فراس حج محمد

موقع يختص بمنشورات صاحبه: مقالات، قصائد، أخبار

authentication required

نص من كتاب "متلازمة ديسمبر"

مقاربة أوليّة بين جولييت شكسبير و(فاء نون) وأنا

فراس حج محمد| فلسطين

هذه هي المقاربة الثالثة التي أبحث فيها عن أشباهي في الحبّ، بعد أن قاربتُ سابقا بيني وبين باريس ومحبوبته أثينا المتزوجة التي اختطفها باريس لتكون معشوقته، وأدى ذلك إلى إشعال حرب. هذه الأمثولة الأسطورية كادت تنطبق عليّ وعلى (فاء نون) لولا اشتعال الحروب التي لم تكن لتحدث. ومع ذلك تبقى هي المقاربة الأقرب شبهاً بحالتي.

المقاربة الثانية هي مقاربة غسان كنفاني وغادة السمان، وهي مقاربة لها ما يبررها في عالمَيِ الحب والكتابة بالنسبة إليّ. تجمع هذه المقاربة الزواج والكتابة معاً، و(فاء نون) وأنا تجمعنا هاتان الصفتان الزواج والكتابة. إننا لم نلتقِ كثيرا على صعيد الكتابة، كما أننا لم نلتقِ قطّ، ولن نلتقي أبداً، على صعيد التقارب الحسيّ (الجنسي) بحكم الزواج؛ فأنا لا أضعُ قلمي في محبرة غيري، هذا المانع الأعظم، لكنّ هذه المقاربة أكثر واقعية من أسطورة باريس وأثينا، لارتباطها بأشخاص حقيقيين واقعيين، نعرف طرفيِ العلاقة، أو على الأقل نعرف واحدا منهما، وما زال حيّا، يشعّ رمزية لهذه العلاقة الملتبسة.

المقاربة الثالثة؛ مقاربة جولييت شكسبير وأنا، وأظن أن المقاربة فيها شيء من التشابه، ويأتي هذا التشابه من أن جولييت لم تتزوج بروميو، وأصبحت مثالا على كلّ محبوبة لن تنال، كما هي (فاء نون)، محبوبة موجودة، تعيش وتتنفس الهواء نفسه، وتسير تحت السماء ذاتها، وترى النجوم التي أراها، وتنظر إلى القمر الذي أنظر إليه، أراها وتراني، تعاندني وأعاندها، أشتهيها، وتشتهيني، إلا أنها امرأة لا تنال، وهي وأنا شقيّان بهذا القدر، فلا هي باقية لترويني وأرويها، ولا هي راحلة لأنساها. إنها ما زلت تعيش في تلك المنطقة التي وصفتْها هي؛ منطقة "البين بين". الفارق الوحيد بيننا وبين روميو وجولييت أننا لم نمت إلى الآن بفعل هذا الحب القاتل.

هذا وجه من وجوه المقاربة، أما الوجه الثاني فشكسبير شاعر، وأنا أكتب الشعر، بل إنني و(فاء نون) نكتب الشعر، هل يكفي أن نكون شاعرين ليحدث هذا الحب الذي لا يُنال له ثمرة. في صباي المبكر قرأت واحدة من مسرحيات شكسبير، لست أذكر اسمها، ولا أظن أنها روميو وجولييت، كنت في الثالثة عشرة أو الرابعة عشرة من عمري الشقيّ. ثم قرأت بعد التورّط في هذا الحب شكسبير شاعراً مترجماً في مجموعة السونيتات، قرأته عرَضاً غير قاصدٍ أن أقرأه لغير هدف المتعة في القراءة، واكتشفت مقاربة أخرى لي معه.

كان الاكتشاف مذهلاً في الحقيقة، تحدث شكسبير عن الكذب في إحدى قصائده، وأنا تحدثت عن الكذب في واحدة من قصائد العتاب القاسية لـــ (فاء نون)، لم أكن قد قرأت ما قاله شكسبير عن الكذب، عدت إلى المقارنة بين النصين، تشابه غريب بيني وبين شكسبير في التعامل مع "الحبيبة الكاذبة".

يؤكد نص شكسبير أن العشاق يتشابهون في التجربة. (فاء نون) مكثت زمنا طويلا تكذب عليّ، لكنني كنت مغفّلاً وصدقت تلك الكذبات- شكسبير كان يعلم ذلك- كانت كذبات صغيرة كثيرة، وثمة كذبة كبيرة جارحة وصادمة. لقد خلّفت فيّ (فاء نون) وجعا أسطوريا لن يموت، حاولت أن أقتله في هذه الكتابة التي فيها الكثير من "التشفي" من الذات وممّا حدث لها، ولكن على ما يبدو أنه لا شفاء من ألم هذا الحبّ الذي هو من نوع هذا الحبّ السامّ، الخطير جداً.

أحاول كثيراً أن أنسى، لكنّ شكسبير يذكّرني فأكتبُ شعراً، وباريس يذكّرني فأكتب سرداً، وغادة السمان تذكرني فتوجعني جمرة الاشتياق الخبيثة، وفي كل الحالات أحاول أن أفلت من فخّ الكذب والحبّ والحرب. فأين منها المهربُ؟ يهجم عليّ قول أحد الشعراء الساذجين أمثالي: "أريد لأنسى ذكرها فكأنّما تمثّل لي ليلى بكلّ سبيل". إنّها ليلايَ التي لا تنقطع عن التعرّض لي في كل حرف كتبته أو سأكتبه. يا له من وجعٍ يا إلهي!

