<!--<!--<!--

 

ولايات التمازج تواصل بشرى، تجارى، ثقافي وبوتقة تفاعل عربي إفريقي

 

بقلم: إبراهيم الشاهر محمد الشاهر

تقع معظم ولايات االتمازج مع دولة جنوب السودان بين خطى عرض (10-13) شمال، في نطاق السافنا وتتراوح كمية أمطارها بين 250-500-7500-1000 ملم في العام، لذلك ظلت أحد أكثر مناطق السودان غنيً بمواردها الطبيعية خاصة الأراضي، المياه، المراعى وأخيراً البترول. كذلك تتميز هذه الولايات بالتمازج العرقي والثقافي بين الدم العربي والافريقي والتعايش والتواصل بين المسلمين والمسيحيين. وتاريخياً  ظلت المؤسسات الأهلية بما فيها مؤسسات السلاطين وزعماء القبائل ورجال الدين تلعب دوراً أساسياً في التعايش والتسامح وفض النزاعات مما عزز تماسك وترابط النسيج الإجتماعي وآليات التعايش السلمي علي المستوي المحلي. يحدث هذا بالرغم من العوائق الطبيعية المتمثلة في الغابات والسدود، فكانت المشاركة بين القبائل في الأرض والمرعى والماء ومثال لذلك الدينكا والمسيرية في منطقة أبيي والشلك وقبائل سليم في ولايتي النيل الأبيض وأعالي النيل نزّى والدينكا في الرنك والذى جعل النسيج الإجتماعى متماسكاً لدرجة المصاهرة والتمازج الحقيقى بين قبائل هذه الولايات خاصة فى أجزائها الجنوبية.

 

تأثرت هذه الولايات بدرجات متفاوتة بالصراعات على الموارد والحرب الأهلية الأمر الذي قاد لتدهور الحياه المعيشية لسكانها في ظل تراجع غطاء الموارد الطبيعية جراء الضغط عليها وزيادة إستهلاكها وسوء إستخدامها مع توقف برامج التنمية والحماية وترشيد الإستخدام. لذلك ظلّ الفقر البشري وعدم الإستقرار السكاني وضعف البنية التحتية المساندة للإنتاج والاستهلاك وضعف رأس المال البشري أحد الخصائص الإقتصادية والإجتماعية الهامة لهذه المناطق وكذلك الإهمال المتعمد من الحكومات المتعاقبة على حكم السودان وكذلك بعدها عن مركز القرار.

 

لم يمض وقت طويل بعد توقيع إتفاقية السلام الشامل فى 2005م وبداية جهود الإعمار حتى جاءت الأزمة المالية والإقتصادية، وحدث قبلها وتزامن معها التراجع الكبير الذي حدث في أسعار البترول لتلقي بظلالها السالبة على جهود إعادة الإعمار والتنمية الإقتصادية والإجتماعية في تلك المناطق. لهذا كان لا بد من إعمال التفكير في الإستراتيجيات البديلة حيث أنّ هذه الأزمة أشارت بوضوح للمغامرة والعواقب الوخيمة التي يمكن أن تقع فيها البلاد جراء الإعتماد على مصدر واحد للإيرادات (النفط) قابل للنضوب ومتقلب الأسعار في السوق العالمي، فبرز على رأس الأجندة القطاع الزراعي المرتبط بالصناعات التحويلية بإعتباره القطاع متنوع الخيارات الإنتاجية و صاحب الميزات النسبية العالية والقادر على التأثير الموجب على مسيرة الإقتصاد السوداني.

الخصائص والسمات الأساسية لولايات التمازج:

1. السكان:

 أشارت تقديرات الجهاز المركزى للإحصاء لعام 2009 وحسب نتائج تعداد السكان للعام 2008م الى أنّ سكان السودان يبلغ عددهم 31.8 مليون نسمة، منهم  9.6 مليون أي ما يعادل الثلث في ولايات الحدود الخمس. بيد أن هذه النسبة تتفاوت بين الولايات. فنسبة سكان الولايات الخمس تعادل نحو 30% من سكان السودان. ولاية جنوب دارفور تشكل نسبة 13.25% من سكان السودان تليها النيل الأبيض 5.6% من سكان السودان ثم جنوب كردفان بنسبة 4.55% ثم سنار بنسبة 4.16% وأخيراً النيل الأزرق بنسة 2.69% من سكان السودان.

