فراس حج محمد

موقع يختص بمنشورات صاحبه: مقالات، قصائد، أخبار

الرسالة الخامسة والأربعون

إنّه لنهار مختلف

فراس حج محمد/ فلسطين

إنه نهار "الواحد والعشرون" من أيار لعام 2021

أسعدتِ صباحاً وأوقاتاً، وأرجو أن تكوني مثلي فرحة مسرورة بما أسفر عنه وجه الحرب الكالح. أما بعد:

لقد فاتني شرف انتظار اللحظة الحاسمة، فَرُحت في سبات عميق. ضرب على أذنيّ فلم أصحُ على وقع الرصاص الذي انطلق احتفالا بانتهاء الحرب على غزة بالشكل الذي انتهت إليه. الناس في غزة لم تنم واحتفلت، وفي رام الله، هتافات وسعادة وبهجة، إنها صورة أخرى من المقاومة الشعبية التي لم تخفت. لن يفهم المشهد إلا من صنعوه بعفوية، غزة قبل ساعات قليلة بل ربما قبل ساعة كانت تحت القصف والشهداء بالعشرات والجرحى والهدم والدمار، وبعد كل ذلك، ينهض الشعب الذي لم يهنأ بليلة واحدة على مدى أحد عشر يوماً ليحتفل. إن الشعب غير منهك، غير مهزوم، لا يشعر بالعار أو بالذل. على العكس من مدن محتلة، فعسقلان نعمت بليلة هادئة، فانسلّ السكان إلى غرف نومهم هادئين، "وبضدها تتميز الأشياء".

إنه لأمر عظيم ما جرى، وإن لم يكن كبيراً في المفاهيم السياسية، فظلت غزة محاصرة، وظلت فلسطين كل فلسطين محتلة، وظل بايدن يدعم إسرائيل، وظل المجتمع الدولي منحازا متواطئاً، لكن الدرس الأهم من كل ذلك هو أن الحرب أعادت اللحمة للشعب كل الشعب من أقصاه إلى أقصاه.

أمس، كنت في حوار مع صديقة، تشعر بالخجل، لا تريد أن تكتب في الحرب، إنها تشعر بالعجز. هكذا بدت وكأنه لا شيء لديها لتقوله. بدوري أنا أحب الحرب، ولا حرب بلا ضحايا وآلام، بل كلها آلام خلال الحرب وبعدها، ولكن لا بد من أن نخوض المعارك. الحرب تشعرني بأني حيّ، حالة الهدوء القاتل حالة تشير إلى الالتباس، حالة اللاسلم واللاحرب.

الحرب كاشفة وفاضحة يا عزيزتي، في الحرب طلّقت قناة "العربية"، إنها سيئة بما يكفي لتبصق في وجوه القائمين عليها، بدت منحازة بشكل فاضح للإسرائيليين، وتحرضهم علينا، وتتمنى لنا الهزيمة والانكسار. صحيفة العرب التي تصدر في لندن يبثّ بعض كتابها سمومهم في تحليل مواقف المقاومة. إنه لا يرى المقاومة أكثر من مرتزقة تخدم لصالح إيران. هذا الكاتب (ولا أريد ذكر اسمه ترفعا لأنه لا يستحق) يبول على نفسه برذائل قوله، ثمة آخرون مثل "العرب" و"العربية" وهذا النكرة، لا شك في أن ما آلات إليه الأحداث سيزعجهم، وسيلطخون اللغة بغرائب تحليلاتهم، وإشاعاتهم الباطلة التي كانت تروج للهزيمة وقبول شروط مجحفة عبر ما ادعوا من امتلاكهم لوثائق مسرّبة. ثبت أنها لم تكن موجودة.

إنني أشبهكِ تماماً في أنني لا أعوّل على أمثال هؤلاء، والحرب بطبيعتها توجد "مرجفين في المدينة"، ومنافقين، وتقسم الناس أقساماً متنوعة، ولكل هدف ولكل غاية، وهم أحرار فيما اتخذوه من مواقف، وإننا أيضا أحرار في اتخاذنا المواقف التي تناسبنا ونحبّ من يحبنا ويقف إلى جانبنا.

