في تأمّل تجربة الكتابة:
أين الخطأ في هذا الذي كتبتُه؟
فراس حج محمد| فلسطين
غالباً ما أقع في أخطاء وأنا أكتب. لست وحيداً في ذلك؛ فكلّ الكتّاب يقعون في أخطاء، قديماً حدث هذا، ويحدث الآن، وسيحدث في المستقبل. وهذا ما كتبت شيئاً عنه سابقاً، ولعلّ هذا يقودني للحديث عن أوّل لحنٍ وقع فيه الشعراء، أو لنقل من أوائل الأخطاء التي وقع فيها الشعراء، وذلك قول أحدهم: "لعلّ له عذرٌ وأنت تلوم". والصواب حسب القاعدة النحويّة المعهودة أن يقول "عذراً". فلماذا قال: "عذرٌ"؟ لا أعتقد أنّ الشاعر قد أخطأ، إنّما أخطأ المتلقّي في التفسير، لذلك وجد بعض النحاة الذين يذهبون نحو التعليل والتفسير والبحث عن الوجه الصحيح لفهم التركيب فهماً صحيحاً، بأنْ يفتّشوا عن أبعد من حدود النصّ، فالتفتوا إلى مباحث كالتضمين والتوهُّم والمجاورة، بل ذهب بعضهم إلى ما هو أبعد من ذلك فقالوا إنْ أمن اللبس جاز اللحن، ولا شيء في ذلك.
يبرهن المتتبّعون أخطاء الشعراء على وجود ذلك الهوس المرَضي في التتبّع والتخطئة، وليس العكس، ولعلّهم لا يعلمون أنّ لبعض المسائل النحويّة وجوهاً متعدّدة من الإعراب، لذلك وجدنا النحاةَ الحقيقيّين يقولون: لا تخطّئ معرباً، وعليه يصحّ أن نقول لا تخطّئ شاعراً أو كاتباً بقياس كلامه على ما نحفظ نحن من بعض التراكيب والقواعد، فقواعدنا ناقصة، وفهمنا كذلك. فيا ليتهم يحسنون فهم قولِ أبي نواس: "فقل لمن يدّعي في العلم فلسفة، عرفت شيئاً وغابت عنك أشياءُ".
على أيّة حال، لم يسلم من هذه المواقف التي قد تبدو محرجة صاحب قلم، حتّى أنّ الصغار والأحمقين (جمع معتبر للصفة "أحمق" غير "حمقى") قالوا إنّ في القرآن الكريم بعض الأخطاء؛ بناءً على قصور فادح في أمر اللغة وقوانينها، وفي توجيه هذه التراكيب التي تحتاج إلى حلّ، ويتعلّق بها معنىً مخفيّ، وحالة نفسيّة كانت تفترض شيئاً ذاتيّاً، فجاءت العبارة مؤسّسة على ذلك التضمين النفسيّ الذي يراعيه القرآن الكريم عمّن يتحدث عنهم، لاحظوا مثلاً قوله تعالى: "وأسرّوا النجوى الذين ظلموا"، وقوله أيضاً: "سبعة عشرة أسباطاً أمماً"، بل أين نجد فاعل الفعل "بدا" في قوله تعالى: "ثمّ بدا لهم من بعد ما رأوا الآياتِ ليسجنّنه حتّى حين"؟ وغيرها، ممّا يستلزم المعرفة والدقّة في الفهم والتوجيه. لقد شكّلت كلّ تلك النماذج ما عرف بمشكل إعراب القرآن الكريم والحديث الشريف، والبحث في الشواهد الشعريّة التي تخرج عن المعهود النحويّ والقاعدة الشائعة، فقد ساهمت كلّ تلك التراكيب في بلورة جانب مهمّ من جوانب نظريّة النحو العربيّ، وأنتجت مجموعة من الكتب التي تهتمّ بمثل هذه التراكيب؛ ككتاب "النكت في الإعراب"، و"الإنصاف في مسائل الخلاف"، عدا الكتب التي تبحث في "مشكل إعراب القرآن الكريم" و"مشكل إعراب الحديث الشريف".
