همسةٌ حتى المرّيخ بحقِّ كتابِ "من قتل مُدرّس التاريخ؟"
السفير منجد صالح/ فلسطين
أولاً وحتى نكون على نور، نذرع طريقا "مدبوزا" بأضواء البنّور، ونعوذ بالله في مشينا في طريقنا هذا من كلِّ حاسدٍ غيور (من الغيرة)، فإن كتاب "من قتل مُدرّس التاريخ؟" هو من تأليف الكاتب المُبدع فراس حج محمد، صدر حديثا عن دار الفاروق في مدينة نابلس. ومدينة نابلس، لمن يعرفها ولمن لا يعرفها، نُعرّفها بأنها مدينة "شكيم" الكنعانيّة القديمة، تقع في الوادي الخصيب بين جبلي عيبال وجرزيم، وتمتاز تاريخيا ويرتبط اسمها، إلى جانب "جبال النار" التي "جندلت" المستعمر البريطاني بالأبطال الثوّار، بحلويات "الكنافة النابلسية" المُميّزة واللذيذة، يا هادي يا ساتر يا ستّار. من يتناول الغداء هنيئا مريئا في مطعم فريد الأطرش في لندن أم في مطعم الخليفة في بوغوتا أم في مطعم جبري وسط العاصمة الأردنية عمّان أم في دمشق أو بغداد، أو يتناول الحلويات في محلّ حلويات علاء الدين في رام الله أم في محل حلويات أبو صالحة في نابلس ذاتها، فإن طبق التحلية الرئيس والمُفضل والأكيد سيكون صحناً من الكنافة النابلسية، بالجبن البلدي، الساخنة الخارجة توّاً من الفرن و"المُغرّقة" بالقطر (العسل).
قصتي مع كتاب "من قتل مُدرّس التاريخ؟" قصةٌ تُحكى وحكاية تُروى بماء الذهب وبالرياحين تُسقى، فقد كنت اتفقت قبل أسبوعين مع الأديب الصديق فراس حج محمد أن نلتقي وعلى الموعد والوعد نبقى، للذهاب إلى مدينة بيت لحم، مهد السيد المسيح يسوع الناصري الفلسطيني، المُعذّب الأوّل، ومنها إلى مخيم الدهيشة للمشاركة في حفل اطلاق كتاب لأسير، بجهود طيبة ومباركة من الصديق المحامي الحيفاوي حسن عبّادي، صاحب مقولة: "لكل أسيرٍ كتاب"، يقدّمه عدد من الكتّاب على رأسهم الكاتب المُبدع عيسى قراقع، ريشته أفضل وأنجع وأبدع من تكتب مدادا زاخرا على جدران الزنازين وعلى شواهد قبور الشهداء.كان لقاؤنا في رام الله، تهيأت للانطلاق نحو الجنوب، في وزارة الثقافة، خيمتنا وارفة الظلال وواحتنا الجميلة الخضراء، بمائها العذب الزلال ومربط خيلنا الأصيلة فائقة الجمال. لكن ومع مزيد من الأسف اقترح "أبو عمر" (فراس) إلغاء الرحلة لضيق الوقت ولخشيتنا عدم إمكانية وصولنا في الوقت المناسب فالطريق طويلة طويلة عن طريق "وادي النار"، فنحن محرومون منذ سنوات، "بفضل بركات الاحتلال" من الوصول إلى بيت لحم عبر القدس. لكن أيضا وعلى أيّة حال كان فراس فرحا مزهوّا عندما قابلته على مدخل وزارة الثقافة، تنطّ وتفطّ البسمة من ثغره ويتحرّك بسرعة ورشاقة "ملهوفا" و"معجوقا" بعض الشيء. والسبب واضح وجلي ولا يحتاج إلى قارئ كف ولا إلى مُنجّم ولا حاوي لمعرفة سبب "زعطتة" صديقي وابتهاجه، فقد كان تسلّم في التوّ واللحظة والحال بعضا من مئة نسخة أو تزيد من كتابه الشعري الجديد "وشيء من سردٍ قليل" الذي نُشر للتوّ عن إصدارات وزارة الثقافة، وهو الكتاب الأول الذي يصدر له عن طريق وزارة الثقافة، .. أليس هذا سببا كافيا للبهجة والسرور والحُبور؟.ا لأديب فراس، وفي غمرة "عجقته، "استلّ" من "دبةّ" (طمبون) سيارة ابن عمّه كتابين، واستلّ من جيبه قلم حبرٍ وخطّ لي إهداء سريعا، وهو يتّكئ بالكتابين على ظهر السيارة المغبرّ قليلا: "إلى الصديق العزيز سعادة السفير منجد صالح مع الاحترام .. توقيع .. 16- 11- 2021.". ناولني الكتابين الجديدين الموقّعين بإهداءٍ مُتطابقٍ و"دسّ" نفسه في السيارة إلى جانب ابن عمّه مسرعا للعودة إلى نابلس، .. بالكاد طيّرت له شكري يتبعه وهو يتحرّك بالسيّارة على عجل.
