زهرة الروح
يا زهرةً من سكونِ الغيمِ تولدُ في دمي
وتذوبُ في لغَتي كما تذوبُ الأنجمُ
يا لحنَ قلبي إنْ شكا أوْ راحَ يُنشِدُ حلمَهُ
في مهجةٍ سكرى بها يتكلَّمُ
ما كنتِ جسداً، إنما نَفَسُ بداخلي
يتلو على وجعي تراتيلَ النَّعِمْ
أنا منكِ... من ضوء العيونِ تأصَّلتْ
أغنيّتي، وحنينيَ المتقَدَ الهرِمُ
في كلِّ صبحٍ من يديكِ تسيلُ لي
أنوارُ حبٍّ، ما لها من معدَمِ
يا قُدسَ أيامي، ويا سِرَّ السنا
هل في حضوركِ ينجلي ما أكتُمُ؟
كم قلتُ: "كُوني قُربَ قلبي سُكْنَهُ"
فأتتْ نسيمًا ناعمًا يتبسَّمُ
أهواكِ لا شطآنَ تمنعُ موجتي
ولا المدى يُطفِي هوايَ المُلهمُ
لو تسكنينَ الريحَ، كنتُ سحابَها
أهديكِ من دمعِ السحابِ مُترجَمُ
يا قُدرةَ الخَلقِ الجميلةُ، إنني
أهواكِ حبًّا لا يُقاسُ ويُفهمُ
يا من تُقيمينَ الفصولَ بأصبعٍ
وتُساقطينَ الوردَ حينَ تُسلِّمُ
كلُّ المواويلِ التي عزفتْ بها
أنفاسُنا، في حبّكِ تتنغَّمُ
وجهُكِ — ضوءٌ من كتابِ البدءِ
قد خَطَّتْهُ أناملُ حكمةٍ تتقدَّمُ
علَّمتِ عيني أن ترى في كلِّ
ما يمضي سرابًا، أنَّ فيكِ يُترجمُ
أنا ما عشقتكِ كائنًا من لحمِنا
بل عاشقٌ فيكِ العشق المُلهِمُ
فيكِ اتّحدتُ، كأنَّني نهرٌ سرى
في البحرِ فانمحَتِ الضفافُ وتُرجِمُ
كلُّ الوجودِ إذا نظرتُكِ يُزهرُ
الـأشياءُ حولي، والمدى يتبسَّمُ
حتى الصدى يصغي لصوتكِ خاشعًا
ويعودُ من شوقٍ إليكِ ويُنغِمُ
يا أيَّها الوجهُ الذي إنْ أقبلتْ
شمسُ الظهيرةِ، خاشعًا يستسلِمُ
أرِنيكَ أكثرَ، إنَّ قلبيَ خافقٌ
مثلَ اليمامِ، يطيرُ ثمَّ يُسلِمُ
علَّمتِني أنَّ الحضورَ حقيقةٌ
ليست تُرى ، بل تُستَقى وتُعلَمُ
كم نمتُ في كفِّ المساءِ من الظمأ
حتى أتيتِ، فأنبتَتْني الأنجمُ
أواهُ لو تدرينَ كم أحتاجُ أنْ
أبقى طفولَتَنا هناكَ وأحلمُ
يا سلسبيلَ النورِ، يا فجرَ المنى
فيكِ انتهى وجعي، وبيكِ يُقدَّمُ
ما كنتِ حلمًا، إنما وجهُ الندى
حينَ التقى بالعشقِ فاستَتِمُّ
وفيكِ رأيتُ الروح لا جسدًا
ولكنْه بدرآ يُطلُّ على الوجودِ مكرم
فالعشقُ بابُ الخلدِ، مدخلهُ الهوى
ومن ارتوى منهُ السماءُ تُسلَّمُ
صائغ القوافي الشاعر
فهد بن عبدالله فهد الصويغ
وزن القصيدة بحر الكامل


