فراس حج محمد

موقع يختص بمنشورات صاحبه: مقالات، قصائد، أخبار

ويحدث أن يموت الحبّ في عيد الحبّ

 فراس حج محمد| فلسطين

في الرابع عشر من شباط عام 2021 كان آخر يوم ألتقي به بالمرأة التي أحبّتني تسع سنوات. بعدها بيوم واحد فقط ابتدأ مشوار القطيعة باتصال غاضب. أطول علاقة حبّ لي مع امرأة كانت نهايتها في عيد الحبّ. أيّ مفارقة هذه؟

في ذلك اليوم كنت منتشياً وفرحاً وأعددت له عدّته، شذّبت شعر رأسي، واغتسلت ولبست أجمل ما لديّ، وحملت هديّتي؛ نسخة من كتابي الجديد، وتحرّرت من العمل، وتوجّهت إليها لتكون في استقبالي، هناك في مطعم فاره في مدينة رام الله. مكثنا أربع ساعات، تحدّثنا كثيراً واشتهينا كثيراً، وتغزّلت بها، والتقطتُّ لي ولها صورا والتقطتْ لي ولها أيضاً صورة ما زلت أعود إليها كلّما استبد بي الحنين، وأهدتني هديّتها كذلك.

كان يوماً فائضاً بكلّ شيء؛ فقد امتلأتُ بها، وامتلأتْ بي، عندما خرجنا من المطعم وهبطنا إلى الشارع، ذرعناه مشياً على الأقدام لأوصلها حيث تريد، ولأستقلّ سيارة الأجرة عائداً إلى البيت.

كتبتُ عن ذلك اليوم قصيدة شهوة حيث أثارتني بكلّ شيء فيها ونحن نقف بانتظار المصعد، قوامها المكتنز، صدرها العارم، عجيزتها الناضجة، رائحتها المُسكرة، ضحكتها الفاتنة، شبابها الفائر، حبّها للحياة وللناس ولي ولأبنائها. كانت راضية تماماً عن ذلك اللقاء، وفرحتْ جدّاً بالهديّة. فقد اعتدت أن أفاجئها كلّ عيد حبّ بهدية مجزية، ثلاثة أعياد حبّ، أهديتها في كلّ واحد منها كتاباً ألّفته لها، أحد تلك الكتب لم أطبع منه سوى ستّ نسخ فقط؛ واحدة لي، وأخرى لها. وأربع نسخ وزعتها على من هم مثلي ومثلها من العاشقين.

هي تعرف أنّ للحبّ طقوساً مقدّسة عندي، وأنّه أهمّ حدث في حياتي، وأقدّمه على العمل، وعلى الكتابة، فلا شيء يستحقّ أن يكون أوّلاً سوى حبّها ولقائها، عقب ذلك اللقاء بيوم واحد وضعت حدّاً لتسع سنوات كاملة. كانت أنانيّة جداً؛ قسّمت الحب؛ "فهذا لي وهذا لك"، شعرتُ أنّه لا أمل لأنْ نعود كما كنّا قبل يوم واحد، تركتها لتهدأ، وها هو عيد الحبّ يأتي بعد عام وما زالت تقول: "هذا لي وهذا لك"، وافترقنا، كأن فرقتنا أبديّة.

حاولت أمس الاتّصال بها، لم أفلح بسماع صوتها، لأقول لها شيئاً، ولو "صباح الخير". ربّما كانت مشغولة كما أوهمتُ نفسي، لكنّها لم تعاود الاتّصال بي كما كانت تفعل، انتظرتها كثيراً، وكلّما رنّ الهاتف خفق قلبي، ليخيب في كلّ مرّة خيبة مضاعفة. ولدت علاقتنا في سبتمبر عام 2012 وها هي تموت في الخامس عشر من شباط 2021. انتهى كلّ شيء، وضاع الحبّ والشعر، وفقدت الكتب معناها، وفرغت الكتابة من مبرر وجودها. يا للمصادفة التعيسة الحظّ، لقد كان أمس أسوأ يوم، يوم مليء بالمشاكل في العمل وشدّ الأعصاب.

المحزن في هذه العلاقة أنّها طويلة وحقيقيّة وخائبة جدّاً، لم أظفر فيها بشيء على مدى تلك السنوات الطويلة. أقصى ما استطعت الوصول إليه صورة ومسكة يد وتأمّل جسمها في لقاءاتنا المتكرّرة في مطاعم رام الله ونابلس.

هل كان الأمر تافهاً إلى هذا الحدّ لينتهي بهذه البساطة؟ لقد كانت تبكي عندما أطيل الغياب أو "أحرد" عنها. هل من الممكن أن تكون قد قتلت شوقها بقتلي، وأقنعت قلبها أنّني لا أستحقّ التذكّر والبكاء واللقاء والحبّ.

في آخر لقاء عابر رأيتها فيه قبل عشرين يوماً تقريباً، تحاشيتُ أن أنظر إلى عينيها، وهي كذلك لم تنظر إلى عينيّ، لأنّها لو أمعنت فيهما النظر لرأت أنّني مهزوم، ولم أعد قادراً على المقاومة. ربّما عرفت ذلك عندما غضّت الطرف، وأشاحت عنّي بوجهها الذي بدا على ملامحه الحزن، كان شاحباً ومنطفئاً.

