الرسالة الخامسة والثلاثون
لا شيء يخفف عني شؤم التفاهة غيرك
السبت: 21/9/2019
صباحك الخير أيتها الناعمة مثل وردة!
لا أدري لماذا كل هذا الصمت، على كلٍّ، هذا ما اعتدت عليه، تضعين قواعد لعبة عبثية وما عليّ سوى الخضوع لقواعدها. ليس مهما جدا هذا. أخبرك أنني كنت في رام الله أمس للمشاركة في المؤتمر الرابع لفدا؛ حضرت الافتتاح واليوم الأول، وكان من المفترض أن أنام في أحضان جبل النجمة، مكان انعقاد المؤتمر، لم أستسغ النوم في المكان، ولا المشاركة في أعمال اليوم الثاني. كانت نقاشات اليوم الأول نقاشات عقيمة وسيئة، لا شيء مهم فيها، شد وجذب وصراعات وكولسات ومنافسات على عضوية اللجنة التنفيذية ومنصب الامين العام للحزب على هامش اليوم الأول، ترك فيّ اليوم الأول كمّاَ لا بأس به من الاحباط واليأس. أخبرت صديقي أنني لا أريد أن أبيت معهم. سيقضون الليل في المناقشات والكولسات. وأنا لا ناقة لي ولا بعير في كل ذلك. شعر رفيقي في الحزب وصديقي أنني ربما سأكون حملا ثقيلا وشيئا زائدا، يصطحب معه أحد الرفقاء من منطقة طولكرم. لم أتعرف على اسمه وخلال الحديث عرفت أنه قريب الدكتور عبد الستار قاسم. يوصلاني إلى البيت، يصر عليّ الرفيق الكرمي أن أحضر اليوم من أجل المشاركة في الانتخاب؛ فهو مرشح وبحاجة لصوتي، قال: ضروري أن تأتي فنحن بحاجتك. هو أراد أن يقول أنك لست مهما كشخص وهذا طبيعي فهو لم يعرفني ولا حتى يهمه التعرف على اسمي كل ما يعنيه هو حضوري لانتخابه كونه مرشحا ليكون عضوا في اللجنة التنفيذية للحزب. موقف أعادني سبعا وعشرين سنة إلى الماضي حيث الجامعة وانتخاباتها واهتمام المرشحين والكتل الطلابية بك صوتا فقط. هي هي العقلية الحزبية المقيتة التي لن تتغير أبدا. ولذلك لا تتفاءلي بحدوث التغيير في المستقبل، لا القريب، ولا البعيد.
ما يهم هو أنني وصلت البيت، اغتسلت ورميت كل ذلك اليوم وراء ظهري. ولم أعد أفكر لا بالرفيق ولا بالمؤتمر ولا حتى بكل تلك المنظومة الهائلة من التفاهة السياسية والفكرية. لقد رحمني الله عندما خرجت من حزب التحرير، ولكنني لم أرحم نفسي عندما دخلت في حزب آخر، فأنا لا أتقن العمل الحزبي، ولا أجد جدوى منه، فما هو إلا عبث على عبث، ويرمي بنا في أغوار المجاهيل، ولن تفيد أحدا، لا وطنا ولا مواطنا.
ليس مهما كل ذلك. ولكن الأهم هو أنني خلدت إلى النوم باكرا، لم أنشغل بشيء، على الرغم من أنني غدا مشارك بندوة في مقر محافظة نابلس لتقديم كتاب منجد صالح "ضاحية قرطاج" وكتاب لينة صفدي "دنان". لا أعرفهما حتى اللحظة، ولم أكن قد سمعت بهما قبل ذلك، ربما كانت الكاتبة يوما ما من ضمن قائمة أصدقاء الفيسبوك ولم أنتبه لها. أما منجد صالح فليس من أصدقائي حتما.
الأهم من ذلك أيضا أنني عندما خلدت إلى النوم تقضين الليلة بكاملها معي. نسير معا في مكان ما، يبدو المكان ريفيا هادئا، وجهك يشع بجماله، رائحتك الطيبة تغمر كياني، خدك يغريني بأن أطلب منك قبلة، قربت خدك عليّ وأنت صامتة وتبتسمين بخفة، أقبلك قبلة خفيفة.
مشهد آخر في هذه الليلة التي قضيتها برفقتي أو قضيتها برفقتك، لم يفارق نهدك يدي، يا له من كائن جميل! طير ناعم وشهيّ. ما زالت صورته حاضرة في كل وعيي الشقيّ وأنا أكتب لك عن هذا المشهد، ما زال حيا وحرارة نهدك وحجمه وحجم حلمته ما زالت قادرا على تبيانهما وبقدرة فائقة.
لا أخفيك سرا أنني كنت باحثا عنك في الوجوه والأشخاص، مفتشا عنك بين الحضور في المؤتمر، ولكنك، لأنك لا تحبين الأحزاب والانتساب إليها، لم تكوني هناك، ولكنك كنت طوال الوقت في رأسي وفكري، وتلعب ملامحك في خيالي وحروف اسمك تتقاطر واحدا واحدا على لساني.
أصبحت في هذا النهار مشبعا بك وتعبئين ذاكرتي وتحتلين لغتي، ولم أجد بدا من الكتابة إليك. لا تمتعضي من قبلتي، ولا من أن نهدك كان بين يدي طوال الليل كما كنت طوال ذلك النهار المشؤوم معي. ولا شيء كان يخفف عني تفاهته سوى أنني على مسافة تكاد تكون صفرا منك.
أحبك!