فراس حج محمد

موقع يختص بمنشورات صاحبه: مقالات، قصائد، أخبار

authentication required

همسة حب صباحية

مناطق الجغرافيا الأنثوية

فراس حج محمد

ثمة خيال طافح يتقاذفني هنا وهناك، وثمة علاقة وطيدة للنفس مع جغرافيا الطبيعة، وثمة انغراس بصيغة ما بتربة الأنثى الخصبة، وبحث دائم لا ينقطع في هذا الإنسان الذي أطلقت عليه اللغة كلمة "امرأة"، هي مؤنث والطبيعة مؤنثة، وكذلك الجغرافيا، فثمة تشابه على ما يبدو.

وثمة صراع طبيعي محبب أنثوي- ذكوري ربما بدا مصطنعا أحيانا، لكنه لا بد منه، ليس حبا في افتعال الصراع وليس كرها للآخر، ولكن ما أن تنتقل الطبيعة من طقس إلى آخر أو تعبر الأجواءَ رياحٌ أخرى، يتغير شيء ما، يبدو على شكل عاصفة أو إعصار، وربما اكتفى أن يكون نسمة خفيفة، تخيلوا: نسمة خفيفة هي مثل السلاح الضعيف الناعم ولكن أثره بيّن وله فاعلية كبرى! 

ثمة جغرافيا غير سرية إذن تفرض نفسها في التعامل الجنساني هنا، فالأنثى قارة من عطور وزهور وبساتين، خضراء موشاة بكل ما يُمتع ويُشعر الطرف الآخر بالحاجة والنشوة واللذة والجريان نحوها دون تفكير، وربما بإصرار، وثمة من يرتاح إلى الزهور، وثمة من يتسلق الصخور، وثمة من يغتسل بمياه النهر الجاري بين أودية يترقرق ماؤها كلما هزت أعطاف الأنثى بأعاصير رياحها، فتحرّكَ الموجُ عاصفا هائجا، فيسكن بين أحضانها على شاطئ الجغرافيا الأنثوية!!

وثمة مصطلحات تتسلل في هذه العلاقة بين الاتصال والانفصال، وبين الواقع والخيال، مصطلحات مستعارة من حقول الجغرافيا الحربية أو الجغرافيا العسكرية، فثمة منطقة ألغام أنثوية، سرعان ما تنفجر في الرائي فيسقط في شراك الحب مغشيا عليه، وثمة منطقة حظر  جوي، لا يمكنك التعامل معها إلا بالإمكانيات الأرضية، فقد تعطلت كل الأسلحة الجوية، فلن تستطيع الوصول إلى المربع الأمني إلا بالفحص الأمني والتفتيش الدقيق، إنها منطقة الوسط الأنثوي، منطقة الإنتاج والخصوبة والريّ والحيوية، إنها العاصمة، فكيف بك الوصول إليها، فدونها خرط القتاد!!

هي منطقة تقودنا لنصعد عاليا، حيث منطقة سهلية رملية التراب ناعمة تنداح ككثبان الصحراء فيتراقص فيها النور، فتبدو مثل مساحات مفروشة بالقطن، تحرسها الرهافة والطراوة ونداوة الملمس، فتسلمنا إلى جغرافيا الجبل، ليست وعرة الطريق نافرة، ولكنها متكورة مستفزة مكتنزة تستصرخ كل ما لديك من قوة لتصعد في نزهتك الأنثوية لعلك تشرب من أحد النبعين الصافيين من مائهما العذب، كأنه الحليب، يغريانك بالاقتحام، فلا تخجل، فاعقل وتوكل، واشرب وتمتع، فليس هناك ماء أطيب من ماء تربع في كنة الجبل، وتذكر صاحبنا عمر بن أبي ربيعة، ولا تخشَ شيئا!!

هناك وعلى مقربة من هذين الجبلين تقع منطقة سهلية مصقولة لا ترى فيها عوجا ولا أمتا، مطار الأنثى التي تحط عليه الفراشات وتتكتمل في مباهجه النقوش الفاتنات، هناك ترى منطقة الامتداد الجغرافي التي توصلك إلى متفرع بين حقّين من العاج على ما وصف ذلك يوما صاحبنا طرفة بن العبد.

بدأنا بخريطة الجغرافيا الأنثوية من الوسط لنصعد إلى أعلى، غير ناسين الجزء الآخر من الجغرافيا، فأي شيء من الطبيعة يمثل ما تنتصب عليه القامة إنهما أشبه برخامتين مصقولتين كالمرآة كما قال يوما سيد الشعراء امرؤ القيس، يحويان ما يحويان من فنون في الصنعة والخلقة، تستخرج كل ما تفتق عنه الذهن من لذة، وتجعلك في حبور من نزهة أنثوية صباحية تعطيك ما ترجوه من متعة وجمال رؤيا، فترى المحبوبة موجا من غناء وحقلا من زهور ولحنا من قصيدة!!

مناطق الجغرافيا الأنثوية مناطق لن يحسن وصفها شاعر، ولن يستطيع رسمها أمهر الفنانين وأكثرهم موهبة وقدرة وسحرا، فليس من عاين كمن خبّر، ففي كل ركن من تلك الخريطة الأنثوية ملمح من الطبيعة الربانية، وهي ممثلة في المرأة، فيا لله كم كانت هي النعمة الكبرى في حياتنا، ليست لأنها عنوان اللذة والنشوة، بل لأنها الحياة ذاتها.