في الشعر ونقده، خطّأ النقّاد قول الفرزدق في هجاء ابن الحضرميّ عندما قال: "ولو كان عبد الله مولىً هجوته، ولكنّ عبد الله مولى مواليا"، إذ لا يصحّ نحويّاً أن يقول "مواليا"، بل موالٍ. إنّه الفرزدق يا سعادة الناقد المحترم. لم يلتفت النقّاد والنحاة المخطّئون إلى حالة الغضب التي عاشها الفرزدق نتيجة ملاحقة ابن الحضرميّ له ملاحقة حثيثة ومستمرّة، فقد زادها عليه إلى درجة غير محتملة، فكان ذلك "الكائن غير المحتمل خفّته"، فإمعاناً في إغاظته جاء بها على هذه الشاكلة، وكأنه يقول له: "اضرب رأسك في الحيط"، بل يريد أن يقول أنا صاحب اللغة وأشكّلها كما يحلو لي، وأنت بعدُ صغير، فالْهُ بهذه المسألة من جملة ما تلهو به. لا تستغربوا ذلك؛ إنّ الشعراء يفعلونها، بل ويفعلون ما هو أعظم منها، وليس فقط الشعراء، ألم يغيظوا سيبويه ويفجّرونه بارتفاع ضغط الدم بالمسألة الزنبوريّة؛ اجتمعوا عليه وكادوا له، وخطّأوه في قولهم: "فإذا هي هي" أم "فإذا هي إياها".
هنا للمعنى في نفس الفرزدق بعد نفسيّ يتعلق بالإغضاب، والنيل من ابن الحضرميّ، فجاء الإطلاق في القافية للتعبير عن هذه الحالة النفسيّة، والشعر العفويّ ابن اللحظة الراهنة، دائماً هو المعبّر عن هذه الحالة المسيطرة على الشاعر، لغته وطريقة أداء تلك اللغة، على الرغم من أنّ للنحاة تخريجاً نحوياً للبيت.
هذا عينه ما عبّر عنه مصطفى وهبي التل على سبيل المثال في قوله: "هات اسقني قعوار ليس يهمّني، قول الوشاة عرار سكرانانِ"، يا إلهي. عرار مفرد مبتدأ، وسكرنان خبر مثنى، فكيف يحدث ذلك معك يا أبا وصفي، لقد انتهكت القاعدة؟ هذا ما يقوله النحاة والمعربون الصغار الذين لا يعرفون ارتباط الشعر بالحالة النفسيّة وانعكاس هذه الحالة على اللغة وتراكيبها.
لقد انتهك القاعدة المعهودة كثير من الشعراء، ولم يكونوا في حالة وعي كامل وهم ينتهكون القاعدة، إنّما جاءت اللغة على تركيبتها التي جاءت عليها لتعبّر عن المعاني النفسيّة التي يحملها النصّ، وهنا يجب أن يتنبّه الناقد والمتلقّي إلى هذه الحالة من الشعر، وربما أيضا، لأجل هذه الحالات النفسيّة قالوا: "يحقّ للشاعر ما لا يحقّ لغيره"؛ لفهمهم العميق لسيكولوجيّة الشاعر المرتبطة بلحظة قول الشعر. ويكون هذا الترابط بين الأمرين النفسيّ واللغويّ مجالاً للتفسير الإبداعيّ للنصّ، لأنّها تعبّر عن الصدق الفنّيّ والواقعيّ اللذين مرّ بهما الشاعر لحظة إنشاء النصّ، فإنّ اللغة النفسيّة هي التي تكون سيّدة الموقف، وليست اللغة النحويّة المسطّرة في الكتب كقواعد جامدة، وليدخلوا هذا فيما يعرف لديهم بالانزياح اللغويّ، ليس فقط بمعنى المفردات، بل بتراكيب الجمل والانزياح عن القاعدة المتداولة.
