فراس حج محمد

موقع يختص بمنشورات صاحبه: مقالات، قصائد، أخبار

الرسالة الرابعة والأربعون:

العيد في فلسطين غير والله غير

فراس حج محمد/ فلسطين

الخميس: 13/5/2021

أسعدت صباحاً وعيداً أيّتها المترائية كهذا النصر المرتقب، أمّا بعد:

هذا هو يوم عيد الفطر الذي اعتدنا أن نصفه بالسعيد، وكنت ألاحظ في صغري أنّهم لم يقولوا عن أيّ عيد أنّه سعيد سوى عيد الفطر، لعلّ ذلك عائد إلى الحديث الشريف المشهور: "للصائم فرحتان، فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه"، والفرحة تستدعي السعادة، لذلك قالوا ما قالوا.

لهذا العيد نكهة مميّزة، فهو عيد مختلط بصور العنف والدمار وضرب الصواريخ. لا أخفي عليك فرحتي بمنظر صواريخ غزّة، وهي تهمي كالمطر في العمق "الصهيوني". أستمع للأخبار بشغف. أتتبّع مساقط الصواريخ فأبتهج، أحبّ أن تُسقط تلك الصواريخ ضحايا "صهاينة"، ليس حباً في القتل، فأنا لا أحبّ الدماء، ولا منظرها، لكنّ سقوط الضحايا في صفوف "الأغيار"، تعني ليَ نوعاً من الردع والتوازن، فهم يألمون حقاً كما نحن نتألّم. آمل أن يرتدعوا عن قهرنا لنعيش بسلام، وإن سلامٌ مؤقت، حتّى "يقضيَ الله أمراً كان مفعولاً". مع كلّ هذا الألم إلّا أنّني استفتحتُ النهار بالكتابة على (تويتر) و(فيسبوك): "العيد في فلسطين مختلف، في القدس له لحن الألوهيّة، في غزّة له مذاق النصر، في الداخل الفلسطيني له سمة الرهبوت الفعلي. العيد في فلسطين غير، والله غير".

لعلكِ مثلي مبتهجة لما يحدث، مع أنّه لا توازن بين القوّتين، ولا أريد أن أتحوّل إلى محلّل سياسي، وإنّما لا أجمل من ضعيف مقهور محتلّ، يحاول أن يكون قويّاً، ولا أجمل من سجينٍ شرس، تحوّل إلى نمرٍ لأنّه محاصر، فخمّش بأظافره وجوه محاصريه. أنا سعيد لهذا وجدّاً، بغضّ النظر عن الضحايا، الشهداء، ومن قال إنّ من يريد أن يتحرّر لا يدفع فاتورة الحرّيّة، ففاتورة الحرّيّة ليست مالاً، إنّها دَمٌ وشهداء.

وجوه الشهداء باسمة في هذه المعركة، بل ووجوه الأحرار باسمة أيضاً، ووجوه المعتقلين تنضح بالبشر والبشرى، في القدس كانت الفتيات مبتسماتٍ، وكان الشباب باسمين في لحظة الاعتقال والاشتباك، لا يكفّون عن المقاومة حتّى بالابتسامات، يواجهون عيون الكاميرات بابتساماتهم الراضية، ويصفعون بها وجوه الأغبياء والزعماء، والقادة الذين لم يكونوا إلّا بحجم ذبابة، ولم تشكّل صورهم إلا مساحة ظلٍّ لحذاءِ منتفضٍ في القدس المطهّرة  من أمثالهم.

فيديو: الابتسامات اللافتة

لقد كانت هذه هي الصورة أيضاً داخل المعتقلات، كما كتب صديقنا الحيفاوي الأصيل حسن عبّادي الذي زار الأسرى قبل العيد بأيّام، فوجدهم على ذات الهيأة، باسمين، بل علت ضحكاتهم، فأزعجوا السجان بهذه الضحكات الصافية المحمّلة نشوة لن يعرف الأعداء لها طعماً إلّا أنّها تؤشّر على الحياة، لذلك فإنّهم يغضبون. عليهم أن يواجهوا الابتسامات بالحقد والرصاص والقنابل والهدم، ولن يستطيعوا بعد كلّ ذلك هزيمة ثغرٍ مبتسم مهما أوتوا من قوّة وجبروت، فلا يستويان؛ طالب حقّ وحياة، وطالب موت ودمار.