تفحّصت عنواني الكتابين الأنيقين فاذا هما:"وشيء من سرد قليل"، شعر. و"من قتل مُدرّس التاريخ"، مقالات ورؤى ذاتيّة. أيامٌ وهما (الكتابان) بجانبي "أتهمم" أن "أتحركش" بهما لأسبر أغوار ما تحتويه دفّتي كلٍّ منهما من كنوز أم رموز، اخترت أولاً كتاب النثر، "من قتل مُدرّس التاريخ؟.. ما أن قبضت عليه بيديّ حتى قبض علي وأسرني في "محراب" متانة وبداعة مقالاته ورؤاه وأبعاده ومراميه وإصابة الهدف مباشرة من أوّل سهم دون حيد قيد أنملة نحو اليمين أو نحو اليسار ولكن في الطريق الرصين "العِدِل" المستقيم. لم يكن الفارس فراس فقط مدافعا عن النبي محمد صلى الله عليه وسلّم، وعن العروبة والإسلام والدين والعقيدة السمحة، وإنما خلق وألّف وأبدع في حياكة مقالاته وأفكاره ومعتقداته بخيوط من الرزانة والأصالة والمنطق السليم والمعرفة الأكيدة والسليمة "لأدائنا" و"لأدائهم" عبر التاريخ.
التناقض الأساسي يا سادة يا كرام والمعضلة الأساسية تتجلّى في كونها "التناقض والصراع الأزلي" ما بين الغرب المُتوحّش المتغطرس الفوقي الاستعماري الحقود القاسي البغيض وما بين الشرق البسيط الطيب "الساذج" الذي "يُدير خدّه الأيسر كلما تلقى لطمة على خدّه الأيمن".
الكتاب "من قتل مُدرّس التاريخ" تتزيّن صفحته الأولى (رقم 5) بإهداء الكاتب:"إلى كلّ من بذلوا نفوسهم وأموالهم من أجل محمد، صلى الله عليه وسلّم دفاعاً عنه ونصرةً له"(ف . ح). وأنت تقرأ هذا الكتاب، الوثيقة التاريخية والعقائدية، تجد نفسك تسير في مروجٍ خضراء من البلاغة والمتانة والصدق والانتماء والغيرة على النبي (ص) وعلى الدين الإسلامي الحنيف، أمام هرطقات الغرب الكاذب المُنافق (وخاصة فرنسا في هذه الحالة) وتصريحات وتفوّهات رئيسها إيمانويل ماكرون، الراقص منذ صغره مع معلّمته، زوجته حاليا وسيدة فرنسا الأولى، بريجيت ماري كلاود ماكرون، ولاعب الثلاث ورقات منذ نعومة أظفاره، صنيعة الماسونيّة العالمية والقوّة الخفيّة التي تُسيطر على هذا العالم ومقدّراته.
تتجوّل في مروجٍ من أشجار الفاكهة المُتنوّعة ذات المذاق الوطني والديني والذاتي بعناوين ومحتوى بديع رصين يصبّ في المصبّ ذاته، في الهدف نفسه، لينير ما هو مظلم ويسطع النور على ما هو مضيء.عناوين المقالات وكنهها ورؤى الكاتب الذاتية عصارة تجربته العقائدية وإيمانه الشديد بدينه وبالنبي (ص) خاتم المرسلين ورحمة للعالمين: "مانيفستو الدفاع عن المظلومين".."شارلي أبيدو بين غباء المُثقّف وتبعيّة الحاكم العربي"..."في باريس هذا هو العالم الأحمق" ..."العالم يحتاج المحبّة والإنسانية واحترام الآخر" ..."وقفة مع الحب: إني أحبك يا رسول الله"... وقد ذيّل الكاتب فراس حج محمد كتابه بـ"قصائد في مدح الرسول، صلى الله عليه وسلّم.
نعيش في أيّامنا هذه في زمن عربي وإسلامي وعالمي شديد التعقيد، لهذا آمل أن يأخذ هذا الكتاب "الكنز" حقه في النشر والتوزيع والقراءة والاستفادة وتراكم الخبرة والمعرفة والتجارب واستقاء الدروس والعبر... أمل ذلك الزعيم الثوري الكوبي فيدل كاسترو وبعد الهجوم الشبابي على حصن المونكادا الحصين التابع لقوّات الديكتاتور فلهنسيو باتيستا في مدينة سنتياغو دي كوبا، عام 1953، تمّ اعتقاله على اعتبار ترأسه للحزب الأرثوذكسي في حينه الذي نفّذ الهجوم، وكان قد تخرّج من كلية الحقوق كمحامٍ. وعند مثوله أمام محكمة الدكتاتور أصرّ أن يُدافع عن نفسه بنفسه، وكان عنوان وثيقة دفاعه تحت عنوان: "سيبرّؤني التاريخ". وخرج فيدل من المعتقل وتزعّم الثورة الكوبية العتيدة، برفقة التشي غيفارا وكاميلو سينفويغوس، ودخل هافانا العاصمة فاتحا ومُحرّرا ومنتصرا عام 1959.
ربما كتاب فراس "من قتل مُدرّس التاريخ" سيجد في أيّامنا هذه أصداء طيبة، نرجو ونأمل ذلك، لكن في أزمان أخرى وفي ظروف عربية وإسلامية أفضل سيكون هذا الكتاب شعلة ونبراسا مكانه وموقعه الطبيعي واللائق في مكتبات وفي صفوف الجامعات تُدرّس نصوصه أو بعضا منها كوثيقة عقائديّة سرمديّة للتاريخ. حينها سينصفها التاريخ .. وحتى المرّيخ.