ثقافة الحوار بين الموضوعية والذاتية
من المعروف أن الحوار والمحاورة بين الناس هي إحدى الوسائل المهمة للتفاهم واستقصاء الحقائق والإقناع بالأفكار والأطروحات المتعددة الإتجاهات ،
وهي وسيلة قديمة بدأت قبل سكن البشر على كوكب الأرض ومن أبرز الحوارات ذلك الحوار المقدس الذي حاور فيه الخالق سبحانه وتعالى ملائكته المسبحة بقدسه في شأن آدم عليه السلام حين علمه الأسماء كلها وعرضهم على الملائكة وكان حواراً موضوعياً قائماً على الحقائق والمعطيات التي أدت إلى تسليم الملائكة بالأمر بقناعة تامة..
ثم حوار آدم وحواء عليهما السلام مع ابليس على الخلود في الجنة ،
وحوارات الأنبياء والرسل مع أقوامهم ،
واستمرت الحوارات بمختلف أشكالها عبر العصور ،
وقد ثبت للعارفين أن الحوار المعتمد على الموضوعية في الطرح وهو التركيز على ذات الموضوع وتفاصيله وعدم التشعب والتطرق إلى مواضيع جانبية أو تفاصيل استطرادية تشتت المحاور وتثير البلبة وتسوق نحو الخلاف وافشال الحوار يعتبر حواراً ناجحاً يؤتي ثماره يانعة طيبة ،
وتبين أيضاً أن من مسببات البعد عن الموضوعية في المحاورات هو التشبع بالذاتية الشخصية وتضخيم الأنا واتباع حظوظ النفس والرؤية من خلال طيف واحد فقط والااعتقاد بأحادية الفكر والرأي وعدم القدرة على تقبل وجهات النظر المخالفة أو ذات الطرح المعاكس وهذه لها مسببات..
ومنها التصورات والأحكام المسبقة من خلال ايدولوجيا فكرية أو تربية اجتماعية أو عنف أسري تمنع الانفتاح على الآراء والأفكار والقدرة على التمييز بين الصحيح والخطأ،
فمثلاً بعض المتدينين يستميتون في محاربة فكرة معينة أو أطروحة لاعتقادهم أنها مخالفة لعقيدتهم أو تعاليم الدين..
وترجع هذه الاستماتة في نقد الفكرة ومحاربتها لمجرد أنها خالفت توجهاً معيناً لديهم واختلفت مع ما اعتادوا عليه ،
رغم أن الأمر لا يتعلق بأركان أو فرائض وأساسيات معلومة من الدين بالضرورة بل هي مما يستساغ فيه الخلاف،
وبالمقابل تجد فريقاً آخر يرى أن كل من يطرح رأياً أو فكرة ويربطها بالدين والقرآن والسنة أنه ينطلق من تراث قديم واطروحات انتهى زمانها ولا تشكل لديه هاجس العصرنة والتمدن والحرية والفكر الانفتاحي المتأثر بالمجتمعات الغربية والشرقية ذات الطابع المعاصر ،
وتمتد الفكرة في أشكال مختلفة من الحوارات السياسية والرياضية والفكرية وحتى على مستوى العمل و السوق والشارع والجامعة والمدرسة والأسرة ،
والمتابع لبرامج التواصل الاجتماعي اليوم يعلم أنها منحت مستخدميها فرصاً ذهبية لممارسة الحوار وتبادل الآراء والأفكار والمتتبع للحوارات على هذه البرامج يجد الكثير من التجاوزات اللفظية والكثير من الشد والجذب والتشنج في الطرح وكل ذلك يعود لاعتماد الذاتية في الحوار والبعد عن الموضوعية..
وقد يتداخل عدد من الأطراف يساند بعضهم البعض ضد أطراف أخرى على اعتبارات مختلفة قد تكون سياسية أو عرقية أو دينية أو رياضية أو غير ذلك .
ومن خلال كل هذه الملاحظات فإنه يتوجب على الأمم الناشئة والتي نسعى لأن تكون في مصاف الأمم العظيمة والمتقدمة أن يتعلم أصحابها كيف يحاورون ويناقشون وينتقدون ويتقبلون الآراء المضادة حتى يكون لديهم قابلية التحاور مع الأمم والعوالم الخارجية ..
وايصال نمطهم الخاص وفكرهم الرصين ونشر تعاليم ومفاهيم الاسلام من خلال التعامل المبني على حسن الخلق وسلامة الصدر وسعة الأفق ونورانية الفكر.