كم كان المنظر جميلاً، رائعاً، مفرحاً. فقد جعلوا العيد بمذاق مختلف. أنا لا أحبّ العيد إلّا هذا العيد، إنّ فيه سرّاً ما، لعلّه يخبّئ فرحة كبرى. كتبتُ فيه، وضحكتُ فيه، وسهرتُ فيه، واستقبلتُ الزائرين فيه، وزرت الأقارب فيه، ولبست أجمل ما لديّ من ملابسَ فيه، وتطيّبت فيه، وكتبتُ شعراً للشهداء وللأقصى ولغزّة فيه، فـ"غنيتُ غزّة أهلها الصيدا، والعيد يملأ أضلعي عيداً" فيه، وهاتفتُ الأصدقاء، وأنا معبّأ بالرضا والسعادة فيه.

بالتأكيد، أيّتها الغالية، ستكون الفرحة كبرى لو كنت معي الآن، أو تبادلنا حديثاً عفويّاً عبر الهاتف. كالعادة، ستكون صورتك هي التي تكمل المشهد دائماً، أنت معي في كلّ وقت، لا تسمحي للشكّ أن يلعب بثقتك، أنا أنظر إليكِ برؤياي البعيدة، فأراك حاضرة تكتبين معي للشهداء، وللقدس، ولغزّة، وللأرض التي أخذت زينتها في هذا العيد السعيد.

أرجو أن تقرئي ما كتبته من شعر جديد، إنّني أعود إلى الشعر مفعماً برائحة الشهداء الذكيّة، إنّها عودة خاصّة، كأنّني أنا الشاعر المقصود: "وشاعر ينشَط وسط المعمعة". كتبتُ للشهيد المبتسم "حمزة" خماسية. يبدو حمزة هذا الطفل البريء مبتسماً ضحوكاً في مشهدين مكتملين، مشهد من حياته، ومشهد ارتقائه إلى العلا. كتبتُ له أغنّي لتلك الابتسامة التي تتحدّى الحياة وقسوتها وتتحدّى الموت ورهبته بنداوتها البهيّة، وكتبتُ للمبتسمين أيضاً، فكم كان المنظر شاعريّاً شعريّاً، لوحة إبداعٍ عفويّ بحدّ ذاتها.

يا ليتني أستطيع أن أفعل أكثر ممّا أفعل الآن، فأكتب بالفعل، لا بالقدرة على الكتابة فقط، يا ليتني كنت مقاتلاً؛ جنديّاً في صفوف المناضلين، أحمل السلاح، وأغنّي على وقع الرصاص في المواجهات. يا ليتني كنت قادراً على أن أكون في القدس مع المرابطين، أو مع الهاتفين في شوارع حيفا ويافا والناصرة واللدّ. أكاد أسمع توفيق زَيّاد يهتف في الجموع: أناديكم، أشدّ على أياديكم، ويقول للمحتلّين إنّنا: "عشرون مستحيلْ/ في اللدِّ، والرملةِ، والجليلْ". اللدّ، يا له من مشهد عظيم فاق خيال الشعراء، في انتفاضتها التي قلبت كلّ الموازين، وخطّأت كلّ الحسابات.

لا أجمل من شعور المرء بالسعادة، أيّتها الحبيبة، لاسيّما إن كانت السعادة آتية من شعور جمعيّ، فلنا نحن أهل هذه البلاد أيضاً فرحتان: فرحة عند اللقاء، وفرحة عند الشهادة وارتقاء الشهداء. إنّه يصدق فينا قول الشاعر:

فرحوا فلألأ تحت كلّ سما *** بيت على بيت الهدى زيدا

لعلي أراك قريباً، وقد أسفرت وجوه الشهداء الباسمين عن نصر مؤزّر، وأنورت وجوه الأسرى بفرحة الحرّيّة وإشراقات المجد على الرمل والبحر والبر والسهلِ والجبل، فعمّ الضياءُ أعماق الحنايا، وزغرد الليلُ وَضَاء.

المشتاق إليكِ بنشوة المنتصرين كأنّني واحدٌ منهم:

فراس حج محمد

المصدر: فراس حج محمد
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 221 مشاهدة
نشرت فى 13 مايو 2021 بواسطة ferasomar

فراس عمر حج محمد

ferasomar
الموقع الخاص بــ "فراس حج محمد" »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

568,979

فراس حج محمد

نتيجة بحث الصور عن فراس حج محمد كنانة أون لاين

من مواليد مدينة نابلس في فــلسطين عــام 1973م، حاصل على درجة الماجستير في الأدب الفلسطيني الحديث من جامعة النجاح الوطنية. عمل معلما ومشرفا تربويا ومحاضرا غير متفرغ في جامعة القدس المفتوحة. 

