فراس حج محمد

موقع يختص بمنشورات صاحبه: مقالات، قصائد، أخبار

وشيء من سرد قليل*

"أنا" مجموع أسئلتي الشّقيّة

فراس حج محمد/ فلسطين

(1)

هيَ السّاعة الآنْ

الثّانية بعد منتصف الماءِ

ما بين حرفَيْ ألِفٍ ونونْ

تبكي العقارب في الأرض مثليَ

ثكلى

وقتلى

هيَ السّاعةَ الآنَ تشهدُ

بالتّشهُّد

ونضوج الأسرّة بالقهر العنيفِ

الصّاحبِ الأوفى

(2)

تُعرّي نفسها مرايانا القبيحةْ

تخرجُ من جلدتها

تقشّر حُبَيْبات اللّقاح عمّا قريبْ

عنِ امرأةٍ فارهةِ البدايةِ

تسبح في طواقمها المحكّمة الطّويلةِ

كأنّها الليلُ المضيئةُ بي

ينقشُ/ ينكشُ ألواح الخشب المزدان

بالنّتوءات المقعّرة الرّؤى

وتبصر الرّاحلين كواكبُ معتماتْ

(3)

ماذا ترى في ذاك السّرب المصفّد عند الثّانية إلّا الموتَ المفاجئ/ نا؟

ترى العين في الأرض كالقرفصاءْ

تشاهد اللّام بلا ضبطٍ لغويٍّ سليمْ

تطالع موتنا في شكلِ مفردةٍ ستبدأ هكذا

ميماً وتعود ميمْ

(4)

الآنَ تتقدمُ الأنفاسُ تحبو بين الدّقائق

تتصنّع الصّنعات تصنع صنعةً أخرى على الأطرافْ

يصطرع الآنُ على الآنيِّ

يحتكم القبْلُ والبعْدُ دون أدلّةٍ أو ظلّ

ويبقى كلّ شيء مثلما شهدت به أرض الأساطير العتيقةْ

وتبوء بي حروفي الخائناتْ

تدير عقارب وقتها الذّابلاتِ

حيث تشير نحو الثّانيات الأخرياتِ ما بعد منتصف الجفافِ، إذ يتشرّب الوقتيُّ مائي

أسرّح شعر الكائن الميّتِ في رؤوس النّصوص الذّائبات على الجسدْ

بهزّة من ردف موسيقى الوقوف على ساقيتين منّي

(5)

يمّمت شطر الشّاطئ المسكون بخوف الوقت

نقرت الباب وهمياً

فامتثل المدّ وجاوبتني الأشرعةْ

ودخلت عمق اليمّ

وصرت مثل الوقت بعض الوقت

وانتصرتُ على "الآنِ" اللّحوحةْ

وأعدتُني للماء عند الثّانية بعد منتصف الرُّواء من الماء الّذي كُنتُ "أنا" حرفين من ألف ونون

وتحرّرت نفسي من ذلك المدعوّ في لغتي "أنا"

(6)

عندما نظرت إلى عجيزتها خلسة انفجر الدّم في عروقي فجأةً

عندما رأيت ما بان من خطّ نهديها نشبت أظافر لحمها في عروق أصابعي

عندما اعتدلنا سويّة في الطّريق إلى خلوة للحديث الطّريِّ تناثرت جملي على شفتيها قُبَلا تغرغر في كؤوس السّاعتين القصيرتين

عندما انتهى الوقت فجأة دون سابق تحذير

صحوت من سكرة الموت في حضرتها

واستشرس الوجع الطّويل

"ومضى كلٌّ إلى غايتِهِ"

وحرائقي خمدت

غرقت في برد الطّريق

وحدي رجعت ألمّ شظيّتين من قلبي

وأضحك ساخرا منّي عليّْ

(7)

يحوّلني الحبّ إلى مراهقٍ في اختيار الأغاني

في تلقّي دعوةٍ خاطئةٍ لأكون "هناكْ"

يرقص قلبي لثانيتينْ

ثمّ يخمُد بارداً

يحملني الحبّ على تفسير قرص الشّمسْ:

وجهٌ له عينان باسمتانْ

ويقول لي بغنجٍ: "هَيْتَ لك"

يضحكُ الحبّ عليّ يوميّاً عندما أرمي رسالة في البريدْ

وأنتظر الجوابْ

وأخيرا تسقط الشّمس بعيدة عنّي

ويطفئ اللهُ العالمَ عند المغيب

تؤدّبني

سنواتُ عمريَ السّتةُ والأربعونْ

وأكتفي بالأغاني

أسمعها على نفسي طوال اللّيلْ

(8)

