" أَنَا لِحَبِيبِي، وَإِلَيَّ اشْتِيَاقُهُ تَعَالَ يَا حَبِيبِي لِنَخْرُجْ إِلَى الْحَقْلِ، وَلْنَبِتْ فِي الْقُرَى لِنُبَكِّرَنَّ إِلَى الْكُرُومِ، لِنَنْظُرَ: هَلْ أَزْهَرَ الْكَرْمُ؟ هَلْ تَفَتَّحَ الْقُعَالُ؟ هَلْ نَوَّرَ الرُّمَّانُ؟ هُنَالِكَ أُعْطِيكَ حُبِّي اَللُّفَّاحُ يَفُوحُ رَائِحَةً، وَعِنْدَ أَبْوَابِنَا كُلُّ النَّفَائِسِ مِنْ جَدِيدَةٍ وَقَدِيمَةٍ، ذَخَرْتُهَا لَكَ يَا حَبِيبِي" (نش7: 10-13).

 

قرأت على الانترنت تلك القصة التي لا أعرف لها مرجعية، تقول أن أحد الملوك العظماء كان في رحلة صيد، و اصطحب معه صقره الخاص، كان الجو شديد الحرارة مما جعل الملك يبحث عن الماء، ليجد في النهاية صخرة ينساب منها الماء، و عندما ملأ كوبه انقض الصقر على الكوب ليوقعه، فإذا بالملك يسب الصقر و يبدأ من جديد، و يكرر الصقر فعلته، و تتكرر هذه العملية حتى استشاط الملك من هذا الصقر و مد يده بسيفه نحو الصقر و قتله، و يصعد بنفسه ليشرب من الماء أعلى الصخرة، ليجد ثعبانًا ضخمًا ينفث سمه في الماء الذي كاد يشربه ... لقد مات الصقر لكي ينقذ الملك الذي أحبه. أنه الثمن الذي دفعه ليبقي ملكه حيًا.

و على الرغم من تسمية ثورة مصر بالثورة البيضاء، لأنهم أعضاءها أرادوا أن تكون ثورة سلمية، لم يستخدموا أسلحة يدوية و لا آلية ، ولم يهيجوا الفتن الطائفية، ولا استخدموا الشعارات الدينية، كانت كلها تخص ذلك الكيان الذي نعيش فيه، مصر. إلا أنهم لم يتمكنوا من أن تمر الثورة بدون ثمن يُدفع.

فعلى الرغم من كونها بيضاء، إلا أن من مات فيها أكثر من 300 شخص!! هذا غيرالآلاف من المصابين، أو الذين ماتوا و لم يسجل أهاليهم أن الثورة هي سبب الوفاة، و قد خرج الإعلام المصري بعد نجاح الثورة و تكلم عن "الورد الذي فتح في جناين مصر"، و يقصد هؤلاء الذين ماتوا لكي تتغير مصر ذلك الكيان الاعتباري الذي نعيش فيه.

في الواقع لا يمكن أن يكون هناك تغيير بدون دفع الثمن، فأنت تغير الفاسد، و لكن هل سيدعك الفاسد تغيره بدون اعتراض؟! إنك تهدد وجوده و كيانه و لابد أن يدافع لأقصى درجة عن ذلك الكيان، و لذلك لابد أن يلحق بك الخسائر و لديك استعداد لتحملها.

لذلك و أنت تصنع الثورة ضد الكيان الذي تعيش فيه – نفسك - لابد أن تجهز نفسك بأنك سوف تميت أمورًا في حياتك، وربما تكون محبوبة لديك، بل أنت تفعل ذلك عن قصد حتى تنجح ثورتك ضد كيانك الفاسد.

هؤلاء الشباب خرجوا سعيًا وراء التغيير، و لكن لكي يحدث التغيير فقدوا حياتهم، هذا ثمن نفيس دفعوه، و يذكرني بعذراء النشيد التي قررت أن تحتفظ بكل النفائس للحبيب لكي تقدم لها محبته" أَنَا لِحَبِيبِي، وَإِلَيَّ اشْتِيَاقُهُ تَعَالَ يَا حَبِيبِي لِنَخْرُجْ إِلَى الْحَقْلِ، و َلْنَبِتْ فِي الْقُرَى لِنُبَكِّرَنَّ إِلَى الْكُرُومِ، لِنَنْظُرَ: هَلْ أَزْهَرَ الْكَرْمُ؟ هَلْ تَفَتَّحَ الْقُعَالُ؟ هَلْ نَوَّرَ الرُّمَّانُ؟ هُنَالِكَ أُعْطِيكَ حُبِّي اَللُّفَّاحُ يَفُوحُ رَائِحَةً، وَ عِنْدَ أَبْوَابِنَا كُلُّ النَّفَائِسِ مِنْ جَدِيدَةٍ و َقَدِيمَةٍ، ذَخَرْتُهَا لَكَ يَا حَبِيبِي" (نشيد الأناشيد7: 10-13).

لنرجع إلى ثورتنا ضد ذلك الكيان الذي نعيش فيه، نفوسنا، نحن نريد أن نقتل الفاسد بداخلنا، لكي نصحح اتجاهاتنا، فماذا نفعل؟ لا بد لنا من الاستعداد للتضحية أي تقديم النفس بالكامل وهذا ببساطة يستدعي التخلص من صداقات، أو عادات، أو أماكن كنا نذهب إليها. ربما تقول لي أن هذه الأشياء سيئة لماذا تقارنها بهؤلاء [الشهداء] الذين فقدوا حياتهم في ميدان التحرير و غيره، أقول لك أنه ليس كل ما سوف تستغني عنه هو الشهيد، ولكن الشهيد هو الثمن الذي تم دفعه حتى نتمكن من إتمام التطهير.