عمل محررا لغويا في مجلتي الزيزفونة للأطفال/ رام الله، وشارك في إعداد مواد تدريبية في وزارة التربية والتعليم الفلسطينية، وكان عضوا في هيئة تحرير مجلة القانون الدولي الإنساني/ الإصدار الثاني الصادرة عن وزارة التربية والتعليم في فلسطين.

نشر العديد من المـقالات والقـصائد في مـجالات النشر المختلفة الإلـكترونية والصحف والمجلات في فلسطين والوطن العربي وبريطانيا وأمريكا وكندا والمكسيك. وشارك في ندوات وأمسيات شعرية ومؤتمرات في فلسطين.

الكتب المطبوعة: 

رسائــل إلى شهرزاد، ومــن طقوس القهوة المرة، صادران عن دار غُراب للنشر والتوزيع في القاهرة/ 2013، ومجموعة أناشيد وقصائد/ 2013، وكتاب ديوان أميرة الوجد/ 2014، الصادران عن جمعية الزيزفونة لتنمية ثقافة الطفل/ رام الله، وكتاب "دوائر العطش" عن دار غراب للنشر والتوزيع. وديوان "مزاج غزة العاصف، 2014، وكتاب "ملامح من السرد المعاصر- قراءات في القصة القصيرة جدا- دار موزييك/ الأردن وديوان "وأنت وحدك أغنية" عن دار ليبرتي/ القدس وبالتعاون مع بيت الشعر في فلسطين، وكتاب "يوميات كاتب يدعى X"، وكتاب "كأنها نصف الحقيقية" /الرقمية/ فلسطين، وكتاب "في ذكرى محمود درويش"، الزيزفونة 2016، وكتاب "شهرزاد ما زالت تروي- مقالات في المرأة والإبداع النسائي"، الرقمية، 2017، وديوان "الحب أن"، دار الأمل، الأردن، 2017. وكتاب "ملامح من السرد المعاصر- قراءات في الرواية"، مكتبة كل شي، حيفا، 2017. وكتاب "ملامح من السرد المعاصر- قراءات في متنوع السرد"، مؤسسة أنصار الضاد، أم الفحم، 2018، وديوان "ما يشبه الرثاء"، دار طباق للنشر والتوزيع، رام الله، 2019، وكتاب "بلاغة الصنعة الشعرية"، دار روافد للنشر والتوزيع، القاهرة، 2020. وكتاب "نِسوة في المدينة"، دار الرعاة وجسور ثقافية، رام الله، وعمّان، 2020. وكتاب "الإصحاح الأوّل لحرف الفاء- أسعدتِ صباحاً يا سيدتي"، دار الفاروق للنشر والتوزيع، نابلس، 2021. وكتاب "استعادة غسان كنفاني"، دار الرعاة وجسور ثقافية، رام الله، وعمّان، 2021، وكتيّب "من قتل مدرّس التاريخ؟"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2021. وديوان "وشيء من سردٍ قليل"، وزارة الثقافة الفلسطينية، رام الله، 2021. وديوان "على حافّة الشعر: ثمّة عشق وثمّة موت"، دار البدوي، ألمانيا، 2022. وكتاب "الكتابة في الوجه والمواجهة"، الرعاة وجسور ثقافية، رام الله وعمان، 2023. وكتاب "متلازمة ديسمبر"، دار بدوي، ألمانيا، 2023. وكتاب "في رحاب اللغة العربية"، دار بدوي، ألمانيا، 2023، وكتاب "سرّ الجملة الاسميّة"، دار الرقمية، فلسطين، 2023. وكتاب "تصدّع الجدران- عن دور الأدب في مقاومة العتمة"، دار الرعاة وجسور ثقافية، رام الله وعمّان، 2023، وديوان "في أعالي المعركة"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2023، وكتاب "مساحة شخصية- من يوميات الحروب على فلسطين"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2024، وكتاب "الثرثرات المحببة- الرسائل"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2024.

حررت العديد من الكتب، بالإضافة إلى مجموعة من الكتب والدواوين المخطوطة. 

كتب عن هذه التجربة الإبداعية العديد من الكتاب الفلسطينيين والعرب، وأجريت معي عدة حوارات ولقاءات تلفزيونية.