2. النمط المعيشى للسكان:

حسب تقديرات الجهاز المركزى للإحصاء لقد تم توزيع هذه الولايات إلى ثلاثة أنماط معيشية حضر، وريف ورحل. وكانت السمة الغالبة هى سكان الريف حيث بلغت النسبة 66.38% ثم الحضر بنسبة  24.74 % وأخيراً الرحل الذين بلغت نسبتهم 8.9% وهذا التحليل يوضح تحول الرحل إلى سكان مستقرين فى الريف ولذلك شكلوا النسبة الغالبة وهذا يقودإلى أنّ هناك تحول حقيقى فى الأنماط المعيشية لهؤلاء السكان من حياة البداوة إلى الحضر نتيجة للمؤثرات التى طرأت من حراك الذى تشكل فى إستخراج البترول والحروب التى أندلعت فى هذه المناطق التى أدّت إلى الهجرة نحو المدن أو معسكرات النزوح

3. حجم القطيع الحيوانى

حجم القطيع الحيوانى فى الولايات الخمس يمثل رغماً كبيراً ما يقارب نصف الثروة الحيوانية فى السودان حيث بلغت التقديرات من (الأبقار، الضأن، الماعز والإبل) 44785550 رأس مايعدل 43.55% من تقديرات الثروة الحيوانية فى السودان. وهذا يجعل هذه الولايات ذات ميزة  نسبية فى تربية الحيوان ومردّ هذا يدل على وفرة المراعى الطبيعية

4. إنتاج المحاصيل الغذائية الرئيسية لموسم 2009/2010م

  يعتمد سكان هذه الولايات فى غذائهم على محاصيل (الذرة، الدخن والقمح) وكذلك معظم أجزاء السودان، وتشير بيانات الاحصاء الزراعى لموسم 2009/2010م أنّ إجمالى إنتاج السودان من هذه المحاصيل قدر بحوالى 3.137 مليون طن مترى، وإنتاج ولايات التمازج الخمس قدر بحوالى 1.366 مليون طن مترى أى ما يعادل نسبته 43.5% من إجمالى إنتاج السودان. أكبر ولاية إنتاجاً ولاية جنوب كردفان ثم ولاية جنوب دارفور ثم النيل الأبيض ثم سنار وأخيراً ولاية النيل الأزرق. وهذا يعطى هذه الولايات ميزة نسبية فى إنتاج المحاصيل الرئيسة نظراً للأراضى الشاسعة التى تتمتع بها هذه الولايات وكمية الأمطار الجيدة التىتهطل فى هذه المناطق. وهذا بالإضافة لمحاصيل الحبوب الزيتية مثل (الفول السودانى، السمسم، زهرة الشمس وبذرة القطن) والتى تستخدم فى زيوت الطعام للإستهلاك المحلى وكمحاصيل نقدية تساهم فى زيادة الصادرات السودانية غير البترولية وكذلك الصمغ العربى الذى يلعب دوراً أساسياً فى البيئة ومعاش الناس.

5. المراعى الطبيعية

تتأثر المراعى الطبيعية بكمية وتوزيع الأمطار مكاناً وزماناً من حيث الإنتاجية والكمية بين الولايات وحتى فى الولاية الواحدة تمتازهذه الولايات بالمراعى الجيدة خاصة فى أجزائها الجنوبية المتاخمة لجنوب السودان، وفى أجزائها الشمالية تعتبر مخرف للثروة الحيوانية العائدة من مناطق دولة جنوب السودان.

6. النفط:

تقع كل حقول النفط المنتجة للبترول فى الوقت الحالى فى هذه المناطق وبالأخص فى ولاية جنوب كردفان والتى تنتج (115) برميل فى اليوم تقريباً.

  تحليل الوضع الراهن في ولايات الحدود الجنوبية:

نقاط القوة

·        غنية بالموارد الزراعية التي إذا ما أحسن إستغلالها تجعلها من أغنى مناطق السودان.

·        بها العديد من الأنهار ومساقط المياه ومتعددة المناخات وتتراوح فيها الأمطار بين 250-450- 750 -1000 ملم مما يجعلها مؤهلة لإنتاج مختلف المحاصيل بما فيها الفواكه المدارية.