لهذا، فإنّ قصائد الشعراء الكبار التي وجد فيها مثل هذه الإزاحات والانزياحات اللغويّة، سواء على مستوى الصياغة والتصرف اللفظي؛ كالجمع والضبط الصرفيّ مثلاً، أم على مستوى التركيب، لها أهمّيّة كبرى في رفد اللغة العربيّة بتراكيب جديدة، قد تؤسّس لها شرعيّة لغويّة وقواعديّة مع مرور الزمن، وأسوق بعض الأمثلة على ذلك؛ الأوّل قول حسّان بن ثابت- رضي الله عنه- في همزيته المشهورة: "كأنّ سبيئة من بيت راسٍ، يكون مزاجُها عسلٌ وماءُ"، فقد قال فيها النحاة أقوالاً متعدّدة بحثاً عن خبر كان المنصوب، ولم يفلحوا باعتقادي في أيّ منها، حتّى أنّ أمثلهم طريقة اخترع "كان الملغاة" غير العاملة، ليجد للنصّ تبريراً نحويّاً. ربّما جاء البيت في تركيبته تعبيراً عن المعنى النفسيّ المتشكّل من فعل خمرة بيت رأس ذات الجودة العالية وهذا المزج بين العسل والماء، فتوقّف القانون النحويّ، وأُبْطل مفعوله ليستمرّ الرفع الذي في "مزاجها" ليصل إلى "عسلٌ وماءُ".
أمّا ثاني الأمثلة فقول أبي فراس الحمدانيّ في إحدى قصائده الرومية: "تكاد تضيء النار بين جوانحي"، فقد قال النحاة إنّه لا يجوز أن نقول: "تكاد تضيء" إذ لا بدّ من أنْ يكون اسم يكاد اسماً ظاهراً. على الناقد- إذاً- أنْ يفكّر بذلك المعنى المستكنّ في نفس أبي فراس ليقول المعنى بهذه الطريقة التي أربكت النحاة، ولماذا لا يقول مثلاً إنّ المقصود هو مقاربة فعل الضوء في "تضيء" وليس الاسم، فأولى المحتفى به تقديماً، وضرب بالقاعدة النحويّة عرض الحائط، فهي لم تخدم ما اعتمل في ذاته تلك اللحظة من حالة نفسيّة؟
وثمّة مثال أحبّ أن ألفت النظر إليه، وهو قول الفرزدق أيضاً في مدح زين العابدين؛ عليّ بن الحسين بن عليّ في قصيدة مشهورة، يقول الشاعر في أحد أبياتها: "ما قال لا قطُّ إلّا في تشهّده، لولا التشهّدُ كانت لاؤه نعمُ"، وثمّة رواية هكذا: "كانت لاءه نعمُ". في هذا البيت على الحالتين انزياح لحرفيِ الجواب عن حرفيّتهما ليكونا اسمين، فصار أحدهما اسما للفعل الناقص "كان" والآخر خبراً له، وجرت عليهما كلّ أحوال الاسم، وخاصّة التصرّف النحويّ، لاسيّما في الرواية الثانية "كانت لاءه نعمُ"، وفي هذا النقل دلالة قويّة مناسبة لحالة المدح وحالة الشاعر الذي يمدح وهو يحبّ ممدوحه، فأكسب الحرف اسميّة لافتة للنظر، فقد تعدّى الحرف بهذا النقل ليصبح اسماً ذا دلالة في ذاته كأيّ اسم، كأنّ كرم الممدوح الظاهر في بيت الشاعر جعل الحروف أسماء، ففاض كرمه على اللغة، وليس على البشر فقط.
ومن اللافت للنظر أنّ المتنبّي، الشاعر العظيم، شكّلت خروجاته أو أخطاؤه النحويّة والصرفيّة حدّاً دافعاً للاستقصاء، لأنْ تكون كتاباً ألّفه الباحث عليّ محمّد فاخر، وعلى الرغم من أخطاء المتنبّي تلك إلّا أنّ شعره هو الأكثر حضوراً وسيرورة في مسيرة الثقافة العربيّة والإسلاميّة، بل يعدّ الأكثر تأثيراً في الشعراء العرب منذ زمانه وإلى أنْ يشاء الله، فلعلّنا نردّد أبياتاً من تلك التي احتوت تلك الأخطاء، وهي سائرة حسنة وفيها من كسر للقاعدة النحويّة أو الصرفيّة. إنّني لا أحبّ أنْ أسمّيها أخطاء، بل هي من صلب الإبداع الشعريّ لدى المتنبّي، ومثل هذا كثير في الشعر بعد المتنبّي عند كلّ شاعر يقوده الشعر بتلقائيّة على مناطقه المغلقة المغلّفة بالحالة النفسيّة.