ليس بعيداً عن الحرب، أودّ أن أبلغك أن مقالتي "المثقفون الفلسطينيون والحالة الراهنة" قد حازت نسبة قراءة عالية، والتفت إليها كثيرون. يهاتفني أحدهم على إثرها وبعد أن وشى بي "شخص" ما، لم يذكر اسمه وأنا لم أطلب اسمه. المقالة موجعة للمثقف الفلسطيني الذي أصبح بالفعل "مثقف سلطة" ولا حول له ولا قوة، وأقصى ما يستطيعه الخروج بمظاهرات سلمية، والكتابة على الفيسبوك. ربما تقولين إنك لا تفعل غير هذا. نعم معك حق، فأنا لا أفعل غير هذا، ولكنني لست مع أي سلطة كانت. فلا أمدح أحدا ولا أهجو كذلك. أنتقد وبشدة وبموضوعية. كيف لي أن أرى احتفالا رسميا في رام الله في ذكرى النكبة يطيّر بلالين في الهواء ولا أسخر، بلالين في رام الله، وصواريخ في غزة في ذكرى النكبة التي وحدت الشعب كل الشعب، أي تناقض سخيف في عقد المقارنة أساساً. إنه مشهد مذل ومخزٍ بالفعل أشعرني بالقرف. الدرس الذي تعلمته من هذه المفارقة الحادة كيف أن "السلطة" تدخلنا في جحور واطئة السقف، والمقاومة تجعل سقف طموحاتنا السماء المفتوحة على المطلق. المقاومة تدفع بنا إلى الأعلى والسطة تجبرنا على الدخول في النفق المظلم ورؤوسنا منحنية. هذا هو الفرق بين المقاومة وبين السلطة، وعلى المثقف أن يختار في أي صف يكون.

رام الله اليوم في الواحد والعشرين من أيار العظيم تلغي المشهد بسخافته لتكون صدى غزة وأم الفحم واللد، إنه مشهد تجريبي ليوم التحرير القادم شاء من شاء وآبى من أبى "واللي مش عاجبة يشرب من بحر غزة" أو يغرق فيه. لا ضير، "بريّحنا" من شره.

اليوم هو العيد، بعد أن تأخر العيد، فغزة في اليوم الثاني عشر ينبلج فيها قمر العيد الكبير، فلتحتفلي معي، بما يليق بهذه الفرحة العارمة، فيا ليتك كنت معي الآن، لكنا في التحام الاشتياق الذي يرفع نسبة الشوق إلى أقصاه لنتحد في مشهد العشق على وقع دقات الفرح الكبير، فلا أجمل من حبيبين يحتفلان بالنصر على طريقتهما الخاصة. لا أريد أن أكتب شعرا للنصر، وإنما أريد أن أكتب في أحشائك أجمل لحظات الشوق والاشتياق وأرى وجهك مشرقا متهللاً ونحن في أجمل حال وألطف مشهد بعد الحرب، فنحن نحب الحياة أيضا ما استطعنا إليها سبيلاً.

أراك بخير أيتها الرائعة، وعلى أمل قريب في موعد قريب لعلنا نحتفل كما ينبغي لعاشقين افترقا، وها هما يدخلان الشهر الرابع وهما في تنافر وقطيعة. ألم يكن بمقدور غزة أن تصالحنا. يبدو أن الأمر بالنسبة إليك أكبر من غزة ورام الله وفلسطين. على العموم أتمنى لك الخير وراحة البال.

المشتاق إليك

 

المصدر: فراس حج محمد
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 222 مشاهدة
نشرت فى 22 مايو 2021 بواسطة ferasomar

فراس عمر حج محمد

ferasomar
الموقع الخاص بــ "فراس حج محمد" »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

722,370

فراس حج محمد

نتيجة بحث الصور عن فراس حج محمد كنانة أون لاين

من مواليد مدينة نابلس في فــلسطين عــام 1973م، حاصل على درجة الماجستير في الأدب الفلسطيني الحديث من جامعة النجاح الوطنية. عمل معلما ومشرفا تربويا ومحاضرا غير متفرغ في جامعة القدس المفتوحة. 

