فراس حج محمد

موقع يختص بمنشورات صاحبه: مقالات، قصائد، أخبار

متى سنزيل النقطة عن الــ (غ)؟

فراس حج محمد| فلسطين

لا أظن أن مونديال قطر 2022 كان حدثا عاديا، بل إنه كل مختلفا جدا في كثير من المسائل، ليست رياضية بالدرجة الأولى، إنما كسرت قواعد وقوانين كان متعارفا عليها دوليا، فجاء هذا الحدث وغيّرها، أو على الأقل هزّ أركانها قبل أن تهزّ الكرة شباك الخصوم، وهزت الوعي العام العالمي في مسائل سياسية واجتماعية ودينية، بلغة أخرى كان مونديالا ثقافيا قبل أن يكون حدثا للرياضة الأكثر شعبية في العالم.

بطبعي، لا أحب كرة القدم، ونادرا ما تابعت مباراة بين فريقين، لكن هذا المونديال غير قناعاتي الرياضية، فصرت محبا للرياضة وشغوفا بها، لست وحدي في هذا، كثيرون مثلي، دفعتهم الظروف المحيطة بالمونديال لمتابعة الأخبار، ومشاهدة "الماتشات"، ليس من أجل المغرب وحدها، بل من أجل أن نتعرف على مجموعة الفرق المتأهلة في كل دور من الأدوار، لنكتشف أن خريطة العالم بدأت تتغير في كرة القدم، ولعلّ ذلك إيذانا بالتغيّر في حقول أخرى.

لقد خرجت فرق لم يكن لها أن تخرج بسهولة من التنافس، بكى لاعبون مشهورون ندما وحسرة؛ لأنهم قد خسروا، جماهير غفيرة انتابها الذهول فانكسرت شكيمتها وعنجهيتها التي بنتها لها الأنظمة الاستعمارية التي حاولت أن تضع قواعد لكل شيء، في الرياضة، وفي الأدب، وفي النقد الأدبي، وفي البحث العلمي، وفي الفلسفة، وفي الصناعة واللباس والإتيكيت، وفي قواعد الحكم الرشيد، فغدا كل شيء ذا بصمة غربية.

هذا المونديال ارتفع فيه منسوب الإحساس بأننا أمة واحدة، اجتمعت على هدف، ولو بدا بسيطا، وصار المنتخب المغربي منتخبا قوميا عربيا يحمل همّا قوميا بضرورة تجاوز الغرب وقواعده التي أطّر العالم فيها، ليلتفّ المشجعون حول فريقهم القومي، متجاوزين رغباتهم الشخصية في متابعة الأندية الغربية وتشجيعها، وبدا الكل عربيا، مغربياً.

لقد انعتقت الجماهير- ولو مؤقتاً- من قيود سايكس بيكو، وتفلتت من قيود الشرق الأوسط الجديد، ومن قيود خارطة الطريق، ومن قيود التطبيع، لقد خيبت تلك الجماهير تطلعات حكام الأنظمة العربية ومَن وراءهم من الأسياد في ترسيخ الشرذمة والتفكك والطائفية، ليندمج الكل العربي في مشاعر وحدوية واحدة، لقد جمعهم حلم كروي، ولم يحدث أن مرّ العرب بهذه الحالة من الاجتياح القومي العارم منذ فترة بعيدة، وقد دفعهم المونديال لتتناسى الشعوب تلك المآزق التي وضعها فيها حكامها، فعلى سبيل المثال، لم يلتفت الفلسطينيون لتطبيع النظام المغربي، ولم يلتفت الجزائريون لما بين النظام المغربي والجزائري من سوء فهم، فانحازوا نحو المغرب وفريق المغرب ولاعبيه.

هذا المونديال حاصر السياسيين وقوقعهم وجعلهم يخنسون، أولئك الذين كانوا يراهنون على ضياع العمق العربي القومي للقضية الفلسطينية بفعل اتفاقيات أبراهام المشؤومة، لنراها وقد حضرت فلسطين عالميا، وليس عربيا فقط. لقد كسرت كل الأطواق المفروضة عليها لتكون حدثا موازيا للأحداث الكروية، ونجحت الظروف في محاصرة الإعلام المعادي وتقزيمه إلى أقصى حد ممكن. ولذا فقد كان المونديال مفخخا بالسياسة كما كان مفخخا بالثقافية العربية الخاصة، فأعاد هذا المونديال التفكير بالخصوصية الثقافية، فتجرّع أصحاب العولمة كأس اليأس بعد أن وجدوا ما وجدوه من بُعد ثقافي يحكم الضيوف والمشجعين، ودفع كثيرين من المشجعين الغربيين إلى الاقتراب من الثقافة الإسلامية والمسلمين ومفردات الثقافة الإسلامية في دولة قطر، فلبسوا لباسهم، وأكلوا أكلهم، وشربوا من مشروباتهم، وأطالوا النظر فيما وراء هذه الحياة العربية في هذا الجزء "المحلوب" المستعمر من تلك الدول.