فصديقك الذي تحبه منذ عهد الطفولة هو أيضاً يحبك و يريد لك الخير الذي تظنه، لقد اعتدتَ أنت و هو على ممارسة أشياء ممتعة، و سيكون من الصعب عليك أن تمتنع عن عمل تلك الأشياء و أنت في صحبته، سيكون عليك أن تضحي به من جراء ثورتك ضد نفسك. ربما تحاول في البداية أن تكون ناصحًا له لكي يسير معك في طريقك، و لكن تكتشف مع الوقت أنه لا يريد أن يترك طريقه، فأصبح طريقك  وطريقه لا يتفقان ولابد من الافتراق.

عادات تتمتع بها، مثل إدمان الانترنت مثلا الذي تستعمله كل يوم لأوقات طويلة، و تتصفح مواقع تعودت أن تدخلها بتلقائية، وتساهم هذه الصفحات في إفساد نفسك، ربما عليك أن تتخذ قرارًا بقطع الانترنت فترة طويلة حتى تنسى تلك الصفحات التي تدخلها بهذه التلقائية، و قبل أن ترجع ثانية ربما تضطر إلى إعادة تشغيل حاسبك الآلي لتحذف المواقع التي تدمرك و لا تبنيك أي تنقية حاسبك الآلي أو ربما تمسح أشياء كثيرة به، و تحدد لنفسك صفحات تكتسب بها عادات جديدة، و أنت بذلك تميت تلك العادات داخلك، هذا نتاج تلك الثورة التي تحدثها بنفسك.

لن أذكر لك أمثلة أخرى، و لكن لا أريد أن تفهم من كلامي أن تلك الثورة التي تقودها بنفسك يمكن أن تنجح بقوتك الشخصية، هذا مستحيل أن ينجح، و لذلك شرح الرسول بولس الأمر قائلاً :"لأَنِّي لَسْتُ أَعْرِفُ مَا أَنَا أَفْعَلُهُ، إِذْ لَسْتُ أَفْعَلُ مَا أُرِيدُهُ، بَلْ مَا أُبْغِضُهُ فَإِيَّاهُ أَفْعَلُ فَإِنْ كُنْتُ أَفْعَلُ مَا لَسْتُ أُرِيدُهُ، فَإِنِّي أُصَادِقُ النَّامُوسَ أَنَّهُ حَسَنٌ  فَالآنَ لَسْتُ بَعْدُ أَفْعَلُ ذلِكَ أَنَا، بَلِ الْخَطِيَّةُ السَّاكِنَةُ فِيَّ  فَإِنِّي أَعْلَمُ أَنَّهُ لَيْسَ سَاكِنٌ فِيَّ، أَيْ فِي جَسَدِي، شَيْءٌ صَالِحٌ. لأَنَّ الإِرَادَةَ حَاضِرَةٌ عِنْدِي، وَأَمَّا أَنْ أَفْعَلَ الْحُسْنَى فَلَسْتُ أَجِدُ لأَنِّي لَسْتُ أَفْعَلُ الصَّالِحَ الَّذِي أُرِيدُهُ، بَلِ الشَّرَّ الَّذِي لَسْتُ أُرِيدُهُ فَإِيَّاهُ أَفْعَلُ  فَإِنْ كُنْتُ مَا لَسْتُ أُرِيدُهُ إِيَّاهُ أَفْعَلُ، فَلَسْتُ بَعْدُ أَفْعَلُهُ أَنَا، بَلِ الْخَطِيَّةُ السَّاكِنَةُ فِيَّ"(رومية7: 15-19)، لذلك نحن شبهنا هذا الأمر بالثورة، لأن الفساد قابع داخلنا، و يحتاج الأمر أن نميت شيئًا أكبر من مجرد صداقات أو عادات، فالأمر يحتاج أن نميت أنفسنا.

       و هذا أيضًا يشرحه الرسول بولس فيقول لنا "مَعَ الْمَسِيحِ صُلِبْتُ، فَأَحْيَا لاَ أَنَا، بَلِ الْمَسِيحُ يَحْيَا فِيَّ. فَمَا أَحْيَاهُ الآنَ فِي الْجَسَدِ، فَإِنَّمَا أَحْيَاهُ فِي الإِيمَانِ، إِيمَانِ ابْنِ اللهِ، الَّذِي أَحَبَّنِي و َأَسْلَمَ نَفْسَهُ لأَجْلِي." (غلاطية2: 20).

       إذا الورد الذي ينبغي أن يفتح في الجنائن لتنجح ثورة نفسك، هي نفسك ذاتها، اركع و صلِّ، اطلب من الله أن يستلم حياتك، فتستطيع أن تقول مع المسيح صلبت، و هذا هو ما تقدمه لكي تنجح ثورتك.

ربي و إلهي

أعلم أنك تشير إلى كلِّ فاسد داخل حياتي

 أعترف لك أني حاولت بقوتي الشخصية أن أغير من ذلك الفاسد

و لكن كان ذلك الفاسد أقوى مني

كنت أفعل ما لا أريده

حاولت كثيراً و لم يبقّ أمامي إلا أن أطمع في قوتك أنت

ها أنا أضع ذاتي بين يديك

أسلمك حياتي

راضيًا أن تصلب تلك الحياة لكي تحيا أنت فيَّ

حينئذ تنجح تلك الثورة في داخلي

و أقول مع بولس: فأحيا لا أنا بل المسيح فيَّ

و أغني مع عروس النشيد: كل النفائس من جديدة و قديمة ذخرتها لك يارب 

تابعني 

المصدر: تأليف: عماد حنا
  • Currently 65/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
21 تصويتات / 447 مشاهدة
نشرت فى 18 إبريل 2011 بواسطة emadhanna

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

10,998