عمل محررا لغويا في مجلتي الزيزفونة للأطفال/ رام الله، وشارك في إعداد مواد تدريبية في وزارة التربية والتعليم الفلسطينية، وكان عضوا في هيئة تحرير مجلة القانون الدولي الإنساني/ الإصدار الثاني الصادرة عن وزارة التربية والتعليم في فلسطين.

نشر العديد من المـقالات والقـصائد في مـجالات النشر المختلفة الإلـكترونية والصحف والمجلات في فلسطين والوطن العربي وبريطانيا وأمريكا وكندا والمكسيك. وشارك في ندوات وأمسيات شعرية ومؤتمرات في فلسطين.

الكتب المطبوعة: 

رسائــل إلى شهرزاد، ومــن طقوس القهوة المرة، صادران عن دار غُراب للنشر والتوزيع في القاهرة/ 2013، ومجموعة أناشيد وقصائد/ 2013، وكتاب ديوان أميرة الوجد/ 2014، الصادران عن جمعية الزيزفونة لتنمية ثقافة الطفل/ رام الله، وكتاب "دوائر العطش" عن دار غراب للنشر والتوزيع. وديوان "مزاج غزة العاصف، 2014، وكتاب "ملامح من السرد المعاصر- قراءات في القصة القصيرة جدا- دار موزييك/ الأردن وديوان "وأنت وحدك أغنية" عن دار ليبرتي/ القدس وبالتعاون مع بيت الشعر في فلسطين، وكتاب "يوميات كاتب يدعى X"، وكتاب "كأنها نصف الحقيقية" /الرقمية/ فلسطين، وكتاب "في ذكرى محمود درويش"، الزيزفونة 2016، وكتاب "شهرزاد ما زالت تروي- مقالات في المرأة والإبداع النسائي"، الرقمية، 2017، وديوان "الحب أن"، دار الأمل، الأردن، 2017. وكتاب "ملامح من السرد المعاصر- قراءات في الرواية"، مكتبة كل شي، حيفا، 2017. وكتاب "ملامح من السرد المعاصر- قراءات في متنوع السرد"، مؤسسة أنصار الضاد، أم الفحم، 2018، وديوان "ما يشبه الرثاء"، دار طباق للنشر والتوزيع، رام الله، 2019، وكتاب "بلاغة الصنعة الشعرية"، دار روافد للنشر والتوزيع، القاهرة، 2020. وكتاب "نِسوة في المدينة"، دار الرعاة وجسور ثقافية، رام الله، وعمّان، 2020. وكتاب "الإصحاح الأوّل لحرف الفاء- أسعدتِ صباحاً يا سيدتي"، دار الفاروق للنشر والتوزيع، نابلس، 2021. وكتاب "استعادة غسان كنفاني"، دار الرعاة وجسور ثقافية، رام الله، وعمّان، 2021، وكتيّب "من قتل مدرّس التاريخ؟"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2021. وديوان "وشيء من سردٍ قليل"، وزارة الثقافة الفلسطينية، رام الله، 2021. وديوان "على حافّة الشعر: ثمّة عشق وثمّة موت"، دار البدوي، ألمانيا، 2022. وكتاب "الكتابة في الوجه والمواجهة"، الرعاة وجسور ثقافية، رام الله وعمان، 2023. وكتاب "متلازمة ديسمبر"، دار بدوي، ألمانيا، 2023. وكتاب "في رحاب اللغة العربية"، دار بدوي، ألمانيا، 2023، وكتاب "سرّ الجملة الاسميّة"، دار الرقمية، فلسطين، 2023. وكتاب "تصدّع الجدران- عن دور الأدب في مقاومة العتمة"، دار الرعاة وجسور ثقافية، رام الله وعمّان، 2023، وديوان "في أعالي المعركة"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2023، وكتاب "مساحة شخصية- من يوميات الحروب على فلسطين"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2024، وكتاب "الثرثرات المحببة- الرسائل"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2024، وكتاب "فتنة الحاسة السادسة- تأملات حول الصور"، دار الفاروق للثقافة، نابلس، 2025. 

حررت العديد من الكتب، بالإضافة إلى مجموعة من الكتب والدواوين المخطوطة. 

كتب عن هذه التجربة الإبداعية العديد من الكتاب الفلسطينيين والعرب، وأجريت معي عدة حوارات ولقاءات تلفزيونية.