وأنا لستُ صديقاً لأنا

غرّبتُ عنّي الظّل والكلمات وطعم كأس الخمر في وهَجِ الصّباحِ

عند صيام جوارحي عن كلّ عصفورةْ

وأنا الـ أسيرُ

تمسكني امرأة

وتكتب فكرتي عنّي

بأصابعي

متخلّقٌ منها بها على راحتيها

لأكتبها وتكتبني

وأقرأها وتقرأني

وتكشف عنّي نصف ما اختبأت من الأفكار فيهْ

وأنا لستُ صديقاً لأنا غير أنّي مثلها

صديق أغنية أحمّلها حنيناً لست أقوى أن أقول غوايتهْ

رحلة متطاولة يسير فيها الضّوء مرتفعاً ويغرق في الأنا الأخرى

يفصّل في الأنا الأولى

وأنا لست صديقاً لأنا لأنّني الآن لستُ أنا

غير أنّك لي أنا، فأنا أنا الآن إذ أنتِ أنا

(9)

كأنْ لا شيء يشبهني هنا

ولا حتّى أنا

ولا لغتي

ولا ظلّي المكوّر في الجدار

ولا ليلي الـ تسلّح بي وغار في عصبي وثارْ

كأنْ لا شيء يشبهها هناكْ

حيث تقيم في وادي الرمالْ

مع كلّ عاصفةٍ تبدّل وجهها ككثبان الخريفْ

كأنْ لا شيء يشبهنا معاً

غير أنّ الصّمت يحسُن ههنا

تقفين حيثُ أقفْ

والظّلّ مختلفٌ عليكِ مؤتلفٌ عليّْ

وقامتي عرجاء

تصغُر كلّما وقف الظّلالُ إلى ظلالكْ

كأنْ كلّ ما فينا ليس لنا سواهْ

الحزنُ والخوف والقلق الرّهيبْ

والطّريق المستحيل إلى دمنا المكدّس بالنّصَبْ

(10)

متى

تفطرين معي على موائد كرنفالِ السّاحة الكبرى بلندنَ أو بيروتَ أو نابلسَ أو في الشّامْ

تمازجك اللذاذة شهد طعمكْ؟

ومتى تحملني قدمايَ تحرسُ وقع الخطى يتعانق الخطوانِ في سفركْ؟

ومتى

تطعمين الحمام في مكّة حبّات قمح سنابل شعرك؟

ومتى

يعلنُ التّقاة الحبّ فيجلسون معي لنكتب فيك قصيدة غزليّةً تسارقها الفتيات بحلو ثغركْ

ومتى

أزورك في العلنْ

لنظهر فوق متن الرّيح أغنية جديدةْ؟

ويبتكر النّشيد جنون رقصكْ؟

ومتى

أغلغلُ حبّتي كرز تشاكساني بضحكة نهدك؟

ومتى

سيلبسني الشّهيّ النّاعمُ من جسدكْ؟

أعود طفلا بدائيّ الشّقاوة أستلذّ بدفء صدركْ.

ومتى

"وحدي" و"وحدك" يؤنسان شهيّ سردكْ؟

(11)

سَرّ من رآك يا قامة الشّجر الظّليلة في المكان

سَرّ من أهديته بسمتك النّاعمة الشّفيفة مع كلّ طيف من كلام

سَرّ من جَمَعْتِ شجاعتَهُ ليرسم قلبه في هامش الصّورة

سَرّ قلبي إذ جريت به لحناً شهيّاً لا ينام

سَرّ الوجود الشّاعريّ الحيّ يا غصناً شبابيّ الحياة

سَرّ السّرور الاستعاريّ المحتّم في الأناقة والأناةْ

(12)

في غيابك أصبح فوضويّاً

والقصيدة يعلوها الذّهولُ الحرِجُ

تنام اللّغة الحيْرى على شقّها الممسوسِ بي

ولا جدوى من الأسماء والأفعال

وترتيلُ الغيوم غيومْ

خائفةٌ هي الرّيح من نفسها تلولب في فناء البيتْ

كأنْ هاربةٌ من المنفى إلى المنفى-

لا شيء يضحك ههنا إلّا الملَكان على كتفيّ

لا سيئاتِ إذن ولا حسناتْ

كلّ شيء ساكنٌ سَمِجٌ ضبابيّ الملامحِ

لا شاعريّة فيهْ

في غيابك

يقتل المللُ الكثيف رتابته بالمزيدِ المزيدِ من الكسلْ

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* من مجموعة شعرية معدة للنشر بعنوان "وشيءٌ من سرْدٍ قليل"

** نشرت المجموعة في صحيفة الاتحاد الحيفاوية: 5-9-2019

(آب- 2019)

المصدر: فراس حج محمد
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 155 مشاهدة
نشرت فى 6 سبتمبر 2019 بواسطة ferasomar

فراس عمر حج محمد

ferasomar
الموقع الخاص بــ "فراس حج محمد" »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

589,705

فراس حج محمد

نتيجة بحث الصور عن فراس حج محمد كنانة أون لاين

من مواليد مدينة نابلس في فــلسطين عــام 1973م، حاصل على درجة الماجستير في الأدب الفلسطيني الحديث من جامعة النجاح الوطنية. عمل معلما ومشرفا تربويا ومحاضرا غير متفرغ في جامعة القدس المفتوحة. 