لعلّ أحداً سيقول: إنّ الأمور ستصبح فوضى، ويعمّ الخطأ في الشعر، فكيف سنفرّق بين أولئك الشعراء الذين أدخلتهم الحالة النفسيّة تلك في شرعيّة انتهاك القاعدة من الشعراء الذين لا يتقنون أمر اللغة العربيّة، نحوها وصرفها؟ لا ريب في أنّه سؤال وجيه، وهذا تابع لرأي الناقد الحصيف الذي يعرف مستوى النصّ الإبداعيّ بشكله الكلّيّ والتاريخ الشعريّ للشاعر، وليس ناقداً كابن الحضرميّ منغلق الأفق وضيّق في مساحات التأويل، ليعيد هذا النوع من النقّاد النظر مرّة واثنتين وثلاثاً في النصّ، فلعلّ له وجهاً شعريّاً من الإبداع مخفيّاً، يحسن للناقد أنْ يقف عليه ويربطه بالحالة النفسيّة الإبداعيّة التي كان يمرّ بها الشاعر نفسه، لا أن يتلهّى الناقد أو شبه الناقد بحصر الأخطاء النحويّة في النصّ، فالبحث عن الأخطاء اللغويّة تسالي الصغار كما أسلفت، وليست من مهمّة النقّاد الكبار الذين لا يغفلون عن تلك الأخطاء بالتأكيد لكنّهم ينظرون إليها بعين المنطق الإبداعيّ، وليس بالقياس الظاهريّ على القاعدة النحويّة واللغويّة.
كلّ تلك الأمثلة والتأسيسات النقديّة لأصل إلى اعتراضات الشاعرة الصديقة آمال عوّاد رضوان على بعض الجمل في قصيدة "سلامٌ على ذاكَ الوحيد"، فقد اعترضت على هذا التركيب: "وحدها العينان تأخذ بالحديث الشجيّ"، ووجه الاعتراض أنّني أفردت الحال، وثنيّت "العينان" وأفردت الفعل "تأخذ". ففي العبارة من وجهة نظرها، كمتخصّصة في اللغة العربيّة، ثلاثة أخطاء معاً. كذلك اعترضت على قولي: "أحدّث الزملاء عن "أبتي"، فقد استخدمت "أبتي" المستخدمة في النداء في غير موضع النداء، إنّه خطأ أيضاً، لذلك ربّما وجدتني نسيت أن أقول "أحدّث الزملاء عنك أبتي". تناقشنا حول تلك الاعتراضات، وحاولتُ أنْ أفسّر، لكنّني وجدت نفسي مدافعاً عن تهمة لم أرتكبها، لكنّها لم تقتنع وبقيت المسألة في دائرة الأخطاء التي وقعت فيها، لتصف مقالاتي أو نصوصي التي أرسلها لها بالخربشات، وقد قالتها على سبيل التحبّب والمزاح بين الأصدقاء.
بالمجمل، أنا أعذر القرّاء والنقّاد في بحثهم عمّا تصوّروه من أخطاء في هذا النصّ وفي غيره، عندي وعند غيري من الشعراء، حتّى ذلك الخطأ النحويّ الذي نبّهني إليه الدكتور سمير التميمي في: "إلى أن يلتقي الطيّبين بالطيّبين"، لم أنتبه لهذا الخطأ، لا أدري أنّه خطأ أصلاً إلّا بعد أن أعدتُ القراءة مرّة أخرى بعد ملاحظة الدكتور، لعلّه ظلّ عالقاً في ذهني ما قلته سابقاً: "كيف أعدتَ ترتيب المكانِ في الحفرة الطيّبة/ وكيف صادقتَ جيرانك الطيّبين في المقبرةْ"، فجاءت الطيّبة مجرورة والطيّبين منصوبة بعلامة تشترك مع علامة الجرّ، فجاء الفاعل "مجروراً" لفظاً، مرفوعاً محلّاً، هل يحقّ ذلك نحويّاً؟ لماذا لا تشبه هذه الجملة قولهم قديماً: "مكره أخاك لا بطل"، أم أنّ القديم مقدّس يحفظ ولا يقاس عليه، والمعاصر لا عذر فيه ولا توجيه؟ ولماذا لا تعدّ "سقطات" السابقين أخطاء ونعدّها عند المعاصرين خطايا؟ فعلاً إنّ "المعاصرة حجاب" حاجز للتفسير المفضي للتأويل الجماليّ لنصوص الشاعر الحديث، فتحصره في باب "العيّ" و"الركاكة" والخطأ".
