من أين جاء الهوى؟!
ما بيننا حُجبٌ من الحِفظِ والسَّدَدِ
لكنْ غرامُكِ في قلبي بلا حَدَدِ
لم نلتقِ قطُّ، لا كفٌ، ولا نَظَرٌ
لكنْ رأيتكِ في روحي وفي خَلَدي
من أين جاء الهوى؟ من أين أشعلني؟
كأنّه زائرٌ باللطفِ مُعْتَمِدِ
يهفو إليكِ فؤادٌ كان يُنكرُهُ
فصارَ يبكيكِ في صمتٍ وفي نَشَدِ
يا من سكنتِ مساماتي بلا علنٍ
فاستيقظَ العطرُ من أضلاعيَ في الأبدِ
أهواكِ، لا رغبةً تُغري، ولا لَهَثًا
لكنْ أحبُّكِ من سرٍّ ومن زُهُدِ
كأنّ فيكِ نقاءَ الطهرِ أجمعَهُ
كأنّني في هواكِ العذبِ في سَجَدِ
لا تسألي عن جنونِ العشقِ، ما خَفَتَتْ
في خافقي زفرةٌ إلا وقد زَيَّدِ
قد كان حُبُّكِ إيماني، ومذهبي
وما ابتدعتُ هوىً غيرَ الذي أَهْتَدِ
صوتُكِ دعوةُ روحي إن سئمتُ المدى
ونُطقُ اسمِكِ يُغني عن مدى الأبَدِ
يا بسمةً سكبتْ في العمرِ أغنيةً
وسافرتْ بي إلى آفاقِ من رغدِ
إني عشقتُكِ لا خوفًا، ولا أمَلًا
لكن لأني وجدتُكِ روعةَ المَدَدِ
لا الدهرُ يثنيني عن حبٍّ نقشتِهِ
ولا الليالي تُميتُ الشوقَ في جسدي
أنا المُعَذَّبُ في سري، وفي علني
ولا أُبالي بمن قالوا، ومن حَسَدِ
ما ضرَّني أن يكونَ العشقُ في ألمٍ
ما دامَ يُشبهُ في نُبْلِهِ الزَّبَدِ
كلُّ القصائدِ كانت قبلَ طلعتِكِ
ماءً على حجرٍ، أو صمتَ مُجتهِدِ
حتى كتبتُكِ شعرًا، كلُّه قَبَسٌ
من النقاءِ، ومن نورِ الهوى الخَلِدِ
يا مَن تأبّينَ أن تُدني المدى أبَدًا
لكِنّ قربَكِ في الأعماقِ كالوتَدِ
قد أرتضي أن أراكِ الحلمَ في أملٍ
إن لم يكن لي لُقيٌ، فالوصلُ في الكَمَدِ
وما شكوتُ، وما أظهرتُ مكنوني
إلا إلى دفترٍ يسري على جلدي
أكتبْ هواكِ على الأوراقِ، من ولهي
وأنثرُ الدمعَ، لا ريقًا، ولا خَرَدِ
يا مَن تلوّنينَ أيّامي بطلعتِكِ
وتمسحينَ على آلاميَ الجَلَدِ
لو يعلمونَ الذي في القلبِ من وَلَهٍ
لقالَ كلُّ فتىً: هذا هو الأَسَدِ
لكنْ كَتَمتُ غرامي كي أُطهِّرَهُ
من الرياءِ، ومن آفاتِ من فسَدِ
وآثرتْ مهجتي سِرًّا يُعذِّبُها
على الهوى في دروبِ الغدرِ والرَّصَدِ
إني أحبُّكِ لا في البوحِ أرسمُها
لكن بصدقِ الذي للحبِّ قد فَقِدِ
من ذا الذي علّقَ الأرواحَ من شغفٍ
فصارَ يسقيه من دمعٍ ومن كَمَدِ؟
أنا الذي لم أذقْ نومًا بلوعَتِها
وإن نَمَتْ عينُها، قلبي على وَقَدِ
إنّي وإن طالَ صبري لا أُبدّدُهُ
ما دامَ حبُّكِ فرضًا دونَ ما رَغَدِ
حتى إذا ضاقَ بي صبري، دعوتُ لها
أن لا يصيبَ فؤادَ القلبِ من نَكَدِ
فالحبُّ إن كان عذريًا، فعاقبتي
رضًا، وإن طالَ بي دربي، ومُبتَهَدي
صائغ القوافي الشاعر
فهد بن عبدالله فهد الصويغ
وزن القصيدة بحر الطويل



ساحة النقاش