عمل محررا لغويا في مجلتي الزيزفونة للأطفال/ رام الله، وشارك في إعداد مواد تدريبية في وزارة التربية والتعليم الفلسطينية، وكان عضوا في هيئة تحرير مجلة القانون الدولي الإنساني/ الإصدار الثاني الصادرة عن وزارة التربية والتعليم في فلسطين.

نشر العديد من المـقالات والقـصائد في مـجالات النشر المختلفة الإلـكترونية والصحف والمجلات في فلسطين والوطن العربي وبريطانيا وأمريكا وكندا والمكسيك. وشارك في ندوات وأمسيات شعرية ومؤتمرات في فلسطين.

الكتب المطبوعة: 

رسائــل إلى شهرزاد، ومــن طقوس القهوة المرة، صادران عن دار غُراب للنشر والتوزيع في القاهرة/ 2013، ومجموعة أناشيد وقصائد/ 2013، وكتاب ديوان أميرة الوجد/ 2014، الصادران عن جمعية الزيزفونة لتنمية ثقافة الطفل/ رام الله، وكتاب "دوائر العطش" عن دار غراب للنشر والتوزيع. وديوان "مزاج غزة العاصف، 2014، وكتاب "ملامح من السرد المعاصر- قراءات في القصة القصيرة جدا- دار موزييك/ الأردن وديوان "وأنت وحدك أغنية" عن دار ليبرتي/ القدس وبالتعاون مع بيت الشعر في فلسطين، وكتاب "يوميات كاتب يدعى X"، وكتاب "كأنها نصف الحقيقية" /الرقمية/ فلسطين، وكتاب "في ذكرى محمود درويش"، الزيزفونة 2016، وكتاب "شهرزاد ما زالت تروي- مقالات في المرأة والإبداع النسائي"، الرقمية، 2017، وديوان "الحب أن"، دار الأمل، الأردن، 2017. وكتاب "ملامح من السرد المعاصر- قراءات في الرواية"، مكتبة كل شي، حيفا، 2017. وكتاب "ملامح من السرد المعاصر- قراءات في متنوع السرد"، مؤسسة أنصار الضاد، أم الفحم، 2018، وديوان "ما يشبه الرثاء"، دار طباق للنشر والتوزيع، رام الله، 2019، وكتاب "بلاغة الصنعة الشعرية"، دار روافد للنشر والتوزيع، القاهرة، 2020. وكتاب "نِسوة في المدينة"، دار الرعاة وجسور ثقافية، رام الله، وعمّان، 2020. وكتاب "الإصحاح الأوّل لحرف الفاء- أسعدتِ صباحاً يا سيدتي"، دار الفاروق للنشر والتوزيع، نابلس، 2021. وكتاب "استعادة غسان كنفاني"، دار الرعاة وجسور ثقافية، رام الله، وعمّان، 2021، وكتيّب "من قتل مدرّس التاريخ؟"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2021. وديوان "وشيء من سردٍ قليل"، وزارة الثقافة الفلسطينية، رام الله، 2021. وديوان "على حافّة الشعر: ثمّة عشق وثمّة موت"، دار البدوي، ألمانيا، 2022. وكتاب "الكتابة في الوجه والمواجهة"، الرعاة وجسور ثقافية، رام الله وعمان، 2023. وكتاب "متلازمة ديسمبر"، دار بدوي، ألمانيا، 2023. وكتاب "في رحاب اللغة العربية"، دار بدوي، ألمانيا، 2023، وكتاب "سرّ الجملة الاسميّة"، دار الرقمية، فلسطين، 2023. وكتاب "تصدّع الجدران- عن دور الأدب في مقاومة العتمة"، دار الرعاة وجسور ثقافية، رام الله وعمّان، 2023، وديوان "في أعالي المعركة"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2023، وكتاب "مساحة شخصية- من يوميات الحروب على فلسطين"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2024، وكتاب "الثرثرات المحببة- الرسائل"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2024.

حررت العديد من الكتب، بالإضافة إلى مجموعة من الكتب والدواوين المخطوطة. 

كتب عن هذه التجربة الإبداعية العديد من الكتاب الفلسطينيين والعرب، وأجريت معي عدة حوارات ولقاءات تلفزيونية.