لقد نجح هذا المونديال في زعزعة النقطة عن الغين، ولو قليلا، ليبدو كل شيء أنه عربي لا غربي، فهل سننجح بإزالة النقطة عن ال (غ) في كل مناحي حياتنا نهائيا وإلى الأبد؟ أتمنى أن ينجح العرب في إعادة الاعتبار لذاتهم القومية ليستمر الإحساس بالنشوة إلى آفاق أبعد من الرياضة لنستطيع تغيير قواعد اللعب الدولية الغربية لتكون قواعد عربية، فقد أثبت المونديال أننا قادرون على صنع ما كان يبدو مستحيلاً، لقد كان المونديال خطوة نحو ذلك، فلا تجعلوا هذه الخطوة تذوب في الفراغ.

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 215 مشاهدة
نشرت فى 11 ديسمبر 2022 بواسطة ferasomar

فراس عمر حج محمد

ferasomar
الموقع الخاص بــ "فراس حج محمد" »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

727,699

فراس حج محمد

نتيجة بحث الصور عن فراس حج محمد كنانة أون لاين

من مواليد مدينة نابلس في فــلسطين عــام 1973م، حاصل على درجة الماجستير في الأدب الفلسطيني الحديث من جامعة النجاح الوطنية. عمل معلما ومشرفا تربويا ومحاضرا غير متفرغ في جامعة القدس المفتوحة. 

عمل محررا لغويا في مجلتي الزيزفونة للأطفال/ رام الله، وشارك في إعداد مواد تدريبية في وزارة التربية والتعليم الفلسطينية، وكان عضوا في هيئة تحرير مجلة القانون الدولي الإنساني/ الإصدار الثاني الصادرة عن وزارة التربية والتعليم في فلسطين.

نشر العديد من المـقالات والقـصائد في مـجالات النشر المختلفة الإلـكترونية والصحف والمجلات في فلسطين والوطن العربي وبريطانيا وأمريكا وكندا والمكسيك. وشارك في ندوات وأمسيات شعرية ومؤتمرات في فلسطين.

الكتب المطبوعة: 

رسائــل إلى شهرزاد، ومــن طقوس القهوة المرة، صادران عن دار غُراب للنشر والتوزيع في القاهرة/ 2013، ومجموعة أناشيد وقصائد/ 2013، وكتاب ديوان أميرة الوجد/ 2014، الصادران عن جمعية الزيزفونة لتنمية ثقافة الطفل/ رام الله، وكتاب "دوائر العطش" عن دار غراب للنشر والتوزيع. وديوان "مزاج غزة العاصف، 2014، وكتاب "ملامح من السرد المعاصر- قراءات في القصة القصيرة جدا- دار موزييك/ الأردن وديوان "وأنت وحدك أغنية" عن دار ليبرتي/ القدس وبالتعاون مع بيت الشعر في فلسطين، وكتاب "يوميات كاتب يدعى X"، وكتاب "كأنها نصف الحقيقية" /الرقمية/ فلسطين، وكتاب "في ذكرى محمود درويش"، الزيزفونة 2016، وكتاب "شهرزاد ما زالت تروي- مقالات في المرأة والإبداع النسائي"، الرقمية، 2017، وديوان "الحب أن"، دار الأمل، الأردن، 2017. وكتاب "ملامح من السرد المعاصر- قراءات في الرواية"، مكتبة كل شي، حيفا، 2017. وكتاب "ملامح من السرد المعاصر- قراءات في متنوع السرد"، مؤسسة أنصار الضاد، أم الفحم، 2018، وديوان "ما يشبه الرثاء"، دار طباق للنشر والتوزيع، رام الله، 2019، وكتاب "بلاغة الصنعة الشعرية"، دار روافد للنشر والتوزيع، القاهرة، 2020. وكتاب "نِسوة في المدينة"، دار الرعاة وجسور ثقافية، رام الله، وعمّان، 2020. وكتاب "الإصحاح الأوّل لحرف الفاء- أسعدتِ صباحاً يا سيدتي"، دار الفاروق للنشر والتوزيع، نابلس، 2021. وكتاب "استعادة غسان كنفاني"، دار الرعاة وجسور ثقافية، رام الله، وعمّان، 2021، وكتيّب "من قتل مدرّس التاريخ؟"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2021. وديوان "وشيء من سردٍ قليل"، وزارة الثقافة الفلسطينية، رام الله، 2021. وديوان "على حافّة الشعر: ثمّة عشق وثمّة موت"، دار البدوي، ألمانيا، 2022. وكتاب "الكتابة في الوجه والمواجهة"، الرعاة وجسور ثقافية، رام الله وعمان، 2023. وكتاب "متلازمة ديسمبر"، دار بدوي، ألمانيا، 2023. وكتاب "في رحاب اللغة العربية"، دار بدوي، ألمانيا، 2023، وكتاب "سرّ الجملة الاسميّة"، دار الرقمية، فلسطين، 2023. وكتاب "تصدّع الجدران- عن دور الأدب في مقاومة العتمة"، دار الرعاة وجسور ثقافية، رام الله وعمّان، 2023، وديوان "في أعالي المعركة"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2023، وكتاب "مساحة شخصية- من يوميات الحروب على فلسطين"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2024، وكتاب "الثرثرات المحببة- الرسائل"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2024، وكتاب "فتنة الحاسة السادسة- تأملات حول الصور"، دار الفاروق للثقافة، نابلس، 2025. 

حررت العديد من الكتب، بالإضافة إلى مجموعة من الكتب والدواوين المخطوطة. 

كتب عن هذه التجربة الإبداعية العديد من الكتاب الفلسطينيين والعرب، وأجريت معي عدة حوارات ولقاءات تلفزيونية.