هذه أسئلة ليست من باب خير وسيلة للدفاع الهجوم، وليست لنعزّز نزعة التبرير والدفاع الأهوج عمّا نكتب، وإنّما هي دعوة للتفرّس في النصّ أكثر، ولنتأمّل الصنعة الكتابيّة بشكل أعمق، لعلّنا نجد في تلك النصوص ما يعزّز إبداعيّتها، وليس أخطاء كتّابها؛ إذ لا أخفي القارئ سرّاً إن قلت إنّ تسليط الضوء على مثل هذه التراكيب وعزلها عن النصّ وأجوائه النفسيّة، يعرّي تلك التراكيب ويجعلها سقيمة المعنى والهدف، وتشيع في نفس الكاتب- كما حدث معي- نوعاً من الانكسار العاطفيّ والنفسيّ والإبداعيّ، إلى درجة أن يرى أحدنا نصّه "تافهاً"، وعديم الجدوى، وربّما أكثر من ذلك، كأنْ يقول: إنّه لا يحسن الكتابة، فتراه يخنس ويضعف بدلاً من أن ينتشي ويعلو ويفتخر، ومن حقّ الكاتب- أيّ كاتب- أن ينتشي بصنيعه وبكتابته.
ومن باب آخر، فإنّني أظنّ أنّ المتلقّي الحديث المزوّد بالقاعدة العامة الأساسية لا يريد للشاعر المعاصر القفز عنها، وإن صادف وقفز يتلقّاه بِعَصا التأديب والتقريع، ليجعله يسير وفق هواه، فيكسر النصّ وما فيه من حمأة نفسيّة شخصيّة لا يعلمها المتلقّي، وكيف له أن يعرفها وهو لم يعشها؟ ولكنْ، هل يحقّ لهذا المتلقّي الملتصق بالقاعدة الكلاسيكيّة في صياغة الجملة أنْ يستهجن ويعترض؟ بكلّ تأكيد لا شيء عليه لو كان أخاً لابن الحضرميّ، وسار على نهجه وتتبّع ما عند الشعراء من تراكيب قافزة، يفسّرها بأنّها تراكيب "كاذبة خاطئة"، يكذّب فيها النحاة القدماء، فيكون قد زلّ وأخطأ.
فلتعذرني الصديقة آمال عوّاد رضوان، وهي شاعرة وكاتبة أحبّ كتابتها وطريقة تناولها للنصوص، شاكراً لها هذا الحوار اللطيف الذي دار بيننا، فكان سبباً مباشراً لأنْ يتأمّل المرء كتابته، ليراها على هَدْيٍ من عقول الكتّاب والنقّاد والقرّاء، ولا شكّ في أنّ ملحوظاتها ذات وجه، وأنّني أحترم وجهة نظرها تماماً، وأحترم وأقدّر غيرتها على أن يكون النصّ حائزاً على كلّ وجوه الصحّة اللغويّة والإبداعيّة والتعبيريّة، وآمل ألّا تردّها هذه الكتابة عن قراءة ما يأتي إليها منّي من النصوص ومناقشتها وبيان ما فيها، فالأفكار تولد من رحم أفكار أخرى، وكما قيل: علينا نحن الكتّاب أن نقول، وعليكم- أنتم معشر النقّاد والقرّاء- أن تؤوّلوا سواء أأخطأنا أم أصبنا، وسواء أكان لنا عذر أم لم يكن، فالأمور لا تحتمل إلّا سعة الصدر، ولتسعنا اللغة، وتعدّد أساليبها، وإمكانيّة التنوّع على هوامش قواعدها المستقرّة، ألم يقولوا: "إنّ الشعراء أمراء الكلام"، ولا أظنّ أنّ هذه الإمارة التي تحمل حقّ التصرّف لا تجعل من القانون الإبداعيّ حكراً على الأقدمين فقط. إلّا إذا كنّا نحن- المعاصرين- نبتنا في غير حقول الإبداع العربيّة ليكون لنا قانون خاصّ بنا؟