عندما التقينا ذلك اليوم لم تضحك كعادتها، ولم تطل المكوث، وغادرت على عجل، فما الذي أتى بها إلى هناك حيث أنا المهدوم والمهزوم؟ هل جاءت لتشمت بي بعد كلّ هذا البؤس؟ أظنّ أنّ شيئاً ما دفعها لتأتي، لكنّه ليس الحبّ بكلّ تأكيد، فما الذي أمات الحبّ في قلبها يا ترى؟

المصدر: فراس حج محمد
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 143 مشاهدة
نشرت فى 17 فبراير 2022 بواسطة ferasomar

فراس عمر حج محمد

ferasomar
الموقع الخاص بــ "فراس حج محمد" »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

724,944

فراس حج محمد

نتيجة بحث الصور عن فراس حج محمد كنانة أون لاين

من مواليد مدينة نابلس في فــلسطين عــام 1973م، حاصل على درجة الماجستير في الأدب الفلسطيني الحديث من جامعة النجاح الوطنية. عمل معلما ومشرفا تربويا ومحاضرا غير متفرغ في جامعة القدس المفتوحة. 

عمل محررا لغويا في مجلتي الزيزفونة للأطفال/ رام الله، وشارك في إعداد مواد تدريبية في وزارة التربية والتعليم الفلسطينية، وكان عضوا في هيئة تحرير مجلة القانون الدولي الإنساني/ الإصدار الثاني الصادرة عن وزارة التربية والتعليم في فلسطين.

نشر العديد من المـقالات والقـصائد في مـجالات النشر المختلفة الإلـكترونية والصحف والمجلات في فلسطين والوطن العربي وبريطانيا وأمريكا وكندا والمكسيك. وشارك في ندوات وأمسيات شعرية ومؤتمرات في فلسطين.

الكتب المطبوعة: 

رسائــل إلى شهرزاد، ومــن طقوس القهوة المرة، صادران عن دار غُراب للنشر والتوزيع في القاهرة/ 2013، ومجموعة أناشيد وقصائد/ 2013، وكتاب ديوان أميرة الوجد/ 2014، الصادران عن جمعية الزيزفونة لتنمية ثقافة الطفل/ رام الله، وكتاب "دوائر العطش" عن دار غراب للنشر والتوزيع. وديوان "مزاج غزة العاصف، 2014، وكتاب "ملامح من السرد المعاصر- قراءات في القصة القصيرة جدا- دار موزييك/ الأردن وديوان "وأنت وحدك أغنية" عن دار ليبرتي/ القدس وبالتعاون مع بيت الشعر في فلسطين، وكتاب "يوميات كاتب يدعى X"، وكتاب "كأنها نصف الحقيقية" /الرقمية/ فلسطين، وكتاب "في ذكرى محمود درويش"، الزيزفونة 2016، وكتاب "شهرزاد ما زالت تروي- مقالات في المرأة والإبداع النسائي"، الرقمية، 2017، وديوان "الحب أن"، دار الأمل، الأردن، 2017. وكتاب "ملامح من السرد المعاصر- قراءات في الرواية"، مكتبة كل شي، حيفا، 2017. وكتاب "ملامح من السرد المعاصر- قراءات في متنوع السرد"، مؤسسة أنصار الضاد، أم الفحم، 2018، وديوان "ما يشبه الرثاء"، دار طباق للنشر والتوزيع، رام الله، 2019، وكتاب "بلاغة الصنعة الشعرية"، دار روافد للنشر والتوزيع، القاهرة، 2020. وكتاب "نِسوة في المدينة"، دار الرعاة وجسور ثقافية، رام الله، وعمّان، 2020. وكتاب "الإصحاح الأوّل لحرف الفاء- أسعدتِ صباحاً يا سيدتي"، دار الفاروق للنشر والتوزيع، نابلس، 2021. وكتاب "استعادة غسان كنفاني"، دار الرعاة وجسور ثقافية، رام الله، وعمّان، 2021، وكتيّب "من قتل مدرّس التاريخ؟"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2021. وديوان "وشيء من سردٍ قليل"، وزارة الثقافة الفلسطينية، رام الله، 2021. وديوان "على حافّة الشعر: ثمّة عشق وثمّة موت"، دار البدوي، ألمانيا، 2022. وكتاب "الكتابة في الوجه والمواجهة"، الرعاة وجسور ثقافية، رام الله وعمان، 2023. وكتاب "متلازمة ديسمبر"، دار بدوي، ألمانيا، 2023. وكتاب "في رحاب اللغة العربية"، دار بدوي، ألمانيا، 2023، وكتاب "سرّ الجملة الاسميّة"، دار الرقمية، فلسطين، 2023. وكتاب "تصدّع الجدران- عن دور الأدب في مقاومة العتمة"، دار الرعاة وجسور ثقافية، رام الله وعمّان، 2023، وديوان "في أعالي المعركة"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2023، وكتاب "مساحة شخصية- من يوميات الحروب على فلسطين"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2024، وكتاب "الثرثرات المحببة- الرسائل"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2024، وكتاب "فتنة الحاسة السادسة- تأملات حول الصور"، دار الفاروق للثقافة، نابلس، 2025. 

حررت العديد من الكتب، بالإضافة إلى مجموعة من الكتب والدواوين المخطوطة. 

كتب عن هذه التجربة الإبداعية العديد من الكتاب الفلسطينيين والعرب، وأجريت معي عدة حوارات ولقاءات تلفزيونية.