ولذلك لا تستغربوا إن عشقناها بكل تفاصيلها، بجنونها، بهدوئها، بمناطقها المحظورة وغير المحظورة، ولا تستغربوا إن عطشنا وقد حرمنا ماءها، ولا تستغربوا إن شعرنا بالموت إن استعصت علينا وقررت أن تكون الإعصار الذي يقلب السفينة في عُرْضِ البحر، ولا تستغربوا أنها تستطيع ذلك، فالمرأة بنت الطبيعة، وهما معا يعذبان أو يسعدان، فلتحسنوا التمتع بما وهبتم، ولكم من بعد ذلك طول البقاء في جنة النساء.

المصدر: فراس حج محمد
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 278 مشاهدة

فراس عمر حج محمد

ferasomar
الموقع الخاص بــ "فراس حج محمد" »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

727,084

فراس حج محمد

نتيجة بحث الصور عن فراس حج محمد كنانة أون لاين

من مواليد مدينة نابلس في فــلسطين عــام 1973م، حاصل على درجة الماجستير في الأدب الفلسطيني الحديث من جامعة النجاح الوطنية. عمل معلما ومشرفا تربويا ومحاضرا غير متفرغ في جامعة القدس المفتوحة. 

عمل محررا لغويا في مجلتي الزيزفونة للأطفال/ رام الله، وشارك في إعداد مواد تدريبية في وزارة التربية والتعليم الفلسطينية، وكان عضوا في هيئة تحرير مجلة القانون الدولي الإنساني/ الإصدار الثاني الصادرة عن وزارة التربية والتعليم في فلسطين.

نشر العديد من المـقالات والقـصائد في مـجالات النشر المختلفة الإلـكترونية والصحف والمجلات في فلسطين والوطن العربي وبريطانيا وأمريكا وكندا والمكسيك. وشارك في ندوات وأمسيات شعرية ومؤتمرات في فلسطين.

الكتب المطبوعة: 

رسائــل إلى شهرزاد، ومــن طقوس القهوة المرة، صادران عن دار غُراب للنشر والتوزيع في القاهرة/ 2013، ومجموعة أناشيد وقصائد/ 2013، وكتاب ديوان أميرة الوجد/ 2014، الصادران عن جمعية الزيزفونة لتنمية ثقافة الطفل/ رام الله، وكتاب "دوائر العطش" عن دار غراب للنشر والتوزيع. وديوان "مزاج غزة العاصف، 2014، وكتاب "ملامح من السرد المعاصر- قراءات في القصة القصيرة جدا- دار موزييك/ الأردن وديوان "وأنت وحدك أغنية" عن دار ليبرتي/ القدس وبالتعاون مع بيت الشعر في فلسطين، وكتاب "يوميات كاتب يدعى X"، وكتاب "كأنها نصف الحقيقية" /الرقمية/ فلسطين، وكتاب "في ذكرى محمود درويش"، الزيزفونة 2016، وكتاب "شهرزاد ما زالت تروي- مقالات في المرأة والإبداع النسائي"، الرقمية، 2017، وديوان "الحب أن"، دار الأمل، الأردن، 2017. وكتاب "ملامح من السرد المعاصر- قراءات في الرواية"، مكتبة كل شي، حيفا، 2017. وكتاب "ملامح من السرد المعاصر- قراءات في متنوع السرد"، مؤسسة أنصار الضاد، أم الفحم، 2018، وديوان "ما يشبه الرثاء"، دار طباق للنشر والتوزيع، رام الله، 2019، وكتاب "بلاغة الصنعة الشعرية"، دار روافد للنشر والتوزيع، القاهرة، 2020. وكتاب "نِسوة في المدينة"، دار الرعاة وجسور ثقافية، رام الله، وعمّان، 2020. وكتاب "الإصحاح الأوّل لحرف الفاء- أسعدتِ صباحاً يا سيدتي"، دار الفاروق للنشر والتوزيع، نابلس، 2021. وكتاب "استعادة غسان كنفاني"، دار الرعاة وجسور ثقافية، رام الله، وعمّان، 2021، وكتيّب "من قتل مدرّس التاريخ؟"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2021. وديوان "وشيء من سردٍ قليل"، وزارة الثقافة الفلسطينية، رام الله، 2021. وديوان "على حافّة الشعر: ثمّة عشق وثمّة موت"، دار البدوي، ألمانيا، 2022. وكتاب "الكتابة في الوجه والمواجهة"، الرعاة وجسور ثقافية، رام الله وعمان، 2023. وكتاب "متلازمة ديسمبر"، دار بدوي، ألمانيا، 2023. وكتاب "في رحاب اللغة العربية"، دار بدوي، ألمانيا، 2023، وكتاب "سرّ الجملة الاسميّة"، دار الرقمية، فلسطين، 2023. وكتاب "تصدّع الجدران- عن دور الأدب في مقاومة العتمة"، دار الرعاة وجسور ثقافية، رام الله وعمّان، 2023، وديوان "في أعالي المعركة"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2023، وكتاب "مساحة شخصية- من يوميات الحروب على فلسطين"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2024، وكتاب "الثرثرات المحببة- الرسائل"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2024، وكتاب "فتنة الحاسة السادسة- تأملات حول الصور"، دار الفاروق للثقافة، نابلس، 2025. 

حررت العديد من الكتب، بالإضافة إلى مجموعة من الكتب والدواوين المخطوطة. 

كتب عن هذه التجربة الإبداعية العديد من الكتاب الفلسطينيين والعرب، وأجريت معي عدة حوارات ولقاءات تلفزيونية.