكان عضوا في هيئة تحرير مجلة القانون الدولي الإنساني/ الإصدار الثاني الصادرة عن وزارة التربية والتعليم في فلسطين.

نشر العديد من المـقالات والقـصائد في مـجالات النشر المختلفة الإلـكترونية والصحف والمجلات في فلسطين والوطن العربي وبريطانيا وأمريكا وكندا والمكسيك. وشارك في ندوات وأمسيات شعرية ومؤتمرات في فلسطين.

الكتب المطبوعة: 

رسائــل إلى شهرزاد، ومــن طقوس القهوة المرة، صادران عن دار غُراب للنشر والتوزيع في القاهرة/ 2013، ومجموعة أناشيد وقصائد/ 2013، وكتاب ديوان أميرة الوجد/ 2014، الصادران عن جمعية الزيزفونة لتنمية ثقافة الطفل/ رام الله، وكتاب "دوائر العطش" عن دار غراب للنشر والتوزيع. وديوان "مزاج غزة العاصف، 2014، وكتاب "ملامح من السرد المعاصر- قراءات في القصة القصيرة جدا- دار موزييك/ الأردن وديوان "وأنت وحدك أغنية" عن دار ليبرتي/ القدس وبالتعاون مع بيت الشعر في فلسطين، وكتاب "يوميات كاتب يدعى X"، وكتاب "كأنها نصف الحقيقية" /الرقمية/ فلسطين، وكتاب "في ذكرى محمود درويش"، الزيزفونة 2016، وكتاب "شهرزاد ما زالت تروي- مقالات في المرأة والإبداع النسائي"، الرقمية، 2017، وديوان "الحب أن"، دار الأمل، الأردن، 2017. وكتاب "ملامح من السرد المعاصر- قراءات في الرواية"، مكتبة كل شي، حيفا، 2017. وكتاب "ملامح من السرد المعاصر- قراءات في متنوع السرد"، مؤسسة أنصار الضاد، أم الفحم، 2018، وديوان "ما يشبه الرثاء"، دار طباق للنشر والتوزيع، رام الله، 2019، وكتاب "بلاغة الصنعة الشعرية"، دار روافد للنشر والتوزيع، القاهرة، 2020. وكتاب "نِسوة في المدينة"، دار الرعاة وجسور ثقافية، رام الله، وعمّان، 2020. وكتاب "الإصحاح الأوّل لحرف الفاء- أسعدتِ صباحاً يا سيدتي"، دار الفاروق للنشر والتوزيع، نابلس، 2021. وكتاب "استعادة غسان كنفاني"، دار الرعاة وجسور ثقافية، رام الله، وعمّان، 2021، وكتيّب "من قتل مدرّس التاريخ؟"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2021. وديوان "وشيء من سردٍ قليل"، وزارة الثقافة الفلسطينية، رام الله، 2021. وديوان "على حافّة الشعر: ثمّة عشق وثمّة موت"، دار البدوي، ألمانيا، 2022. وكتاب "الكتابة في الوجه والمواجهة"، الرعاة وجسور ثقافية، رام الله وعمان، 2023. وكتاب "متلازمة ديسمبر"، دار بدوي، ألمانيا، 2023. وكتاب "في رحاب اللغة العربية"، دار بدوي، ألمانيا، 2023، وكتاب "سرّ الجملة الاسميّة"، دار الرقمية، فلسطين، 2023. وكتاب "تصدّع الجدران- عن دور الأدب في مقاومة العتمة"، دار الرعاة وجسور ثقافية، رام الله وعمّان، 2023، وديوان "في أعالي المعركة"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2023، وكتاب "مساحة شخصية- من يوميات الحروب على فلسطين"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2024، وكتاب "الثرثرات المحببة- الرسائل"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2024، وكتاب "فتنة الحاسة السادسة- تأملات حول الصور"، دار الفاروق للثقافة، نابلس، 2025، وكتاب "الصوت الندي- تأملات في الأداء والأغاني"، دار الرعاة وجسور الثقافية، رام الله وعمّان، 2025، وكتاب "الإنقاص البلاغي- المفهوم والتطبيق"، مكتبة كل شيء، حيفا، 2025. الإصدارات الإلكترونية: كتاب "في ذكرى محمود درويش"، الطبعة الثانية المنقحة، إصدار شخصي، 2025، وكتاب "صدى النص- رحلة القصيدة من الكتابة حتى التحليل الإلكتروني"، إصدار شخصي، 2025، وكتاب "في النقد والنقد المضاد- على هامش كتاب "المشهد الروائي الفلسطيني"، إصدار شخصي، 2025، و كتاب " Translations About Firas Haj Muhammad"، ناشرون فلسطينيون، 2025، وكتاب "السخرية في الشعر الفلسطيني المقاوم بين عامي 1948- 1993"، ناشرون فلسطينيون، 2025.

حررت العديد من الكتب، بالإضافة إلى مجموعة من الكتب والدواوين المخطوطة. 

كتب عن هذه التجربة الإبداعية العديد من الكتاب الفلسطينيين والعرب، وأجريت معي عدة حوارات ولقاءات تلفزيونية.