·        مركز ثقل وتمركز الثروة الحيوانية والسمكية

·        تمارس فيها مختلف الأنظمة الزراعية المروية والمطرية شبه الآلية والتقليدية.

·        غنية بالمراعي وبالثروات الغابية والأخشاب عالية القيمة ويقع فيها القسم الأعظم من حزام الصمغ العربي.

·        مناطق لتدفق العمالة والأسواق (أسواق السلام)

·        غنية بالثروات المعدنية والبترولية والثروات الأخرى

·        مناطق الإنتاج الحالي من البترول

·        يمكن أن تصبح مناطق تواصل مع دولة جنوب السودان من خلال تجارة الحدود التى تجلب منفعة كبيرة للسودان لتسويق المنتجات السودانية

·        خط الدفاع الأول فى الدبلوماسية الشعبية لقيادة الحوار مع دولة الجوار التى تربط هذه القبائل بها أواصر المصاهرة والدم.

نقاط الضعف:

·        ضعف البنيات التحتية من طرق وسدود وكبارى

·        ضعف الخدمات الأساسية من صحة وتعليم وكهرباء وخدمات الأسواق

·        تدني الإنتاجية الزراعية لوحدة المساحة والحيوان وبالتالي ضعف الناتج الحدي لكل عوامل الإنتاج.

·        غياب دراسات الموارد المائية

·        تفشي الأمراض العابرة للحدود

·        ضعف التمويل وبرامج البحوث والإرشاد

·        مع التأمين على إرتفاع نسبة الفقر وإنعدام الأمن الغذائي فإنّ غياب المعلومات الدقيقة عن الأمن الغذائي تقف حجر عثرة في طريق التكامل في الأمن الغذائي والجهود التنموية المبذولة.

·        إرتفاع وزيادة معدلات النزوح وعدم الإستقرار في دائرة الإنتاج

·        مناطق للصراعات على الموارد خاصة بين المزارعين والرعاه

·        تزايد مخاطر وتهديدات التصحرللأراضي الزراعية والرعوية

·        ضعف أجهزة المعلومات والمعلوماتية

·        ضعف القدرات البشرية

·        ضعف القدرات المؤسسية وإستخدام التكنولوجيا

·        الصراع علي الموارد وزيادة التنافس عليها

·        إنتشار الفقر البشري.

المهددات:

·        البطء في تنفيذ برامج البنيات التحتية والخدمات الإجتماعية.

·        عدم قيام المجتمع الدولي بالإلتزام والوفاء بالتزاماته في الإسهام في إعادة تعمير وتنمية هذه المناطق الثلاثة .

·        عدم وجود الدراسات التفصيلية

·        التقلب في الرؤيا السياسية والسياسات المتناقضة من المجتمع الدولي والأجندة الدولية.

·        عدم وضوح الرؤية القومية حول تنميتها

·        ضعف التنسيق في السياسات والبرامج الداعمة للتنمية المستدامة فى هذه المناطق.

·        الصراعات على الموارد

إنّ أكبر المهددات التي نجمت عن الإنفصال هى إفراز حالة من التوترات والتداعيات السلبية ومن أهمها النزاعات المحتملة بين القبائل وتحديداً القبائل الرعوية، فعادة تتجه القبائل كالمسيرية إلى الجنوب وتقضي فترة خمسة إلى سبعة أشهر إعتباراً من( ديسمبروحتى يوليو) فربما تكون الحدود غير مرنة مما يحدث إختناقات ويولد صراعات وإحتكاكات الأمر الذي يشكل تحدياً عاجلاً لابد من العمل على التحوط لحله وكذلك الصراع الذى لم يحسم حتى الآن حول الحدود وهناك حقول للبترول تقع فى الحدود تماماً الأمر الذى يؤجج الصراع حول مورد البترول والمعادن الأخرى.

·        التأثير على أسعار السلع:

بالرغم من أن الإنفصال أدّي إلى إنخفاض نسبي على الطلب على المواد الغذائية لنقص عدد أخذت إتجاهاً تصاعدياً في المدى القصير نظراً للشائعات واللايقين خاصة في ما يلي الجوانب الأمنية. لقد بدأت هذه الظواهر الآن في الإطلال برأسها بقيام بعض الأسر المقتدرة والمتشككة بشراء وتخزين بعض مواد الغذاء كالذرة والقمح والارز والسكر وغيرها وبدأت أسعار السلع في التصاعد، وهذا الوضع سوف يؤدي إلى إهتزاز الإقتصاد الريفي حيث لن يكون بمقدور الأسر الفقيرة أن تفعل ذلك.

