بقلم: أشرف التعلبي
«رحيق الجميز» هو عنوان المجموعة القصصية الجديدة للقاصّ والروائى الكبير فكرى داود، وكما يقول النقاد: إن العنوان هو العتبة الأولى للوُلوج لمغزى النص، أو البوابة الرئيسية لفهم ما يريد الكاتب الحديث عنه.. وهذه العتبة تبدأ من استخدام شجرة الجميز لما لها من تاريخ طويل كله بهاء، إذ قدسها المصريون القدماء، كما تدلنا النقوش والرسوم الموجودة على جدران المعابد المصرية القديمة، كما وُجدت ثمار الجميز الجافة فى الكثير من مقابر أجدادنا، بالإضافة إلى وجود أوراق الجميز فى توابيت الموتى، حتى إن الملك أوزوريس دُفن فى تابوت مصنوع من أخشاب أشجار الجميز، ودائما ما كان يُنظر للجميز نظرة إعجاب واحترام.
صدرت هذه المجموعة حديثا عن نادى القصة - سلسلة الكتاب الفضي، بالتعاون مع مركز ليفانت للدراسات الثقافية والنشر، وتتكون من عشرين قصة قصيرة تتناول كلها الأجواء الريفية، فى إطار أحد مشاريع الكاتب الأساسية لإبداعه وهو مشروع الكتابة عن القرية المصرية، باعتباره ممن قضوا عمرهم فى قريته السوالم بمحافظة دمياط.
فمن مشهد قديم إلى حديث بدأت المجموعة بقصة "صيد اليمام"، وفيها قبض الكاتب على كلماته بعناية فائقة، كأننا نرى اليمام أمامنا وهو يحلق حول القفص من أجل حبة شعير أو قمح، وتخيلت أن القدرة على صيد اليمام بهذه الحكمة تجعلنا قادرين بشكل كبير على صيد العمر قبل رحيله، لكن فجأة ودون أى مقدمات يصدمنا الكاتب برحيل السنوات، ونجد أمه التى كانت رشيقة مثل يمامة تتحول إلى بدن يتمدد فوق فراش أبيض.. وهى قصة بديعة ورشيقة، أحسن الكاتب عندما اختارها فى الافتتاحية لمجموعته.