أعتقد أن المسألة بحاجة إلى كثير من الشجاعة، وأنا جبان جدا في هذا الحبّ الذي أفقدني توازني، أو كاد.

المصدر: فراس حج محمد
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 192 مشاهدة
نشرت فى 14 نوفمبر 2022 بواسطة ferasomar

فراس عمر حج محمد

ferasomar
الموقع الخاص بــ "فراس حج محمد" »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

722,605

فراس حج محمد

نتيجة بحث الصور عن فراس حج محمد كنانة أون لاين

من مواليد مدينة نابلس في فــلسطين عــام 1973م، حاصل على درجة الماجستير في الأدب الفلسطيني الحديث من جامعة النجاح الوطنية. عمل معلما ومشرفا تربويا ومحاضرا غير متفرغ في جامعة القدس المفتوحة. 

عمل محررا لغويا في مجلتي الزيزفونة للأطفال/ رام الله، وشارك في إعداد مواد تدريبية في وزارة التربية والتعليم الفلسطينية، وكان عضوا في هيئة تحرير مجلة القانون الدولي الإنساني/ الإصدار الثاني الصادرة عن وزارة التربية والتعليم في فلسطين.

نشر العديد من المـقالات والقـصائد في مـجالات النشر المختلفة الإلـكترونية والصحف والمجلات في فلسطين والوطن العربي وبريطانيا وأمريكا وكندا والمكسيك. وشارك في ندوات وأمسيات شعرية ومؤتمرات في فلسطين.

الكتب المطبوعة: 

رسائــل إلى شهرزاد، ومــن طقوس القهوة المرة، صادران عن دار غُراب للنشر والتوزيع في القاهرة/ 2013، ومجموعة أناشيد وقصائد/ 2013، وكتاب ديوان أميرة الوجد/ 2014، الصادران عن جمعية الزيزفونة لتنمية ثقافة الطفل/ رام الله، وكتاب "دوائر العطش" عن دار غراب للنشر والتوزيع. وديوان "مزاج غزة العاصف، 2014، وكتاب "ملامح من السرد المعاصر- قراءات في القصة القصيرة جدا- دار موزييك/ الأردن وديوان "وأنت وحدك أغنية" عن دار ليبرتي/ القدس وبالتعاون مع بيت الشعر في فلسطين، وكتاب "يوميات كاتب يدعى X"، وكتاب "كأنها نصف الحقيقية" /الرقمية/ فلسطين، وكتاب "في ذكرى محمود درويش"، الزيزفونة 2016، وكتاب "شهرزاد ما زالت تروي- مقالات في المرأة والإبداع النسائي"، الرقمية، 2017، وديوان "الحب أن"، دار الأمل، الأردن، 2017. وكتاب "ملامح من السرد المعاصر- قراءات في الرواية"، مكتبة كل شي، حيفا، 2017. وكتاب "ملامح من السرد المعاصر- قراءات في متنوع السرد"، مؤسسة أنصار الضاد، أم الفحم، 2018، وديوان "ما يشبه الرثاء"، دار طباق للنشر والتوزيع، رام الله، 2019، وكتاب "بلاغة الصنعة الشعرية"، دار روافد للنشر والتوزيع، القاهرة، 2020. وكتاب "نِسوة في المدينة"، دار الرعاة وجسور ثقافية، رام الله، وعمّان، 2020. وكتاب "الإصحاح الأوّل لحرف الفاء- أسعدتِ صباحاً يا سيدتي"، دار الفاروق للنشر والتوزيع، نابلس، 2021. وكتاب "استعادة غسان كنفاني"، دار الرعاة وجسور ثقافية، رام الله، وعمّان، 2021، وكتيّب "من قتل مدرّس التاريخ؟"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2021. وديوان "وشيء من سردٍ قليل"، وزارة الثقافة الفلسطينية، رام الله، 2021. وديوان "على حافّة الشعر: ثمّة عشق وثمّة موت"، دار البدوي، ألمانيا، 2022. وكتاب "الكتابة في الوجه والمواجهة"، الرعاة وجسور ثقافية، رام الله وعمان، 2023. وكتاب "متلازمة ديسمبر"، دار بدوي، ألمانيا، 2023. وكتاب "في رحاب اللغة العربية"، دار بدوي، ألمانيا، 2023، وكتاب "سرّ الجملة الاسميّة"، دار الرقمية، فلسطين، 2023. وكتاب "تصدّع الجدران- عن دور الأدب في مقاومة العتمة"، دار الرعاة وجسور ثقافية، رام الله وعمّان، 2023، وديوان "في أعالي المعركة"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2023، وكتاب "مساحة شخصية- من يوميات الحروب على فلسطين"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2024، وكتاب "الثرثرات المحببة- الرسائل"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2024، وكتاب "فتنة الحاسة السادسة- تأملات حول الصور"، دار الفاروق للثقافة، نابلس، 2025. 

حررت العديد من الكتب، بالإضافة إلى مجموعة من الكتب والدواوين المخطوطة. 

كتب عن هذه التجربة الإبداعية العديد من الكتاب الفلسطينيين والعرب، وأجريت معي عدة حوارات ولقاءات تلفزيونية.