·        الحصار الإقتصادي:

بقيام هذه الدولة في الجنوب فلن يكون السودان الشمالى في مأمن من الحصار الإقتصادي كما حدث في بداية عهد الإنقاذ، وسيكون الغذاء هو السلاح الذي سيستخدم في وجه السودان الأمر الذي يتطلب تنفيذ برنامج إسعافي للقطاع الزراعي يرتكز على تحقيق الإستقرار في الريف وشراكات إقتصادية زراعية إستثمارية تحقق المنافع للشركاء وتخترق الحصار الإقتصادي إذا حدث.

·        التأثير السالب على الاستثمار:

أفرزت الأزمتان المالية والإقتصادية وكذا إرتفاع أسعار السلع الغذائية واقعاً جديداً حيث دفعت دول العالم والقطاع الخاص الأجنبي إلى التوجه إلى البلدان ذات الموارد الزراعية الهائلة للإستثمار فيها، فبدأ الحديث عن الحصول على استثمارات آمنة خارج الحدود والإستثمار المسئولresponsible investment  والإستثمار الأجنبي المباشر  direct foreign investment. والسودان بحكم تصنيفه كأحد ثلاث دول على مستوى العالم يمكن أن تساهم بقوة في الأمن الغذائي العالمي إذا ما أُحسن إستخدام موارده كان لا بد أن يكون قبلة للمستثمرين من الدول والقطاع الخاص الأجنبي بالاضافة للقطاع الخاص المحلي. هذا الحراك الإستثمارى  سوف يتأثر سلباً بالمتغيرات المحلية الآنية. كما أن موضوع ملكية الأراضي بعد الإنفصال قد يظل أحد تحديات الاستثمار، بل ومعوقاته نظراً لعدم وضوح الأطر القانونية وتنازع السلطات بين المركز والولايات وعدم قيام مفوضيات الأرض التي جاءت في إتفاقية السلام الشامل وكان يمكن أن تساهم في حل المشكلة.

·        ضعف وتراجع العون الإنساني:

وفي ظل الظروف المحيطة بالعائدين للجنوب وعدم توفر أبسط مقومات الحياه لهم، من المتوقع أن يُوجَّه العون الإنساني الدولي إلى الجنوب لمقابلة الاحتياجات الانسانية للعائدين الأمر الذي يتطلب من الدولة سد أي فراغ يحدث في هذا المجال خاصة في المناطق التي يتم تقديم عون إنساني فيها في الشمال في الوقت الحالي خاصة مناطق جنوب كرفان والنيل الأزرق.

كلمة أخيرة:

لابد للدولة الإهتمام بهذه المناطق لوضعها  الإستراتيجى بإعتبار أنّها تمثل الواصلة بين الجنوب والشمال ومحضن القطاع التقليدى الذى يشكل أكثر من 60% من القطاع الزراعى فى السودان ومعظم صادرات السودان الزراعية تأتى من هذا القطاع (صمغ عربى، فول سودانى، سمسم، كركدى، حب بطيخ، نباتات طبية وعطرية والثروة الحيوانية) فضلاً عن ذلك يمثل القوة العاملة فى مواقع الإنتاج المختلفة

 

 

 

*هذه مقتطفات ورقة قدمتها فى مركز ركائز المعرفة للدراسات والبحوث

بعنوان: التشكيل الديموغرافى فى السودان وأثر ذلك على الموارد الطبيعية  فى مناطق التمازج

سبتمبر2011

 

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 105 مشاهدة

ساحة النقاش

إبراهيم الشاهر محمد الشاهر

elshahir
من أبناء قبيلة نزّى العربية الجنوبية التى تطرح صدرها جغرافياً على ضفة النيل الأبيض الشرقية . وتمدد خصرها المترهل على الفلوات الصاعدة إلى قلب السهول و الغابات . وترسل ثروتها الحيوانية فى مواسم الصيف والجفاف إلى قلب إقليم أعالى النيل . وتخلق علائق من الود والإلفة والمصالح المتشابكة بين عنصر »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

25,521